تنتهك الولايات المتحدة بين الحين والآخر اتفاقية المقر التي تنظم العلاقات مع الأمم المتحدة والتي كانت أبرمت في عام 1947. أشهر المناسبات القديمة تلك التي جرت في عام 1988.    

إقرأ المزيد لماذا رفض العرب قرار تقسيم فلسطين؟ وماذا قال عنه وقتها المندوب السعودي؟

في ذلك العام رفضت الولايات المتحدة منح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والوفد المرافق له تأشيرات دخول إلى الأراضي الأمريكية للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولذلك قرر المنظم الأممي في 1 ديسمبر 1988 نقل اجتماعات الجمعية العامةإلى المقر في جنيف.

امتناع الولايات المتحدة عن منح تأشيرة دخول للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أرجعت إلى  "صلته بالإرهاب"، في حين وصفت صحيفة واشنطن بوست ما جرى بأنه أحد من أكثر القرارات المثيرة للجدل في فترة عمل جورج شولتز كوزير للخارجية الأمريكية بين عامي 1982-1989.

البيت الأبيض على غير عادته قام بتوضيح للخطوة، حيث أشار إلى ان القرار اتخذ من دون التنسيق مع الرئيس الأمريكي جينها رونالد ريغان، فيما رد الوفد المرافق لعرفات بلهجة غاضبة قائلا إن "ياسر عرفات إرهابي بنفس قدر (أول رئيس أمريكي) جورج واشنطن".

اتفاقية استضافة الولايات المتحدة لمقر الأمم المتحدة الموقعة في عام 1947 تنص على أن مقر المنظمة العالمية يتمتع باستقلالية واسعة، وهو "يخضع لسيطرة الأمم المتحدة وسلطتها".

القسم 9 من هذه الاتفاقية ينص على التالي: "منطقة المقر مصونة. لا يجوز للمسؤولين الاتحاديين والإقليميين والمحليين ومسؤولي الولايات المتحدة، سواء كانوا إداريين أو قضائيين أو عسكريين أو من الشرطة، دخول منطقة المقر لأداء أي واجبات رسمية، إلا بإذن من الأمين العام وبموجب شروط يقبلها.

الاتفاقية لفتت أيضا إلى أن "المحاكم الأمريكية على مختلف المستويات، عند النظر في القضايا الناشئة فيما يتعلق بالأفعال المرتكبة والمعاملات المبرمة في منطقة المقر، يجب أن تأخذ في الاعتبار القواعد التي وضعتها الأمم المتحدة".

علاوة على ذلك، نصت اتفاقية مقر الأمم المتحدة على أن الولايات المتحدة لا يجب أن تعرقل مرور موظفي الأمم المتحدة وممثلي الدول الأعضاء والخبراء المدعوين وممثلي وسائل الإعلام المعتمدين إلى منطقة المقر. وهذا الأمر يشمل إجراءات إصدار التأشيرات: وبحسب الاتفاقيات المبرمة، "يجب إصدارها مجانا وبأسرع وقت ممكن"، مع المراعاة بالخصوص أن هذه القواعد تنطبق بغض النظر عن العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وحكومات هؤلاء الأشخاص.

اللافت أن منظمة "رابطة الدفاع اليهودية" قبل أن ترفض واشنطن منح عرفات تأشيرة دخول إلى نيويورك، كانت هددت بالقول إن "هذا الفلسطيني لن يغادر نيويورك حيا".

انتقلت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مقرها في جنيف بسويسرا، وخاطب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في 13 ديسمبر عام 1988 من هناك الإدارة الأمريكية ودول العالم وشعوبها قائلا:

إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعرف أن شهادة الميلاد الوحيدة لقيام دولة إسرائيل هي القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة في 29 نوفمبر 1947، والذي وافقت عليه، في حينه، الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي، وهو ينص على قيام دولتين في فلسطين واحدة عربية فلسطينية والثانية يهودية.

فكيف تفسر الحكومة الأمريكية موقفها الذي يقر، ويعترف، بنصف هذا القرار المتعلق بإسرائيل، وترفض نصفه الآخر المتعلق بالدولة الفلسطينية؟ بل وكيف تفسر حكومة الولايات المتحدة عدم التزامها بتنفيذ قرار سبق لها وأن تبنته أكثر من مرة في جمعيتكم الموقرة، وهو القرار رقم 194، والقاضي بحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وممتلكاتهم التي طردوا منها، أو التعويض على من لا يرغب في العودة.

إن حكومة الولايات المتحدة، تعلم أنه ليس من حقها، أو من حق غيرها تجزئة الشرعية الدولية، وتفتيت أحكام القوانين الدولية.

مع ذلك، تواصل الإدارات الأمريكية انتهاك اتفاقياتها مع الأمم المتحدة، وتتخذ إجراءات لعرقلة أو منع دخول وفود الدول التي لا ترضى عنها بما في ذلك الصحفيون المرافقون.

ما يجري بانتظام على ما يبدو، يعد جزءا من الواقع الذي تحاول واشنطن باستماتة أن تفرضه على العالم، وكان عرفات والقضية الفلسطينية ذاتها، أحد أشد المتضررين من هذا السلوك في العقود السابقة.

المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أرشيف الأمم المتحدة الجمعية العامة للأمم المتحدة جنيف نيويورك ياسر عرفات الولایات المتحدة الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

العرب في مصيدة الانتخابات الأمريكية

تقوم الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاث ركائز: الالتزام المطلق بدعم إسرائيل في كل الظروف والمواقف، والتحالف مع صناعة النفط في الخليج، والعداء المزمن لإيران. أُضيف لهذه العوامل في وقت لاحق غير بعيد موضوع الجماعات الجهادية وانتشارها في المنطقة وزعمها تهديد الوجود الأمريكي. ورغم الاستثمار الكبير، من حيث الموارد والتجنيد والدعاية، لم يرقَ موضوع الإرهاب والجهاديين إلى أن يصبح ركيزة رابعة ثابتة للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط.

تتداخل هذه الركائز فتعزز إحداهما الأخرى لتُبقي الولايات المتحدة حبيسة مأزق عسكري واستراتيجي دائم في المنطقة بشكل يجعل الوجود الأمريكي فيها عامل توتر وتأزم أكثر منه عامل أمن وطمأنة.

في وقت من الأوقات قد يتراجع حضور إحدى الركائز الثلاث مقارنة بالاثنتين الأخريين، لكن لا يمكن أن يأفل حضور كل الركائز في وقت واحد بحيث يعطي الانطباع بأن الفراغ غالب وبأن الولايات المتحدة باتت غائبة أو بلا تأثير.

حتى مع الانسحاب من العراق في عهد الرئيس باراك أوباما ومن أفغانستان في عهد بايدن، وبينهما سعي ترامب لسحب بلاده من التزاماتها الدولية، القانونية والسياسية، عجزت الولايات المتحدة عن التواري كليا. كل ما حدث كان مجرد إعادة انتشار تكتيكي وظرفي.

تدفع مجمعات الصناعة الحربية الأمريكية السياسيين والمشرِّعين في واشنطن إلى إبقاء جذوة الحضور مشتعلة، ونُذر التوتر قائمة بشكل يجعل الولايات المتحدة ضرورة لا غنى عنها.

هناك طرف آخر لا يقل حرصه على الوجود الأمريكي، ومن ورائه إبقاء جذوة التوتر مشتعلة ونُذر الحرب قائمة، عن حرص مجمعات التصنيع الحربي: إسرائيل واللوبيات الداعمة لها.
تدفع إسرائيل في كثير من الأحيان نحو صراع أمريكي مع إيران بأي شكل من الأشكال
تدفع إسرائيل في كثير من الأحيان نحو صراع أمريكي مع إيران بأي شكل من الأشكال.. سياسي، دبلوماسي، عسكري، استراتيجي، ولو اجتمعت كل هذه الأشكال في وقت واحد سيكون ذلك بمثابة الجائزة الكبرى. أكثر ما تخشاه إسرائيل أنه في غياب عداوة تقترب من المواجهة المسلحة بين الولايات المتحدة وإيران، قد يبدأ الأمريكيون في التساؤل عما إذا كانت بلادهم في حاجة فعلا إلى تحالف مع إسرائيل.

حضر الشرق الأوسط في المناظرة الرئاسية بين المرشحين دونالد ترامب وكمالا هاريس الأسبوع الماضي. لكنه حضور بريكزتين فقط، إسرائيل وإيران وتغييب واضح لركيزة الصناعة النفطية الخليجية. بينما اختفى موضوع الإرهاب والجهاديين تماما، كما كان منتظرا.

لا يعني هذا «التغييب» أيّ تغيير استراتيجي في المقاربة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج بعد الانتخابات المقبلة، أيًّا كان الفائز فيها.

بالعكس، ستكون الاستمرارية هي المحرّك الأساسي. لقد حاول الرئيس بايدن البناء على «الاتفاقيات الإبراهيمية» التي ورثها عن سلفه ترامب بجر السعودية إليها، لكنه فشل لأسباب أقوى منه.

وستواصل هاريس المحاولة بكل قواها على الرغم من أن ترامب هو صاحب الاتفاقيات المذكورة. ومن نافلة القول إن ترامب نفسه سيجعل منها ورقته الأساسية في التعاطي مع الشرق الأوسط وأزماته.

طبيعة السياسة الأمريكية، التي منحت بموجبها واشنطن لنفسها صفة شرطي العالم، وتداخل مصالحها في كل زاوية من زوايا الكرة الأرضية، ثم بروز المنافسة الصينية والإزعاج الروسي، كلها عوامل تجعل واشنطن في حاجة للجميع وتستعمل الجميع لخدمة مصالحها.

وعلى الرغم من أن المنطقة مقسَّمة تلقائيا إلى مجموعات أو فضاءات متجانسة إلى حد كبير، إلا أن المخططين في واشنطن متمسكون بالتعامل معها فرادى ووحدات.

ضمن هذا المنطق تعمل واشنطن على الحفاظ على علاقات طيبة مع السعودية بحكم التحالف الاستراتيجي الذي عمره أكثر من سبعة عقود، وبحكم أن المملكة منبع النفط العالمي.

وإذا أُضيف لهذين العاملين موضوع التطبيع المحتمل بين السعودية وإسرائيل، يصبح من ضروب المستحيل تقريبا أن تتخلى واشنطن عن الرياض.

وتحتاج الولايات المتحدة لدولة الإمارات كقوة إقليمية مؤثرة استراتيجيا واقتصاديا تُحقق لها بطرقها الخاصة ما لا تستطيع تحقيقه بالطرق التقليدية. إضافة إلى أن أبوظبي أحد أكبر زبائن السلاح بطموح كبير وموارد هائلة تتفوق بكثير على بقية الزبائن.

وتحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على علاقات مع قطر بسبب قاعدة «العديد» العسكرية والحاجة إليها في موضوع الوساطات إقليميا ودوليا.

والحال نفسه يتكرر تقريبا في العلاقة مع عُمان التي تلعب أدوارا دبلوماسية فعَّالة بقدر ما هي هادئة، وتروق لصانع القرار في واشنطن. كما تحتاج الولايات المتحدة لعلاقات قوية مع الأردن رغم صغر حجمه وتأثيره في المنطقة الذي يبدو للبعيد ثانويا، مع مصر هناك حاجة لواشنطن لتأمين علاقات طبيعية في حدها الأدنى لأن العلاقات المصرية الأمريكية تعجز عن أن ترتقي إلى درجة التميّز، وفي الوقت نفسه لا يجب أن تتدهور أو تنقطع.

رغم أن انتخابات 2024 ستجري في سياق شرق أوسطي مختلف تماما عنوانه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان غزة، واحتمالات اشتعال المنطقة برمتها، كانت المناظرة بين ترامب وهاريس فرصة للمرشحَين لتأكيد تشابه سياساتهما (وسياسات جميع المرشحين، سابقا ولاحقا) بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط وإسرائيل والحاجة الملحة للحفاظ على الوضع القائم.

كرَّست المناظرة الأخيرة المعروف في المقاربة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. كل ما يستطيعه بعض المرشحين، وفي حالات محددة، طرح سردية تعطي الانطباع بالتمرد عن المألوف، ثم تتوقف عند سقف معيّن. النموذج عن ذلك في انتخابات 2024 المرشحة كمالا هاريس وحديثها عن معاناة المدنيين في غزة وضرورة أن تتوقف الحرب فورا.

هذا أقصى ما تستطيعه. وقبلها باراك أوباما وبدرجة أقل بيل كلينتون. لكن بعد الكلام نصف المعسول تتواصل شحنات السلاح لإسرائيل من قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ موجهة وغير ذلك. وتتواصل المساعدة الاستخبارية التي تجعل الولايات المتحدة شريكة رئيسية في حرب الإبادة على غزة.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة تنفي مشاركتها بتفجيرات لبنان.. لن نقدم تفاصيل أكثر
  • البيت الأبيض: الولايات المتحدة لم تشارك في الهجمات التي شهدها لبنان أمس واليوم
  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة لم تنسق مع إسرائيل لتنفيذ تفجيرات لبنان
  • القاهرة الإخبارية تفك ألغاز حادث اغتيال علاء الدين نظمي في جنيف
  • «القاهرة الإخبارية» تفك ألغاز حادث اغتيال الدبلوماسي علاء الدين نظمي في جنيف
  • ثورة بنغلادش تلجأ إلى الولايات المتحدة لـإعادة بناء البلاد
  • الولايات المتحدة تعلن اكتمال انسحابها من النيجر
  • العرب في مصيدة الانتخابات الأمريكية
  • واشنطن: الولايات المتحدة ليست مستعدة لرفع القيود المفروضة على أوكرانيا
  • كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية في غزة: يجب العمل لتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع