الحوثيون والتهديد البحري... باحثون ينتقدون «التراخي» الدولي ويطالبون بعقوبات
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
لم يكن تهديد الحوثيين الملاحة البحرية وليد الأحداث والأسابيع الأخيرة. وظهرت ردود فعل دولية إزاء سلوك الجماعة لأمن الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب أقل من المستوى؛ وفقاً لباحثين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» انتقدوا «التراخي الدولي» مع الحوثيين وطالبوا بعقوبات.
ورغم التحرك الأميركي الرامي إلى تقليص المخاطر ارتفعت أصوات يمنية من باحثين ومراكز تفكير ودراسات تدعو إلى تحرك أقوى يضمن إحلال السلام في اليمن وتحجيم القدرات العسكرية للجماعة الساعية للحصول على أكبر الفوائد من الحرب في غزة.
منذ انقلابها، أبدت الجماعة نواياها للسيطرة على الممرات المائية المجاورة لليمن، وأقدمت على ممارسات مثلت اعتداءات واضحة على طرق الملاحة الدولية؛ لكن ممارساتها الأخيرة بدت أكثر جرأة، وفي ظروف أكثر حساسية، ومغايرة لمساعي إنهاء الصراع في اليمن.
أكثر ما يفسر اهتمام الجماعة بالممرات المائية أنها وأثناء زحفها الانقلابي بعد صنعاء لم تتجه صوب مأرب أو شبوة، وهما محافظتان مليئتان بالنفط، بل توجه الحوثيون صوب الحديدة، وهو ما يشي بأهميتها الاستراتيجية لدى الجماعة، أو من يخطط لها.
وسبق للحوثيين استهداف سفن أجنبية وناقلات خليجية في البحر الأحمر وقرب مضيق باب المندب بالقرصنة وإطلاق القذائف وزراعة الألغام البحرية لفرض نفوذها ومشروعها في اليمن، وكانت عملية اختطاف السفينة الإماراتية «روابي» مطلع العام الماضي من أمام السواحل الغربية للبلاد عملاً مشهوداً أثار القلق الدولي على خطوط التجارة الدولية.
ممارسات مشهودة
من الممارسات الحوثية المشهودة استهداف البوارج الأميركية «يو إس ماسون» و«بونز» و«نيتز» بالصواريخ، والذي ردت عليه البحرية الأميركية بقصف مواقع رادار في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2016، كما استهدف زورق مفخخ ميناء المخا في العام التالي، وأطلقت الجماعة صواريخ على ناقلات نفط سعودية في عام 2018.
ومنذ يومين أعاد رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك التحذير الذي سبق وأطلقه قبل أسبوع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي؛ من تداعيات القرصنة الحوثية على الأمن الإقليمي والدولي، ومخاطر جر المنطقة إلى صراع أوسع بالوكالة عن إسرائيل والنظام الإيراني، تأكيداً لموقف اليمن الذي تعامل مع حادثة اختطاف سفينة الشحن «غلاكسي ليدر» بوصفه قرصنة موجهة من النظام الإيراني.
ويصف المرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية الممارسات الحوثية في البحر الأحمر بمرحلة جديدة من حرب الناقلات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، والتي تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، حيث عادت أخيراً بإضافة عدة تكتيكات إليها مثل مصادرة الناقلات النفطية، واستخدام وسائل مستحدثة لاستهداف هذه الناقلات والقطع البحرية الموجودة في المنطقة، مثل الزوارق الانتحارية.
وامتدت تأثيرات هذه العمليات البحرية المستترة إلى المواجهة بين تل أبيب وطهران، بدءاً من أكتوبر 2019 باستهداف ناقلة إيرانية بمقذوفات أو ألغام لاصقة، لتتكرر الهجمات على السفن الإيرانية خلال ذلك العام والعام الذي يليه، وردت إيران على تلك الهجمات في مارس (آذار) 2021، باستهداف سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر بألغام لاصقة.
استشعار الخطر
دخلت الجماعة المعادلة الميدانية متذرعة بالحرب في غزة، ما دفع البحرية الأميركية إلى استشعار التهديدات التي تمثلها الصواريخ المطلقة من اليمن، سواء في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في اتجاه الملاحة الأميركية والإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن.
في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 حركت البحرية الأميركية مجموعة قتالية من قطعها البحرية إلى شمال البحر الأحمر قادمة من البحر المتوسط، وانضمت إليها بعد يومين غواصة الصواريخ الموجهة «يو إس إس فلوريدا»، لتنتقل لاحقا إلى خليج عدن، وتقترب من السواحل الإيرانية، لتنفيذ عمليات مراقبة في نطاق الخليج العربي وخليج عدن والبحر الأحمر، بالتعاون مع مجموعة بحرية أخرى.
تبدو الأنشطة الحوثية الأخيرة، بحسب الباحث محمد منصور الذي أعد رؤية المرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حول هذه القضية، توسيعا لهامش المناورة العسكرية فيما يتعلق بأزمة غزة؛ لكنها سلطت الضوء على حجم التهديد الذي تتعرض له الملاحة الدولية في هذا النطاق البحري الحيوي، والذي فاقمه عدم التوصل إلى حل سياسي نهائي للأزمة اليمنية، مع ترجيح أن تكون هذه الأنشطة وسيلة لتقوية موقف الجماعة الحوثية في المفاوضات.
ويخلص الباحث إلى أن ثمة حالة توازن قائمة في المشهد البحري في البحر الأحمر وخليج عدن وما يرتبط به من عمليات صاروخية؛ فلا الجماعة الحوثية راغبة في توسع أعمالها إلى المدن الإسرائيلية، أو الدخول في مواجهة مباشرة مع القطع البحرية الأميركية، ولا الجانب الأميركي يملك نيات للرد على تلك الأنشطة كما حدث عام 2016، ويضع حماية الملاحة المدنية كأولوية لوحداته البحرية.
أما المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية (ISPI) فذهب إلى أن جهود الردع الدولية لا تخفف من المخاوف الأمنية العالمية في البحر الأحمر التي تمثلها القرصنة الحوثية، فقد تأثر الأمن البحري في البحر الأحمر ومنطقة باب المندب سلباً بسبب الحرب في اليمن، وبعد هجمات الحوثيين عدة مرات على أهداف عسكرية وتجارية خلال السنوات الماضية.
الجماعة الحوثية كثفت منذ مطلع العام الحالي وجودها العسكري على الساحل الغربي للبلاد وعلى الجزر اليمنية في البحر الأحمر لاتخاذها نقاطا محورية للهجمات البحرية، وهي الجزر التي شهدت عملية عسكرة تدريجية، منذ عام 2015، ما دفع إلى اتخاذ كثير من المبادرات لتعزيز أمن البحر الأحمر، وإطلاق فرقة عمل بقيادة الولايات المتحدة العام الماضي لتحسين الأمن البحري في المنطقة ومكافحة تهريب الأسلحة.
إلا أن الردع لم يكن فعالاً، وفقاً للمركز، وبدلاً من ذلك، يبدو أن الجماعة اكتسبت مزيداً من الجرأة بسبب الحرب بين إسرائيل و«حماس» في غزة، فضلاً عن إمكانية التعامل مع البحرية الأميركية، في حين لا تمنع جهود السلام التي تدعمها السعودية الجماعة المسلحة من تنفيذ هجمات متعددة الأبعاد (جوية وبحرية) في البحر الأحمر، وعبره.
العودة إلى العقوبات الأميركية
ينتهي المعهد الإيطالي في تقريره إلى أن منطقة باب المندب تبدو أكثر أماناً الآن، لكن باحتفاظ الجماعة الحوثية بالمناطق الساحلية الغربية، فإن الجزر الغربية لليمن ستظل بمثابة نقاط توقف لا يمكن التنبؤ بها في البحر الأحمر.
يؤكد الباحث المصري في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بشير عبد الفتاح لـ«الشرق الأوسط» أن الممارسات الحوثية في البحر الأحمر قد تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية وفرض عقوبات عليها، كوسيلة ردع يمكن أن تساعد في كبح جماح جماعة الحوثي ومواجهة القرصنة في البحر الأحمر.
ويرى عبد الفتاح، وهو رئيس تحرير «مجلة الديمقراطية»، أن أفضل وسيلة لمنع تصاعد الأوضاع في المنطقة وتوسيع الحرب تتمثل في وقف إطلاق النار والشروع في مفاوضات سلام تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي لسد الأبواب وإزالة الذرائع أمام الجماعات والحركات الإرهابية التي تتخذ القضية الفلسطينية مبرراً لأنشطتها المهددة للأمن والسلام.
الباحث السياسي اليمني فارس البيل رئيس «مركز يمن المستقبل للدراسات الاستراتيجية» يقرأ ردود الفعل الدولية إزاء القرصنة الحوثية في البحر الأحمر كما لو أنها تدرك مدى هذه الأعمال وتأثيرها، وأنها ليست أكثر من «بروباغندا» إيرانية شعبية معهودة، ولم تكن حدثاً مفاجئاً ومربكاً يستدعي المعالجة، ويظهر أيضاً كما لو أن هنالك سيناريوهات متوقعة لأذرع إيران في نطاقاتها.
يعتقد البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن عمليات الحوثيين العسكرية ليست ذات تأثير مباشر على مجريات الأحداث، باعتبارها أعمالا هامشية، وأن إيران تريد من ذلك أن تغطي سوأتها بافتعال هذه الأعمال لكن بعيداً عن المربع الساخن، ودونما تأثير، حيث تم اختيار الحوثي لهذه المهمة.
ويخلص البيل، إلى القول إن الأعمال الحوثية تصدر في لحظة مفاوضات متقدمة حول السلام للتأكيد أنها غير معنية بالسلام ولن تستجيب لمتطلباته، إلا أن هناك رغبة دولية لإنجاز هذه التسوية دونما تطمين لكيفية التزام الجماعة بالسلام وبالعمل الوطني داخليا وخارجيا وهي تمارس الانتهاكات داخليا وتهدد الأمن الإقليمي والدولي خارجياً.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
قال موقع أخباري إسرائيلي إن المتمردين اليمنيين يهددون إسرائيل والاستقرار العالمي، ويشلون التجارة في البحر الأحمر على الرغم من الضربات التي تقودها الولايات المتحدة.
وذكر موقع "واي نت نيوز" في تقرير ترجمة للعربية "الموقع بوست" إن كبار المسؤولين الأميركيين يعبرون عن "صدمتهم" إزاء أسلحتهم المتقدمة، مما يثير مخاوف من زيادة الدعم الإيراني.
وأكد التقرير العبري أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تشير إلى موقف أميركي أكثر صرامة.
وحسب التقرير فلإنه في واحدة من أخطر الحوادث للقوات الأميركية في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في غزة، أسقطت سفينة حربية أميركية عن طريق الخطأ طائرة مقاتلة من طراز إف/إيه-18 تابعة للبحرية الأميركية فوق البحر الأحمر خلال عطلة نهاية الأسبوع. وتزامن الحادث مع غارات جوية أميركية استهدفت مواقع للحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء.
وذكر أن الطيارين قد قفزوا من الطائرة بسلام وتم إنقاذهما، في حين أعلن المتمردون الحوثيون بسرعة مسؤوليتهم عن إسقاط الطائرة. ومع ذلك، لم يوضح البنتاغون ما إذا كانت النيران الصديقة مرتبطة بشكل مباشر بالقتال الجاري ضد المجموعة المدعومة من إيران.
"تؤكد هذه الحلقة على التحدي الأوسع الذي يفرضه وكلاء إيران، ليس فقط على إسرائيل ولكن أيضًا على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي"، حسب الموقع الاسرائيلي.
وأكد أن هجمات الحوثيين تضع إدارة بايدن في موقف صعب، لأنها تتزامن مع الجهود الأمريكية للتوسط لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن والصراع السعودي الحوثي. فشلت تلك الحرب، التي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين في الغارات الجوية السعودية، في هزيمة الميليشيات المتحالفة مع إيران.
وفق التقرير فإنه مع استمرار التوترات المرتفعة، قد تنمو احتمالات تكثيف العمل من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة مع عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الشهر المقبل.
وقال "ومع ذلك، أصبحت قدرة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على ردع الحوثيين موضع تساؤل بعد أن أظهروا مرونة في مواجهة سنوات من الضربات الجوية السعودية المتواصلة، متجاهلين في كثير من الأحيان المعاناة الشديدة للمدنيين اليمنيين. يعيش ثلثا سكان اليمن تحت سيطرة الحوثيين".
وتوقع بن يشاي أن يرفع ترامب القيود التشغيلية التي فرضها بايدن على القوات الأميركية في اليمن، مما يمهد الطريق لحملة أميركية إسرائيلية منسقة لتحييد التهديد الحوثي.
وقد تتضمن هذه الاستراتيجية استهداف قيادة الحوثيين وتدمير صواريخهم الباليستية وطائراتهم بدون طيار وأنظمة الإطلاق ومرافق الإنتاج الخاصة بهم - وهي الإجراءات التي قال بن يشاي إنها ستعكس العمليات الإسرائيلية الناجحة ضد الأصول الاستراتيجية لحزب الله في لبنان وقدرات نظام الأسد في سوريا. ومن المرجح أن تتطلب إسرائيل تعاونًا كبيرًا من القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) والأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، الذي يعمل في المنطقة بحاملات الطائرات ومدمرات الصواريخ وغيرها من الأصول. إن المسافة الجغرافية والتحديات الاستخباراتية تجعل العمل الإسرائيلي الأحادي الجانب غير محتمل.
وزعم بن يشاي أن الجهد المنسق يمكن أن يمنع الحوثيين من المزيد من زعزعة استقرار النظام العالمي والاقتصاد. وأشار إلى أنه في حين أن الحوثيين لا يردعون عن الضربات على البنية التحتية لدولتهم، فإن قطع رأس القيادة والهجمات الدقيقة على قدراتهم العسكرية يمكن أن يغير التوازن.