أبوظبي: «الخليج»

أرست دولة الإمارات منذ تأسيسها منهجاً راسخاً في الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية كوكب الأرض بمبادرات رائدة شملت جميع جوانب الحياة البرية والبحرية، وأثبتت قدرتها على تقديم حلول تركت بصمة عالمية مميزة.

ويعتبر الحفاظ على طائر الحبارى أحد أبرز الجهود التي قدمتها دولة الإمارات من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي لاسيما وأن هذا الطائر يرتبط بتراث وثقافة وتاريخ المنطقة بشكل عام ودولة الإمارات بشكل خاص، لذا عملت الدولة على حمايته عبر الانضمام إلى كافة الاتفاقات الدولية التي تستهدف حمايته، وسنت العديد من القوانين التي تنظم التعامل معه وحمايته من الاتّجار غير المشروع ومنها الالتزام بشهادات «سايتس» لتنظيم حركة استيراده وتصديره.

ووضعت دولة الإمارات برامج لإكثار طائر الحبارى في الأسر، ثم إطلاقها في بيئاتها الطبيعية، وتمكنت من حماية أعداد الحبارى من الانقراض الحتمي بإكثارها في الأسر وإعادتها إلى الطبيعة وإنقاذ هذا الطائر بأحد أنجح البرامج في العالم، لتبرهن دولة الإمارات على ريادتها في ميادين الحلول البيئية والحفاظ على الموائل الطبيعية.

وتتواءم جهود الحفاظ على طائر الحبارى مع محور المحمية ضمن حملة «استدامة وطنية» التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» الذي تستضيفه دولة الإمارات حتى 12 ديسمبر في مدينة إكسبو بدبي، حيث تعمل دولة الإمارات على حماية منظومة البيئة والطبيعة التي تتميز بتنوع فريد، من خلال مجموعة من المبادرات المشتركة والحلول المبتكرة.

استشرف القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، منذ تسعينيات القرن الماضي الأبعاد المستقبلية لتناقص أعداد طيور الحبارى في البرية، وأمر بإنشاء برنامج إكثار واعد للحفاظ عليها في البرية.

وفي عام 1976 أصدر المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، توجيهاته بتنظيم المؤتمر العالمي الأول للصيد بالصقور والمحافظة على البيئة في أبوظبي والذي جمع صقارين من أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا مع الصقارين العرب لأول مرة، وفي عام 1977، بادرت دولة الإمارات إلى وضع خطط عملية لإنقاذ طائر الحبارى من الانقراض.

حيث بدأ مشروع الإكثار في الأسر لهذا الطائر في حديقة العين في أبوظبي بما لا يزيد على 7 طيور حبارى آسيوية فقط، وتوالت المبادرات والدراسات المتعلقة بهذا البرنامج حتى إنتاج أول فرخ من الحبارى الآسيوية في الأسر في حديقة الحيوانات في العين عام 1982.

كما وصل مجموع ما تم إنتاجه من طائر الحبارى في الأسر منذ عام 1996 وحتى 2023 إلى 795 ألفاً و569 طائر حبارى، فيما وصل عدد الحبارى التي تم إطلاقها إلى البرية في مناطق انتشارها الطبيعي إلى 624 ألف طائر حبارى في 18 دولة منذ عام 1998.

وسجلت دولة الإمارات سبقاً عالمياً من خلال قيامها في الثاني من إبريل عام 2008 بأكبر عملية إطلاق في التاريخ لأكثر من 5000 طائر حبارى شمال إفريقيا من إنتاج مركز الإمارات لتنمية الحياة الفطرية وذلك ضمن نطاق انتشارها الطبيعي في المغرب في منطقة تقع بعمق نحو 300 كلم داخل صحراء المغرب الشرقية.

وقد شارك في عملية الإطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كما يسجل لدولة الإمارات أنها الأولى عالمياً في تعقب طيور الحبارى أثناء هجرتها شمالاً وجنوباً بوساطة الأقمار الصناعية.

في حين نجحت دولة الإمارات في إنتاج أول فرخ من طائر الحبارى العربي باستخدام تقنية التلقيح الاصطناعي للمرة الأولى لهذا الطائر على المستوى العالمي.

مبادرات عالمية

لم تتوقف جهود الإمارات في إكثار طائر الحبارى عند الحدود المحلية، بل توسعت عالمياً للحد من تناقصه وزيادة أعداده في بيئاته الطبيعية في مختلف دول العالم، وتمثل ذلك من خلال إنشاء الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى الذي تأسس في أبوظبي عام 2006، ويتولى إدارة شبكة عالمية من المبادرات، ليلعب بذلك دوراً قيادياً في المحافظة على الحبارى على امتداد نطاق انتشار هذا الطائر، فضلاً عن توفير مصدر موثوق للمعلومات المتعلقة بالأعداد والمجموعات البرية والإكثار في الأسر.

وقد ساهمت جهود الصندوق في إنقاذ الحبارى، وتحسين وضع الأنواع من «مهددة بالانقراض» إلى «معرضة للخطر»، ضمن القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة.

ويندرج تحت إدارة الصندوق كل من مركز الشيخ خليفة لإكثار الحبارى في أبوظبي، والمركز الوطني لبحوث الطيور في سويحان بأبوظبي أيضاً، ومركز الإمارات لتنمية الحياة الفطرية في المملكة المغربية، ومركز الشيخ خليفة لإكثار الحبارى في كازاخستان، حيث تعد هذه المراكز من أكثر المنشآت تقدماً في العالم، ويعمل فيها أكثر من 15 ألف موظف من الباحثين والفنيين والخبراء العاملين في مشاريع التربية والإطلاق داخل دولة الإمارات وخارجها في سبيل تحقيق الاستدامة لطائر الحبارى.

تعاون دولي

ويعد الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى أحد أضخم مشاريع الحفاظ على الأنواع، ويعمل على دعم العمل الدولي المشترك، حيث أطلق برامج تعاون مع روسيا وإسبانيا والهند بهدف حماية الأنواع المهددة بالانقراض، كما يعمل على تنفيذ برامج مشتركة مع 22 دولة متصدراً بذلك جهود البحث العلمي ذات الصلة على المستوى العالمي.

وعلى ضوء ذلك وقّع الصندوق عدداً من الاتفاقيات الدولية مع عدد من الحكومات والهيئات التي تعنى بالحفاظ على طائر الحبارى من أبرزها اتفاقية تفاهم مشترك مع كازاخستان التي وضعت أسس تشغيل «مركز الشيخ خليفة لإكثار الحبارى»، واتفاقية تعاون مشترك مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعية في المملكة الأردنية الهاشمية، كما وقّعت دولة الإمارات مذكرة التفاهم مع الجمهورية الجزائرية للتعاون والتنسيق لحماية وإكثار طائر الحبارى.

ويظهر في هذا الخصوص المبادرات الاستثنائية ل«صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية»، الذي تأسس في عام 2008، وأسهم في المحافظة على آلاف الأنواع من الكائنات الحية المهددة بالانقراض، حيث قدم دعماً ل 170 مشروعاً في أكثر من 60 دولة مختلفة من قارات العالم الستة، كما تجاوزت قيمة المنح الإجمالية التي قدمها منذ عام 2019 فقط 1,502,029 دولاراً أمريكياً.

منظومة تشريعية

ووضعت دولة الإمارات مجموعة من القوانين والتشريعات التي تضمن حماية طائر الحبارى من الصيد الجائر، وتولت وزارة التغير المناخي والبيئة العمل على تعزيز حماية التنوع البيولوجي للبيئة المحلية وحماية الكائنات المهددة بالخطر أو الانقراض.

كما وقّعت الوزارة مذكرة تفاهم مع الصندوق الدولي للحفاظ على الحبارى في عام 2020 بشأن تعزيز التعاون الدولي من خلال إبراز جهود الدولة المبذولة في المحافظة على طائر الحبارى، وإنفاذ التشريعات والاتفاقيات لمكافحة صيد هذا الطائر.

كما نظم الجانبان حواراً إقليمياً حول مكافحة الاتّجار غير المشروع في طيور الحبارى والصقور، وشارك في الحوار الذي أقيم ضمن فعاليات أسبوع «المناخ والتنوع البيولوجي» في إكسبو 2020، وفود من وزارة البيئة الباكستانية، والجمعية الملكية لحماية الطبيعة في المملكة الأردنية الهاشمية، ومجموعة من وزراء ومسؤولي البيئة في دول منطقة الشرق الأوسط، والسلطة الإدارية لاتفاقية سايتس في الإمارات والعديد من الخبراء والمختصين العالميين.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات كوب 28 الاستدامة التغير المناخي للحفاظ على الحبارى الحبارى فی هذا الطائر الحفاظ على فی أبوظبی فی الأسر من خلال فی عام

إقرأ أيضاً:

كتّاب من الإمارات والمغرب يوثقون ملامح تطوّر القصة القصيرة

الرباط (الاتحاد) ضمن فعاليات الشارقة ضيف شرف الدورة الثلاثين لمعرض الرباط الدولي للنشر والكتاب، نظمت هيئة الشارقة للكتاب جلسة أدبية بعنوان «شهادات سردية»، ناقش خلالها عدد من الكتّاب من دولة الإمارات والمغرب واقع القصة القصيرة وتحولاتها عبر العقود، بحضور نخبة من المهتمين بالشأن الأدبي والنقدي. وشارك في الجلسة التي أدارتها الكاتبة الإماراتية شيخة المطيري، الكاتبتان مريم الغفلي، ومريم ناصر من دولة الإمارات العربية المتحدة، والكاتب المغربي عبدالنبي دشين. واستعرضت الكاتبة مريم الغفلي نشأة القصة القصيرة في دولة الإمارات، مشيرة إلى أن رواية الحكايات الشعبية مثل السيرة الهلالية وسيرة سيف بن ذي يزن شكّلت في بداياتها نواة السرد في المجتمع الإماراتي. وتحدثت الغفلي عن الأسماء المؤسسة لفن القصة القصيرة الإماراتية، مثل عبدالعزيز الشرهان، وعلي عبدالله، وعبدالرضا السجواني، ومحمد المر الذي يعد «عرّاب القصة الإماراتية». وأكدت الغفلي أن القصة الإماراتية مرت بثلاث مراحل: مرحلة ما قبل الاتحاد، التي تأثرت بالتيار العربي العام، ومرحلة ما بعد الاتحاد، التي التفتت إلى القضايا المحلية، ومرحلة الحداثة بعد التسعينيات، حيث شهدت القصة تطوراً يواكب التحولات العالمية، مشددة على أن القصة القصيرة الإماراتية «بدأت من حيث انتهى الآخرون»، في تأكيد على نضجها السردي المبكر. من جانبه، استهل الكاتب المغربي عبدالنبي دشين مداخلته بقراءة نص شعري قصصي حول تجربة المرأة الكاتبة في الإمارات، قبل أن يستعرض مسيرة تطور القصة القصيرة في المغرب، والتي تعود بداياتها إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث تناولت النصوص الأولى قضايا الهم الوطني، قبل أن تتجه في السبعينيات نحو تكسير البنى التقليدية والتماهي مع الفنون الأخرى كالسينما والفنون التشكيلية. وأشار دشين إلى أن استلهام التراث العربي كان ولا يزال توجهاً بارزاً في السرد المغربي، موضحاً أن الحكاية الشفاهية شكلت «تمريناً طبيعياً على التخييل»، الذي يمثل جوهر العملية الإبداعية في الأدب القصصي. أما الكاتبة مريم ناصر، فتناولت الصعوبات الفنية المرتبطة بكتابة القصة القصيرة، معتبرة إياها من أصعب أشكال الإبداع الأدبي، وأكدت أن القصة القصيرة تحتاج إلى مهارة عالية في اختيار الكلمات وتكثيف المعنى، مستشهدة بقول ماركيز في كتابه «رائحة الجوافة»: «لا تحضر مسماراً إلى قصتك إذا لم تكن تستخدمه». وأشارت إلى أن القصة الومضة تتسم بقدرتها على إتاحة فرص متعددة للتأويل، ما يجعلها مساحة خصبة للتجريب الفني، كما لفتت إلى أن عبدالله صقر كان أول من أصدر مجموعة قصصية قصيرة في دولة الإمارات بعنوان «الخشبة». وفي حديثها عن توظيف التراث، أكدت ناصر أن استحضار الحكايات والخرافات الشعبية في النص القصصي ينبع من رغبة الكتّاب في الحفاظ على الذاكرة الثقافية، ومقاومة اندثار الموروث الشفاهي الذي شكّل وجدان المجتمعات العربية.

أخبار ذات صلة الشارقة وشباب الأهلي وشرطة دبي أبطال كأس الاتحاد للكاراتيه الرواية الخليجية.. في مرايا السرد والتحولات

مقالات مشابهة

  • الإمارات تمهد لمستقبل أكثر استدامة وخضرة
  • الشيخ موسى هلال: آل دقلو ليسوا سودانيين.. بل نزحوا من دولة مجاورة
  • قطب صناعي بالمنطقة| دولة عربية تتلقى 13 طلبا من شركات عالمية لإقامة مصانع سيارات
  • خبراء: نمو تجارة الإمارات مع العالم ينعكس في القطاعات كافة
  • الإمارات مهد الابتكار والإبداع.. ووصفة العالم لطالبيهما
  • الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم : 1.42 تريليون$ حجم التجارة الخارجية
  • محمد بن زايد: ما قصرتوا أخي بو راشد.. الإمارات دولة استثنائية برؤيتكم وجهود المخلصين
  • الرحلات بين سوريا والإمارات.. أول طائرة من دمشق إلى الشارقة
  • كتّاب من الإمارات والمغرب يوثقون ملامح تطوّر القصة القصيرة
  • بمعهد الشيخ زايد بواشنطن.. تريندز يناقش الابتكار في الرعاية الصحية