عربي21:
2025-02-16@22:11:07 GMT

جدلية القراءة والتفاهة

تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT

عندما عرض الله آدم للملائكة

من الواضح في الإخبار القرآني عن آدم أن ميزته منظومته العقلية وقدرتها على إدارة الطارئ والحدث، والذات من حاجات وغرائز، فعندما عرض آدم على الملائكة لم يعرض عضلاته ولا جمال هيئته، بل منظومته العقلية هذه، والعمليات التي تجري في المنظومة العقلية ومعالجة المعلومات هي العزيمة، فعندما لم يستخدم آدم قدراته في التفكير ومعالجة المعلومة اعتبر لا عزم له، بل إنه نسي، أي لم يستحضر المعلومة والتحذير له من هذا الذي أغواه عندما استثار غريزة حب البقاء والتملك والنوع، وسيطرت عليه عندما لم يفكر ويتدبر المعلومة: "فوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يبلى" (طه: 120).

. نلاحظ الخلود معبرا عن حب البقاء، وملك لا يبلى عن غريزة التملك، ثم النوع بعد المخالفة ليكون الزلل.

فكان الفشل في إدارة المعلومة الجاهزة والسيطرة على الغرائز، وهكذا نحن على الأرض لاختبار منظومتنا العقلية. المعلومة لا تأتيك دفعة واحدة وإنما تتعلم وتفكر فتكتشف وتبدع وتنتج. وهذه درجات في نجاح المنظومة، ولكي تتعلم فلا بد أن "تقرأ" من أجل هذا كانت الكلمة الأولى في الرسالة القرآنية، وما بعدها دعوة للتفكر بالتدرج والتطور. فقابلية الإنسان رهيبة تظهر حتما عندما تقيس حجمه إلى حجم ما يبني من سدود وناطحات سحاب، واستقرائه المحيط والخليقة أدوات سلمه وحربه، فمن نجح في استخدام منظومته العقلية، وطورها وفكر في مهام البشرية في الحفاظ على السلالة البشرية وعبادة الله بحركته الحياتية وعمارة الأرض، بإقامه العدل وتميز الآدمية. هذا النوع يعود إلى الجنة، وأما من لا يستخدم منظومته العقلية ويهلك الحرث والنسل، أو يعيش على الهامش لا تهمه إلا حاجاته فيسدها أو غرائزه فيشبعها، ولا تزداد معرفته، وإن زادت فإدارتها مهملة، فسيكون إذن فيمن حصب جهنم وحطبها يوم القيامة.

من هذا نستخلص أن التفكير وضبط ضعفها وإدارة الحياة؛ واجبة، فلا تؤخذ الأمور بالتهرب من مسئولية الآدمية بطلب مبرر لها من رجل دين (مع تحفظي على كلمة رجل دين)، فالإسلام العبادة فيه في إقامة واجبات الآدمية، ونحن لا نرى اليوم ما يشير إلا إلى فقدان العزيمة عند الأغلبية الحاكم والمحكوم لتحل التفاهة والخروج عن منطق الخلافة الآدمية.

معاملة المعلومة للوصول إلى القرار السليم تدل على قلب أي تفكير سليم، وإلا ما أكثر التافهين وهم يبدون كنشطاء في مجتمع ولهم حضور جسدي في كل حفل ومكان.

التفاهة في مجتمعاتنا باتت غالبة مضرة بالقيم والعادات والتقاليد والتكافل وكل القيم المعبرة عن إدامة السلالة وعمارة الأرض، لقد بات الإضرار بالآخرين تمكينا بينما هو ظلم للنفس والآخر وظلم النفس بتعريضها للعقاب.

الظلم في واقعنا أصبح رديفا للتمكين والأذى بالفعل والكلمة، دارج دون انتباه لكرامة الإنسان ولشخصه، بل هو نوع من استضعاف بين المستضعفين، واستخفاف بالقيمة والكرامة الإنسانية نتيجة الجهالة والجهل المركب الذي يظهر بشكل التفاهة المنفرة للنفوس الراقية.

مجتمع بلا هوية غاص في التفاهة

في أمة اقرأ التي تركت القراءة وتثاقلت، وتمرضت وتألمت، أصبحت تكتب وتجادل في وسائل التواصل وتفرض تفاهتها على الساحة وتسفه العقلاء، لذا سنجد أسبابا داعمة لمشكلة التفاهة التي تسود في الحياة والكلام والعلاقات ومنها:

* المنظومة المعرفية: وهي مجموعة المأثورات والمنقولات والتقديس للأشخاص وبعض التعاليم المتوارثة، تقيسها انطباعات. الكلام نفسه عن الدين وفهمه، أي دين وليس الإسلام فقط، هو كلام انطباعات ومنقول بلا تفكير أو تمحيص وإنما جعل معيارا وهو بلا سند إلا السرديات التي كتبها المؤرخون.

* الرغبات والأمنيات التي لا تتحول إلى أهداف ولن تتحول إلى غايات، ولأسباب عديدة تمجد وتذم وتفاضل بين السيئين دون الانتباه إلى ضرورة استكشاف الناس الكفء بل الكفء في ظرف ما، وهو في الغالب ليس مرغوبا ومحاربا من قوى الشر والفساد؛ وغالبا ما يضعف أمامهم لضعف إمكانياته.

* بحث الناس عن الرغد والسكينة المجاني والمتعة بلا مقوماتها، رغم أنهم واقعا هاربون من القهر والظلم عند المتمكن والعجز عن صد الظلم فيهرعون إلى الأوهام التي يسمونها حلما أو نجاة لبعض الناس على حساب قومهم وآخرين، أو بيع النفس لشياطين الإنس من أجل وهم لا يتحقق أو حياة رغد ينظر لها من بعيد كسراب يحسبه الظمئان ماء.

لا يمكن أن نتوقف عن التفكير فهذا من بنية الخلق والتفكير يحتاج القراءة والمعرفة كمادة للإبداع والتصويب وليس لمعرفة لا تنقل من حالة الغفلة، تلك جدلية القراءة والتفاهة فشتان بين يفكر في معطياته وتطويرها ليصل وبين من يجتر الأوهام بحثا عن حياة الهدوء وسط الضجيج.

الإنسان قيمة فلا تبع نفسك برخص بل وتخلص بخيانتك لخلقك وتبدع في التضليل، هنا ستكون كما إبليس وتصبح شيطانا. التفاهة لا علاقة بذي علم أو معرفة بل بمدى ضعف المنظومة العقلية وحيودها عن رسالة الآدمية في الحياة ولا تليق التفاهة بعظمة الإنسان، فما ملك مهما ملك من ملك والتفاهة من ضمن أوصافه، فهو فقير مسكين ظالم لنفسه، والقناعة هي منعطف حياتي محظوظ من يجتاز التواءها بسلام، ومحظوظ من ساعد الآخرين على اجتيازها بلا إضرار لهم أو بكرامتهم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات التفكير التفاهة المعرفة التفكير ادم التفاهة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

عبد الناصر قنديل: حان الوقت للتركيز على الاستثمار في البشر

أكد عبد الناصر قنديل، الباحث والمحلل السياسي، أن الحديث عن الاستثمار في "الحجر" أصبح مكررًا، وأن الوقت قد حان للتركيز على الاستثمار في "البشر". 

وأشار إلى أن بدء هذا الملف في معرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي يُعد ثاني أهم معرض للكتاب في العالم، يعد خطوة هامة ومناسبة في هذا السياق.

وأضاف قنديل خلال مداخلته ببرنامج "آخر النهار" مع الإعلامي تامر أمين المذاع عبر قناة "النهار"، أن الدورة 56 من المعرض كانت مميزة بفضل اختيار شعارها الذي يعكس أهمية المعرفة، مثل "اقْرَأ" و"في البدء كانت الكلمة"، مؤكدًا أن المعرض أصبح يتنقل بين المحافظات مما يبرهن على أنه لم يعد مجرد حدث خاص بالقاهرة.

مهرجان القراءة: فكرة الفنان التشكيلي عبد السلام الشريف

وأوضح قنديل أن الفنان التشكيلي عبد السلام الشريف هو صاحب فكرة إنشاء مهرجان للقراءة في مصر والاحتفاء بها، مؤكداً أن هذا النوع من المهرجانات يسهم في تعزيز ثقافة القراءة ويعد خطوة مهمة للنهوض بالمجتمع فكريًا وثقافيًا.

مقالات مشابهة

  • حبس تشكيل عصابي بتهمة الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية
  • شفافية المؤسسات سبيل للتكامل المجتمعي
  • طريقة تسجيل قراءة عداد المياه ودفع الفاتورة أونلاين
  • «خد منها المعلومة وأنت متطمن».. 4 أبراج فلكية لا تتحدث فيما لا تعلمه
  • "العقلية الامبريالية" تقود ترامب نحو نظام عالمي جديد
  • محافظ القاهرة يحاور مجموعة من الطلاب في مكتبة «اقرأ نون السحار» بمدينة نصر
  • منها الدعاء والصدقة.. أعمال تنفع الميت في قبره
  • عبد الناصر قنديل: حان الوقت للتركيز على الاستثمار في البشر
  • لقطة جدلية لأنشيلوتي خلال مباراة تعثر فيها ريال مدريد أمام أوساسونا
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: بين النص والقارئ