لا يمضي المرء نحو نجاحاته منفردًا، فمهما امتلك من استعدادات ذاتية ومواهب، إلا أنها لا تظهر إلا بفضل الآخرين الذين يحيطون به، وليس بالضرورة أن يكون الوسط الاجتماعي للمرء مُيسَّرًا دائمًا، بل قد تكون العلاقة بين الفرد والوسط الذي يَخبَرُه كعلاقة النبال بالقوس - وقت يأخذه كل شيء نحو الوراء ويُثبّطُ من عزمه، ودون أن يدرك، فهو يخلقُ فيه القوة الدافعة نحو الأمام - وكما يقول علي الوردي في كتابه عن أسرار الشخصية الناجحة: «من النادر أن نجد شخصًا وضع في بداية حياته خطة دقيقة للعمل، فسار عليها خطوةً خطوةً ثم نال النجاح.

إن واقع الحياة أقوى من أي خطة يضعها عقل محدود، فالإنسان ينجرف في كثير من الأحيان بتيار الحياة، ويسير كما تملي عليه ضرورات الساعة، فإذا نجح على سبيل الصدفة رأيته قد صعّر خده للناس، حاسبًا حًسن حظه أو سوء حظهم من صنع أيديهم». لا تبخس «آيات» الناسَ أشياءهم، فهي حين تذكر نجاحها تذكر أيضًا أولئك الذين وقفوا ليسندوا ظهرها، دون أن يظهروا على لائحة الشرف.
في يوم المرأة البحرينية الذي يصادف الحادي من ديسمبر لكل عام، قررت «الأيام» أن تجري هذا الحوار مع آيات يوسف (مالكة فروع مطعم بنت الديرة) وتسليط الضوء على حكاياتها.

أحب أن أبدأ من الطفولة والبيئة الأولى، ما الذي يمكن أن تحدّثينا عنها؟
جئت لهذه الحياة مع أختٍ توأم تسبقني إلى نحيب الخروج من الرَّحم بثلاث دقائق، ولذلك كنتُ أضع على كاهلها مسؤولية التجارب الجديدة.
فأنا آخر الأخوات والأخوة المولودين وسط عائلة تحب الاجتماع. لم تكن أمي متعلمةً، فهي لا تجيد القراءة ولا الكتابة، ولكنها كانت حريصةً على أن نتعلم ونكمل الدراسة. بوصفي الأخت الصغرى لم تعلمني أمي الطبخ، الذي لم تجده من مسؤولياتي، فلم يكن مهمًّا بالنسبة لها أن أطبخ بقدر ما كان مهمًّا أن أدرس.
كيف اكتشفتِ موهبتكِ في الطبخ، ومتى؟
علاقتي بالطبخ ارتبطت بزواجي، كنت حينها في السابعة عشر من عمري، ولم أكمل بعد دراستي الثانوية. كوني متزوجة يعني أن الطبخ - وفقًا للتصنيف المتعارف عليه للمهام بين الزوجين - من مسؤولياتي، وقد تعلمته على يد عمّتي «أم زوجي» التي عاملتي كابنةٍ لها، أدركتُ موهبتي هناك وسط عائلة زوجي ومع أمّ زوجي تحديدًا.
ندركُ تمامًا صعوبة البدايات، والكفاح الذي يتطلبه الأمر، كيف كانت بداية التفكير في مشروع المطعم ومن أين بدأتِ؟
بدأتُ من المنزل في العام 2011م، وافتتحت أو مطعم لي في عام 2012م. أذكر أول طبخة طلبها مني زبون، كانت «كبسة سمك الهامور» فتحت المحفظة، فلم أجد فيها إلا 7 دنانير، بهذه الـ7 دنانير وبالتوابل المتوفرة في مطبخ عمّتي بدأتُ. ذهبت إلى السوق أحمل المبلغ الوحيد الذي أملك. اشتريت به السمكة. ثم وجدت الـ7 دنانير تتضاعف إلى 15 دينارًا في المساء. آمنت أن هذا المبلغ والعمل سيصبح شيئًا ما في أحد الأيام.
لقد جئت من عائلة فقيرة قليلة التعليم، وكذلك زوجي، الذي اضطر لترك الدراسة لإعانة أمه الأرملة، ولم يكمل الإعدادية، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يكون زوجًا ناجحًا، وسندًا لي في جميع خطواتي، فلولاه ما توصلت للذي أنا عليه اليوم. أذكر حكايةً بيننا لم أدرك تفاصيلها إلا بعد زمن: «اتصل بي في أول أيام افتتاحي للمطعم، وأخبرني أن أصدقاءَه طلبوا شراء عشرة صحون، وهي كمية كبيرة قياسًا ببدايتي. كنتُ سعيدًة بما حققته، وبالمبلغ الذي حصلت عليه. لم أدرك أن زوجي كان يشتري تلك الصحون من جيبه الخاص ليرسم البهجة على وجهي، وليخبر أصدقاءه أن لزوجته مطبخًا تصنع فيه طعامًا لذيذًا. تكرّر فعله هذا بكميات ولفترات متفاوتة قبل أن أعرف التفاصيل الحقيقية لتلك اللحظات».
هل عملتِ في وظائف أخرى قبل الطبخ وفتح المطعم؟
قبل أن نبني أنا وزوجي المطبخ في منزل عائلته عملتُ في وظائف عديدة: سكرتيرة، مندوبة، كاشير، ومحصّلة ديون. لكني وجدت نفسي في الطبخ. عملتُ قبل مشروعي الخاص في مطعمين لم أتلقَ فيهما معاملة جيدة، وفي أحد الأيام في أثناء تبديل أسطوانات الغاز كدتُ أحترق أمام الفرن، أخبرت صاحب المطعم يومها، فلم يُبدِ اكتراثًا لسلامتي، قال لي: «إنه أمر عادي جدًا، ويحدث في أثناء تبديل الأسطوانات»، بينما كنت مرعوبةً وأبكي. ذهبت للمنزل وأنا في حالة سيئة، يومها أخبرني زوجي أنه عليّ التوقف عن العمل لحساب الآخرين والبدء بفتح مطعمي الخاص. كان يشجعني على ذلك دائمًا، إلا أننا لم نملك المادة الكافية. يومها قرر أن يبيع سيارته بالإضافة إلى مبلغ في حدود 1000 دينار كان قد جمعها. بنينا المطعم داخل كراج منزل والده، وكان منزلًا قديمًا، ما جعلني أرفض الفكرة مرات عديدة قبل أن أوافق عليها، لقد كنت أقول: «إن المكان غير مهيَّأ من الناحية الجمالية لاستقبال الزبائن». لكنّنا وُفِّقنا في ذلك، ومن ثم انتقلت إلى بناء مطعم بنت الديرة.
بوصفكِ امرأة كيف توفّقين بين العائلة والمشروع؟ وكيف يعاونكِ زوجكِ الذي يبدو أن له دورًا مهمًا في هذا النجاح؟
زوجي شخصية مرحة واجتماعية، ولا يحب إثارة المشكلات، يشجعني ويفخر بي دائمًا. في الحقيقة أنا شخصية عملية، بينما هو لا ينسى أبدًا أن يهتم باللحظة الراهنة ورسم البهجة التي تتطلبها؛ ذلك أرسى نوعًا من التكامل. لوقوفه معي شواهد عدّة لا يسع ذكرها، إلا أنّي لا أنسى البدايات يوم كنتُ أذهب إلى السوق بعد أن أوصل الأبناء للمدرسة كل صباح، حتى حفظ الباعة وجهي، وعندما كثرت الطلبات كان لشدة إيمانه بي أن تخلى عن عمله، وجاء للعمل معي. كان، وبحكم ظروفنا، يعمل في وظيفتين، فلا نلتقي إلا في الظهيرة، أما مسؤولية الأطفال، فكانت تقع على عاتقي، وبعد تقاعده أصبحت مشاركته في هذا الأمر أكبر. كان معي في كل خطوة، يبحث لي عن أفضل الخيارات في السوق. إني لا أنسب هذا النجاح لي وحدي بل لنا، لذلك فإن مدخولنا مشترك، ولكلينا حق التصرف فيه.
هل هناك أشخاص أيضًا تُودّين ذكرهم، وتشعرين أن لهم الفضل؟
أحب أن أذكر ابني البِكر أحمد «20 سنة» فهو أول أبنائنا الأربعة، وأكلّفه بمهام عديدة يساعدني عليها ضمن أعمال المطعم، ولا أنسى الدور الذي حملته عمّتي «أم زوجي» عني، حين أكون غائبة في تربية الأبناء وفي تعليمي.
ما هي تطلعاتكِ في المستقبل؟
كل صاحب مشروع يطمح لأن يتوسع، وقد جاءتني عروض عديدة في الخارج لكني رفضتها. إذا ما خُيِّرتُ بين العمل والعائلة فإني أختار العائلة، وكل شيء أقوم به هو في نهاية المطاف لأجلها.
أنا أفضّل دائمًا البقاء في الوطن والاكتفاء بما يوفر العيش الكريم والحياة السعيدة لنا.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا إلا أن دائم ا الذی ی

إقرأ أيضاً:

حوار أخير مع مصطفى بيومي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق قصائد «بكائيات القلب الأخضر» تكشف عن تميز وتمكن وتفرد شاعر شاب دون العشرين من عمره

"... إذن لن تجئ ؟

ولو كان مابيننا البحر جئت

ولكنه الموت 

وحدى إذن"

******

مقطع من قصيدة "بكائية" من ديوان بكائيات القلب الأخضر لمصطفى بيومي.

قد لا يعرف الكثير من متابعى قلم مصطفى بيومى وإبداعه المتنوع، أنه بدأ شاعرًا واعدًا، واحتفى به والد الشعراء فؤاد حداد، ونشر له قصيدة على صفحتين فى مجلة "روزاليوسف" عام ١٩٧٦، وكان دون الثامنة عشرة من عمره، تجربة ومرحلة استمرت سبع سنوات، ضمها ديوانه الوحيد "بكائيات القلب الأخضر"، وصدر الديوان فى طبعة محدودة فى فبراير١٩٨٤.

ضم الديوان ٣٢ قصيدة، موزعة على ثلاثة أقسام، الأول: ماتيسر من سورة الضياع، الثانى: صلوات للمطر والترحال، الثالث: تهليلات الموت والقيامة.

ويحرص الشاعر مصطفى بيومى وهو يقدم ديوانه للقراء على التأكيد أن «أزمة الشعر فى مصر ليست أزمة شعرية خالصة.. إنها محصلة لأزمات الواقع الذى يتيح للطير من كل جنس أن يغنى.. ويحرم الغناء على العشاق..." ويقدم ديوانه للقارئ على أنه "محصلة سنوات سبع من الغناء فى زمن الصمت.. من أجل الأيام القادمة الخضراء».

تجربة مصطفى الشعرية إذا وضعت فى السياق العام لتجاربه الإبداعية والحياتية – مر عليها أكثر من اربعين عامًا – تكشف عن تميز وتمكن وتفرد لشاعر شاب دون العشرين من عمره، قد نرصد فيه بعضًا من ملامح عالم الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، وقد كان الفتى مصطفى وقتها مفتونا به.. ويمكننا القول أن مقولة "عبد الصبور" الشهيرة "معذرة ياصحبتى.. قلبى حزين.. من أين آتى بالكلام الفرح؟" خير دليل ومعبر يدخل به القارئ للعالم الشعرى فى قصائد ديوان الفتى والشاب مصطفى بيومى.

الموت اللفظة والمعنى والقيمة.. أكثر الألفاظ والمعانى والقيم التى حضرت فى أغلب قصائد الديوان.. وهو أمر لافت يثير الدهشة.."غواية الموت" كيف ولماذا تسللت لوجدان القلب الأخضر.. قلب فتى دون العشرين؟!!.. قلب لايخاف الموت أو كما يقول: "من عرف العشق يومًا.. فليس يخاف من الموت..".

ويقرر مصطفى أن يتوقف عن كتابة الشعر، لكن هل يعنى ذلك أنه غادر عالم الشعر والشعراء؟ أقول بثقة: لا.. يكفيك أن تراه وتسمعه سابحًا فى عالم الشاعر العربى العباسى "الشريف الرضي"، أقرب الشعراء القدامى لقلب مصطفى، أو وهو يحدثك بشجن نبيل عن عالم صلاح عبد الصبور، ويعليه على رفاق مسيرته الشعرية.. أذكر كنا (عبدالرحيم وأنا) أقرب وأكثر تواصلًا مع شعر أحمد عبد المعطى حجازي، وأزيدك ليس بيتا من الشعر، بل "مئة بيت من الشعر العربى القديم" عنوان الكتاب الذى صدر لمصطفى عام ٢٠٢٠، لتكتشف "متانة" علاقته بالشعر، ولتشهد على مهارة ورقى ذائقته الشعرية المبدعة.

وهنا يبرز السؤال: لماذا كف مصطفى عن مواصلة "قرض" الشعر؟، وهو المالك بتمكن ودراية بأدوات ومهارات كتابة الشعر، قديمه وحديثه (عروضه وأوزانه وبحوره الخليلية، وصوره وموسيقاه الداخلية)؟.. مصطفى بيومى الذى كتب على غلاف ديوانه الوحيد "الشعر ضرورة.. وأعذب الشعر أصدقه.. والشاعر الحقيقى - كما أراه – لا ينبغى أن تروقه الحياة الكائنة.. بل يتطلع إلى الحياة كما يجب أن تكون..".

والرأى عندى للرد على هذا السؤال يذهب إلى أن الفتى /الشاب تكشف له أنه يعايش ويواجه "كونًا خلا من الوسامة"، فرأى أن يهيئ قلمه وكلمته لمواجهة مباشرة وحادة مع عالم "قاسٍ وموحش" ورديء فى الكثير من قيمه ومعاييره وسلوكه ومسالكه - عالم لا يصح أن نكتفى بتفسيره وهجائه.. بل علينا أن نسعى لتغييره، وعندها ربما أيقن أن حال الشاعر وحيله وأدواته، تبدو كسلاح "خفيف"، لن يسعفه فى معارك المواجهة الفكرية والإبداعية، التى عقد العزم على خوضها، لهدم جدار الخوف وأقانيم الجمود والتخلف، واقتلاع أشواك الكراهية والغطرسة وزيف الرايات المخادعة.. إنه "واقع" شديد الواقعية لن يجد معه نفعًا خطاب المجاز وتهاويم الصور.

إن الدافع الرئيس، والحافز المحرك والملهم لقدرة ورغبة مصطفى على الكتابة، والشعار الناظم لمجمل مشروع مصطفى الإبداعى والبحثى هو: "أنسنة العالم، وجعله صالحًا للحياة، أو على الأقل لائقا للموت". 

وفى هذه السطور، لا أسعى لقراءة نقدية لديوان مصطفى - أعد أن أُنجزها لاحقًا- لكن سطورى الحالية مجرد إطلالة عاجلة وتعريف أولى ببكائيات القلب الأخضر.. قلب مصطفى بيومي..

تلك السطور حوار وعتاب مع الصديق ورفيق العمر

ها أنذا راحل 

وهاهو درب الحياة 

سيمتد.. يمتد 

ألقاك فى آخر الدرب 

نمضى معاُ..

وأهمس فى أذنيك

أنت أجمل من كل شئ سوى الموت 

.............

أسميك باسمى 

أسميك ظلى..

أسميك موتى 

أسميك موتى"

******

فى اللقاء الأخير قبلت رأسك، ورجوتك أن تبقى 

******

"لكنى رحلت دونما وداع 

ياليتنى نتظرت 

ياليتنى انتظرت»

******

ليتك أنتظرت يا صاحبى 

******

"وأدركت أنى أموت 

وأن الوصول لعينيك مثل الوصول إلى النهر صعب 

وأنك لن تحزنى"

******

لا.. يامصطفى 

لقد حزنت لموتك كل المعانى والقيم التى دافعت عنها.. كل الحروف التى كتبت.. كل الأهل والصحاب.. كل الأحلام الخضراء التى بشرت بها.

الكل حزين وموجوع لرحيلك.

******

"هل ضاع منكم؟ 

لقد ضاع منا 

وقد كان يوما هنا.. ومات"

******

ولا أخرى.. يا مصطفى

فمثلك لا يضيع.. باقٍ فى العقول والقلوب 

باقٍ فى أولادك وأحفادك وتلاميذك ومحبيك 

باق عطاؤك... وباقية محبتك.

مقالات مشابهة

  • سلا..إغلاق مطعم سوري بعد ضبط شاورما فاسدة!
  • صابرين لـ«كلمة أخيرة»: لم أرغب في العمل مع زوجي بـ«إقامة جبرية» لكن الشخصية جذبتني
  • حوار أخير مع مصطفى بيومي
  • منصة "مي فريند" الرقمية تنظم مهرجان "دم دم برياني" بمسقط
  • شاهد بالصورة.. عروس “دعامية” تنعي عريسها القيادي بالدعم السريع الذي تزوجها قبل شهر وتم اغتياله في المعارك الأخيرة وتدعو على “البرهان”: (الله يحرمك من أغلى زول في حياتك زي ما حرمتني من زوجي)
  • كيف ألوم زوجي لأنه لا يأبه لأمري؟
  • شمس: أغسل رجلين زوجي وأحطه على راسي
  • الشورى يُحيل مشروعي قانون «مكافحة الاتجار بالبشر» و«التنظيم العقاري» إلى مجلس الدولة
  • النواب يوافق على مشروعي قانون للترخيص بالبحث عن البترول والغاز
  • هل يجوز التصدّق من مال زوجي دون علمه؟.. الأزهر للفتوى يوضح