خريف الإخوان.. قراءة مبكرة للفوضى
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
الإمارات صاحبة تجربة رائعة ورائدة في مواجهة الإرهاب؛ لأن التجربة ذات بُعد أمني وعسكري وفكري، ولعلها بذلت ومازالت جهودًا كبيرة في مساحة المواجهة الفكرية والتي تمثل الحيز الأكبر والأهم بين كل صور المواجهة.
أهمية التجربة الإماراتية أنها واجهت كل صور الإرهاب سواء الموجودة على أراضيها أو حتى خارج أراضيها، اعتقادُا منها أن هذه الظاهرة تمثل خطرُا ليس فقط على أمنها ولكن تمثل خطرًا على أمن المنطقة والعالم ولا نبالغ إذا قلنا على الأمن الإنساني.
وهذا يبدو من أهمية التجربة وجوب استثمارها من قبل المجتمع الدولي إذا كانت لديه رغبة جادة في القضاء على الإرهاب كظاهرة والتخلص منه كسلوك، وهنا لابد من تسليط الضوء على ضرورة استثمار التجربة الإماراتية على مستوى المنطقة، فالإقليم في حاجة إلى مواجهة الظاهرة التي باتت تمثل خطرًا على أمنه ووجوده.
للتو انتهيت من قراءة كتاب "خريف الإخوان" للكاتب الصحفي والمفكر الإماراتي محمد الحمّادي، والذي طرح فيه أبعادًا مهمة تتعلق بفهم الإخوان، كيف يعملون؟ وما هي استراتيجيتهم تجاه أوطانهم؟ كما أنّ الكتاب سلط الضوء على تحركات التنظيم داخل الإمارات وكيف تعاملت معه الدولة؟
أهمية هذا الكتاب في أنه وثق لحقبة زمنية تبدو مهمة في تاريخ الإمارات وما تعرضت له من مخاطر، خاصة وأن الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة بذل جهودًا في إعادة تفعيل بعض الدوائر الحكومية والوزارية من أجل عطاء أكبر ضمن سياسة البناء التي تعهد بها، وموقف التنظيم من هذا البناء، بعد أن انكشفت نواياهم من الدولة ومؤسساتها، حسب الكاتب، بعد عدد من المظاهرات التي قاموا بها، استلهامًا لروح التمرد التي ضربت المنطقة بعد العام 2011.
"خريف الإخوان" وثق جلسات المحاكمة التي بدأت بعد العام 2011 لما عُرف بالتنظيم السري للإخوان في الإمارات، فنقل أدق التفاصيل عن هذه الجلسات، كما أنه نقل بأمانه ما دار في كل جلسات المحاكمة والتحقيق أيضًا، فكان هدف الكاتب نقل الصورة بكل تفاصيلها وبدقه حتى أنه استغرق في عرضها.
وهدفه من ذلك هو نقل الصورة الحقيقية عن الإخوان في الإمارات، لأنه يؤمن أن جزء من المواجهة الحقيقية للإخوان، هو نسخ صورة الجماعة وتسليط الضوء على بعض تفاصيلها، فهذا كفيل بإنصراف النّاس عنهم؛ فالجماعة اعتمدت على ذاكرة النّاس الضعيفة والتي لا تميل إلى التفاصيل، فاختصروا وجودهم وروجوا لذلك بأنهم "بتوع ربنا" لاغتيال أي خصم معنويًا، وباتت التفاصيل غير موجوده فافتقد النّاس ذائقة الحكم عليهم.
كتّاب "خريف الإخوان" مرجع مهم لفهم الإخوان، رغم أنّ عبارة عن مجموعة مقالات كتبها صاحبها في جريدة الإتحاد الإماراتية بعد العام 2011 وقبل صدور الكتاب في العام 2016، خاصة وأن الكتاب لم يكتفي بقراءة الإخوان في الإمارات أو الخليج وإنما وضع يده على مفاتيح تتعلق بقراءة عقل الإخوان في أي مكان وكل مكان.
طبع كتاب خريف الإخوان في بيروت وظهر في مصر وتونس في طبعات محدودة لم تمكن القارئ العربي من مطالعته، ولذلك يبقى الدور على مراكز الأبحاث والدراسات والمكتبات الكبيرة والمهتمه بقضايا الفكر بضرورة إعادة طباعة هذا الكتاب حتى يمكن الرجوع لكل ما جاء فيه، خاصة وأنه فريد فيما ذكر وتعرض له.
إطلاع الحمّادي على جلسات محاكمة الإخوان والاقتراب من أفكارهم جعله الأقدر على رصد حقبة زمنية مرت بها دولة الإمارات، كما أنه نجح من خلال قلمه في قراءة التنظيم قراءة دقيقة تلمس واقعهم، وهو ما يُساعد في مواجهتهم، وكما نحتاج إلى مثل هذه الكتابات الرصينة.
كما أننا في حاجة إلى قراءة مختلفة ومتجدده لتنظيم الإخوان نلمس من خلالها واقعه الحقيقي، والذي تعرض لعدد من التحولات السياسية والإجتماعية والدعوية، فلا يمكن مواجهة التنظيم بدون فهمه وفهم أبعاده الدقيقة، وهذا ما وضع محمد الحمّادي يده عليه حتى خرج علينا بهذا الخريف.
كما أنها دعوة للكاتب باستثمار هذه المعرفة لإعادة قراءة التنظيم من خلال عمل جديد يرصد تحولات التنظيم في آخر خمس سنوات، خاصة وأنه يمتلك رؤية تحليلية عميقة دفعته لاستشراف واقع التنظيم والمنطقة في ظل تحولاته الدائمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الاخوان الامارات محمد الحمادي الإخوان المسلمون الإخوان فی کما أن
إقرأ أيضاً:
الكتاب الورقي.. حيٌّ يُرزق
د. ذياب بن سالم العبري
ليس غريبًا أن يتجدد الإقبال سنويًا على معرض مسقط الدولي للكتاب، وأن نرى القاعات تغُص بأطفال وشباب وكهول، يتحركون بين الأرفف كما لو أنهم يتنقلون بين أبواب مدينة قديمة، يعرفونها جيدًا، ويحنّون إلى تفاصيلها، رغم كل ما توفره التطبيقات والمنصات الإلكترونية من خيارات قراءة رقمية.
الكتاب الورقي لا يُختزل في محتوى يُقرأ، بل هو أثرٌ ملموس، ونسقٌ بصريٌّ ونفسيٌّ ووجداني، يشكل حضورًا داخل البيت، والمجلس، والذاكرة. وهو في عُمان ليس مجرد سلعة ثقافية، بل جزءٌ من منظومة تربوية مُتجذرة، بدأت من ألواح المساجد، ونسخ المصاحف بخط اليد، ووصلت إلى مكتبات المدارس والمجالس الأهلية ومبادرات النشر الفردية.
صحيحٌ أن العالم يشهد تحولًا رقميًا كبيرًا، وأن الأجهزة الذكية اختزلت آلاف الكتب في راحة اليد، لكن ذلك لم يُلغِ حضور الورق، بل أعاد تعريف دوره في الحياة المعاصرة. فقد أظهرت دراسة نرويجية أن الطلبة الذين يقرؤون من الكتب الورقية يتمتعون بفهمٍ أعمق وقدرةٍ أعلى على تذكّر التفاصيل، مقارنة بمن يقرؤون النصوص نفسها عبر الشاشات.
الكاتبة العالمية مارجريت أتوود قالت ذات مرة: "الكتاب الورقي لا يحتاج إلى بطارية، ولا يتعطل، ولا يُغلق بسبب تحديث"، وهذه المقارنة البسيطة تختصر جانبًا مهمًا من ثبات الورق أمام تقلّب التقنية. بل إن بعض الجامعات الكبرى في العالم، مثل أوكسفورد وهارفارد، ما تزال تُلزم طلاب الدراسات العليا بالرجوع إلى المراجع الورقية في أبحاثهم، باعتبارها أوثق مصادر التوثيق العلمي.
أما محليًا، فإن المتتبع لحركة النشر في عُمان خلال السنوات الأخيرة، يدرك أن هناك وعيًا متزايدًا لدى الكتّاب والباحثين بأهمية الطباعة الورقية، ليس فقط لأجل النشر، ولكن لحفظ الحقوق، وتأصيل الفكرة، وترسيخ الذاكرة الوطنية. مبادرات كثيرة، بعضها أهلية وأخرى برعاية مؤسسات، صدرت كتبًا توثق التاريخ المحلي، وتحفظ الأمثال الشعبية، وتدوّن التجارب الشخصية والمجتمعية بأسلوب علمي وتربوي.
إنَّ الحفاظ على الكتاب الورقي لا يعني الوقوف في وجه التطور؛ بل يعني بناء جسر متين بين المعلومة والتأمل، بين الفكرة والإنسان، بعيدًا عن ضجيج المحتوى السريع؛ فالكتاب الورقي يُعلِّم الصبر، ويُؤنس الوحدة، ويُربي عادة التدرج في الفهم، ويمنح القارئ إحساسًا حقيقيًا بالانتماء للمعرفة.
واليوم، في ظل عالمٍ يفيض بالمحتوى العابر، والتطبيقات التي تُسابق الزمن، هل ما زلنا نملك الشجاعة لتخصيص وقتٍ لكتابٍ يُفتح، وتُشمّ رائحته، وتُقلّب صفحاته ببطء، لنحيا داخله لا خارجه؟