البوليساريو.. من حَجْرَة في حذاء المغرب إلى كابوس يجثم على صدر النظام الجزائري
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
بقلم: محمد إنفي
يوم أعلن العقيد الهواري بومدين، الذي استولى على السلطة في الجزائر عن طريق انقلاب عسكري سنة 1965(ثلاث سنوات بعد "الاستقلال" المشروط)، عن نيته في معاكسة المغرب وعرقلة مسيرته، كانت الفكرة هي وضع حجرة في حذاء المغرب حتى تتعثر خطواته وتخور قوته، فتنفرد الجزائر بقيادة شمال إفريقيا وصولا إلى زعامة القارة الإفريقية.
ولما تأسست "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، المعروفة اختصارا بالبوليساريو، سنة 1973 من قبل مجموعة من الشبان الصحراويين الذين كانوا يدرسون في جامعة محمد الخامس بالرباط، لم يفوِّت الهواري بومدين الفرصة لتحويل هذه الجبهة إلى "الحجرة في سباط" المغرب، التي يبحث عنها منذ أن استولى على السلطة. فبعد أن كان هدف المؤسسين للبوليساريو، هو تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب من الاستعمار الإسباني استكمالا لعمل آبائهم، تحول هذا الهدف إلى مطلب انفصالي بعد أن دخلت الجزائر وليبيا على الخط.
ويحكي البشير الدخيل، وهو أحد القياديين المؤسسين لجبهة “البوليساريو"، كيف حدث التحول الأساسي في هذه الجبهة خلال مؤتمرها الثاني في غشت من سنة 1974، حيث قامت الجزائر بإنزال أكثر من 460 جزائريا للتأثير في توجه المؤتمر.
ويضيف البشير الدخيل "أن الجزائر قضت على معظم رموز جبهة البوليساريو المنحدرين من الساقية الحمراء (السمارة بوجدور الداخلة)، وذلك خلال سنتي 1974و1975، مشيرا إلى أن هدف الجزائر آنذاك كان هو القضاء على مؤسس البوليساريو مصطفى الوالي السيد والإتيان بقيادة جديدة تشتغل مع الجزائر" (أنظر موقع Le Site Info بالعربية).
وللتذكير، فإن المغرب قد استرجع إقليم طرفاية من إسبانيا سنة 1958؛ أي سنتين بعد نيل استقلاله، وفي سنة 1963، وضع ملف الصحراء الغربية المغربية لدى اللجنة الرابعة للجمعية العامة لأمم المتحدة المعنية بقضايا تصفية الاستعمار؛ وفي سنة 1969 استعاد المغرب سيدي إفني، وفي سنة 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بشأن سؤالين قدمتهما إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الصحراء الغربية (الصحراء الإسبانية آنذاك)؛ وقد أقر هذا الرأي الاستشاري بوجود روابط البيعة بين القبائل الصحراوية وملوك المغرب؛ حينها أعلن الملك الحسن الثاني عن تنظيم مسيرة خضراء نحو الصحراء، حدد لها يوم 6 نونبر من نفس السنة؛ وقد انطلقت هذه المسيرة من طرفاية نحو أقاليمنا الجنوبية التي كانت تحتلها إسبانيا، وعادت المسيرة إلى نقطة الانطلاق يوم 9 نونبر بعد أن حققت الغاية المرجوة منها. وفي يوم 14 من نفس الشهر والسنة (نونبر 1975)، سيُبرم اتفاق ثلاثي في مدريد بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، الذي على أساسه سيتم إنهاء الوجود الإسباني على مستعمرته السابقة في فبراير 1976.
وردا على نجاح المسيرة الخضراء، قام الهواري بومدين يوم عيد الأضحى (18 دجنبر 1975) بجريمة نكراء تمثلت في تهجير ثلاث مائة وخمسين ألف (350000) مغربي ومغربية (أي نفس عدد متطوعي المسيرة الخضراء)، لقد اقتحموا عليهم مساكنهم ليلا وأخرجوهم بالقوة وسلبوهم ممتلكاتهم وكدسوهم في الشاحنات وألقوا بهم إلى الحدود الجزائرية المغربية في ظروف لا إنسانية.
وستبقى هذه الجريمة النكراء التي تعرف بـ"المسيرة الحكلة"، وصمة عار في السجل الأسود للنظام العسكري الجزائري البغيض، وقد وثَّقها التاريخ بحبر لا يمحى وفي سجل خاص بالأنذال والرِّعاع الذين لا ضمير لهم ولا أخلاق؛ لا إنسانية فيهم ولا رجولة. لقد ورثوا عقلية المستعمر وخبثه. فلا غرابة أن نرى اليوم النظام الجزائري يقدم لفلسطين الشعارات ولإسرائيل الغاز للاستمرار في تدمير غزة وإبادة الغزاويين.
وخلال شهر فبراير من سنة 1976، تم الإعلان، عن تأسيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" المزعومة، كرد فعل على الاتفاق الثلاثي المشار إليه أعلاه، ولم يدرك النظام الجزائري أبعاد ما أقدم عليه، حيث جعل من أرضه مأوى لعصابات البوليساريو، ومنها تنطلق الهجومات على المغرب بمشاركة الجنود الجزائريين (معركة أمغالة 1 وأمغالة 2).
ولعجز تلك الهجمات عن تحقيق أهدافها (الاستيلاء على بعض الأراضي الصحراوية)، عمد النظام العسكري إلى جلب المرتزقة من أفريقيا وأمريكا اللاتينية بالإضافة إلى الموريتانيين والجزائريين لدعم هذا الكيان الوهمي، وقد أغدقت عليه ليبيا القذافي وجزائر بوخروبة الأموال الطائلة؛ خصوصا وأنه خلال تلك الفترة كانت خزينة كل منهما تتهاطل عليها مئات المليارات من الدولار كعائدات نفطية.
ومع مرور الوقت، أصبح الصحراويون المنتمون إلى الصحراء الغربية المغربية أقلية في صفوف البوليساريو، خصوصا بعد أن عاد إلى أرض الوطن العديد من مؤسسي الجبهة، إن لم نقل جل المؤسسين (ونعني بهم الذين نجوا من الاغتيال من قبل العسكر الجزائري)، والكثير من الكوادر الذين لبوا نداء "إن الوطن غفور رحيم"؛ وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من المحتجزين الذين تمكنوا من الفرار من جحيم مخيمات الذل والعار وعادوا إلى وطنهم للعيش في أمن وأمان.
وكما يقول المثل الشعبي المغربي "لِّي كيحْسبْ بوحْديه كيْشيطْ ليهْ"، فقد وجدت الجزائر نفسها متورطة في صراع يشارف على الخمسين سنة، ولم تحقق من ورائه إلا تفقير الشعب الجزائري، الغنية بلاده بالثروات الطبيعية الهائلة. وقد كبدها هذا الصراع خسائر بمئات المليارات من الدولار التي صرفت على الجمهورية الوهمية (تسليح، تمويل، تجنيد بعثات ديبلوماسية، إرشاء الدول الأفريقية الفقيرة للاعتراف بالبوليساريو ، الخ) حتى أصبح المواطن الجزائري يقضي ساعات يومه في الطابور لعله يظفر بشيء من المواد الغذائية الأساسية؛ ناهيك عن العزلة التي أصبحت عليها الجزائر إقليميا وجهويا ودوليا، بحيث تحولت إلى "دولة" لا هيبة لها ولا وزن ولا مواقف على الساحة الدولية، كما عبر عن ذلك وزير خارجية روسيا لتفسير أسباب عدم قبول "القوة الضاربة" في مجموعة "بريكس".
ومما لا شكك فيه، أن النجاحات الديبلوماسية التي يحققها المغرب في موضوع وحدته الترابية، سوف تعمق هذه العزلة وترفع من حدة وخطورة الورطة التي ستجعل الجزائر في مأزق حقيقي مع صنيعتها وأمام المنتظم الدولي. فطرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي أصبح وشيكا وأمر تصنيفها كتنظيم إرهابي ليس بعيدا؛ وعند ذلك، تصبح الجزائر داعمة للإرهاب وتأويه على أرضها؛ وهذا يعني أنها دولة إرهابية. فهل يدرك النظام الجزائري هذه المعادلة؟
والسؤال الذي ربما لا يطرحه النظام العسكري على نفسه، هو كيف سيتصرف مع المرتزقة الذين تم جلبهم إلى تندوف منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، خصوصا وقد أصبح الصحراويون المنتسبون للصحراء المغربية أقلية بين ساكنة المخيمات؟ فهدف الجزائر من دعم البوليساريو، كان هو تحقيق حلم الوصول إلى المحيط الأطلسي من خلال زرع دويلة على حدود المغرب، مهمتها عرقلة انفتاحه على العمق الأفريقي وبعده الأطلسي الإفريقي. لكن الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، والذي أعلن بكل ثقة وعزم وحزم عن تأهيل الواجهة الأطلسية للصحراء المغربية و"هيكلة هذا الفضاء الجيو-سياسي على المستوى الأفريقي"، قد أقفل أمام أطماع الجزائر كل المنافذ.
خلاصة القول، كل المعطيات الميدانية والاقتصادية والديبلوماسية والحقوقية والعسكرية والجيو-سياسية ... تدل على أن ملف ما يسمى بـ"الصحراء الغربية"، على وشك أن يتم إقفاله نهائيا. فما ذا ستفعل الجزائر مع ساكنة تندوف التي لا تنتمي للصحراء المغربية؟ هل سيعلن النظام رسميا عن قيام الجزائر الجنوبية إلى جانب الجزائر الشمالية حسب التسمية التي اختارها بعض المحللين المغاربة لمخيمات تندوف، أم سيحاول التنصل من مسؤولياته ويدفع بهم إلى الدول المجاورة؟ وهل سيقبل سكان المخيمات بهذا الحل؟
بكل تأكيد لا؛ وبهذا، ستتحول الحجرة في حذاء المغرب إلى كابوس مرعب للنظام الجزائري، ما لم نقل إلى صخرة ثقيلة وساخنة على أكتاف الجزائر. وبهذا ينطبق عليها المثل العربي: "على نفسها (أو على أهلها) جنت براقش".
المصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: الصحراء الغربیة النظام الجزائری بعد أن
إقرأ أيضاً:
تبون ومتلازمة الهوس بالمغرب…حوار لوبينيون يكشف عزلة الجزائر وزيف دعم فلسطين
زنقة 20. الرباط
في مقابلته الأخيرة مع صحيفة L’Opinion الفرنسية، حاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مرة أخرى، تسويق صورة الجزائر كدولة قوية ذات نفوذ إقليمي. لكن خلف كلماته، برزت حقيقة عزلة بلاده وافتقارها إلى استراتيجية واضحة. تناول مواضيع متعددة، من العلاقات مع الصين والولايات المتحدة، إلى أزمة الساحل، والأوضاع في مالي وتونس، مرورًا بالصراع في غزة، لكن هوسه المعتاد بالمغرب والصحراء المغربية كان حاضراً كالعادة. ومع ذلك، كان تصريحه بشأن إسرائيل هو الأكثر إثارة للجدل.
صرّح تبون بأن الجزائر ستكون مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في اليوم الذي يتم فيه إنشاء دولة فلسطينية. أراد من خلال هذا التصريح تأكيد التزام بلاده بالقضية الفلسطينية، لكنه كشف في الواقع عن التناقضات في موقفه. فعلى مدى سنوات، استخدمت الجزائر القضية الفلسطينية كورقة سياسية دون تقديم أي دعم عملي حقيقي. بينما لعب المغرب دورًا نشطًا في الوساطة وإرسال المساعدات الإنسانية، اكتفى النظام الجزائري بالخطب الرنانة التي لم يكن لها أي تأثير ملموس.
المفارقة الكبرى أن تبون، من خلال هذا التصريح، ترك الباب مفتوحًا أمام احتمال التطبيع مع إسرائيل، وهو ما سبق لنظامه أن استخدمه للهجوم على المغرب. فعندما استأنف المغرب علاقاته مع تل أبيب عام 2020، وصف الخطاب الرسمي الجزائري ذلك بـ “الخيانة”. أما الآن، فإن تبون نفسه يلمّح إلى إمكانية اتخاذ خطوة مشابهة في المستقبل، ما يكشف عن ازدواجية واضحة في مواقفه.
وفي محاولة أخرى لإظهار القيادة، تحدث تبون عن الوضع في منطقة الساحل ومكافحة الإرهاب، لكن خطابه لم يتجاوز الشعارات المعتادة. فشل النظام الجزائري في الحد من توسع الجماعات الإرهابية، سواء داخل أراضيه أو على حدوده. في مالي، تزداد الأوضاع الأمنية سوءًا، وتأثير الجزائر يتراجع بشكل ملحوظ. أما في تونس، فإن دعمها لقايس سعيد لم يجلب الاستقرار، بل ساهم في عزلة البلاد أكثر. يحاول تبون تقديم الجزائر كقوة إقليمية، لكن الواقع يشير إلى أن وزنها الدبلوماسي يكاد يكون معدوماً.
وكما كان متوقعًا، لم تخلُ المقابلة من هجومه المعتاد على المغرب. أعاد تبون تكرار خطاب دعمه لجبهة البوليساريو، متجاهلاً التحولات الكبرى التي يشهدها الملف دولياً. لم يذكر الدعم الأمريكي والإسباني والفرنسي لمقترح الحكم الذاتي المغربي، كما تجاهل فتح عشرات الدول لقنصلياتها في العيون والداخلة، وهو اعتراف فعلي بسيادة المغرب على الصحراء.
في النهاية، لم تأتِ مقابلة تبون بأي جديد. محاولته تقديم نفسه كزعيم قوي لم تسفر إلا عن تعزيز صورة نظام مرتبك غارق في تناقضاته. ستستمر الجزائر في فقدان نفوذها الدولي طالما بقيت رهينة سياسة المواجهة العقيمة، مستغلة المغرب كذريعة لتغطية إخفاقاتها الداخلية، ومعتقدة أن الدبلوماسية تُبنى على الشعارات الفارغة. وبينما يظل تبون متمسكًا بخطاب متجاوز، يواصل العالم المضي قدمًا بدونه.
في الآونة الأخيرة، يبدو أن هواية تبون المفضلة هي إجراء المقابلات الصحفية مع أي جهة تطلبها. استعراض إعلامي، خطابات جوفاء، وهوس مرضي بالظهور في الصورة. وكما يقول المثل: “قل لي بماذا تفتخر، أقل لك مما تعاني”.
الجزائر والمغربتبونشنقريحة