أدب المدينة الفاسدة سبيلا للحرية.. مكتبة جورج أورويل في روسيا
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
تسحب امرأة مسنّة من على رفوف مكتبة أعمالا، تحفظ مكانها عن ظهر قلب، لمؤلفين كبار مثل الأديب البريطاني جورج أورويل، وعالم الاجتماع الأميركي الروسي سوروكين، والأديب الروسي الكبير دوستويفسكي.
في القاعة جهاز كمبيوتر وبضع مئات من الكتب، وتفوح رائحة زيت معطّر، ذلك الذي تضعه ألكسندرا كاراسيفا، رئيسة مكتبة جورج أورويل في إيفانوفو، وهي مدينة صناعية تبعد 5 ساعات بالسيارة عن موسكو.
وفي حين كانت منكبّة على تنظيم محتويات المكتبة، تتحدث كاراسيفا (67 عاما) عن قوة تأثير هذه الكتب، إذ إنها في نظرها "تتيح رؤية الإنسان، حتى في العدو، ورفض كل أشكال التجريد من الإنسانية".
افتُتِحت هذه المكتبة في يونيو/حزيران 2022 بمبادرة من رجل الأعمال ديمتري سيلين المُعارض للحرب الروسية على أوكرانيا، وأراد من خلال ذلك توفير أدوات للتفكير والتأمل وتشجيع النقد الذاتي.
وما لبث سيلين، مثل كثر آخرين، أن غادر روسيا بعد مدة قصيرة، مخافة أن تكون مواقفهم سببا للزج بهم في السجن، لكنّ مكتبته الصغيرة لا تزال قائمة في الطبقة الأرضية من مبنى متداعي السقف والجدران.
وتشرح كاراسيفا أن مجموعة الكتب التي تحويها المكتبة تضمّ أعمالا تنتمي إلى الديستوبيا (الواقع المرير) أو أدب المدينة الفاسدة المحكومة بالفوضى والشر، وأخرى عن معسكرات الغولاغ السوفياتية المخصصة للاعتقال، ومؤلفات لكتّاب معاصرين ينتقدون الكرملين، وكتيّبات التعليم السياسي السوفياتي، إضافة إلى روايات خفيفة "لتصفية الذهن".
وليس بين هذه الكتب ما هو محظور. ويمكن تاليا إتاحتها للقراء، مع أن الكتب التي ألّفها أشخاص مصنفون على أنهم "عملاء للخارج" يُفترَض لدى عرضها للبيع في المكتبات أن تكون موضوعة داخل مظاريف تحجب غلافها.
أدب الواقع المريروتتمتع كاراسيفا، من وجهة نظر قانونية، بالحق في شرح مضامين الكتب، وتقول "كلما قرأ المرء مؤلفات أدب المدينة الفاسدة، زادت حريته، إذ هي تظهر له المخاطر، وطرق تجنبها ومقاومتها".
وتتحدث أمينة المكتبة، التي تخفي وراء نظّارتها السميكة خزّان معرفة، عن رائعة جورج أورويل "1984"، التي يروي فيها محاولة موظف في "وزارة الحقيقة" إبداء مقاومة في ظل دكتاتورية شديدة الذكاء في قدرتها على إخضاع الأفراد وتسطيحهم.
وتتناول مسؤولة المكتبة التدمير الذاتي الثوري في رواية "الشياطين" لدوستويفسكي، والديستوبيا في أعمال الروسي فلاديمير سوروكين، ومناهضة العنصرية لدى الأميركي هاربر لي، والصرخة من أجل الإنسانية لدى الألماني إريك ماريا ريمارك.
وتشير كاراسيفا إلى أنها مؤرخة متقاعدة، ومتخصصة في روما القديمة، ولا سيما "الانتقال من الجمهورية إلى الدكتاتورية".
الشمولية في رواية أورويلوكان ديمتري تشيستوبالوف (18عاما) موجودا في هذه القاعة. ويقصد هذا الناشط من حزب "يابلوكو" المعارض -وهي مجموعة تقول إنها مضطهدة لكنها لا تزال قانونية- المكتبة لمشاهدة الأفلام والالتقاء بشباب آخرين.
ويقول "هنا، يمكننا أن نكبر، رغم كل ما يحدث في بلدنا. يمكننا أن ننسى هذا الخوف، ونشعر بالحرية، وبالراحة، ونشعر بأننا لسنا وحدنا في هذا النظام الهائل الذي يلتهمنا".
وتجسد الموقف الشمولي عند أورويل في شخصية أوبراين في "1984". وأوبراين هو شخص خيالي قدمه بوصفه مسؤولا حكوميا قويا يستخدم التعذيب والتلاعب لفرض السلطة على أفكار وأفعال بطل الرواية وينستون سميث.
وبشكل ملحوظ، يتعامل أوبراين مع رغبته في السلطة على أنها غاية في حد ذاتها. ويمثل أوبراين القوة والسلطة من أجل السلطة فحسب (وليس لأي هدف أكبر)، وكان أوبراين عضوا في "الحزب الداخلي"، وقد تنكر في شخصية عضو من الأخوية (المقاومة الثورية)، ليخدع أعضاء المقاومة ويوقعهم في الفخ.
وتتعلق كثير من رؤى أورويل القوية بموقفه المناهض للشمولية. وفي مقالته عام 1941 بعنوان "الأسد ووحيد القرن"، كتب أورويل عن "الفكرة الشمولية القائلة إنه لا يوجد شيء اسمه القانون، هناك فقط القوة"، وبعبارة أخرى ترى هذه المقولة أن القوانين يمكن أن تحد من سلطة الحاكم، وتسعى الشمولية إلى طمس حدود القانون من خلال الممارسة غير المقيدة للسلطة.
"الجهل هو القوة"وتلاحظ المحامية أناستاسيا رودنكو (41 عاما) التي شاركت في تأسيس المكتبة "مؤشرات" في روسيا إلى الشمولية التي تناولها أورويل في روسيا في "1984". وتشعر أولا بـ"الخوف الذي يكبّل".
ثم أذهلها مدى صحة الشعار الموجود في الكتاب "الجهل هو القوة"، لأن الروس الذين "لا يحاولون فهم ما يحدث، يعيشون حياة جيدة جدا"، في رأيها.
في الساحة المركزية في إيفانوفو، بالقرب من لوحة تخلّد ذكرى أشخاص قتلتهم السلطة القيصرية خلال تظاهرة مناهضة للحرب عام 1915، تتحدث زائرة المكتبة أناستاسيا رودينكو عن "مأساتها الشخصية".
ويشارك شقيقها وزوجها، وهما ضابطان في الجيش الروسي، في "العملية العسكرية الخاصة"، وهو التعبير الملطف الذي فرضه الكرملين لوصف الحرب على أوكرانيا.
لا يمكنها الخوض كثيرا في هذا الموضوع، إذ إن أي أقوال حساسة يمكن أن تدلي بها قد تؤدي إلى عقوبة، وحتى إلى إيداعها السجن، ولا تُوفَّر لها كونها محامية أو زوجة عسكري أي حصانة.
وفي يونيو/حزيران 2023، فرضت عليها الجهات القضائية غرامة مالية بتهمة "تشويه سمعة" الجيش. واستند الحكم، كما الحال غالبا، إلى رسائل عبر "تلغرام" ذكرت فيها أنها شاهدت فيلما وثائقيا عن المعارض أليكسي نافالني. وتمكن زوجها من الحضور إلى الجلسة لدعمها.
وما إن تبدأ أناستاسيا رودينكو، الأوكرانية الأصل لجهة والدها، بالتحدث عن "الألم الكبير" لكونها عاجزة في مواجهة الحرب، حتى تجهش فجأة بالبكاء، لكنها تحب زوجها، وباتت تحبه "حتما أكثر" منذ أن غادر للقتال.
وترد على من يدينونها بسبب هذا التنافر ويتساءلون عن سبب بقائهما معا بالقول: "وأنتم، ماذا كنتم لتفعلوا؟".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ماجد جورج: تدخل هيئة الدواء في التفتيش علي المصانع يهدد صادرات تقدر بالمليارات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد الدكتور ماجد جورج، الرئيس السابق للمجلس التصديري للصناعات الطبية والأدوية وعضو مجلس إدارة غرفة الأدوية ومستحضرات التجميل، أن صناعة مستحضرات التجميل في مصر تواجه تحديات كبيرة تهدد استثمارات تُقدر بالمليارات. ويعود ذلك إلى تدخل هيئة الدواء في عمليات الترخيص والتفتيش على المصانع، رغم صدور قرار من وزارة الصناعة بحصر هذه المهمة في هيئة التنمية الصناعية، والتي يحق لها الاستعانة بطرف ثالث للقيام بأعمال التفتيش الفني.
وأوضح جورج أن هذا التدخل أدى إلى زيادة الأعباء المالية والإدارية على المصانع، نتيجة ابتعاد هيئة الدواء عن المواصفات الأوروبية، التي تعتمد شهادة ISO 22716 كمرجعية أساسية.
وأكد أن هذا الوضع يعيق ترخيص نحو 300 مصنع تعمل بدون سجل صناعي من هيئة التنمية الصناعية، ما يهدد بفقدان أكثر من 30 ألف فرصة عمل، فضلًا عن التأثير السلبي على صادرات القطاع، التي تقدر بحوالي 300 مليون دولار.
وكبديل، طالب جورج في تصريحات صحفية اليوم بتطبيق المعايير الأوروبية ISO 22716 باعتبارها الحل الأمثل لضمان جودة المنتجات، خصوصًا أن مستحضرات التجميل صناعة ذات طبيعة خاصة، ولا ينبغي معاملتها كصناعة الدواء. كما شدد على ضرورة أن يقتصر دور هيئة الدواء على الرقابة على السوق، بدلًا من فرض إجراءات مرهقة على عمليات التصنيع والتراخيص.
وأكد أنه لا يطالب بأن تكون المواصفات المطبقة على المصانع المنتجة في مصر أقل من المواصفات الأوروبية، لكنه يرفض أن تُفرض مواصفات أكثر تعقيدًا تحت مسمى "معايير خاصة" لهيئة الدواء، إلى جانب معايير ISO 22716.
واقترحت الغرفة، في خطاب موجه إلى رئيسة هيئة التنمية الصناعية، الاستعانة بالشركات المانحة لشهادة ISO 22716 لمنح شهادة الصلاحية والتفتيش على المصانع، بدلًا من هيئة الدواء.
وأوضحت أن هذه الشركات الدولية العاملة في مصر معترف بها من قبل هيئات التوحيد القياسي ووزارة الصناعة، مما يضمن الامتثال للمعايير الدولية دون تحميل المصانع أعباء إضافية.
كما تم الاتفاق على تقديم هذه الشهادات بأسعار مخفضة للمصانع الصغيرة، بحيث لا تتجاوز التكلفة 10% من الأسعار التي تدفعها الشركات الكبرى، مع مساهمة مركز تحديث الصناعة والغرفة في دعم جزء من هذه التكلفة.
وشدد جورج على أن الحل المقترح لا يعني تخفيض معايير الجودة، بل يسعى إلى إيجاد نظام رقابي أكثر كفاءة ومرونة، يعزز الاستثمار، ويحمي الوظائف، ويدعم الصادرات المصرية، في ظل سوق عالمي تنافسي يحتاج إلى تيسير الإجراءات بدلًا من تعقيدها.
في ظل هذه التحديات، تطالب غرفة صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل هيئة التنمية الصناعية بسرعة الاستجابة لمطالب القطاع، بحيث يتم منح التراخيص وفق معايير ISO 22716، كما هو الحال مع المنتجات المستوردة. وأشار جورج إلى أن هيئة الدواء تقبل تسجيل مستحضرات التجميل المستوردة بمجرد أن يكون المصنع حاصلًا على شهادة GMP أو ISO 22716، دون تدخلها في عمليات التصنيع، وهو ما ينبغي تطبيقه على المصانع المحلية لضمان العدالة التنافسية.
وأوضح أن تطبيق هذا النظام سيؤدي إلى تنظيم القطاع بشكل أكثر كفاءة، من خلال منح شهادات معتمدة لمدة ثلاث سنوات، مع رقابة سنوية من شركات التفتيش الدولية لضمان الجودة. وأكد أن هذا النهج سيحافظ على القدرة التنافسية للصناعة المصرية عالميًا، ويجذب المزيد من الاستثمارات، مع ضمان أعلى معايير السلامة والجودة دون تعقيدات بيروقراطية.
واختتم جورج حديثه بالتأكيد على أن الحل المقترح لا يعني تقليل معايير الجودة، بل يهدف إلى خلق بيئة تنظيمية أكثر مرونة وفعالية، تحفز الاستثمار، وتحمي الوظائف، وتعزز الصادرات المصرية في الأسواق العالمية، التي تحتاج إلى تيسير الإجراءات بدلًا من تعقيدها.