بيانكم يتجاوز المبادئ التضامنية ويفتقر للحساسية تجاه الحقوق والمطالب
العادلة للشعب الفلسطيني
مشاريعكم الفكرية، التي بذلتم جهدًا لتصبح مصدر إلهام لنا، تقف وتشهد ضد بيانكم هذا

كتب الدكتور هشام عمر النور البيان التالي ووجهه لأربعة من أكبر الفلاسفة والمفكرين الألمان ردا عل بيان أصدروه تضامنا مع إسرائيل

في غياب مبادئ التضامن: بيان
أصدر نيكول دايتلهوف وراينر فورست وكلاوس جونتر ويورغن هابرماس بيانًا يدافع عن إسرائيل دون تمييز بين السلطة الإسرائيلية وشعبها، وهو يعاني أيضا من عدم تمييز بين حماس والشعب الفلسطيني.

هذا العجز في التمييز أدى إلى تحويل الضحايا إلى جناة والجناة إلى ضحايا.
لقد تسبب هذا البيان في إصابتنا بالخيبة والإحباط،، نحن الذين نعمل في مجال الفلسفة في بلداننا، ، والذين ألهمتنا خاصة كتابات هابرماس وفورست في النظرية النقدية ووعودهم الجديدة لمشروع تحرير الإنسان..
كان بيانكم يفتقر إلى العدالة والتضامن تجاه الشعب الفلسطيني. ويتجاوز المبادئ التضامنية التي هي عنوان البيان. لقد دافعتم عن حق اليهود في الدفاع عن أنفسهم، حقهم في الحرية والسلامة الجسدية، والاستمتاع بكرامة الإنسان. وأعلنتم أن الحياة السياسية في ألمانيا مرتبطة بثقافة سياسية تعتبر حياة اليهود وحق إسرائيل في الوجود عناصر أساسية تستحق حماية خاصة في ضوء الجرائم الجماعية التي ارتكبت ضد إسرائيل في فترة النازية. ولكن بصورة مخيبة للآمال، لقد تجاهلتم نفس المبادئ والحقوق تجاه الشعب الفلسطيني. والأسوأ من ذلك أنكم لم تدينوا رد إسرائيل الوحشي، بل جادلتم بأن هذا الرد الوحشي مبرر في المبدأ وأنه موضوع للنقاش المثير للجدل، لتتجنبوا إدانته. بالنسبة لكم، فإن قتل 15,271 فلسطينيًا، بما في ذلك 6,403 أطفال و3,561 امرأة (حتى تاريخ 18 نوفمبر 2023)، هو فعل لا يمكن إدانته لأنه موضوع نقاش مثير للجدل. يبدو أن هيمنة العقلانية الذرائعية على عالم الحياة قد تسبب في خلل في المعايير الأخلاقية ، لم تقض عليها كتاباتكم النقدية في هذا الصدد.
نحن نعلم حساسيتكم كألمان تجاه كل شيء يهودي تحت وطأة الإحساس المركب بالذنب بسبب ما ارتكبه النازيون ضد اليهود. ولكن هذه الحساسية كان يجب أن تجعلكم حساسين تجاه انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أو ستجدون أنفسكم تحت وطأة مجموعة جديدة من الذنوب لوقوفكم مع المجرمين اليهود. إن مشاريعكم الفكرية، التي بذلتم جهدًا لتصبح مصدر إلهام لنا، تقف وتشهد ضد بيانكم هذا. كان يمكن لنا أن نسمي بياننا هذا "هابرماس ضد هابرماس"، كما فعل هابرماس في كتابه "هايدغر ضد هايدغر"، حتى نظل أوفياء لما استلهمناه من مشاريعكم الفلسفية.

لقد أدنتم في بيانكم نية حماس في القضاء على اليهود، ولكنكم لم تدينوا تصريحات وزراء إسرائيل الذين يعبرون عن اليمين المتطرف والذين يصفون الفلسطينيين بأنهم حيوانات متوجشة، ولا تلك التي تدعو إلى إبادتهم بواسطة قنبلة نووية. هناك أحزاب في إسرائيل شعارها "إسرائيل من النهر إلى البحر"، وهي دعوة صريحة للقضاء على وتهجير الشعب الفلسطيني.
لم يذكر البيان كلمة واحدة عن الاحتلال وجرائمه، وحق الفلسطينيين في دولتهم، كما لو كان هذا النزاع قد بدأ فقط في السابع من أكتوبر. ولم يتناول البيان الاستيطان الذي يجري في الأراضي الفلسطينية وانتهاكات المستوطنين المتواصلة والجرائم ضد الفلسطينيين، التي لا تزال مستمرة.
لنكن واضحين بشكل مباشر: إذا كان لدى إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، فإن لدى الفلسطينيين الحق في مقاومة الاحتلال، كما يعترف بذلك القانون الدولي. وبنفس الوضوح، ندين قتل المدنيين على الجانبين، ويجب أن تتوقف الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين فوراً. وإذا كان لحملات التضامن أن تكون حقيقية، يجب أن تطالب بوقف فوري لإطلاق النار وعملية سياسية تستند عل تبني حل الدولتين.
هشام عمر النور، أستاذ مشارك في الفلسفة جامعة النيلين، السودان
ترجمه عن الإنجليزية: فيصل محمد صالح

من المترجم:
• نيكول دايتلهوف
أستاذة العلاقات الدولية ونظريات النظام العالمي بجامعة جوتة بفرانكفورت، ومديرة مركز دراسات السلام.
• راينر فورست
غيلسوف ألماني ومفكر في النظريات السياسية والعلوم الاجتماعية، ويعتبر أهم ألأسماء في فلسفة السياسة في جيله، أستاذ النظريات السياسية في شعبة العلوم الاجتماعية بجامعة جوتة - فرانكفورت
• كلاوس جونتر
أستاذ القانون والفلسفة بجامعة فرانكفورت
• يورغن هابرماس
أهم فيلسوف ألماني وأوروبي معاصر، ارتبط اسمه بالنظرية النقدية، البراغماتية.
كتب في الفلسفة، الاتصال، المعرفة، المجال العام  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

جاء العقل الرعوي شخصياً وبطل التيمم الفكري (1-2)

لو سألت في السودان عما وراء أزمة البلد المتطاولة لسمعت أنها من فشل النخبة وإدمان الفشل. وهو عنوان أحد كتب الدكتور الوزير منصور خالد. ولو سألت ما علة هذه الصفوة حتى أدمنت الفشل لقالوا، ضمن علل أقل خطراً، إن ذلك أثر من عقلها الرعوي. وفقه هذه العلة مما فصله النور حمد، الأكاديمي والناشط منذ عقود لأجل الفكرة الجمهورية للأستاذ محمود محمد طه، في كتابه "العقل الرعوي: في استعصاء الإمساك بأسباب التقدم" (2022).
"العقل الرعوي"
واستغرب كثير من الناس أنه حين حل بالسودان هذا "العقل الرعوي" في تجليه الأقصى، وهو قوات "الدعم السريع"، لم يمتنع حمد عن تحليله بمصطلح فقهه فحسب، بل إنه انحاز إليه حتى من دون زملائه في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) ممن قالوا بالحياد بين القوات المسلحة و"الدعم السريع" في دعوتهم إلى إنهاء الحرب. ونسارع إلى القول إن "الدعم السريع" مؤسسة اقتصادية عسكرية أعقد من أن يحيط بها مفهوم العقل الرعوي، ولكن هذه الصفة هي ما تواضعت عليه قوى الحرية والتغيير (قحت) في باكر أيام ثورة ديسمبر عام 2018 حين وصفوا محمد حمدان دقلو، قائد "الدعم السريع" بـ"راعي الجمال" في معرض التبخيس به.
أخذ النور حمد المفهوم عن ثنائية "الحضر والبدو" لابن خلدون ببينة من رأيه أن العرب أبعد الناس من سياسة الملك و"إنهم إذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في الأيدي". فالعقل الرعوي في قول حمد هو "منظومة قيمية تشكلت في ظروف تاريخية ارتبطت بنشاط اقتصادي بعينه وأسلوب حياة بعينه" وهو الرعي، ويتجسد هذا العقل في "المسلك المعادي للحداثة ولقيمها ولاحترام القوانين والنظام"، فهو حال الوحشية حيال الأنسية، والنظام مقابل اللانظام، والجلافة بوجه الصقل.
ولا يعتد أحد هنا بأن العالم العربي المعاصر قد تحدث، فمن رأي حمد أنه لا يزال واقعاً قبلياً "لم تغير الحداثة المظهرية بناه العقلية" بدليل تعثر إنجاز التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة فيه. فالعقل الرعوي كامن في العرب "كمون النار في الحجر". ومع ذلك لا تقتصر الظاهرة عند النور حمد على العرب. فوسعت هذه العقلية عنده عوالم شتيت متى ما وقعت هبة رعوية على محيط حداثي. فشمل بها القبائل الجرمانية التي عصفت بالإمبراطورية الرومانية، والمغول الذين عصفوا بحضارة الهند، وكذلك الفاشية والنازية، والأفغان العرب، و"داعش"، و"كوكلكس كلان"، بل الرئيس الأميركي دونالد ترمب لهبوبه "بعقلية الكاوبوي" من باطن الحداثة التي اعتزلت نخبها الليبرالية سائر الناس.
والسودان في فكر النور حمد مما ابتلاه الله بـ"العقل الرعوي" من لدن قدوم العرب المسلمين إليه في ما بين القرنين التاسع والـ14، فكان السودان في قوله بلا بنية عقل رعوي تحت ممالكه التاريخية مثل كوش ودولتي المقرة وعلوة المسيحيتين حتى تماهى مع ذلك الفضاء العربي. فتحول السودان به من "بيئة حضرية مقتدرة في الفعل الحضاري إلى بيئة رعوية". فصرنا أهل مدر بعد أن كنا حضراً، وهذا ما سماه مصابنا من "تمدد العلل العربية بأنفسنا". واستدرك بقوله إن العرب الذين وفدوا للسودان كانوا على الجاهلية لا الإسلام.
ولم ينفك السودان مباءة عقل رعوي إلا ما جاءه من حداثة بفضل كل من الحكم التركي- المصري (1821-1881) والاستعمار الإنجليزي (1956-1989)، ولم يمكثا فينا لأن المهدية الرعوية بقيادة محمد أحمد المهدي (1981) هبت على النظام الأول فقضت عليه كما أطاحت الحركة الوطنية الرعوية بالثاني. والنور حمد كمن جعل تحكيم الإسلام في الدولة معياره للهبة الرعوية. فقال إن "قوانين سبتمبر" الإسلامية التي شرع لها الرئيس نميري عام 1983 "أعادت حركة التحديث عقوداً للوراء" ناهيك عن تمهيدها لحكومة الإنقاذ التي "هي أكبر هبة رعوية في تاريخ السودان الحديث". ونبه ألا ننخدع للقائل إن الإنجليز أقاموا فينا دولة، فهي دولة قامت فرضاً بقوة السلاح بينما كمنت القبيلة طوال فترة الحكم الأجنبي. وعليه فالدولة الحديثة في السودان لم تنشأ بعد ولن تقوم إلا بعد أن ننجح في تفكيك العقل الرعوي وإزالة آثاره التي لا تزال تبسط أمرها علينا.
الحكومة الموازية
كان النور حمد من ضمن من جاؤوا إلى نيروبي في منتصف فبراير (شباط) الماضي لتكوين حكومة موازية لـ"حكومة بورتسودان" في المناطق التي تحت سيطرة "الدعم السريع". والباعث من وراء وقفة حمد مع هذه الحكومة الحليفة لـ"الدعم السريع" المرتقبة هو استنقاذ ثورة ديسمبر 2018 من شرور الفلول ممن أشعلوا الحرب للقضاء عليها واستعادة سلطانهم. فظاهر حمد إعلان هذه لحكومة الموازية لأنها، في قوله، الفرصة الوحيدة الباقية لنزع زمام المبادرة من القوى الكيزانية. وبدا هنا على شيء كبير من اليأس من "تقدم"، فالحراك المدني الذي تقوم به لوقف الحرب وشل يد الكيزان لا شوكة له ولا أسنان، وسيبقى حراكها، في رأيه، حالماً إذا كانت كل عدتها الهتاف والمناشدة حيال قوة شرسة وديناميكية لا تبالي بشيء كقوة "الكيزان". فالمسرح السياسي تغير فلا مجال، في قوله، للحديث عن سلمية الثورة، بل شق طريقاً آخر يخرج فيه المدني الذي بلا شوكة ليتحد مع قوة عسكرية هي "الدعم السريع" كما يفعل الجيش والفلول.
لم تتفق للنور حمد في السابق فكرة الإطاحة بحكومة الإنقاذ (أيام الرئيس السابق عمر البشير) عن طريق ثورة منذ كان ينشر كتابه عن العقل الرعوي في حلقات نحو عام 2016، فقال إن حكومة "الإنقاذ" التي نخر العقل الرعوي تحت حكمها الدولة الحديثة ستسقط لا محالة ولن يجديها تمديد عمرها عن طريق الميليشيات القبلية، "الجنجويد" قبل اكتسابها صفة قوات "الدعم السريع" بقانون عام 2017 التي استنجدت بها غير مدركة أنها "أخطر عليها وعلى مستقبل وحدة القطر" من الحركات المسلحة في الهامش التي أرادت القضاء عليها، ولكنه تحسب من سقوط "الإنقاذ" بثورة. ولو حدث ذلك فيكون فيه "إعادة إنتاج للعقل الرعوي".

ونواصل

ibrahima@missouri.edu

   

مقالات مشابهة

  • حدث فى 10 رمضان.. وفاة السيدة خديجة وبداية فتح مكة وانتصار مصر على اليهود
  • جاء العقل الرعوي شخصياً وبطل التيمم الفكري (2-2)
  • بالفيديو.. الدكتور أحمد عمر هاشم يكشف عن عدد المرات التي شُق فيها صدر النبي
  • كهرباء 24 ساعة .. مشروع النور يتسع ليشمل دهوك في اقليم كوردستان
  • جاء العقل الرعوي شخصياً وبطل التيمم الفكري (1-2)
  • سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل: القمة العربية الطارئة كانت رسالة موجهة للعالم
  • سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل: القمة الطارئة بالقاهرة كانت رسالة موجهة للعالم
  • الأدباء والشعراء في حلب يؤكدون وقوفهم إلى جانب قوات وزارة الدفاع والأمن العام
  • ترامب يلغي تمويلًا بقيمة 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا بسبب مضايقات الطلاب اليهود
  • شاهد.. مئات اليهود المتشددين يعبرون الحدود إلى لبنان بدعم من الجيش الإسرائيلي