عندما عرض الله آدم للملائكة
من الواضح في الإخبار القرآني عن آدم أن ميزته منظومته العقلية وقدرتها على إدارة الطارئ والحدث، والذات من حاجات وغرائز، فعندما عرض آدم على الملائكة لم يعرض عضلاته ولا جمال هيئته، بل منظومته العقلية هذه، والعمليات التي تجري في المنظومة العقلية ومعالجة المعلومات هي العزيمة، فعندما لم يستخدم آدم قدراته في التفكير ومعالجة المعلومة اعتبر لا عزم له، بل إنه نسي، أي لم يستحضر المعلومة والتحذير له من هذا الذي أغواه عندما استثار غريزة حب البقاء والتملك والنوع، وسيطرت عليه عندما لم يفكر ويتدبر المعلومة: "فوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يبلى" (طه: 120).
فكان الفشل في إدارة المعلومة الجاهزة والسيطرة على الغرائز، وهكذا نحن على الأرض لاختبار منظومتنا العقلية. المعلومة لا تأتيك دفعة واحدة وإنما تتعلم وتفكر فتكتشف وتبدع وتنتج. وهذه درجات في نجاح المنظومة، ولكي تتعلم فلا بد أن "تقرأ" من أجل هذا كانت الكلمة الأولى في الرسالة القرآنية، وما بعدها دعوة للتفكر بالتدرج والتطور. فقابلية الإنسان رهيبة تظهر حتما عندما تقيس حجمه إلى حجم ما يبني من سدود وناطحات سحاب، واستقرائه المحيط والخليقة أدوات سلمه وحربه، فمن نجح في استخدام منظومته العقلية، وطورها وفكر في مهام البشرية في الحفاظ على السلالة البشرية وعبادة الله بحركته الحياتية وعمارة الأرض، بإقامه العدل وتميز الآدمية. هذا النوع يعود إلى الجنة، وأما من لا يستخدم منظومته العقلية ويهلك الحرث والنسل، أو يعيش على الهامش لا تهمه إلا حاجاته فيسدها أو غرائزه فيشبعها، ولا تزداد معرفته، وإن زادت فإدارتها مهملة، فسيكون إذن فيمن حصب جهنم وحطبها يوم القيامة.
من هذا نستخلص أن التفكير وضبط ضعفها وإدارة الحياة؛ واجبة، فلا تؤخذ الأمور بالتهرب من مسئولية الآدمية بطلب مبرر لها من رجل دين (مع تحفظي على كلمة رجل دين)، فالإسلام العبادة فيه في إقامة واجبات الآدمية، ونحن لا نرى اليوم ما يشير إلا إلى فقدان العزيمة عند الأغلبية الحاكم والمحكوم لتحل التفاهة والخروج عن منطق الخلافة الآدمية.
معاملة المعلومة للوصول إلى القرار السليم تدل على قلب أي تفكير سليم، وإلا ما أكثر التافهين وهم يبدون كنشطاء في مجتمع ولهم حضور جسدي في كل حفل ومكان.
التفاهة في مجتمعاتنا باتت غالبة مضرة بالقيم والعادات والتقاليد والتكافل وكل القيم المعبرة عن إدامة السلالة وعمارة الأرض، لقد بات الإضرار بالآخرين تمكينا بينما هو ظلم للنفس والآخر وظلم النفس بتعريضها للعقاب.
الظلم في واقعنا أصبح رديفا للتمكين والأذى بالفعل والكلمة، دارج دون انتباه لكرامة الإنسان ولشخصه، بل هو نوع من استضعاف بين المستضعفين، واستخفاف بالقيمة والكرامة الإنسانية نتيجة الجهالة والجهل المركب الذي يظهر بشكل التفاهة المنفرة للنفوس الراقية.
مجتمع بلا هوية غاص في التفاهة
في أمة اقرأ التي تركت القراءة وتثاقلت، وتمرضت وتألمت، أصبحت تكتب وتجادل في وسائل التواصل وتفرض تفاهتها على الساحة وتسفه العقلاء، لذا سنجد أسبابا داعمة لمشكلة التفاهة التي تسود في الحياة والكلام والعلاقات ومنها:
* المنظومة المعرفية: وهي مجموعة المأثورات والمنقولات والتقديس للأشخاص وبعض التعاليم المتوارثة، تقيسها انطباعات. الكلام نفسه عن الدين وفهمه، أي دين وليس الإسلام فقط، هو كلام انطباعات ومنقول بلا تفكير أو تمحيص وإنما جعل معيارا وهو بلا سند إلا السرديات التي كتبها المؤرخون.
* الرغبات والأمنيات التي لا تتحول إلى أهداف ولن تتحول إلى غايات، ولأسباب عديدة تمجد وتذم وتفاضل بين السيئين دون الانتباه إلى ضرورة استكشاف الناس الكفء بل الكفء في ظرف ما، وهو في الغالب ليس مرغوبا ومحاربا من قوى الشر والفساد؛ وغالبا ما يضعف أمامهم لضعف إمكانياته.
* بحث الناس عن الرغد والسكينة المجاني والمتعة بلا مقوماتها، رغم أنهم واقعا هاربون من القهر والظلم عند المتمكن والعجز عن صد الظلم فيهرعون إلى الأوهام التي يسمونها حلما أو نجاة لبعض الناس على حساب قومهم وآخرين، أو بيع النفس لشياطين الإنس من أجل وهم لا يتحقق أو حياة رغد ينظر لها من بعيد كسراب يحسبه الظمئان ماء.
لا يمكن أن نتوقف عن التفكير فهذا من بنية الخلق والتفكير يحتاج القراءة والمعرفة كمادة للإبداع والتصويب وليس لمعرفة لا تنقل من حالة الغفلة، تلك جدلية القراءة والتفاهة فشتان بين يفكر في معطياته وتطويرها ليصل وبين من يجتر الأوهام بحثا عن حياة الهدوء وسط الضجيج.
الإنسان قيمة فلا تبع نفسك برخص بل وتخلص بخيانتك لخلقك وتبدع في التضليل، هنا ستكون كما إبليس وتصبح شيطانا. التفاهة لا علاقة بذي علم أو معرفة بل بمدى ضعف المنظومة العقلية وحيودها عن رسالة الآدمية في الحياة ولا تليق التفاهة بعظمة الإنسان، فما ملك مهما ملك من ملك والتفاهة من ضمن أوصافه، فهو فقير مسكين ظالم لنفسه، والقناعة هي منعطف حياتي محظوظ من يجتاز التواءها بسلام، ومحظوظ من ساعد الآخرين على اجتيازها بلا إضرار لهم أو بكرامتهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التفكير التفاهة المعرفة التفكير ادم التفاهة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ملتقى القراءة الدولي بالرياض يختتم فعاليات يومه الثاني بنفاد التذاكر وحضور كبير
اختتم ملتقى القراءة الدولي بالرياض فعاليات يومه الثاني الذي شهد سلسلة فعاليات ثقافية متنوعة، جمعت بين الجلسات الحوارية والورش التفاعلية، مستقطبًا نخبة من الأدباء والمثقفين والمختصين في مجال القراءة والنشر، وسط حضور كبير ونفاد التذاكر.
واستهل الملتقى فعالياته بجلسة حوارية بعنوان “التواصل الأدبي العالمي: بناء الجسور بين الناشرين والثقافات”، ناقش المشاركون فيها أهمية الترجمة كوسيلة لتعزيز التفاهم بين الشعوب، وأشاروا إلى حقوق النشر الدولية كركيزة أساسية لتبادل الثقافات، كما سلطت الجلسة الضوء على دور الترجمة في نقل الأدب عبر الحدود، وكيف تسهم في إثراء التنوع الثقافي وتعزيز الحوار العالمي.
وتطرقت جلسة حوارية بعنوان “كيف ننشئ جيلاً يقرأ” إلى ضرورة تكامل الجهود بين الأسرة والمدرسة والمجتمع لإرساء ثقافة القراءة بين الأجيال الناشئة، وناقشت استراتيجيات فعالة لتعزيز حب القراءة داخل المنزل وتشجيعها في المدارس من خلال برامج مبتكرة، مع استعراض كيفية توظيف التكنولوجيا الحديثة لجعل القراءة جزءًا أساسيًا من حياة الأطفال والشباب.
ومن زاوية أخرى، تناولت جلسة “القيادة في عالم الأدب” تأثير القراءة على التفكير النقدي والإبداعي، مشيرة إلى أنواع الكتب المختلفة وتأثيرها على تشكيل آراء القراء، كما استعرضت الجلسة أهمية قراءة الأدب والروايات، وأبرزت استراتيجيات القراءة المؤثرة في توجيه العقل وتحفيزه لاستكشاف أفكار جديدة.
وجذبت جلسة بعنوان “الأبطال الخارقون: من الخيال إلى الواقع” اهتمام الحضور، وسلطت الضوء على عالم الأبطال الخارقين، بدءًا من القصص الخيالية حتى التأثير الواقعي الملموس الذي تحققه هذه الشخصيات في الثقافة والمجتمع. كما تناولت الجلسة الأفكار الملهمة التي تقف وراء هذه الشخصيات وكيفية تحولها إلى نماذج يحتذى بها في الإبداع وتحفيز الأجيال.
وقدمت ورشة عمل بعنوان “اهتماماتنا القرائية” تجربة تفاعلية لفهم ميول القراء واكتشاف الأنواع الأدبية الجاذبة، وتضمنت نصائح لاختيار الكتب الجيدة وكيفية تحليل النصوص المقروءة، بما يساعد القراء على تحديد أنماط القراءة المفضلة لديهم، وتعزيز تجربتهم القرائية.
ويمثل ملتقى القراءة الدولي بالرياض مساحة ثقافية مبتكرة، تدمج بين التنوع والإبداع، ويقدم تجربة فريدة تجمع الأجيال المختلفة للتفاعل مع شتى جوانب القراءة، معززًا من حضورها كجزء أصيل من الحياة اليومية، ومحفزًا على تبنيها كأسلوب حياة يثري العقول ويبني المجتمعات.