كاتبة أفغانية: الهدن القصيرة لا توقف صدمات الحروب
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
تقول الكاتبة وزمة سادات إنها نشأت في أفغانستان وسط الحروب المستمرة وتعرف أن وقف إطلاق النار لبضعة أيام لا معنى له، إذ لا يمكنه أن يوقف صدمات الحروب التي يواجهها الأطفال.
واستهلت الكاتبة، وهي أميركية من أصول أفغانية مقالا لها بمجلة "نيوزويك" الأميركية أمس، بالقول إنها كانت ترغب في إنهاء الحرب في غزة تماما، بدلا من الهدنات المؤقتة.
وأكدت أنه -وبعد سنوات طويلة من مغادرتها أرض الحروب التي عاشتها في طفولتها وأصبحت على بعد آلاف الكيلومترات منها- لا تزال صور الأطفال الأبرياء من غزة وهم غارقون في الدماء تعيد إليها ذكريات طفولتها.
طائرات وصواريخوسردت الكاتبة قصصا مرعبة عن معاناتها من القصف بالطائرات والصواريخ في أفغانستان. فعندما كان عمرها 7 أيام فقط، اخترق جناح طائرة مقاتلة نافذة منزلهم حيث كانت نائمة، محطما الزجاج على جلدها الغض، وعندما كانت بالرابعة ضرب صاروخ منزلهم.
وقالت إنها، وحتى اليوم، تستطيع سماع صوت إحدى القنابل التي ضربت جزءا من منزلهم، ولا تزال تشعر أحيانا أن الأرض ترتجف من تحتها.
وقالت أيضا إنها مشت على جثث الموتى لتهرب بحثا عن ملجأ، وكانت تغلق عينيها وأذنيها حتى لا تسمع صرخات الموت طلبا للمساعدة ثم النهايات الصامتة.
لا مكان يركضون إليه
وعبرت الكاتبة من أصل أفغاني عن حزنها الشديد لأطفال غزة، وعن ألمها كأم لأنهم ليس لديهم مكان يركضون إليه من القنابل والصواريخ التي تنتزع حياتهم وسلامهم إلى الأبد.
فالأطفال يدفعون أعلى ثمن لهذه الحرب -كما تقول الكاتبة- وفي حين أنهم قد لا يتذكرون معظم التفاصيل، فإن صدمة الحرب سوف تبتلع حاضرهم، وتطمس إحساسهم بالسلام وثقتهم في الإنسانية، وسوف تدمرهم لأجيال قادمة.
وأضافت "سوف يتذكر الأطفال الفلسطينيون هذه الأهوال وسيدفعون ثمن العنف" وقالت إنها تستيقظ هذه الأيام من نومها خوفا من أن تتصاعد الحرب في جميع أنحاء المنطقة ويموت الأطفال مرة أخرى ظلما.
الظل البشعوقالت الكاتبة إنها في إحدى الليالي، في أفغانستان، رأت الموت عن قرب وتعهدت بإنهاء ظل الحرب البشع من حياة الأطفال.
وهي تعيش الآن في الولايات المتحدة، ومع ذلك لا تزال تعيش ذكريات الحرب التي ابتلعت حياتها كلها تقريبا، مضيفة أن الحرب تنتصر مرة أخرى، حيث ينعى جارها الفلسطيني بهدوء فقدان 20 من أفراد أسرته الذين قتلوا في غزة الشهر الماضي.
وختمت بأنها تستيقظ فجأة، هذه الأيام، وتجلس على سريرها الساعة الثانية صباحا، وتغلق عينيها وأذنيها على صوت أجش للحرب القادمة من أماكن بعيدة، وتقول بصوت عال في غرفتها الهادئة الفارغة "من فضلكم، ضعوا حدا لهذا الكابوس (الذي هو) من صنع الإنسان".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الحرب والأدب – رائحة الدم وسلطة الحكي
منذ البدء أدركت أن الحرب، كالأدب، هي فن قلة أدب... مؤلم ولكنه مغرٍ. لم يكن مطلوباً من الحروب أن "تصلح" العالم، بل إن أكثر الحروب دماراً كانت تحركها دوافع لا أخلاقية: السلطة، المال، الانتقام، وأحياناً مجرد النزوات. مثل الأدب، الحروب التي تُشعل الصفحات وتجذب الأنظار هي تلك التي تقلب الطاولة على الرتابة وتعيد ترتيب الأدوار، حيث يصبح الضعيف قوياً والقوي هشاً، ولو للحظات.
لا تبتعد الحرب كثيراً عن وظيفة الطُّعم في الروايات. إنها لعبة يجيدها الكبار الذين يكتبون مصائر الشعوب بالرصاص والقنابل. في كل حرب، قصة غير مكتملة تحتاج لشهودٍ كي تكتمل: شهداء في الأرض، أرقام على الشاشات، وذاكرة مشوهة.
الأدب والحرب شهوة الحكي وصمت الفجيعة
الحروب، كما الأدب، تجرّ كتّابها نحو التناقضات. ماركيز دو ساد كانت فجاجته في الأدب انعكاساً لتخيلاته المتطرفة، أما أدب الحروب العربية فكان مرآةً لنفاق واقعها. الحرب، في عمقها، تشبه الجنس في الأدب: محرك خفي للمشاعر والقرارات، محرّم أحياناً، لكنه حاضر كظل ثقيل في كل زاوية.
مثلما كانت رواية "أنا أحيا" لليلى بعلبكي تصرخ في وجه الصمت المجتمعي، تخرج الحروب بوحشيتها لتكشف عن ضعف الشعوب وقوة الحاكم، لتعيد ترتيب الخرائط السياسية والمجتمعية كما تفعل الروايات الجريئة بنصوصها. محمد شكري جُرّ إلى المنع بسبب الكتابة عن جسده، بينما تُساق شعوب بأكملها نحو الموت بسبب أجساد تملك السلطة ولا تُمس.
لغة الدماء و"ماركيتينغ" الحرب
في زمن "البيست سيلر"، الحروب أيضاً تخضع لقواعد السوق. مشاهد الدمار تُباع، وصور اللاجئين تُستهلك، وقصص الأبطال تُصنع في مكاتب العلاقات العامة. الحرب، مثل الأدب الرديء، قد تبدو مفبركة أحياناً، لكن تأثيرها حقيقي ومدمر. الفرق الوحيد هو أن النصوص تُطوى بينما الجثث تُترك للتراب.
أدب الحروب من الاحتشام إلى الوقاحة
كما الجنس في الأدب، تتأرجح الحروب بين الوقاحة المفرطة والاحتشام الزائف. هناك من يكتب عن الحرب كفعل نبيل، وهناك من يراها مجرّد أداة لنشر الخوف وإحكام السيطرة. الحروب تبيع نفسها للجماهير كضرورة، لكنها في جوهرها تظل كاتباً مهووساً بتسجيل الفوضى.
سؤال السقوط هل يفقد الأديب قيمته؟
حين يكتب الأديب عن الجنس، بشكل مباشر أو فاضح، وحين يغوص في المناطق المحرمة من الذات والواقع، تُثار أسئلة حول أخلاقيته ودوره. لكن، هل يُسقط ذلك الأديب من عليائه؟ أم أن الأدب بطبيعته فعل تمرّد على الخطوط الحمراء؟
يبقى السؤال معلقاً في الهواء، بلا إجابة حاسمة هل يكتب الأديب ليصنع فناً خالداً يتسامى على القبح، أم يكتب ليواجهنا بمرآة صادمة تكشف أكثر أوجهنا انكساراً؟ وهل يكفي الالتزام بالقيم، أم أن الحقيقة—مهما كانت عارية—هي القيمة العليا في الكتابة؟
zuhair.osman@aol.com