بالكراسي المتحركة.. تجارب نزوح صادمة في غزة
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
غزة- يتجول "جاد" على كرسيه المتحرك في ساحة مستشفى ناصر الطبي جنوب قطاع غزة، ويتمتم بصوت خافت "لا أعلم أين أذهب فلا مأوى، ولا مأمن لي من حرب شرسة لا تفرق بين مدني، ولا عسكري، خرجنا على أصوات الصواريخ والمدافع، وبصعوبة بالغة استطاع أخي سحبي على هذا الكرسي إلى أن وصلنا للمستشفى لأنام فيها".
أما "وئام" الطفلة ذات السبعة أعوام، فتجلس على كرسيها المتحرك أمام أحد صفوف مدرسة إيواء للنازحين تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" ولا تستطيع أن تجد مكانا تنام به غير قطعة قماش تفرشها تحت جسدها الصغير خلال الليل.
تقول وئام "جئنا في بداية الحرب نازحين من بلدة خزاعة شرق خان يونس، وأقلق دائما على شعور أهلي وخوفهم عليّ عندما يحدث قصف، ونضطر إلى الخروج وحركتي صعبة، أخاف أن أعرّض حياة أحد للخطر".
لا مكان لوافدين جددمن جانبه، قال الدكتور معتز العجلة إن "هناك عددا كبيرا من النازحين والمصابين من ذوي الاحتياجات الخاصة لم يتلقوا الرعاية الطبية الكافية خلال الحرب؛ بسبب كثرة الإصابات ومحاصرة وقصف بعض مستشفيات قطاع غزة".
وأعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة، أن ما يقرب من 1.7 مليون شخص نزحوا منذ بدء الحرب.
وقالت أونروا، في بيان لها، إن "هناك 930 ألف نازح داخلي كانوا يحتمون في مباني الوكالة في أنحاء غزة حتى 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري"، مشيرا إلى أن الملاجئ مكتظة بالفعل، ولم يعد بها مكان للوافدين الجدد.
ويشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا جوية وبرية وبحرية على غزة، خلفت أكثر من 15 ألف شهيد، ودمرت أحياء بكاملها، وشردت عشرات الآلاف من منازلهم، إضافة لاستهداف المنشآت المدنية والمستشفيات بشكل مباشر.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
مستقبل غزة والدور العربي لما بعد الحرب
مضت 500 يوم على أحداث السابع من أكتوبر 2024، ويبدو مستقبل سكان غزة أكثر قتامة من أي وقت مضى. لا يزال مئات الآلاف من الفلسطينيين مشردين، يفترشون الطرقات أو يسكنون خيامًا مهترئة لا تقيهم برد الشتاء وأمطاره الغزيرة، في ظل شح الموارد وانتشار الأمراض.
ولا يعاني سكان غزة فقط من أزمة المأوى، بل يواجهون أيضًا نقصًا حادًا في الغذاء والمياه والكهرباء والوقود، إلى جانب انهيار القطاع الصحي، حيث خرجت أكثر من 25 مستشفى من أصل 38 عن الخدمة، ما يستدعي سنوات من العمل لإعادة تأهيلها.
ورغم المعاناة اليومية التي يعيشها أهالي غزة في العراء، فإن إسرائيل لم ترحم ضعفهم، وما زالت تضربهم وتستهدفهم بكل وسائل العنف والقتل، مدعية بحثها عن عناصر حركة حماس المختبئين بين الأهالي. وما زالت دولة الاحتلال تمارس هذه الحيلة حتى تنفذ مخططها كاملاً بالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة.
وما زال القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي والعمليات القتالية التي دمرت أكثر من ثلثي قطاع غزة مستمرة، وسط استمرار معاناة الأهالي من الجوع وانتشار الأمراض وموت الأطفال بسبب سوء الأوضاع المعيشية، وكذلك الاستهدافات المستمرة من قبل الاحتلال.
ورغم إعلان الاحتلال في يناير الماضي عن الهدنة والسماح بعودة النازحين وإدخال المساعدات وعدم عرقلة جهود إعادة الإعمار، فإنهم لم يجدوا إلا الركام، ولم يسمح إلا بدخول 10% فقط من احتياجات القطاع من الخيام، فضلاً عن عرقلة دخول المنازل المتنقلة، ما زاد من معاناة المدنيين الذين يواجهون ظروفًا يصعب على البشر تحملها. ولكن هذه الهدنة مهددة حتى الآن في ظل التعنت الإسرائيلي الحمساوي، وإصرار كل طرف على التمسك بشروطه وحساباته الخاصة دون النظر إلى الشعب الذي يُباد أو الأسرى الذين يرغبون في العودة بأي شكل ممكن.
ووسط كل هذا الدمار النفسي والمعنوي الذي يعيشه أهالي غزة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليزيد الطين بلة ويطالب مصر والأردن باستقبال أهالي غزة، في نية صريحة لترحيلهم خارج قطاع غزة حتى يخلي الجو لإسرائيل لتحتل القطاع وتضمه إلى أراضيها. لكن تسلح الأهالي بالبقاء في أرضهم يؤكد أنه رغم صعوبة الأوضاع، فلا خيارات لهم سوى البقاء في غزة.
وبين هذا وذاك، ما زالت إسرائيل ترتكب مجازر في حق الشعب الفلسطيني، بينما تظل حماس في موقف “الطرف الذي يفرض شروطه” ويتمسك بها. فالأهم هو نفوذ الحركة وعودتها إلى رأس السلطة في غزة مجددًا بأي شكل أو تسوية ممكنة.
فالأولوية الآن هي تثبيت وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات، وانسحاب قوات الاحتلال بالكامل، وتولي الحكومة الفلسطينية مسؤولياتها كاملة في قطاع غزة، ووقف جميع الأعمال الأحادية، ووقف الاستيطان، ومحاولات ضم الأرض الفلسطينية في الضفة.
لكن هل تقبل «حماس» الانسحاب من المشهد لصالح السلطة الفلسطينية؟ إن فعلت «حماس» ذلك، تكون قد أنقذت ما تبقى من قوتها، وقوَت الموقف العربي والأُممي في التفاوض على اليوم التالي.
وهنا يأتي دور العرب أو وسطاء السلام، فالمرحلة الحالية تتطلب زيادة الضغط على إسرائيل وحماس أيضًا من أجل استئناف الهدنة بينهما لأهميتها بشكل كبير في تضميد جراح أهالي غزة، ووقف آلة حرب الإبادة الإسرائيلية تجاههم، أو على الأقل أن يعودوا إلى بيوتهم ويعيشوا في أمان، مع دخول المساعدات إليهم وقليل من الرعاية الطبية حتى يشعرون بأنهم أحياء.
أيضًا الدور العربي الغائب باستثناء دور مصر وقطر والسعودية، لا بد أن يعود إلى صدارة المشهد من جديد، لأن القضية الفلسطينية ستظل القضية الأولى والأخيرة للعرب. كما أن تقديم المساعدات من كل الدول العربية إلى أهالي غزة ضرورة في هذه المرحلة، خاصة مع قدوم شهر رمضان الكريم، لأن هذا منطق الأشقاء. لذلك مطلوب دعم عربي مالي وسياسي لأهالي غزة، خاصة لخطة ما بعد الحرب لإعادة إعمار القطاع مجددًا وتسليمه لأهله بعيدًا عن فرضيات أو اقتراحات ترامب.
وتحتاج عملية التعافي وإعادة الإعمار في قطاع غزة على مدار العقد المقبل إلى نحو 53.2 مليار دولار، منها 20 مليارًا في الأعوام الثلاثة الأولى، وذلك بحسب تقييم للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
ربما في حالة توحد العرب لإعمار غزة، سيكون بداية قوية لمواجهة إسرائيل وأمريكا وكل دولة تتحالف مع إسرائيل ضد فلسطين والعرب، وقد تبدأ خطة الإعمار بإزالة 45 مليون طن من الركام. فعلاً، تحتاج إلى فترة طويلة من العمل وأعداد كبيرة من الآليات وخطة عمل للتعامل معها، لكن في حالة إعادة إعمار غزة بدعم عربي، ستكون ضربة قاصمة لإسرائيل وحلفائها الذين يتكالبون على فلسطين والعرب، ويرغبون في بناء شرق أوسط جديد تحت نفوذهم وسيطرتهم، ولكن هيهات أن يحدث ذلك.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.