مكة المكرمة

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر العلن.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إن من الأمور الهائلة التي ستكون يوم القيامة أن يصير السِّرُّ عَلَانِيَةً وَالْمَكْنُونُ مَشْهُورًا، كما أخبرنا الله تعالى عن ذلك في كتابه فقال: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ فتُختبر الضمائر وتُكشف الأسرار وتُعْرَف العقائد والنيات الصَّالحة من الفاسدة والسَّليمة من المَعِيْبة وتُكْشَفُ بَواطِنُ الأمُور.

وأضاف الشيخ غزاوي : يوم القيامة يَظهر ما كان في القلوب من خيرٍ وشرٍّ على صفحاتِ الوجوه: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ قال ابن القيم -رحمه الله-: “فمَنْ كانت سَرِيرتُه صالحة؛ كان عَمَلُه صالحًا، فتبدو سريرتُه على وجهه نورًا وإشراقًا وحسنًا، ومَنْ كانت سريرتُه فاسدة؛ كان عمله تابعًا لسريرته، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادًا وظُلمةً وشَينًا”.

وأوضح أن الواجب علينا أن نستشعر عظمة ذلك الموقف الجليل الذي نعرض فيه للحساب وتظهر فيه الخفايا والخبايا ﴿يَومَئذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ إنه العرض على عالِم السر والنجوى الذي لا يخفى عليه شيء من أمورنا، بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر وقَال تَعالى: ﴿هُنالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ﴾ وقال سبحانه ﴿أفَلا يَعْلَمُ إذا بُعْثِرَ ما في القُبُورِ وَحُصِّلَ ما في الصُّدُورِ﴾، فإلى كل من أيقن أن الله يراه حيث كان وأنَّه مُطَّلعٌ على باطنه وظاهره، وسرِّه وعلانيته، تدارك أمرك من الآن، واحذر الغفلة والعصيان، واقبل الرشد والنصيحة واعمل على ترك ما يوجب العار والفضيحة، يوم تكشف السجلات، وتنشر الصحيفات، ولا يبقى فيه شيء مستور، بل يحصل ما في الصدور.

و ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ إنها موعظة بليغة لكل غادر؛ إذ سيُعلم غدًا نتيجةُ عملِه بظهور سريرته وافتضاح أمره، فقد صح عنه ﷺ أنه قَالَ: (يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) ، و ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ إنها أعظـم زاجـرٍ وأبلـغ موعظـة لكل من اغتر بسِتر الله وحلمه، ممن أقام على ذنوب الخلوات فاستوجب مقت رب البريات، ولم يستشعر ذلك اليوم الذي تكشف فيه الأسرار وتهتك الأستار، فيامن سترك الله حال الخلوات ولم يفضحك لا تغفل، واحذر عبد الله من استمراء المعاصي بإطلاق بصرِك في مشاهدة القبائح والمنكرات، والاسترسال في الباطل بإصغاء سمعك للمحرمات، وتذكر أن سريرتك التي لا يطّلع عليها أحد الآن إلا الله، سينكشف الحُجب عنها يومًا ما، فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لأعلمنَّ أقوامًا مِن أمتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثالِ جبالِ تِهامةَ بيضًا، فيجعلُها الله عز وجل هباءً منثورًا)، قال ثوبان رضي الله عنه: “يا رسولَ الله، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا؛ ألا نكونَ منهم ونحن لا نعلم”، قال: (أَمَا إنهم إخوانُكم، ومن جِلْدتِكم، ويَأخُذُون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوامٌ إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها) ، و ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ يا لها من موقظة مذكرة تكشف حال من كان ديدنه الغشَّ والمكرَ والخديعةَ وسوف يظهر عواره يوم الخزي والفضيحة كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (من غشَّنا فليسَ منَّا، والمَكرُ والخِداعُ في النَّارِ) فهو تَهْديدٌ ووعيد لِمَن تَمادَى في الغِشِّ، ألا وإن المَكْرَ والخِداعَ من أنْواعِ الغِشِّ يُؤَدِّيانِ بصاحِبِهما إلى النارِ.

و ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ فيا ويح كل منافق ومراءٍ يُظهر خلاف ما يُخفي ويُسِرُّ، فأكبر مصيبة تنزل به وأخطر ما يدهمه حين ينكشف أمره وعندما يَلْقَى ربَّه يوم القيامة، وتبلى السرائر: أي تخرُج مخبَّآتُها وتظهر، فلا يستطيع العبد حينها سترَ ما بدا من سيئاته، وما كان يُضمر من خبث نياته، قال تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾، وكَفى بِهَذِهِ الآيَةِ ناعِيَةً عَلى النّاسِ ما هم عَلَيْهِ مِن قِلَّةِ الحَياءِ والخَشْيَةِ مِن رَبِّهِمْ أنَّهم في حَضْرَتِهِ لا سُتْرَةَ ولا غَفْلَةَ ولا غَيْبَةَ، ولَيْسَ إلّا الكَشْفُ الصَّرِيحُ والِافْتِضاحُ، وهو سبحانه مُطَّلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم. ويوم القيامة ستظهر أعمالهم وتنكشف أسرارهم ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ أَيْ: ظَاهِرُونَ بَادُونَ كُلُّهُمْ، لَا شَيْءَ يُكِنُّهُمْ وَلَا يُظِلُّهُمْ وَلَا يَسْتُرُهُمْ، وَالْجَمِيعُ فِي عِلْمِ الله عَلَى السَّوَاءِ.

وبيّن الدكتور الغزاوي أن الله أمر عباده أن يتركوا ما ظهر من الآثام وما استتر كما جاء في قوله عز وجل: ﴿وَذَرُوا۟ ظَـٰهِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡسِبُونَ ٱلۡإِثۡمَ سَیُجۡزَوۡنَ بِمَا كَانُوا۟ یَقۡتَرِفُونَ﴾ ففيه النَّهْيُ عَنِ الإثْمِ مَعَ بَيانِ أنَّهُ لا يخرجه من معنى الإثم بِسَبَبِ إخْفائِهِ وكِتْمانِهِ، والمراد بالإثم في الآية: جميع المعاصي التي تُؤثِّم العبد، أي: توقعه في الإثم والحرج، ومع الأمر الأكيد في ترك جميع المحرمات والوعيد الشديد لكاسبي الإثم، إلا أن كثيرًا من الناس تَخفى عليه كثير من المعاصي، خصوصاً معاصي القلب؛ كالكبر والعُجب والرياء والحسد والغل والحرصِ على الشُّهرة والظُّهور وإرادَةِ السَّوْءِ لِلْمُسْلِمِينَ، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يُحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم وعدم البصيرة في الدين، ومما جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: (أوصيك بتقوى الله تعالى في سِرِّ أمرِك وعلانيته)، وقال بلال بن سعد رحمه الله: “لا تكن وليًا لله في العلانية وعدوَّه في السريرة “.

وقال فضيلته إن من الناس من يخشى من اطلاع الناس عليه حال المعصية ويجعل ربه أهون الناظرين إليه مع أنه سيُحاسب عن كل ما أسرَّه وأخفاه، وما أظهره وأبداه، والله جل جلاله أحقُّ بالخوف والخشية؛ قال ابن الأعرابي رحمه الله: “أخسرُ الخاسرين مَن أبدى للناسِ صالح أعماله، وبارَز بالقبيح من هو أقربُ إليه من حبل الوريد” وقال بعض العلماء: “وقد يُخفي الإنسان ما لا يرضاه اللهُ عز وجل، فيُظهِره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطِق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبَه في آفةٍ يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكلِّ ما أخفى من الذنوب؛ وذلك ليَعلم الناس أن هناك مَن يُجازي على الزلل “.

وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام يقول : وأما المؤمن فيحرص على إخلاص العمل لله ومراقبة مولاه ويخشى من سوء العاقبة فعن ابن أبي مليكة رحمه الله قال: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاق على نفسه”، وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: ما خافه (أي النفاق) إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق، وعن عكرمة بن عمار رحمه الله قال: جزع محمّد بن المنكدر عند الموت فقيل له: تجزع؟! فقال: أخشى آية من كتاب الله تعالى ﴿وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب”. وهكذا يكون المؤمن دائم الإجلال والتعظيم لربه المطلع على ضميره وباطنه القريبِ منه في جميع أحواله كما قال عز وجل ﴿ونحنُ أقرب إليه من حبل الوريد﴾، فيستحيي منه أن يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره.

وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي المسلمين بتقوى الله عز وجل.

وقال فضيلته: خلق الله الإنسان متقلب الأطوار، ينبض بالإحساس، ويفيض بالمشاعر، يتألم ويسكن، ويضعف ويعجز، ويخاف ويأمن، تعصف به مراحل الحياة في جراحاته وآلامه، وفي مواقف القهر والظلم، والخسارة والحرمان، والفقد والوجد؛ إنها سنة الله في خلقه، وطلب العيش بلا ألم، طلب محال كما قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) وهو سبحانه من يقدر الضر والنفع وما يصيب المرء من الالآم الحسية فيها والنفسية بل والعضوية دليل على ان هذه الدنيا دار ابتلاء قال تعالى( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ).

وبين الشيخ الثبيتي أن الألم يوقظ من الغفلة، ويعرف بالنعمة، ويرشد الحيران، رحمة من الله قد تغيب عنا حكمتها؛ فكم من ألم مرض عضال غير مجرى الحياة، وكم من ألم نبه وأرشد إلى مرض صامت ينخر في الجسم وصاحبه لا يدري، مرارة الألم تذيقك حلاوة الصحة وطعم الراحة وأنس العافية؛ فالألم نعمة تستحق الشكر، ومهما امتد فإنه زائل، ومهما طال فانه ماض، ومهما اشتدت حرارته فإنه إلى أفول، ويعقبه فرج وخير وتمكين؛ يوسف عليه السلام تأمر إخوته عليه، وألقوه في الجب، وراودته امرأة العزيز، وكادت له النسوة، ودخل السجن، ثم أعقب سنين المعاناة نصرًا وتمكينًا وعزًا؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم مكر به الماكرون في كل خطوة من خطوات حياته، وكاد له الكائدون في كل مرحلة من مراحل سيرته؛ حتى قال: (أوذيت في الله وما يؤذى أحد)، فماذا كان بعد؟ لقد ذهب المكر وأهله، والكيد وجنده، إلى مزبلة التاريخ، وتلاشى، وبقيت دعوته ورسالته وأمته يزهو بريقها، ويمتد إشعاعها، ويتعاظم أثرها، وتشتد جذورها.

وأوضح أن المسلم يعلم يقينًا أن الألم يعقبه أمل، وفي ردهاته غنيمة، وعاقبته حميدة، والخير الآجل لا يبصره المرء في حينه، والصبر على لأوائه يفجر سيلاً من الحسنات، كم من الهموم والغموم التي تخيم على حياتنا ثم تنقشع بفجر صادق ويوم مشرق؛ وهناك عاقبة متحققة في دار خلودها دائم، ونعيمها قائم، هي عزاء لكل متألم، وعوض لكل مغبون؛ حتى إنه ليغمس في الجنة غمسة واحدة فيقال له: «هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط».

وبيّن فضيلته ان الناس مع الألم أصناف يتفاوتون على قدر إيمانهم ويقينهم وعزمهم وقوة إرادتهم؛ فمنهم من يفقد توازنه، وتهتز قواه، وتخور عزيمته، وتسلب إرادته، ويتسلط عليه الوهم والخوف، ويغدو يائسًا بائسًا، ومن الناس من تمده عقيدته بالثبات، ويغديه إيمانه بالصبر، فيجعل من الألم أملًا، ومن الحزن فرحًا، ومن الضعف قوة؛ ومع كل ذلك؛ فإن المسلم المهتدي يفقه وجوب مدافعة الألم ورفعه بالوقاية أولًا من مسبباته، وبتحصين نفسه من مباشرة الفتن الموجعة، ومقاربة الأخطار المحدقة، وذلك بالذكر والدعاء والتضرع إلى الله، والتداوي وفعل الخير والإحسان.

وأشار فضيلته الى أن في حياة المسلم ألمًا محمودًا يدفع إلى العمل، ويهذب السلوك، ويقوم السير؛ ومن الألم المحمود ما يورثه الغضب لله تعالى حين تمتهن شعائر الله ويستهان بحرمات الله، موضحًا أن الشأن في المسلم أنه يشعر بآلام الموجوعين؛ فيشاطر المرضى آلامهم بزيارتهم ومواساهم، وتسلية المتوجع، وإدخال السرور عليهم، وتذكيرهم بالأجر والصبر، واختتم فضيلته الخطبة بقوله: نشيد هنا بالحملة المباركة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله- بالتبرع لدعم المحتاجين في غزة، عبر القنوات الرسمية، والتجاوب الكبير من أبناء وطن معطاء، يبذل بسخاء، وقد أتت أكلها، ووصلت إلى مستحقيها، قال تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي خطبة الجمعة صلى الله علیه وسلم المسجد الحرام یوم القیامة ت ب ل ى الس رحمه الله قال تعالى عز وجل

إقرأ أيضاً:

إمام المسجد النبوي: هذه الآية تختصر مسار الحياة في كلمات بليغة ومعانٍ عميقة

قال الشيخ عبدالباري الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، إن القوة الحقيقية تنبع من روح إيمانية، تشحذ بالطاعة، وتتعزز بالاستغفار، وتثمر بالعمل الصالح.

 وأضاف الشيخ الثبيتي، في خطبة الجمعة اليوم من المسجد النبوي الشريف، أن قول الله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ»، هي آية تختصر مسار الحياة في كلمات بليغة ومعان عميقة، ترسم صورة لمراحل خلق الإنسان. تبدأ بضعف الطفولة تعلو بالقوة، ثم تعود إلى ضعف يزينه الشيب. آية توقظ العقول لتدرك عجز الإنسان، وتلامس القلوب لتظهر حاجته الدائمة إلى ربه.


وأضاف أن هذه الآية هي دعوة للتفكر في أطوار الخلق، وفي تقلب الأحوال بين القوة والضعف، وفي قدرة الله المطلقة التي تدبر هذا المسار بحكمة وإتقان. كل شيء بيده، منه المبتدأ وإليه المنتهى. تأكيدًا على أنه يجب على المسلم أن يعظم شعائر الله في كل وقت وحين، ويزداد التعظيم لحرمات الله في هذه الأشهر الحرم، بترك المحرمات وتجنب المنهيات، والمسارعة إلى فعل الخيرات، والمسابقة إلى الصالحات، بشرط البعد عن المبتدعات، والمجانبة لاختراع المحدثات.


وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الطفولة هي الصفحة الأولى في كتاب الحياة، تبدأ ببراءة ناصعة وضعف يحفه لطف الله ورحمته. طفل صغير لا يملك من أمره شيئًا، أودع الله في قلوب منحوله حبًا وحنانًا، وأحاطه بأيد ترعاه وتخفف عنه ضعفه، مشيرًا إلى أن هذه الآية مشهد مهيب يبين عظمة التدبير الإلهي، إذ يحفظ الله هذا الطفل الضعيف، ويمنحه العون من حيث لا يدري.

أفضل دعاء يوم الجمعة .. ردد أجمل أدعية مستجابة لراحة البال وانشراح الصدربعد ضمه رسميا لوزارة الأوقاف.. أول صلاة جمعة من مسجد مصر الكبير بالعاصمة الإدارية
وبين مراحل نمو الإنسان من خروجه ظلمات بطن أمه لا علم له ولا قدرة، في عجز تام جهل مطبق، ثم فتح الله له أبواب العلم، ووهب له السمع والبصر والفؤاد لينهل بها من معين التعلم والمعرفة، مشيرًا إلى أن كل ما اكتسبه الإنسان من علم أو قوة هو هبة من الله وعطاء من كرمه، قال تعالى «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».


ونوه بأن هذه الآية تغرس في القلوب أدب العبودية، وتزرع في النفوس تواضع المخبتين، فلا يطغى الإنسان بعلمه، ولا يغتر بقوته، مشيرًا إلى أن على الإنسان أن يدرك أن كل ذرة من قوته وكل حركة في جسده هي نعمة تستوجب شكرًادائمًا وخضوعًا كاملًا. فالعبد، مهما علا شأنه، يظل فقيرًا إلى ربه، محتاجًا إلى فضله في كل لحظة حياته كلها هبة من الله، تستحق الحمد في كل حين. فما أعظم غنى الله، وما أبلغ فقر العبد بين يديه.


وأفاد بأن هذه المرحلة تكتب فيها أعظم قصص الكفاح، وتُبنى أقوى صروح الحضارة، فلا تقوم قائمة للأوطان ولا تنهض أمة إلا بسواعد الشباب اليافعة وهممهم العالية.


وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي، أن قوة الشباب تزدهر حين تتفيأ ظلال الدين، وتسمو حين تتغذى من معين القيم والأخلاق، وتتجلى في سماء المجد حين تسخر لخدمة البلاد و العباد، مضيفًا: ومن أهدر شبابه فقد أهدر عمره كله، فهو لحظة عابرة في زمن الحياة، ومن استثمره في الخير والنفع خلد أثرًا طيبًا، وجنى ثمارًا يانعة في الدنيا والآخرة.


وأشار إلى أن القوة الحقيقية تنبع من روح إيمانية، تشحذ بالطاعة، وتتعزز بالاستغفار، وتثمر بالعمل الصالح. فهي القوة التي تتصل بربها، فيزيدها عزمًا وثباتًا. قال الله تعالى على لسان هود عليه السلام «وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ».


وفي الخطبة الثانية، أوضح أن حدود زمن الطفولة والقوة ثم الضعف والشيبة هي متوسط عمر الإنسان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك»، منوهًا إلى أنها رحلة قصيرة في ميزان الزمن، لكنها تذكر بالمال المحتوم وأن النهاية تقترب مع كل لحظة تمر.


وفي ختام الخطبة، حث إمام وخطيب المسجد النبوي على اغتنام كل لحظة من العمر، فالعمر محدود، والفرصة لا تعود والأعمار لا تقاس بعدد السنين، بل بما يترك فيها من أثر خالد وعمل صالح.

مقالات مشابهة

  • كيفية التخلص من المال الحرام ومصارف إخراجه
  • حياته كلها هبة .. خطيب المسجد النبوي: مهما علا شأن العبد يظل فقيرا
  • خطيب المسجد النبوي: يزداد التعظيم لحرمات الله بالأشهر الحرم
  • خطيب المسجد الحرام: التحصن والتحصين أهم ما يحتاجه الناس بهذا الزمان
  • رحلة النبي (2) الإسراء والمعراج: أهمية المسجد الحرام والأقصى في الإسلام
  • إمام المسجد النبوي: هذه الآية تختصر مسار الحياة في كلمات بليغة ومعانٍ عميقة
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: ذكر الله هو الحصن الحصين من البلايا والمحن.. والإنسان ضعيف فعليه ألا يطغى بعلمه ولا يغتر بقوته
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام: التحصين الشرعي من أعمال السحر والشعوذة
  • شؤون الحرمين” توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز الأنظمة التقنية في الحرمين الشريفين