صلاة الجمعة فريضة أسبوعية يحرص الكثيرون عليها، لكن بماذا يحصل إدراك صلاة الجمعة لمن فاتته خطبتها أو ركعتها الأولى مع الإمام. 

بماذا يحصل إدراك صلاة الجمعة 

ويقول الدكتور شوقي إبراهيم علام مفتي الجمهورية، في جواب سائل: ما القدر الذي إذا أدركه المصلي مع الإمام من صلاة الجمعة يكون مدركًا لها؟: إذا لحق المأمومُ الإمامَ قبل الرَّفع من ركوع الرَّكعة الثانية من صلاة الجمعة ولو بقدرِ تسبيحةٍ واحدةٍ يقولها في الركوع؛ فإنه بذلك قد أدرك الجمُعةَ؛ فيقوم بعد تسليم الإمام ويكمل ركعةً منفردًا، أما إذا دخل مع الإمام بعد أن انتهى من ركوع الركعة الثانية فإنه والحالة هذه يُتِمُّ الصلاة ظهرًا أربعًا من غير أن يستأنف لذلك نيةً جديدة، وهذا ما عليه الفتوى أخذًا برأي جمهور الفقهاء، خلافًا لما عليه العمل في مذهب السادة الحنفية من إدراك الجمعة بإدراك الإمام في التشهد أو في سجدتي السهو.

وبين أن صلاة الجمعة شعيرة من أهم شعائر الدين لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر شرعي؛ إذ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9].

وأخرج الدارقطني في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ، فَمَنِ اسْتَغْنَى بِلَهْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ اسْتَغْنَى اللهُ عَنْهُ، وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ».

وأضاف: فمن تخلف عنها لغير عذر كان آثمًا؛ لما سبق من الأدلة، ولما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ»؛ لذا فإنه يجب على المسلم أن يحرص على أدائها تحصيلًا للثواب، ووقايةً لنفسه من التعرض لعقاب الله عز وجل على تركها.

ويجب على المسلم أن يبادر بالحضور لصلاة الجمعة بعد سماع النداء؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9].

قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (30/ 542، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ﴾ يعني: النداء إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة.. لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نداء إلا إذا جلس النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر] اهـ.

وقال أيضًا في المرجع السابق: [وقوله: ﴿إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾: الذِّكْر: هو الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير، وقيل: هو الصلاة] اهـ.
فإذا تأخر المصلي عن الحضور إلى الجمعة حتى دخل الإمام في الصلاة فإنَّ العلماء قد اختلفوا فيما يكون به مدركًا للصلاة:
- فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول ابن مسعود، وابن عمر، وأنس من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقول سعيدٍ بن المسيب، والحسنِ، وعلقمة، والأسود، وعروة، والزهري، والنخعي من التَّابعين، ولا مخالف لهم في عصرهم؛ ذهبوا إلى أن المصلي لا يكون مدركًا للجمعة إلا بإدراك ركعة على الأقل؛ قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 231، ط. مكتبة القاهرة): [ولأنه قول مَن سَمَّينا من الصحابة، ولا مخالفَ لهم في عصرهم] اهـ.

قال العلَّامة السرخسي في "المبسوط" (2/ 35، ط. دار المعرفة): [وقال محمد رحمه الله تعالى: يصلي أربعًا؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً، فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى، فَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صَلَّى أَرْبَعًا»] اهـ.

وقال العلَّامة ابن رشد في "البيان والتحصيل" (1/ 292، ط. دار الغرب الإسلامي): [سئل مالك عن الرجل لا يدرك من الجمعة إلا التشهد، فيقعد مع الإمام بتكبيرة فيتشهد ثم يسلم الإمام؛ أيركع ركعتين نافلةً، أو يقوم يصلي أربعًا؟ قال: بل يصلي أربعًا كما هو إذا سلم الإمام] اهـ.
وجاء في "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (1/ 567، ط. دار الكتب العلمية): [(مَن أدرك) مع إمام الجمعة (ركوعَ) الركعة (الثانيةِ.. أدرك الجمعة) أي: لم تّفُتْهُ.. (وإن أدركه) أي: الإمام (بعده) أي: بعد ركوع إمامه (فاتته) أي: الجمعة؛ لمفهوم الحديث المتقدِّم (فيُتِمُّ بعد سلامه) أي: الإمام (ظهرًا أربعًا) من غير استئنافِ نيةٍ لفوات الجمعة] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 231، ط. مكتبة القاهرة): [أكثر أهل العلم يرون أن من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فهو مُدرِكٌ لها؛ يضيف إليها أخرى ويجزئه.. أما مَن أدرك أقلَّ من ركعةٍ فإنه لا يكون مدركًا للجمعة، ويصلي ظهرًا أربعًا] اهـ.
وقد استدل الجمهور على صحة ما ذهبوا إليه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه ابن خزيمة في "صحيحه": «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ».

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 232): [ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ»، فمفهومه: أنه إذا أدرك أقل من ذلك لم يكن مدركًا لها] اهـ.

ويؤيد هذا ما رواه الدارقطني في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا».

قال العلامة الشيرازي في "المهذب" في فقه الإمام الشافعي (1/ 179، ط. دار الكتب العلمية): [وإن أدرك معه مقدار الركوع الجائز فقد أدرك الركعة، وإن لم يُدرك ذلك لم يدرك الركعة؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا] اهـ.

حكم إعادة صلاة الجمعة ظهرًا.. دار الإفتاء تجيب بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الحرمين الشريفين

واستدل الجمهور بالقياس على انفضاض المصلين قبل أن يسجد الإمام في الركعة الأولى، فإنهم إذا انفضوا والحالة هذه فلا جمعة لهم، فكذا من لم يدرك ركعة مع الإمام؛ لا جمعة له.

قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (2/ 232، ط. مكتبة القاهرة): [ولأنه لم يدرك ركعة؛ فلم تصح له الجمعة؛ كالإمام إذا انفضوا قبل أن يسجد] اهـ.
- وذهب الحنفية إلى أنه يكون مُدركًا للجمعة إذا أدرك الإمامَ في التشهد أو في سجدتي السهو فاقتدَى به.

قال الإمام السرخسي في "المبسوط" (2/ 35، ط. دار المعرفة): [ومن أدرك الإمامَ في التشهد في الجمعة أو في سجدتي السهو فاقتدى به فقد أدركها، ويصليها ركعتين في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى] اهـ.

ويحصل إدراك الركوع في مذهب الجمهور بمقدار تسبيحة واحدة مع الإمام. 

قال العلامة البدر العيني في "البناية شرح الهداية" (2/ 231، ط. دار الكتب العلمية): [قال أبو يوسف: فرض طمأنينة الركوع والسجود مقدار تسبيحة واحدة.. (وهو قول الشافعي رحمه الله) أي: ما ذهب إليه أبو يوسف هو قول الشافعي، وبه قال أحمد أيضًا] اهـ.

وقال العلامة الطحطاوي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 229، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: (وأما التعديل) أي: الطمأنينة بمقدار تسبيحة واحدة، وصحح قولَ أبي يوسف بعضُ أهل المذهب، فالاحتياط في مراعاته] اهـ.

وقال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 320، ط. دار الفكر): [(وإنما يحصل فضلها.. بركعةٍ) كاملة يدركها مع الإمام؛ بأن يمكن يديه من ركبتيه أو مما قاربهما قبل رفع الإمام وإن لم يطمئن إلا بعد رفعه] اهـ.

وقال النووي في "روضة الطالبين وعمدة المفتين" (1/ 251، ط: المكتب الإسلامي): [قال أصحابنا: وأقل ما يحصل به الذكر في الركوع، تسبيحة واحدة] اهـ.

وقال ابن قدامة في "المغني" (1/ 361، ط: مكتبة القاهرة): [قال: (ويقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاثًا، وهو أدنى الكمال، وإن قال مرَّة أجزأه) وجملة ذلك: أنه يُشرَع أن يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم. وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي؛ لما رواه أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلَتْ ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: 74] قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رواه أحمد وأبو داود.. ويجزئ تسبيحة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالتسبيح في حديث عقبة ولم يذكر عددًا، فدلَّ على أنه يجزئ أدناه] اهـ.

وشددت بناءً على ذلك: فعلى مذهب الجمهور: إذا لحق المأمومُ الإمامَ قبل الرَّفع من ركوع الرَّكعة الثانية ولو بقدرِ تسبيحةٍ واحدةٍ؛ فإنه يكون قد أدرك الجمُعةَ، ثمَّ يقوم ويكمل ركعةً منفردًا، وإن دخل المصلي مع الإمام وقد انتهى من ركوع الركعة الثانية فإنه والحالة هذه يُتِمُّ الصلاة ظهرًا أربعًا، ويكون قد نوى جمعةً وصلَّاها ظهرًا.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلاة الجمعة أجر الجمعة رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم صلى الله علیه وآله وسلم قال دار الکتب العلمیة مکتبة القاهرة صلاة الجمعة مع الإمام ال ج م ع ة اهـ وقال رضی الله ى الله ع مدرک ا وقال ا ن أدرک یکون م

إقرأ أيضاً:

أمين الفتوى: الرحمة هي الأساس الذي يُبنى عليه أي مجتمع إنساني سوي

أكد د.عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على أن الرحمة ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل هي الأساس الذي يُبنى عليه أي مجتمع إنساني سوي.

وأوضح الورداني خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المذاع على قناة «الناس»، أن المجتمع الذي يغيب عنه التراحم لا يمكن وصفه بالمجتمع الرباني، لأنه فقد أحد أهم المعاني التي أرادها الله في خلقه.

وقال الورداني، إن بداية تكوين الإنسان نفسه تنطلق من الرحمة، مستشهدًا بأن كلمة «الرحم» التي يولد منها الإنسان مشتقة من «الرحمة»، وهو ما يجعل الرحمة جزءًا أصيلًا من تكوين المجتمع من لحظة الميلاد، مضيفا، أنه كما يبدأ القرآن الكريم بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، ينبغي أن يبدأ المجتمع أيضًا بالرحمة كمنهج وسلوك.

وأكد أمين الفتوى، أن القرآن الكريم هو كتاب من كتب الرحمة، والمجتمع يجب أن يكون كتابًا آخر تتجلى فيه معاني الرحمة والمودة، مستشهدًا بقول الله تعالى: «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب»، مشيرًا إلى أن المجتمع الذي يسير في طريق الله لا يقوم إلا على المحبة والتآلف.

وتطرق الورداني، إلى التحديات التي تواجه العالم المعاصر، من تدهور في القيم إلى قسوة في العلاقات الإنسانية، معتبرًا أن هذه المظاهر علامات على سقوط حضارات لم تجعل الرحمة ضمن بنيانها.

وقال إن الحضارات التي تنسى البعد الإنساني مصيرها الزوال، مهما بلغت من تقدم مادي، لافتا إلى أن التحديات الكبرى مثل الأزمات البيئية والصراعات لا ينبغي أن تفصل الإنسان عن رحمته، بل هي فرص لإعادة اكتشاف معنى الرحمة في السلوك اليومي والمواقف الجماعية، مضيفا أن الكون ليس ملكًا لنا وحدنا، بل هو لله، ونحن لسنا بمفردنا فيه، الله معنا، وسبقت رحمته كل شيء.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن ما يدفع الإنسان للخير والدعاء والمساندة ليس إلا شعورًا داخليًا نقيًا بالرحمة، وهي التي تمنحه الكرامة، وتربطه بخالقه، وتمنعه من الانجرار خلف القسوة، قائلًا: "بدأنا من عند الله، وبدأنا بالرحمة، فهي التي تُبقي على إنسانيتنا حيّة.

اقرأ أيضاًأمين الفتوى: إساءة معاملة السياح إضرار بالمال العام وهذا محرم فى الإسلام

أمين الفتوى: العمل هو السبيل للتغلب على الصعوبات.. والتسول أصبح مهنة

أمين الفتوى: محبة النبي لأمته حقيقة ممتدة عبر الزمان

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: الرحمة هي الأساس الذي يُبنى عليه أي مجتمع إنساني سوي
  • ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة بعنوان «إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا»
  • حكم صلاة المأموم مع الإمام في صف واحد.. الإفتاء تجيب
  • وقت صلاة الضحى وعدد ركعاتها وفضلها.. الإفتاء توضح
  • خالد الجندي: هذه الأمور تجعلك تستحي من ارتكاب ذنب صغير.. فيديو
  • هل تصح الصلاة خلف الإمام من خارج المسجد وحكم الاقتداء بالمسبوق بعد تسليم الإمام؟
  • المسافة المسموح بها بين الصفوف في صلاة الجماعة.. الإفتاء توضح
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • (لقد اجتمع بيض المليشيا الفاسد في سلة واحدة)
  • هل تجوز صلاة النوافل في جماعة؟ دار الإفتاء تجيب