نواصل الحديث عن نوبار باشا الذى كتب فى مذكراته «فى الوقت الذى كان فيه إبراهيم باشا يضرب الجيش التركى فى «قونيه» ويقترب بشدة من الأستانة، كان يتردد أنّ محمد على يريد الاستحواذ على الإمبراطورية ويعلن سقوط السلطان العثمانى وتنصيب نفسه بدلا منه», وعن المقابلة التى تمّت بين ستراتفورد كينج- المسئول البريطانى والحاكم الفعلى للإمبراطورية العثمانية- والذى كان وزراء السلطان العثمانى يرتعدون أمامه، وعندما قال لإبراهيم باشا إنّ الجيش المصرى لا يجب أنْ يتجاوز عدده الرقم المقرر فى الفرمان العثمانى، قال له إبراهيم «عندى 60 ألف رجل يحملون السلاح، وسوف أحتفظ بهم، وإذا وجدتُ أنّ هذا العدد لا يكفى لحماية مصر فإننى سأزيده»، ولذلك كان الجميع فى الأستانة يعتبرونه خائنـًا للإمبراطورية, وعندما شعر أنّ حياته مُـهدّدة من العثمانيين، واقترح البعض عليه ترك مصر فقال سوف أرابط فى مصر, وانتصر إبراهيم بسبب شجاعته وإصراره على مبادئه، وكانت آخر كلماته لكبار الوزراء العثمانيين وهو يُغادر الأستانة «هل ترون هذه التلال والروابى عندكم, إنها جرداء, أما والدى وأنا فقد زرعنا عشرة ملايين شجرة فى مصر، وأنتم تفعلون العكس، إذْ تـُدمّرون ما أعطاكم الله».
وذكر «نوبار» أنه بينما كان إبراهيم فى حالة الاحتضار قال «اللهم لا تنتزع روحى قبل أنْ أكمل عمل أبى.. واجعل مصر سعيدة وأمتها غنية», وبعد وفاته كتب عنه نوبار أن هذا القائد العسكرى الفذ كان يريد دخول مقر السلطنة لولا اعتراض والده, ولكنه ترك ذكريات لا تـُمحى فى عكا وحلب وطرابلس ودمشق وصيدا والجزيرة العربية والخليج والبحر الأحمر, إنه الرجل الذى لم يحرق الزرع ولم يذبح المغلوبين كما فعل غيره, بطل معركة مسولونجى ومعركة نفارين ومعركة الدرعة وحمص وقونيه وبطل حرب المورة وكريت».
خاض نوبار عدة معارك مع السلطنة العثمانية وفرنسا بسبب مشروع خط السكة الحديد (الإسكندرية- السويس) وكان محمد على قد طرد كل العمال الإنجليز الذين كانوا يعملون فى سكة الحديد وكانت (مصلحة إنجليزية بحتة) وأحلّ محلهم عمالا مصريين.
وأصبحتْ مصلحة مصرية فى عام 1845، وفى عام 1858 تمّ إنشاء خط حديد مصر تحت إشراف نوبار باشا، وهو ثانى خط سكة حديد فى العالم، بعد الخط الحديدى بين لندن وليفربول, وكتب نوبار فى مذكراته «إننى أعتبر أنّ إقامة خط السكة الحديد -وكنتُ صاحب الفكرة ومتابعة تنفيذها من جانب عباس-، بمثابة مبدأ أو عقيدة بالنسبة لي, وهو المرحلة الثانية للتحول فى مصر, وزاد هذا المشروع من أهمية مصر كمركز تجاري, وكان التحول الأول هو إقرار المساواة بين المسيحيين والمسلمين وتوفير الفرص للجميع وحماية ممتلكاتهم وأشخاصهم.
ونشبت معركة ضد تركيا بسبب إصرارها على إخضاع مصر لتنظيمات جديدة باعتبار أنّ مصر جزء من الإمبراطورية العثمانية، وكانت تلك التنظيمات تعنى ربط مصر بالأستانة من الناحيتيْن الإدارية والقانونية، وهو ما رفضه عباس الأول بمساندة وتشجيع من نوبار, وقد اقترح وزير المالية على عباس فرض ضرائب جديدة فسأله عباس: هل ميزانيتنا متوازنة؟ فقال الوزير: الميزانية متوازنة وهناك فائض فى الإيراد, فقال عباس: إذن فى هذه الحالة ما ضرورة فرض عبء جديد؟ إنها جريمة وخطيئة, حذار من الآن أن تطرح أمامى مثل هذه الاقتراحات.
وعندما قرر الوالى سعيد التخلص من نوبار، حدث شيء مهم يدل على اعتزاز المصريين بنوبار الذى كتب: «احتشد جميع الموظفين فى محطة الإسكندرية وكذلك إداريون من المصريين والأوروبيين لوداعي, واتخذ الحشد شكل مظاهرة وهذا جديد فى مصر، وعن علاقته المُـتوترة مع الخديوى إسماعيل، فإنّ نوبار قال له: كان والدك العظيم إبراهيم باشا يقول لى ويُكرّر القول عدة مرات إنّ محمد على أخطأ عندما أهدر جهوده وأموال مصر فى سوريا بينما لديه السودان، فالتطور الحقيقى لمصرلا بد أن يبدأ من السودان.. ونكمل فى اللقاء القادم.
حفظ الله مصر وأهلها.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ندى صلاح صيام قونية فى مصر
إقرأ أيضاً:
أسرار مذهلة بعد تشريح بقايا حيوان منقرض منذ 130 ألف سنة.. ما الذى تم اكتشافه؟
نجت بقايا أنثى الماموث "إيانا" من قسوة الزمن، بعد أن أصبح جسدها بعد الموت مدفون في الجليد الدائم بساخا الروسية لآلاف السنين.
وقد كشف ذوبان الجليد – الناتج عن التغير المناخي – عن جثتها المحنطة بحالة مذهلة من الحفظ.
داخل أحد المختبرات في أقصى شرق روسيا، يعمل العلماء على تشريح جثة "إيانا"، التي عُثر عليها العام الماضي.
ويُعد هذا الاكتشاف فريداً من نوعه، نظراً لحالة الحفظ النادرة التي ظهرت بها: جلدها البني الرمادي لا يزال مكسوًا ببعض الشعر، وجذعها المجعد منحني باتجاه فمها، كما أن تجاويف عينيها وأطرافها تحتفظ بتشابه واضح مع الفيلة المعاصرة.
فرصة لدراسة ماضي الكوكبيصف أرتيمي غونتشاروف، رئيس مختبر الجينوميات في معهد الطب التجريبي بسانت بطرسبرغ، هذا الاكتشاف بأنه "فرصة لدراسة ماضي كوكبنا".
ويبلغ طول إيانا نحو مترين وارتفاعها عند الكتفين 1.2 متر، بينما يقدر وزنها بـ180 كيلوجراما، ويعتقد العلماء الروس أنها قد تكون إحدى أفضل عينات الماموث المحفوظة التي تم العثور عليها حتى اليوم.
اكتشاف استثنائي في متحف الماموثشهد متحف الماموث في ياكوتسك عملية التشريح في نهاية مارس، حيث ارتدى العلماء ملابس وقاية كاملة أثناء فحص الجزء الأمامي من الجثة واستمرت العملية لساعات طويلة، تم خلالها جمع عينات من الأنسجة والأعضاء المختلفة.
بحسب غونتشاروف، فقد حفظت العديد من الأعضاء والأنسجة بحالة ممتازة، من بينها المعدة، والأمعاء، والقولون ، و تعد هذه الأجزاء مهمة للغاية لأنها تحتفظ بكائنات دقيقة قديمة يمكن دراستها لفهم تطورها مقارنة بالكائنات الحالية.
خلال العملية، تم تقطيع الجلد بالمقص، وشق الجوف باستخدام مشرط، ثم جُمعت الأنسجة ووضعت في أوعية محكمة التحكيم لتحليلها لاحقا في المقابل، ظلت الأجزاء الخلفية من الجثة مغروسة في التربة السيبيرية، التي منحتها رائحة تشبه مزيجاً من اللحم المحفوظ والتربة المخمرة.
الاهتمام بالبكتيريا والأعضاء التناسليةيركّز العلماء أيضاً على فحص الأعضاء التناسلية لـ"إيانا" بهدف دراسة نوع البكتيريا الدقيقة التي عاشت في جسدها، وهو ما قد يوفر مؤشرات مهمة حول بيئتها وتكوينها الحيوي، كما يوضح أرتيوم نيدولويكو، مدير مختبر علم الجينوم القديم.
عمر مذهل وأصل غامضفي البداية، قدر العلماء عمر الجثة بـ50 ألف سنة، لكن بعد تحليل طبقة التربة التي عُثر عليها فيها، تبين أن "إيانا" عاشت قبل أكثر من 130 ألف عام، بحسب ماكسيم تشيبراسوف، مدير متحف الماموث في الجامعة الفيدرالية الشمالية الشرقية.
أما من الناحية البيولوجية، فيُعتقد أن "إيانا" كانت تبلغ أكثر من عام عند وفاتها، بناء على ظهور سن الحليب لديها، لكن السبب الحقيقي لنفوقها لا يزال مجهول.
ويُشير تشيبراسوف إلى أن "إيانا" عاشت في زمن لم يكن البشر قد وصلوا فيه بعد إلى سيبيريا، إذ لم يظهروا في هذه المنطقة إلا بعد نحو 28 إلى 32 ألف سنة.
ثلاجة طبيعية للكائنات المنقرضةيكمن سر هذا الحفظ الاستثنائي في التربة الصقيعية، التي تبقى متجمدة طوال العام وتعمل كثلاجة طبيعية تحفظ أجساد الحيوانات المنقرضة. لكن ظاهرة الاحترار المناخي بدأت تتسبب في ذوبان هذا الجليد، ما سمح باكتشاف جثة "إيانا".
ويحذر غونتشاروف من أن هذا الذوبان لا يكشف فقط عن مخلوقات من عصور ما قبل التاريخ، بل قد يطلق أيضاً كائنات دقيقة ضارة، بعضها قد يكون مسبباً للأمراض، مما يسلط الضوء على جانب آخر من المخاطر البيولوجية المرتبطة بتغير المناخ.