لا تحتاج الدعوة الدينية لشئ أكثر من التحقق برافدين: العلم والنور. ولكن يُلاحظ أن الذين يكتبون فى الدين فضلاً عن الذين يقولون فيه ما ليس فيه، يركبهم غرور أجوف لا يستند لا على العلم، ولا على النور؛ بل على الصلف وحب الظهور وسياق الناس بالإكراه إلى حظيرة الإيمان، مع أن الدعوة الدينية شريفة سامية هى من معدن الرسالة تستقى مددها.
مهمة شاقة نعم. أمّا أن تكون مستحيلة أو شبه مستحيلة فلا؛ لأنها لو كانت مستحيلة لما وجد مجددون ومصلحون، وما تقدمت الإنسانية قيد أنملة. الأصل يا صديقى هو الإمكان لا الاستحالة، وبالإمكان يقدم التفاؤل البناء على الهدم والإنكار، وليس التجديد هدماً ولا إنكاراً، وإنما تفاؤل بمستقبل إنسانى أفضل وأرقى فى ظل قيم جديدة تتجاوز وتستنير.
فالإنسان ليس من طبيعته الميل إلى التقوقع والخلود إلى الراحة، وإلا لما عمّر الأرض وصعد القمر وتحالف مع الشيطان، فهو ابن النضال مجبول على العزم والمضاء. غير أن التجديد فى هذه المنطقة مشروط بشروط تستوفى فى المجدد وفق تقدير شروط الاجتهاد، لكن البصيرة يا صديقى كالبصر أقل هفافة عابرة تؤثر فيها. والدين قائم على البصيرة ومن فقدها فقد الدعوة إلى الله على بصيرة، وفقد تباعاً التجديد فى أسلوب الخطاب، ولم يعالج العارض الذى عرض لبصره حتى أعماه. خذ مثلا صارخاً على ما عساك هربت من التعليق عليه.
عندما اجتمع جلال الدين الرومى بشمس تبريزى للوهلة الأولى، كان الرومى ماسكاً بيده كتاباً، فأخذ التبريزى الكتاب من الرومى ومسكه بالمقلوب، وأخذ يتطلع فيه ثم رماه فى النهر، فجن جنون الرومى وقال له: لماذا ألقيته فى النهر، إنه علم، ولا توجد نسخة أخرى من الكتاب. غير أن التبريزى لم يكترث لحديث الرومى وقال: أتريد الكتاب؟ فقال الرومى: نعم فمد التبريزى يده فى الماء وأخرج الكتاب سليماً، فتعجب الرومى، ولم يكد التبريزى يراه على هذا الحال حتى قال: أطلب علماً لا يمحوه الماء، علماً يثبت فى القلب؛ فذهل الرومى وقال: أتبعك على أن تعلمنى، فقال التبريزى: إنك لن تستطيع معى صبراً، قال الرومى: بل أصبر. رد التبريزى: أريدك أن تأخذ جُرّة من الخمر وتطوف فى المدينة لتبيعه، فقال الرومى: كيف أعمل هذا المحرم؟ فقال: كما تشاء. قال الرومى: اطلب منى شيئاً آخر فقال: لا أريد غير هذا.
ذهب الرومى ومكث الليل يفكر فى الأمر ثم وافق. فأخذ جرة الخمر بملابسه وعمامته وهو يجوب الشوارع يبيع الناس الخمر، فقال الناس: جُن الرجل، وقال أناس آخرون: لقد فضحه الله، وهذه حقيقته. فعاد منكسراً ذليلاً إلى التبريزى وهو يقول: لم يشترِ منى أحد. قال التبريزى: هذا يكفى، ألقِ ثيابك واغسلها، وتطهر. فقال الرومى: ثم ماذا ؟ فقال لا شئ، بل أنت الآن إنسان عادى كنبتةٍ صغيرة، لقد كان على رأسك صخرة كبيرة من غرور عمامتك, وها قد كسرتها. إنّما أردت أن أزيل عنك هذا العجب والشعور الدائم بالأنا، لترجع الى حقيقتك بلا عنوان ولا ألقاب، ترجع كما أنت وتنزع عن روحك كل ما يكدرها، وأن تذهب هذه الهيبة المصطنعة لرجال الدين على أنهم مقدّسون فى أعين الناس.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الدعوة الدينية الهداية
إقرأ أيضاً:
صلاح الدين عووضه.. البنت الخطيرة !!
صلاح الدين عووضه.. خاطرة
البنت الخطيرة !!
وليست البنت الحديقة..
فنحن لا نتغزل في بنتنا هذه من زاوية محاسنها الجمالية..
وإنما من زاوية محاسنها العقلانية..
وهي أصلا تنتمي إلى فئة الداعيات إلى التعامل مع المرأة كعقل قبل الجسد..
وقد أدلت البارحة بدرر قول تثبت صحة هذه الدعوة..
وليس هذا وحسب ؛ وإنما أثبتت أيضا أن من بين عباقرة قحت الذكور سيدات يفقنهم عبقرية..
وإذا كانت عبقرية برمة ناصر – مثلا – قد تفتقت عن قوله : إن خرج الدعامة من بيوت المواطنين فإن الخطر يتهددهم..
وإذا كانت عبقرية شهاب إبراهيم تفتقت عن قوله : لا يمكن لهذه الحرب أن
تنتهي بهزيمة الدعم السريع ؛ فلا حل – إذن – إلا في الجلوس مع قادته للتفاوض..
وإذا كانت عبقرية كبيرهم – حميدتي – تفتقت عن قوله : هدفنا؟…ليس لنا هدف..
إذا كانت عبقريات بعض منسوبي قحت قد تفتقت عن مثل هذه الأقوال الملهمة – والمفحمة – فإن بنت المهدي قالت ما هو أخطر..
ما هو أكثر إلهاما ، وإفحاما..
قالت : يجب وقف هزائم المليشيا المتلاحقة بالعاصمة ؛ بما يعني وقف انتصارات الجيش..
لماذا يا ابنة الإمام؟..
وانظر هنا إلى هذه العبقرية الفذة التي قد تجر عليها حسد الحاسدين..
قالت لا فض فوها: لأن هذه الهزائم قد تدفعهم إلى الانتقام في مناطق أخرى..
وضربت مثلا على ذلك بمدينة الدبة في شمال البلاد..
والمعنى يعني نترك لهم أجزاء بالعاصمة تحت سيطرتهم..
وهذه الأجزاء ليس من بينها – بالطبع – بيت أبيها ، ولا زوجها ، ولا أخوانها ، ولا دار حزب الأمة..
واقترح هنا على مريم الصادق أن ترقي أختها هذه خوفا عليها من العين..
فهذه عقلية أينشتاينية لم نر لها مثيلا في راهننا المعيش..
خطيرة يا بت !!.