البحر ملجأ سكان قطاع غزة في أيام الهدنة
تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT
مع شروق الشمس، يسارع أهل غزة إلى شاطئ البحر في جنوب القطاع المحاصر، لالتقاط الأنفاس أو قضاء حاجيات مثل الاستحمام وغسل الملابس، مستغلين هدنة في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس يُخشى ألا يتم تمديدها.
بعد سبعة أسابيع من المعارك والقصف الإسرائيلي المكثف، دخلت هدنة مؤقتة حيز التنفيذ اعتبارا من 24 نوفمبر. وتمّ تمديد العمل بهذه الهدنة مرتين، ومن المقرر أن تستمر حتى الساعة الخامسة فجر الجمعة.
مع طلوع صباح اليوم السابع، خرجت سمية مع قريبات لها إلى شاطئ البحر في دير البلح وسط القطاع. غسلت السيدة الثلاثينية بالماء والصابون، عشر قطع من ملابس أطفالها في وعاء بلاستيكي وضعته أمامها، بينما كانت ابنتها نهى (ست سنوات) تلعب بالرمل.
بعد أسبوع من الاستراحة من القصف ومحاولة تخزين الطعام ومياه الشرب وغاز الطهو، سارعت سمية لغسل كل شيء في وعاء مليء بمياه البحر المالحة.
وقالت: "من الممكن أن يكون هذا اليوم هو الأخير في الهدنة".
وأضافت لوكالة فرانس برس "بالكاد تتوفر مياه للشرب. لا يتوفر لدينا ماء للاستحمام أو غسيل الملابس"، مشيرة إلى أنها قامت أيضا بتحميم الأطفال.
وأوضحت السيدة التي لم تذكر اسم عائلتها، أنها نزحت من بيت لاهيا بشمال القطاع مع زوجها وأطفالها الخمسة وعدد من أقاربها إلى مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قبالة شاطئ دير البلح.
الصيد وبيع الأسماكلكل زائر ما دفعه للقدوم إلى الشاطئ.ففي حين كان عشرات من الصبية والأطفال يسبحون قرب الشاطئ، استغل آخرون البحر لاصطياد السمك وتوفير الغذاء.
من هؤلاء وليد سلطان (22 عاما)، الصياد الذي نزح من منطقة العطاطرة الساحلية في بيت لاهيا، وقام باستعارة قارب صيد صغير من صديقه.
يقيم سلطان حاليا في مدرسة في دير البلح. وقال: "دخلت البحر للصيد مع أن الزوارق الإسرائيلية تطلق النار علينا"، موضحا أنه يقوم بالصيد لأكل السمك وبيع بعضه لقاء بعض المال.
واندلعت الحرب الأخيرة في السابع من أكتوبر، بعدما شنت حركة حماس هجوما مباغتا على بلدات إسرائيلية حدودية مع قطاع غزة، قتل فيه 1200 شخص معظمهم من المدنيين وقضت غالبيتهم في اليوم الأول، وفق السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل بقصف مكثف من البر والبحر والجو، وعمليات برية على القطاع، ما أدى إلى مقتل أكثر من 15 ألف شخص بينهم أكثر من ستة آلاف طفل، وفقا لحكومة حماس التي تدير القطاع.
وحتى قبل الحرب، وهي الخامسة في 15 عاما، كان خروج الغزيّين إلى البحر للصيد محفوفا بالمخاطر.
خلال حصارها على قطاع غزة، ألزمت إسرائيل الصيادين الفلسطينيين بمساحة للصيد لا يتجاوز عمقها 15 ميلا بحريا من الساحل. إلا أن الصيادين كانوا يفيدون بتعرضهم لإطلاق النار من الزوارق الحربية الإسرائيلية حتى بحال عدم تجاوزهم تلك المسافة.
في دير البلح اليوم، أكد سلطان الذي يتحدر من عائلة من الصيادين، أنه لم يبتعد أكثر من عشرة أميال محاولا الصيد "لنعوّض ولو قليلا مما فقدناه".
وتابع "كان لدي قارب صيد ولدي شبكة صيد وموتور، وكله دمره الجيش" الإسرائيلي، مشيرا إلى أنه منذ ذلك الحين "لم تعد الحياة لها معنى. الموت والحياة متساويان".
وتابع "لا نستطيع استعادة ما فقدناه".
بالنسبة لفايز مصلح (30 عاما) من سكان المنطقة الساحلية، دمّر الجيش الإسرائيلي "الميناء، وهو بوابة رزقنا في البحر، دخلت بقارب (مسافة) ميل واحد ولو تجاوزت أكثر يلقون باتجاهنا القذائف".
وتابع "دمّروا ميناء الصيادين في غزة وخان يونس ودير البلح وميناء الصيادين في رفح".
ومنذ بدء الهدنة، ينشر المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، مقاطع فيديو يكرر فيها "ممنوع الدخول إلى البحر". وأعلن الجيش، صباح الخميس، أنه أطلق "طلقات تحذيرية على عدة قوارب فلسطينية انتهكت القيود الأمنية".
ومع اقتراب نهاية الهدنة، يتخوف كثيرون من عودة القصف والقتال.
وقال وائل أحمد (48 عاما): "نخشى عدم تجديد الهدنة، العودة للحرب أمر مخيف جدا. نحن نريد أن نعود لحياتنا ويعيش أولادنا بسلام".
وأضاف "نتمنى ألا تعود الحرب".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: دیر البلح
إقرأ أيضاً:
لماذا تستهدف إسرائيل رؤساء بلديات قطاع غزة؟
غزة- بعد استلامه صهاريج خاصة بسحب وضخ مياه الصرف الصحي قدّمتها دولة الإمارات، توجّه دياب الجرو، رئيس بلدية مدينة دير البلح وسط قطاع غزة إلى مكتبه لمقابلة بعض المراجعين، وما هي إلا دقائق، وفي تمام الساعة الواحدة و40 دقيقة بعد ظهر السبت، أطلقت طائرة إسرائيلية صاروخا أصاب مكتبه، وأدى لاستشهاده رفقة موظف، و9 من المواطنين، وإصابة آخرين.
ورغم خطر الاغتيال والتهديد الواضح الذي توجهه إسرائيل لكل الموظفين الذين يقدمون أي خدمات للمواطنين، اختار الجرو الاستمرار في أداء رسالته، حتى قضى شهيدا، حيث سبق أن تعرض لمحاولة اغتيال في شهر يونيو/حزيران الماضي عندما قصفت طائرة إسرائيلية مكتبه، وأصابته بجروح.
وبدأ الجرو عمله كرئيس لبلدية دير البلح في يونيو/حزيران 2020، بعد أن عمل لمدة 5 سنوات نائبا لرئيس البلدية السابق سعيد نصار. ويُعد رابع رئيس بلدية تغتاله إسرائيل خلال الحرب، حيث سبق أن قتلت مروان حامد رئيس بلدية الزهراء، وحاتم الغمري رئيس بلدية مخيم المغازي، وإياد المغاري رئيس بلدية النصيرات.
مقر بلدية دير البلح تعرض للتدمير إثر عملية اغتيال رئيسها دياب الجرو (الجزيرة) شاهد على الجريمةخلال الغارة، كان عضو المجلس البلدي محمد أبو بركة داخل مبنى البلدية، ليصبح شاهد عيان على الجريمة الإسرائيلية، ويقول للجزيرة نت، إن الغارة كانت في وقت الذروة، حيث كان مبنى البلدية وساحته يعجان بالمواطنين.
وأضاف "بينما كان هناك الكثير من المراجعين، وكان الشهيد دياب الجرو على رأس عمله، تعرض مبنى البلدية لغارة إسرائيلية بدون سابق إنذار، وهو ما أسفر عن استشهاد الرئيس وموظف آخر و9 مواطنين مراجعين، وإصابة العديد من الموظفين والمراجعين".
وأشار إلى أن العدوان تسبب بإصابة مباني البلدية بأضرار فادحة، لكنه أكد أن البلدية "لن تتوقف عن تقديم الخدمات للمواطنين مهما زاد الاحتلال من عدوانه"، مضيفا "نحن مؤسسة خدماتية وعملنا محمي بموجب القانون الدولي الإنساني".
إعلانوأشاد أبو بركة بالجرو، وقال "هو رجل في زمن عز فيه الرجال، لم يتخلّ عن واجبه رغم التهديد والخطر الكبير، وظل على رأس عمله حتى اليوم الأخير"، وأضاف "كان رجلا يحمل عزيمة قوية وحسا إنسانيا كبيرا، ويشعر بمعاناة المواطن ويسعى بكل جدية لحل مشاكله".
وأشار إلى الأعباء التي وصفها بـ"الهائلة" والتي كانت ملقاة على عاتق الجرو، خاصة أن عدد سكان مدينة دير البلح تضاعف قرابة 10 مرات بسبب عمليات النزوح، وبات يقترب من المليون شخص.
كما لفت إلى أنه تمكن من تحقيق العديد من الإنجازات رغم قلة الإمكانيات، ومنها افتتاح محطة تحلية، وتوقيع اتفاقية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحسين خدمات النظافة، بالإضافة إلى جلب صهاريج لسحب وضخ مياه الصرف الصحي من مخيمات الإيواء التي تعاني من امتلاء الحفر الامتصاصية التي اضطر المواطنون لحفرها.
وختم أبو بركة حديثه بالقول "رحل أبو الوليد (دياب الجرو) وهو يؤدي واجبه، متحملا مسؤوليته بشجاعة قلّ نظيرها، لقد ضحى بنفسه وأدى رسالة سامية في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية".
استهداف البلدياتيرى الكاتب والمحلل السياسي من قطاع غزة وسام عفيفة، أن إسرائيل تسعى من خلال استهداف رؤساء البلديات إلى "خلق حالة من الفوضى والإرباك وضرب الجبهة الداخلية، على غرار ضرب المنظومة الأمنية، وهو ما أسفر عن انتشار ظاهرة سرقة قوافل المساعدات الإنسانية بما ترتب عنها من مآس".
وأشار إلى أن مخطط إسرائيل "خطير للغاية، نظرا لأن البلديات -وحدها- تقدم حاليا الخدمات لنحو مليوني فلسطيني (عدد سكان القطاع)، في ظل غياب الوزارات بسبب الاستهداف الإسرائيلي".
وأضاف موضحا "حاليا، رئيس البلدية هو صمام الأمان في منطقته، واستهدافه يخلق حالة من الخوف والإرباك داخل المنظومة الإدارية في البلدية، ويؤثر على الخدمات المقدمة، حيث إنه المخوّل بتوقيع الاتفاقيات مع الجهات المانحة التي تقدم المساعدات".
إعلانوأكمل "استهداف رئيس البلدية عقاب جماعي للمواطنين، وضرب للجبهة الداخلية، وإحداث فراغ يتسبب بفوضى عامة، وهي لا تقل خطورة عن العدوان العسكري المباشر".
لكنّ عفيفة يرى أن البلديات تنجح في كل مرة في امتصاص الضربات الإسرائيلية، وتعود إلى إصلاح الأضرار التي تكبدتها، وتواصل العمل في تلبية الحد الأدنى من الخدمات التي يحتاجها المواطن، رغم التداعيات الكارثية التي لا يمكن إغفالها.
عملية اغتيال رئيس بلدية دير البلح أسفرت عن استشهاد 10 مواطنين آخرين (وسائل التواصل) عطاء مستمرولد دياب الجرو (أبو الوليد) عام 1974 في مخيم دير البلح للاجئين، لأسرة هُجرت من قرية "يِبنا" في النكبة عام 1948، وهو أب لستة من الأبناء، وخلال الحرب التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقد الجرو والدته وشقيقه خالد و4 من أبنائه.
تعلم الجرو في مدارس دير البلح، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، ولاحقا على درجتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ، حيث عمل في البداية مدرسا لمادة التاريخ في مدارس جمعية الصلاح بدير البلح في الفترة ما بين عامي 2000 و2004.
ثم تولى لاحقا العديد من المناصب الإدارية، ومنها رئاسة مجلس إدارة جمعية الصلاح الخيرية، ورئاسة لجنة زكاة دير البلح، ثم رئاسة لجنة الطوارئ الحكومية في قطاع غزة.
وفي عام 2015 شغل منصب نائب رئيس بلدية دير البلح، وفي يونيو/حزيران 2020 تولى رئاسة البلدية، وبقي في منصبه حتى استشهاده.