أكبر الذنوب تكشف عنها دار الإفتاء| تفاصيل
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن أكبر الذنوب وأعظمها هو عدم الإيمان بالله حيث يقول الله عزّ وجل "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِا للَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا".
. تعرف على هذا الفعل النبوي كيف يغفر الله كل الذنوب؟
قالت دار الإفتاء المصرية ، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى كيف يغفر الله كل ذنوبك بالصلاة ، حيث إن الصلوات المكتوبة عامة تعد من مكفرات الذنوب، فالله سبحانه وتعالى يغفر بها جميع الذنوب ، ولكن بالحرص على أربعة أمور.
وأوضحت “ الإفتاء” ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا كذلك إلى أن الخشوع في الصلاة وحُسن الوضوء والركوع واجتناب الكبائر يعد من مكفرات الذنوب ، ولكنه يكفر الذنوب الصغيرة وليس الكبائر، فبهذه الأمور الأربعة يفوز العبد بمغفرة الله تعالى، ويتخلص من جميع ذنوبه.
واستشهدت بما روى مسلم في صحيحه من حديث عُثْمَانَ -رضي الله عنه- أنه دَعَا بِطَهُورٍ فَقَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ».
وأضافت أن الحديث مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوب كُلّهَا تُغْفَر إِلَّا الْكَبَائِر، فَإِنَّهَا لَا تُغْفَر، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّ الذُّنُوب تُغْفَر مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَة، فَإِنْ كَانَ لَا يُغْفَر شَيْء مِنْ الصَّغَائِر، فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا فَسِيَاق الْأَحَادِيث يَأْبَاهُ، وقد ذهب العلماء إلى أن هَذَا الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث مِنْ غُفْرَان الذُّنُوب مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَة، هُوَ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة، وَأَنَّ الْكَبَائِر إِنَّمَا تُكَفِّرهَا التَّوْبَة أَوْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى وَفَضْله، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَذَلِكَ الدَّهْر كُلّه، أَيْ: ذَلِكَ مُسْتَمِرّ فِي جَمِيع الْأَزْمَان.
وتابعت: ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث: مَا مِنْ اِمْرِئٍ مُسْلِم تَحْضُرهُ صَلَاة مَكْتُوبَة فَيُحْسِن وُضُوءُهَا وَخُشُوعهَا وَرُكُوعهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَة لِمَا قَبْلهَا مِنْ الذُّنُوب، مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَة ـ وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْو وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّث فِيهِمَا نَفْسه غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه ـ وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنه وَبَيْن الصَّلَاة الَّتِي تَلِيهَا ـ وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: الصَّلَوَات الْخَمْس كَفَّارَة لِمَا بَيْنهنَّ ـ وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: الصَّلَوَات الْخَمْس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة وَرَمَضَان إِلَى رَمَضَان، مُكَفِّرَات مَا بَيْنهنَّ إِذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِر .
واستطردت: فَهَذِهِ الْأَلْفَاظ كُلّهَا ذَكَرَهَا مُسْلِم فِي هَذَا الْبَاب، وَقَدْ يُقَال: إِذَا كَفَّرَ الْوُضُوء فَمَاذَا تُكَفِّر الصَّلَاة؟ وَإِذَا كَفَّرَتْ الصَّلَاة فَمَاذَا تُكَفِّر الْجُمُعَات وَرَمَضَان؟.... وَالْجَوَاب مَا أَجَابَهُ الْعُلَمَاء أَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَات صَالِح لِلتَّكْفِيرِ، فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرهُ مِنْ الصَّغَائِر كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِف صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَات وَرُفِعَتْ بِهِ دَرَجَات، وَإِنْ صَادَفَتْ كَبِيرَة أَوْ كَبَائِر وَلَمْ يُصَادِف صَغِيرَة رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِر.
كيف يغفر الله الذنوب الكبيرة؟وعن كيف يغفر الله الذنوب الكبيرة والمعاصي ، ففيما ورد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتح للمذنبين باب الأمل والغفران والحب، منوهًا بأنه –صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن أسهل طريقة لمحو الكبائر والتي بها يغفر الله الذنوب الكبيرة ويتم بها كيفية تكفير الكبائر والمعاصي.
وعنه جاء أنه –صلى الله عليه وسلم- جعل وضعك يدك على رأس يتيم من موجبات المغفرة، وجعل كفالتك لليتيم أمرًا عظيما، تعطيك مكانةً هائلة فيقول -صلى الله عليه وسلم-: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» أي أن كفالة اليتيم تساوي مكانتك في الجنة في مقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
وورد أنه وهو المصطفى المختار كلامٌ عجيب!، لكنه يفتح لك باب الأمل، باب الغفران، باب الحب؛ فكما أحببت هذا اليتيم، وكفلته في الدنيا لوجه الله سبحانه وتعالى؛ فإن الله سبحانه وتعالى يعطيك مكانًا في جوار سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، فهذا كلامٌ عجيب لكنك لو تأملته لوجدته معقولا، ولوجدته يفتح لك باب الأمل لأن «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» فبادروا بالأعمال حتى تغفر لكم هذه الأعمال عند غفورٍ رحيم سبحانه وتعالى.
وورد بأنه من وضع يده على رأس يتيم كان له بمقدار عدد شعر رأسه حسنات وأجر عند الله، الله واسع، مالك السماوات والأرض، يقول للشيء كن فيكون كريم، ونحن نرجو منه سبحانه وتعالى المغفرة، والتوفيق، واللطف، والنصر على أنفسنا، وعلى شهوات الدنيا حتى نعبده، وحتى نُعمِّر هذه الأرض، حتى ندخل في نظر الله ورحمته سبحانه وتعالى؛ فنحن في أشد الحاجة إليه.
وقال –صلى الله عليه وسلم-: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» و«الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» ، جاء أحدهم يشكو إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ارتكب ذنبًا ورآه كبيرًا؛ فقال له: «اذهب فتوضأ وصلِّ ركعتين» بنية أن يغتسل من هذا الذنب، وأن يفق في نفسه، وفي علاقته مع ربه، وأن يسير بعد ذلك في الطريق المستقيم.
كيفية تكفير الذنوبورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تكون بالتوبة النصوح ، والتي تعد أول الأمور التي يتم بها كيفية تكفير الذنوب والمعاصي، حيث إن التوبة هي ندم على الذنب، وإقلاع عن المعصية، والعزم على عدم العودة إلى هذه الخطيئة أو مثلها أبدًا، وفي كيفية تكفير الذنوب والمعاصي ينضم للتوبة حتى يتحقق بها مراد المذنب وتكون كفارة الذنوب شرط رابع لو هناك حق من حقوق العباد؛ يجب أن يُرجِع هذا الحق إلى العبد حتى تُقبل التوبة؛ فبهذه يقبل الله- سبحانه- التوبة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الإيمان صلى الله علیه وسلم سبحانه وتعالى رسول الله ـ و ف ی ال ک ب یر ة
إقرأ أيضاً:
الشيخ كمال الخطيب يكتب .. فإنه الركن إن خانتك أركان
#سواليف
فإنه الركن إن خانتك أركان
#الشيخ_كمال_الخطيب
إنه الطفل إذا خاف أو جزع فإنه يمسك بتلابيب ثوب أمه فيشعر بالأنس والطمأنينة، وإذا كان خوفه أعظم فإنه يلقي بنفسه في حضنها ليكون أقرب إلى صدرها ودفقات قلبها فتغمره بالسكينة وتنزع عنه كل معاني ومظاهر #الخوف.
مقالات ذات صلة صحيفة ألمانية: ترامب سيسلم “أم القنابل” لإسرائيل 2025/02/07ومثل الإمساك بتلابيب الأم والارتماء في حضنها فإنه يكون #الإمساك بحبل #الله المتين والارتماء على أعتاب وعند باب الله والفرار إليه، سببًا في نزع #الخوف بل استشعار كل معاني المعية الربانية والقوة العظمى التي لا تجاريها قوة.
وإن الذي لا بد للمسلم أن يتذكّره ولا ينساه أبدًا، أن هذا الكون بكل ما فيه، أرضه وسمائه وإنسه وجانّه هو من خلق الله سبحانه، وهو وحده المتصرف فيه، وأنه لا يكون في هذا الكون أمر ولا يسكن ساكن ولا يتحرك متحرك إلا بإذنه، ولا تسقط من ورقه إلا يعلمها سبحانه. وإذا كان اعتقادنا صحيحًا وسليمًا وصادقًا بأن الله سبحانه هو القويّ وهو الغنيّ وهو الضارّ والنافع وهو الذي يحيي ويميت، فإن هذا الاعتقاد سيجعل صاحبه يعيش في قناعة وثقة أنه في كنف الله صاحب القوة العظمى والذي إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون، فيفوّض الأمر إليه ويتوكل عليه، فلا يقف إلا على بابه ولا يمسك إلا بحبله ولا يسأل أحدًا غيره سبحانه.
فإذا لفّك الهمّ ونزل بك البلاء وتاقت نفسك للفرج فتوكل عليه سبحانه {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آية 160 آل عمران.
وإذا كثر الأعداء وكشّروا عن أنيابهم، أمسك بتلابيب ربك وأحسن #التوكل عليه {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} آية 173 سورة آل عمران.
وإذا أصابك البلاء ونزلت بك المصائب فاستبقها وداوها بالتوكل {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آية 51 سورة التوبة.
وإذا خشيت أعداء الله من شياطين الإنس والجن فلا تلجأ إلا إلى بابه سبحانه {إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} آية 99 سورة النحل.
وإذا أردت أن يكون الله وكيلك وكفيلك على كل حال وفي كل حين، فتمسّك بحبل التوكل كما يتمسك الطفل بتلابيب أمه {وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} آية 3 سورة الأحزاب.
وإذا أردت أن يكون الله لك ومعك، فما عليك إلا أن تكون أنت كلّك لله سبحانه {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} آية 3 سوره الطلاق. {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} آية 79 سورة النمل.
أن يقول له كن فيكون
في هذا الزمان الذي فيه يظنّ البعض أن من أراد القوة والمنعة والحماية فما عليه إلا أن يمسك بتلابيب ترامب، وأن يرتمي في حضن أمريكا وكأن أمريكا وحكامها أصبحوا آلهة هذا الكون المتفردين فيه، وكأنهم إذا أرادوا شيئًا فإنه حتمًا سيكون. ففي هذا الزمان فما أحوجنا إلى حسن التوكل على الله سبحانه، وحسن التوكل يكون مع الرجاء والدعاء ليكون هو الحبل الذي يربطنا بمصدر القوة العظمى الله سبحانه وليس بأحد من خلقه.
لما رأى موسى أن فرعون يوشك أن يلحق به وبقومه فإنه لجأ إليه سبحانه الذي قال له: {اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} آية 63 سورة الشعراء، وكان إيمان قومه ضعيفًا وقد نظروا إلى الخلف فرأوا فرعون وقد لحق بهم في الطريق اليبس في البحر {فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ*قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} آية 61-62 سورة الشعراء.
إنه الله سبحانه الذي لما أحسن إبراهيم التوكل عليه بعد سماع تهديد قومه له {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} آية 68 سورة الأنبياء، وإذا بالله الذي خلق النار وجعل فيها خاصية الإحراق، يأمرها فتطيع أمره ولا تخالف إرادته {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ} آية 69 سورة الأنبياء، فتحولت النار بردًا وسلامًا بعد أن كانت عذابًا وجحيمًا. هكذا كانت النتيجة لما سلّم موسى وإبراهيم الأمر لله وأحسنا التوكل عليه.
فوحقه لأسلّمن لأمره في كلّ نازلة وضيق خناق
موسى وإبراهيم لما سلّما سلِما من الإغراق والإحراق
إنه الله سبحانه الذي لما خرج يونس وركب البحر غضبًا على عصيان قومه لله تعالى، ثم ما كان من إلقائه في البحر لما أوشكت السفينة أن تغرق، وإذا بالله الذي خرج يونس من أجله وانتصارًا له، فإنه لم ينسَه ولم يتخلَّ عنه. فحين انعدمت الأسباب لإنقاذ يونس ونجاته، وإذا برب الأسباب ومسببها سبحانه يرسل الحوت العظيم ليبتلع يونس ويودعه في بطنه في ظلمات بعضها فوق بعض {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} آية 42 سورة الصافات، ثم لا يلبث أن يلفظه من بطنه كأنه كان في بطن أمه حيث السلامة والحنان، قال سبحانه: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ* ( وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} آية 145-146 سورة الصافات.
وإنه الله سبحانه الذي لما سمع عبده نوحًا يستجير به ويستنصره من عداء وتكذيب قومه له ويرفع يديه إلى السماء يائسًا من حوله وقومه مؤمّلًا بحول وقوة الله رب العالمين {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} آية 10 سورة القمر، فكان أمر الله للسماء أن تنزل ما فيها من قطر ومطر، وأمر الأرض أن تُخرج ما فيها من مياه الينابيع {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ*وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} آية 11-12 سورة القمر.
وإنه الله سبحانه الذي لما استنصره حبيبه محمد ﷺ لما خرج من مكة مهاجرًا فلجأ إلى الغار وقد أوشك كفار قريش أن يمسكوا به وبصاحبه أبي بكر رضي الله عنه لولا أن الله سبحانه قد أعمى أبصارهم عن رؤيتهما {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة.
نعم إنها معية الله تعالى حين تكون مع عباده فإنها تعطل الأسباب ولا يكون مكان للقوانين والنواميس. فالنار التي تحرق تصبح بردًا وسلامًا، والماء الذي يجري يصبح كالصخر، ومن ابتلعه الحوت كان حتمًا سيموت لولا أن الله أراد غير ذلك، وإن العين كانت سترى من في الغار لولا أن الله ألقى بستره على رسوله وصاحبه وقد قال أبو بكر: “يا رسول الله والذي بعثك بالحق لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدمه لرآنا. فقال له ﷺ: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟”.
إرادة الله فوق النواميس والقوانين والطبيعة
هناك من يظن أن معية الله تعالى وإرادته وتهيئته للأسباب من حيث لا يحتسب العبد أو تعطيله للأسباب ولقوانين الطبيعة، فإنها كانت للأنبياء وللصالحين في أزمنة مضت، وأنها لم تعد في هذه الأيام موجودة. إنها مغالطة وجهل بل ونقص في يقين العبد بربه، فلأن الله سبحانه يعلم أن من عباده من يتسلّكوا طريق أنبيائه في تبليغ دعوته، فإنه سبحانه لن يتخلى عنهم وسينصرهم {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} آية 51 سورة غافر.
وما أكثرها من قصص وقعت في زماننا كأن أصحابها يعيشون في زمن الأنبياء.
إنها قصة الطبيب والجراح الباكستاني الشهير “الدكتور عيشان” الذي خرج على عجل إلى المطار للمشاركة في مؤتمر علمي دولي سيعقد في العاصمة وفيه سيتم تكريمه على إنجازاته الكبيرة في عالم الطب، وفجأة وبعد ساعة من الطيران أعلن قائد الطائرة أن عطلًا أصابها بسبب صاعقة ضربتها وأنه سيهبط هبوطًا اضطراريًا في أقرب مطار. حال نزوله توجه إلى مكتب استعلامات المطار ليتبين أن موعد الطائرة التي ستقلع إلى حيث يريد سيكون فقط بعد ست عشرة ساعة. اندهش الطبيب وحار في أمره لأنه بذلك سيفوته المؤتمر، فقال له الموظف: أقترح عليك لأني أراك في عجلة من أمرك، أن تستأجر سيارة فالرحلة لا تزيد على ثلاث ساعات في السيارة بدل الانتظار ست عشرة ساعة.
قبل الطبيب الجراح الفكرة على مضض ولكنها الضرورة، وما أن بدأ مشوار سيره حتى بدأ نزول أمطار غزيرة وانتشر الضباب وانعدمت الرؤية، فما وجد نفسه إلا وقد ضلّ الطريق وقد دخل في طريق فرعية، وفجأة وإذا به يرى كوخًا صغيرًا على جانب الطريق فنزل ليسأل أصحاب البيت عن الطريق الموصل إلى هدفه. طرق الباب فسمع صوت امرأة عجوز تقول له من الداخل: تفضل فالباب مفتوح. دخل الطبيب فسلّم واستأذن من المرأة أن يستعمل الهاتف، فابتسمت وهي تقول له: يا ولدي نحن في منطقة لا يوجد فيها هواتف ولا كهرباء، لكن تفضل واسترح وسأصنع لك الشاي لتشربه وهذا بعض طعام لتأكله. شكر الطبيب المرأة وأخذ يأكل. بينما كانت العجوز تصلي وتدعو الله، التفت الطبيب فإذا به يرى طفلًا صغيرًا ينام على سرير متواضع والعجوز تهز به السرير بين مرة ومرة.
استمرت العجوز في صلاتها ودعائها حتى إذا انتهت قال لها الطبيب: والله لقد أخجلتني يا أماه بكرمك ونبل أخلاقك، وأسال الله أن يستجيب دعاءك، فقالت العجوز: يا بني أما أنت فعابر سبيل أوصى الله بك، وأما دعواتي فقد استجابها الله لي كلها إلا واحدة. سألها الطبيب عيشان: وما هي تلك الدعوة؟ قالت: هذا الطفل الذي تراه فإنه حفيدي وهو يتيم الأبوين وقد أصابه مرض عضال عجز عنه الأطباء في منطقتنا، وكلهم قالوا إن الوحيد القادر على علاجه طبيب في العاصمة اسمه الدكتور عيشان، ولكن المسافة إلى هناك بعيدة ولا طاقة لي للسفر إلى هناك ولا مال لدي لأعالجه به، وأخشى أن يسوء حال الطفل فأنا أدعو الله كل صلاة أن يسهّل أمري للوصول إلى الطبيب عيشان لعلاج الطفل.
بكى الدكتور عيشان وقال لها: يا أماه، إن الله قد استجاب دعاءك فضرب الصواعق وأمطر السماء وعطّل الطائرات لكي يسوقني إليك سوقًا. يا أماه أنا الطبيب عيشان، وبكى الطبيب وبكت العجوز ثم أجرى ترتيباته ونقل الطفل والعجوز إلى المستشفى الذي يعمل به وعالجه وشفي بإذن الله.
ومثل قصة الدكتور عيشان في باكستان فإنها قصة ذلك الداعية المصري المظلوم والمفترى عليه. مصر التي لمّا حكمها الظالمون أدعياء القومية العربية، فإنهم أعلنوا الحرب السافرة على الأبرار والأطهار والشرفاء والعلماء، وما يزال حال مصر كما كان. ففي إحدى جلسات محاكمة ذلك الداعية وكان القاضي في صدد الاستماع لتسجيلات صوتية مفتراة ومفبركة تزعم النيابة والمخابرات أنها الدليل القطعي بها تدين ذلك الداعية الفاضل الذي خلال تلك اللحظات كان لسانه لا يفتر عن قول: “حسبي الله ونعم الوكيل”.
ولحرص النيابة والمخابرات على هذه التسجيلات المفبركة والتي عملوا عليها كثيرًا، فإنهم طلبوا من القاضي أن يقوم بتشغيل الجهاز على شريط كاسيت آخر خشية أن يفسد الشريط الذي أعدّوه. بحثوا فلم يجدوا في الدواليب إلا شريط كاسيت عليه تلاوة من القرآن الكريم، وما أن شغّلوا الجهاز وإذا بأول آية تُسمع هي قول الله تعالى من سوره التوبة {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} آية 107 سورة التوبة.
هذه الآية وهذه المفاجأة جعلت القاضي يرتعش ويوقف جلسة المحكمة ليبدأ سماع ملف هذه المحاكمة من جديد وقد أدرك أنها رسالة من الله عبر هذه الآية أن ما في أدلة المخابرات هو الكذب والافتراء.
ما أكثرها المواقف والمشاهد في الماضي والحاضر تؤكد أن الله لا يتخلى عن أوليائه، وأن حسابات الله غير حسابات البشر، وأن إرادة الله فوق القوانين والنواميس البشرية، {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} آية 42 سورة الأنفال، وقال سبحانه: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ} آية 154 سورة آل عمران، وقال سبحانه {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} آية 249 سورة البقرة، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} آية 123 سورة آل عمران، وقال سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ} آية 17 سورة الأنفال. هذه وغيرها من الآيات للتي تؤكد معية الله تعالى أنه هو مسبب الأسباب وصاحب الإرادة التي إذا أراد أن يقول للشيء كن فيكون. فما على المسلم إلا أن يظلّ في معية الله تعالى مطمئنًا واثقًا بوعد الله لأوليائه، وقد قال في ذلك الشهيد سيد قطب رحمه الله: “لا تشغل نفسك بموعد الفرج إنه والله فوق الرؤوس، ولكن أشغل نفسك أين أنت وأين موقعك بين الحق والباطل”.
اعملوا وتفاءلوا
إن صدق التوكل على الله سبحانه لا يعني عدم الأخذ بالأسباب ولا يعني إهمال الإعداد الكامل في كل شيء {وَأَعِدِّوْا} من أجل تجاوز المرحلة. وقد قال في ذلك المرحوم محمد إقبال: “المسلم الضعيف هو الذي يعتذر بالقضاء والقدر، أما المؤمن القوي فهو قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يُرد”. ولقد قال في ذلك الشاعر المسلم:
تفاءل تفاءل ولا تيأسنّ ولا تعتذر بالقضاء والقدر
إذا المرء يومًا أراد العلا فلا بد أن يستحث السيّرَ
فالمسلم لا يجلس ينتظر الطير الأبابيل ولا المعجزات والخوارق، ولكنه إذا أخذ بالأسباب وكان شعاره {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} آية 62 سورة الشعراء {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة، وإذا كان هذا هو منهج وبناء أبناء شعبنا وأمتنا، فإننا على يقين أن أمتنا ستخرج من هذه المحنة وستنفي عنها الزيف كما تنفي النار زيف الذهب ليكون خالصًا صافيًا أصيلًا لا خَبَث فيه ولا زيف.
فما علينا إلا الثقة بالله تعالى وحسن التوكل عليه والركون إلى قوته والاعتصام بحبله، وسنرى من عظيم لطف الله ما يدهشنا ويجبر خاطرنا
واشدد يديك بحبل الله معتصمًا فإنه الركن إن خانتك أركان
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.