هنري كيسنجر أو "ثعلب" واشنطن.. من هو وجه الدبلوماسية الأميركية المثير للجدل؟
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
لم يترك أحدا تأثيرا كبيرا أو بصمته على السياسة الخارجية الأميركية في النصف الثاني من القرن العشرين مثل هذا المفاوض البارع، الذي كان "حساسا" بقدر ما كان "سلطويا".
اعلانكان وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر الذي قضى الأربعاء عن عمر يناهز المئة عام، فاعلا رئيسيا في الدبلوماسية العالمية خلال الحرب الباردة، إذ يعدّ مهندس التقارب مع موسكو وبكين، لكن صورته تظل مرتبطة أيضاً بمحطات قاتمة، مثل انقلاب العام 1973 في تشيلي.
وفي مؤشر إلى الهالة والنفوذ التي يتمتع بها الرجل الذي أدار السياسة الخارجية الأميركية في عهدي الرئيسين نيكسون وفورد، كان هذا الرجل القصير القامة ذو الصوت الخشن، واللكنة الألمانية القوية، بالرغم من تقدمه في السن، حتى وقت قريب يُستشار من قبل الطبقة السياسية بأكملها ويتم استقباله من رؤساء دول ويلقي محاضرات في المؤتمرات في جميع أنحاء العالم.
وآخر مثال على ذلك، في يوليو-تموز الماضي حين التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين، والذي وصفه بأنه "دبلوماسي أسطوري". وقد سمح كيسنجر بالتقارب في سبعينات القرن الماضي بين بكين وواشنطن.
كيسنجر مع الرئيس الصيني شي جينبينغJason Lee/APلم يترك أحدا تأثيرا كبيرا أو بصمته على السياسة الخارجية الأميركية في النصف الثاني من القرن العشرين مثل هذا المفاوض البارع، الذي كان "حساسا" بقدر ما كان "سلطويا".
"الصقر والبراغماتي"يعتبر هنري كيسنجر صاحب نظرية "الواقعية السياسية" الأميركية و"الصقر" الحقيقي، واحدًا من تلك الشخصيات المعقدة التي تجذب الإعجاب أو الكراهية.
وكان للنازية تأثير عميق على الشاب اليهودي-الألماني هاينز ألفرد كيسنجر، المولود في الـ 27 مايو-أيار 1923 في فورث في مقاطعة بافاريا، فقد اضطر إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشرة مع والده المعلم وبقية عائلته. وقد حصل على الجنسية الأميركية في سن العشرين، وانضم إلى وحدة مكافحة التجسس العسكرية بالجيش الأميركي الذي اصطحبه معه إلى أوروبا ليعمل مترجما باللغة الألمانية.
بعد الحرب العالمية الثانية، عاد لاستئناف دراسته، فالتحق بجامعة هارفارد حيث حصل على شهادة في العلاقات الدولية قبل أن يقوم بالتدريس هناك ويصبح أحد مديري الجامعة العريقة. عندما، بدأ الرئيسان الديمقراطيان جون كينيدي وليندون جونسون في استشارة هذا الأستاذ اللامع والطموح.
شي جينبينغ يلتقي في بكين وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجرعن عمر يناهز مئة عام... الموت يغيّب عملاق الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجرلكن الرجل الذي اشتهر بنظارتيه السميكتين فرض نفسه كـ "وجه رئيسي" للدبلوماسية العالمية عندما عينه الجمهوري ريتشادر نيسكون في البيت الأبيض مستشارا للأمن القومي العام 1969، ومن ثم وزيرا للخارجية وقد احتفظ بالمنصبين معا من 1973 إلى 1975. وبقي في وزارة الخارجية في عهد جيرالد فورد حتى العام 1977.
في ذلك الوقت، أطلق نظرية "الواقعية السياسة" الأميركية، فباشر مرحلة انفراج مع الاتحاد السوفييتي وإذابة الجليد في العلاقات مع الصين في عهد الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، خلال رحلات سرية لتنظيم زيارة نيكسون التاريخية إلى بكين في العام 1972.
زيارته السرية للصين عام 1971جهود كيسنجر وضعت حدا لعزلة العملاق الآسيوي، وساهمت في صعود بكين على الساحة الدولية.
سافر هنري كيسنجر سرا إلى الصين في يوليو-تموز 1971 لإقامة علاقات مع الدولة التي كانت علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي متوترة بشكل خاص في ذلك الوقت. وهي الرحلة، التي مهدت الطريق لزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية إلى بكين عام 1972.
وفي علامة على أن المبادرة كان لها تأثير دائم على البلاد، تم الترحيب بذكرى الرئيس السابق للدبلوماسية الأمريكية على شاشة التلفزيون الرسمي الصيني وفي تقرير طويل بثته القناة هذا الخميس، سلطت الضوء على "مساهمته التاريخية في فتح الباب أمام العلاقات الصينية الأمريكية". وأكدت القناة أن هنري كيسنجر كان "شاهدا مهما" على "تطور العلاقات بين البلدين" وكان "يتمتع بعلاقات عميقة" مع الصين، تجسدت في "اجتماعاته العديدة مع القادة الصينيين".
الإنفراج بين واشنطن وموسكو.. وأول اتفاق للحد من الأسلحة النوويةكيسنجر الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية من العام 1973 إلى العام 1975، ترك بصمته على القرن العشرين، خاصة أثناء فترة الحرب الباردة، فلقد حقق على وجه التحديد سياسة الانفراج بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وأعاد إطلاق المفاوضات لخفض ترساناتهما النووية.
هنري كيسنجرعند وصوله في 23 أكتوبر-تشرين الأول 1974 إلى موسكو مع وزير الخارجية السوفييتي أندريه غروميكوBoris Yurchenko/Copyright 2023 The AP. All rights reserved.وأساهمت هذه المحادثات في إبرام أول اتفاقية للحد من الأسلحة النووية "سالت 1" بين القوتين، والتي تمّ التوقيع عليها في مايو-أيار لعام 1972. "إن أفضل ما يميزها هو غموضها المناهض للشيوعية، فهي تترك العالم يرتاح مع الاتحاد السوفييتي والصين الشيوعية"، حسب تعليق يومية "ليزيكو" الاقتصادية الفرنسية.
كما قاد كيسنجر أيضا، وفي سرية تامة وبالتوازي مع قصف الجيش الأميركي لهانوي، المفاوضات مع لي دوك ثو لإنهاء حرب فيتنام.
جائزة نوبل مثيرة للجدلحاز كيسنجر في العام 1973 على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع لي دوك ثو بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن الفيتنامي رفض الجائزة التي اعتبرت الأكثر إثارة للجدل في تاريخ جوائز نوبل.
كيسنجر مع لي دوك ثوMichel Lipchitz/1973 APوعلى العكس من ذلك، طالب منتقدو كيسنجر لفترة طويلة بمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ونددوا بالجانب القاتم والأكثر إثارة للجدل والأقل انفتاحاً في سياسته الخارجية، وعلى وجه الخصوص ضلوعه في القصف المكثف على كمبوديا وكذا دعمه للرئيس الإندونيسي سوهارتو الذي أدى غزوه لتيمور الشرقية إلى مقتل 200 ألف شخص في العام 1975.
لقد تساءلت صحيفة لوموند: "هل سيظل من الممكن في المستقبل منح جائزة نوبل للسلام دون التسبب في هز الأكتاف؟ مسخرة هذا الإختيار تدعونا إلى طرح السؤال أو إعادة تعريف كلمة السلام، فهي مهددة كغيرها من المفاهيم النبيلة، بالمصالح السياسية والأكاذيب الرسمية".
اعلاناقترح هنري كيسنجر عام 1975 إعادة الجائزة. ولكن مؤسسة نوبل رفضت اقتراحه، "لا تسمح قوانين المؤسسة بإعادة الجائزة ولا يوجد ما يسمح بإلغاء جائزة مُنحت بالفعل"، بحسب إذاعة فرنسا الثقافية وهذا ما يجعل جائزة نوبل للسلام لعام 1973 واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل في التاريخ.
دعم الانقلاب في تشيلي عام 1973إن الدور الذي لعبته وكالة الاستخبارات المركزية في أميركا اللاتينية، وغالبا ما كان ذلك تحت قيادته المباشرة، من المسائل التي شوهت صورة كيسنجر، بدءاً بالانقلاب الذي وقع في تشيلي العام 1973 وأوصل أوغستو بينوشي إلى السلطة بعد وفاة سلفادور أليندي. فعلى مر السنين، كشفت الوثائق الأرشيفية معالم ومدى اتساع "خطة كوندور" للقضاء على معارضي الديكتاتوريات في أميركا الجنوبية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
نظم بينوشي، بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية، انقلابًا عسكريًا في تشيلي في الـ 11 سبتمبر-أيلول 1973 ضد الاشتراكي سلفادور أليندي، الذي تم انتخابه ديمقراطيًا قبل ذلك بثلاث سنوات.
لماذا دعمت واشنطن مؤامرة الإطاحة بنظام سلفادور أليندي؟
نظرت واشنطن إلى "الاشتراكي" على أنه تهديد لمصالحها وصديقًا لموسكو حسبما أكدته الإذاعة العامة الأمريكية "إن بي آر" في سبتمبر-أيلول 2023، وكان هنري كيسنجر "بكل إخلاص" مع بينوشي، كما كتبت يومية "الباييس" الإسبانية في العام 2005، بناءً على وثائق يعود تاريخها إلى العام 1976. وسرعان ما تحول حكم أوغستو بينوشي بعيْد الانقلاب إلى دكتاتورية عسكرية.
اعلانرغم هذه الفصول القاتمة في مسيرة كيسنجر، فقد حافظ مؤلف كتاب "النظام العالمي" عام 2014، على قدرته على التأثير، ففي يناير-كانون الثاني لعام 2023، دعا إلى مواصلة دعم أوكرانيا، التي يجب، على حدّ قوله أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي.
أشهر 10 جمل لهنري كيسنجر1. "لا يمكن أن تكون هناك أزمة عالمية في الأسبوع المقبل. جدول أعمالي ممتلئ بالفعل" (1969).
2. "المثقفون ساخرون، والمتشائمون لم يبنوا في حياتهم كاتدرائية" (1971).
3. "الأشياء غير القانونية، نقوم بها على الفور. قد تجرّنا الأمور غير الدستورية لفترة أطول قليلاً" (1973).
4. "نادراً ما تكون الحقائق نفسها واضحة، على الأقل في مجال السياسة الخارجية. يعتمد معناها وتحليلها وتفسيرها على السياق" (2014).
اعلان5. "خضنا حربًا عسكرية، وخاض خصومنا حربًا سياسية. لقد سعينا إلى إبادتهم جسديًا، وكان خصومنا يهدفون إلى إنهاكنا نفسيا. ومن خلال القيام بذلك، فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات: حرب العصابات تفوز إذا لم تخسر. الجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر. استخدم الفيتناميون الشماليون قواتهم المسلحة مثلما يستخدم مصارع الثيران عباءته، لإبقائنا في المناطق ذات الأهمية السياسية الهامشية. وهكذا خسرنا" (1969).
6. "لولا حادث ولادتي، ربما كنت سأصبح معاديًا للسامية" (1975).
7. "إذا كنت تعتقد أن النية الحقيقية للطرف الآخر في المناقشات هي قتلك، فليس من غير المعقول أن تعتقد أنهم يكذبون عليك للمضي قدمًا" (1988).
8. "غياب أي بديل يوضح التأمل بشكل رائع" (1978).
9. "من الخطأ الاعتقاد بأن الدبلوماسية قادرة دائمًا على حل النزاعات الدولية طالما أن هناك حسن نية أو استعداد للتوصل إلى اتفاق. وفي الواقع، في العلاقات الدولية، ستبدو كل قوة لخصومها وكأنها تفتقر إلى هذه الصفات على وجه التحديد" (1971).
اعلان10. "السلطة هي أعظم مثير للشهوة الجنسية" (1971).
المصادر الإضافية • وكالات
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: أمل مطعّم بالخوف في غزة.. والأهالي يواجهون شبح استئناف الحرب من جديد شاهد: دقيقة صمت على أرواح ضحايا غزة وموظفي الأمم المتحدة للمناخ خلال افتتاح كوب28 شاهد: قلب غزة النابض يتحول إلى أنقاض بعد القصف والغزو البري الإسرائيلييْن وفاة الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسية السياسة الخارجية اعلانالاكثر قراءة تغطية مستمرة: حماس تفرج عن 10 رهائن إسرائيليين عدد منهم من مزدوجي الجنسية و4 تايلانديين شاهد: حرب غزة تلحق أضرارا كارثية بالبنية التحتية أمير الكويت يدخل المستشفى بسبب وعكة صحية وحالته مستقرة كنا في حالة حداد.. طفلة إيرلندية أبلغت إسرائيل والدها أن حماس قتلتها تعود ضمن الرهائن المفرج عنهم كيف تحولت فلسطين على الخرائط لإسرائيل في ظرف 7 عقود فقط؟ اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. تغطية مستمرة| تمديد الهدنة ليوم إضافي وإفراج عن محتجزتين إسرائيليتين إحداهما فرنسية الأصل يعرض الآن Next السياسة الأوروبية. رئيس الوزراء الإسباني: "من مصلحة" الاتحاد الأوروبي الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعرض الآن Next مباشر. لحظة بلحظة| افتتاح قمة المناخ كوب 28 في دبي يعرض الآن Next شاهد: أمل مطعّم بالخوف في غزة.. والأهالي يواجهون شبح استئناف الحرب من جديد يعرض الآن Next ما مصير المباحثات الأرمينية-الأذرية حول ترسيم الحدود بين البلدين؟ LoaderSearchابحث مفاتيح اليوم حركة حماس إسرائيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة هدنة أسرى فلسطين الإمارات العربية المتحدة قطاع غزة الشرق الأوسط الضفة الغربية Themes My EuropeالعالمBusinessرياضةGreenNextسفرثقافةفيديوبرامج Servicesمباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Games Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعونا النشرة الإخبارية Copyright © euronews 2023 - العربية EnglishFrançaisDeutschItalianoEspañolPortuguêsРусскийTürkçeΕλληνικάMagyarفارسیالعربيةShqipRomânăქართულიбългарскиSrpskiLoaderSearch أهم الأخبار حركة حماس إسرائيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة هدنة أسرى My Europe العالم Business رياضة Green Next سفر ثقافة فيديو كل البرامج Here we grow: Spain Discover Türkiye Discover Sharjah From Qatar أزمة المناخ Destination Dubai Explore Azerbaijan مباشرالنشرة الإخباريةAll viewsنشرة الأخبارجدول زمني الطقسGames English Français Deutsch Italiano Español Português Русский Türkçe Ελληνικά Magyar فارسی العربية Shqip Română ქართული български Srpskiالمصدر: euronews
كلمات دلالية: وفاة الولايات المتحدة الأمريكية دبلوماسية السياسة الخارجية حركة حماس إسرائيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة هدنة أسرى فلسطين الإمارات العربية المتحدة قطاع غزة الشرق الأوسط الضفة الغربية حركة حماس إسرائيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة هدنة أسرى الاتحاد السوفییتی الخارجیة الأمیرکی السیاسة الخارجیة الأمیرکیة فی یعرض الآن Next هنری کیسنجر جائزة نوبل العام 1973 فی العام فی تشیلی
إقرأ أيضاً:
وكيل الأزهر يحاضر شباب برنامج الدبلوماسية الشبابية حول دور الأزهر ورسالته العالمية
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الأزهر الشريف كمؤسسة دينية ذات رسالة عالمية، نشأ منذ أكثر من ألف عام، كمنارة للعلم والعلماء وقبلة للطلاب من شتى بقاع الأرض، فهو قلعة المعرفة الوسطية المعتدلة التي لا تعرف الغلو ولا الشطط، تمسك بمنهج مستقيم في فهم القرآن والسنة، وانفرد بأنه مؤسسة لم تنقطع عن رسالتها ودورها طوال تاريخها.
وأكد الدكتور الضويني، خلال محاضرته اليوم لطلاب الدفعة الثالثة من برنامج الدبلوماسية الشبابية، الذي تنظمه وزارة الشباب والرياضة، والتي جاءت حول "دور الأزهر الشريف ورسالته العالمية"، أن الأزهر مؤسسة وطنية بامتياز، تحظى بتقدير كبير من الدولة والشعب المصري، كما أن الأزهر يدرك جيدا معنى الدولة ووجوب المحافظة على أراضيها وحدودها، موضحا كيف وقف الأزهر طوال تاريخه داعما للشعب والقوى الوطنية في مواجهة أطماع المحتلين والمستعمرين المتربصين.
واستعرض الدكتور الضويني لشباب الدبلوماسيين، جهود الأزهر وقطاعاته المختلفة التعليمية والدعوية والمحلية والعالمية، موضحا أن قطاع التعليم بالأزهر يشمل التعليم الجامعي وقبل الجامعي الذي يتمثل في قطاع المعاهد الأزهرية وما يضمه من معاهد وصل عددها إلى (11) ألف معهد أزهري منتشرة في جميع محافظات ومراكز وقرى جمهورية مصر العربية، والتي ساهم الشعب المصري في إنشاء معظمها تطوعا وتبرعا منه، حبا وارتباطا بهذه المؤسسة العريقة، وإيمانا بالدور القوي للتعليم الأزهري في تنشئة الأبناء، موضحا أن عدد المنتسبين للتعليم الأزهري وصل إلى حوالي 3 مليون طالب، يحفظون القرآن الكريم ويدرسون مختلف العلوم الشرعية والعربية بجانب المناهج العلمية والثقافية لوزارة التربية والتعليم، إضافة إلى اللغات الأجنبية، مؤكدا أن التعليم الأزهري يتطور باستمرار بما يواكب الواقع ومقتضياته ويتناسب مع العصر، ليخرج طالبا أزهريا ملما بقضايا الدين والدنيا.
وعن التعليم الجامعي باالأزهر، أوضح الدكتور الضويني، أن جامعة الأزهر تضم الآن 96 كلية، موزعة في مقر الجامعة بالقاهرة وفرعيها بالوجهين البحري والقبلي، منها 6 كليات للطب؛ ثلاثة للبنين، وثلاثة للفتيات، بالإضافة لكليات الهندسة والصيدلة والتجارة والزراعة والعلوم والدراسات الإنسانية واللغات والترجمة، فضلا عن الكليات الأزهرية الأصيلة كأصول الدين والشريعة والقانون واللغة العربية، موضحا أن جامعة الأزهر بها الآن ما يقرب من 450 ألف طالب مصري، و 60 ألف طالب وافد ينتمون إلى أكثر من 120 دولة حول العالم، معظمهم يدرس بالأزهر بشكل مجاني ويتم توفير الإقامة والإعاشة المجانية له على نفقة الدولة المصرية؛ بما يعظم الدور المصري العالمي تجاه دول هؤلاء الطلاب، مشددا على أن مصر لم تبخل عليهم بشيء على الرغم من الأزمات الاقتصادية.
وأضاف الدكتور الضويني، أن فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر أحيا دور أروقة الجامع الأزهر أحيا دور أروقة الجامع الأزهر، ووجه بتعظيم دورها والاستفادة منها، حتى انتشرت الآن في جميع أنحاء الجمهورية، ووصل عددها (١٢٥٠) رواقا للعلوم الشرعية والقرآن الكريم، يستفيد منها قرابة (٢٠٠) ألف طالب علم، بشكل مجاني دون مقابل، مؤكدا أن هذه الأروقة شكلت نقلة نوعية إيجابية لنشر المنهج الأزهر خاصة بين الدارسين من غير أبناء الأزهر بمختلف أعمارهم، وساهمت بشكل كبير في ترسيخ الفكر الإسلامي الصحيح في عقول الناس ونقل الصورة الصحيحة للإسلام إليهم دون تحريف أو غلو، وتعميق التواصل مع أبناء المجتمع المصري، والحفاظ على النسيج الوطني.
وتحدث وكيل الأزهر، عن الجانب الدعوي للأزهر الشريف، والذي يشمل عدة قطاعات، تتمثل في مجمع البحوث الإسلامية والجامع الأزهر وهيئة كبار العلماء ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، ومرصد الأزهر لمكافحة التطرف، موضحا أن مجمع البحوث الإسلامية يندرج تحته إدارة للوعظ والإعلام الديني تضم ما يزيد عن 4000 واعظ وواعظة، هؤلاء معدون ومدربون لشؤون الدعوة النوعية التي تجوب المراكز والهيئات والمؤسسات، مثل المستشفيات ومراكز التأهيل ومراكز الشباب وغيرها، التي تضم جمهور في حاجة إلى رجل الدين الذي يوضح ويبين لهم الرأي الشرعي الصحيح في المسائل التي يهتمون بها، مضيفا أن مجمع البحوث الإسلامية يقوم أيضا بتدريب وإيفاد المبتعثين سنويا إلى مختلف الدول لنشر صحيح الدين، كما تم إنشاء أكاديمية الأزهر الشريف لتأهيل وتدريب الأئمة والدعاة والوعاظ وباحثي وأمناء الفتوى، من أجل تجديد الفكر الديني وتعميق الخطاب الدعوي وتزويد الدعاة والمفتين بالمهارات التي تساعدهم على مواجهة الأفكار المتطرفة، وترسيخ قيم التعايش والحوار وقبول الآخر، وفقًا لقواعد المنهج الأزهري القويم.
وتابع وكيل الأزهر حديثه مع الشباب، متناولا دور مرصد الأزهر في مكافحة الفكر المنحرف والمتطرف، ليس في مصر فقط، بل في كل دول العالم، حيث يعمل بأكثر من عشر لغات مختلفة، مؤكدا أنه كان له دور بارز في مواجهة الفكر الداعشي، معتمدا على الكلمة والفكر والبيان، ومنهج الأزهر الوسطي المستنير، كما تحدث فضيلته عن دور مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، وأنشطته المكثفة لنشر الوعى وتصحيح المفاهيم، وذلك من خلال برامج متكاملة، وحضور متواصل على جميع المنصات الإعلامية، وفى الميادين المختلفة، لمواجهة خطابات الفكر المتطرف بأشكاله المختلفة، وتفنيد شبهاتها وأباطيلها، والإسهام في القضاء على فوضى الفتاوى وتصحيح الأفكار المغلوطة، من أجل تحصين المسلمين؛ لا سيما الشباب من السقوط في براثن التطرف، مع إمداد المسلمين بالفتاوى والعلوم الشرعية المنضبطة والصحيحة في شتى بقاع الأرض.
وتناول وكيل الأزهر دور" بيت العائلة المصرية" في الحفاظ على النسيج الوطني للشعب المصري، موضحا أنه من أبرز المؤسسات التي تجمع الأئمة والقساوسة، والتي ساعدت في حل العديد من المشكلات في المجتمع وكانت خير مثال على المواطنة، حيث جاء إدراكًا لقوةِ العَلاقةِ التاريخيةِ بين جناحيِ الوطنِ (مُسلميه ومسيحييه)، ولقطع الطريق على أية محاولة للعبث بهذه العلاقة وبما يترتب عليها من محاولات ضرب استقرار الوطن، مؤكدا أنه لم يتوقف العمل فى بيت العائلة المصرية منذ إنشائه، فقد أنشئت فروع له بالمحافظات حتى لا يظن البعض أن بيت العائلة مجرد اسم بدون وجود على أرض الواقع، ولعب دورا كبيرا فى وأد الفتنة الطائفية وعمل على حل العديد من النزاعات لتوحيد النسيج المجتمعى، لافتا إلى أن نجاح تجربة بيت العائلة المصرية محليا، شجع على نقل تجربته للعالمية، فكانت وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقَّعها فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، في أبوظبي، في الرَّابع من فبراير عام 2019م، والذي اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بالإجماع بإعلان هذا اليوم “يوماً دوليا للأخوة الإنسانية” ضمن مبادرة قادتها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية، حيث دعت فيه كافة الدول الأعضاء والمنظمات الدولية إلى الاحتفال سنويًا بهذا اليوم.
وفي ختام محاضرته، دعا وكيل الأزهر شباب الدبلوماسية إلى ضرورة أن يعوا أهمية استغلال القوة الناعمة التي يمثلها الأزهر لمصر في الخارج للتأثير على السياسة العالمية، مشيرًا إلى انفتاح الأزهر على العالم ومده لجسور الحوار مع قادة الأديان مثل كنيسة كانتربري والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي لترسيخ السلام والأمن العالمي وتصحيح الصورة المغلوطة التي صدرها الإرهاب عن الإسلام.