لجريدة عمان:
2024-11-23@04:02:01 GMT

واستمرت دائرة المأساة في الحياة والفن

تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT

واستمرت دائرة المأساة في الحياة والفن

كان ذلك في الصف الأول، وربما قبل ذلك في محيط بيتنا الخارجي الذي يضم أطفالا في عمر الورد يلعبون بمواد الطبيعة، أو بما تبقى من دمية بقيت بعد عيد مرّ، حين جاد عليهم بعض الأقرباء بقروش، حين صدمت أول مرة بطفل يسطو على طفل آخر، بكلمة أو حركة، أو عبث بما ينشغل به ذلك الطفل من لعب في دائرته الصغيرة البريئة. وكل وما لديه من قصص الطفولة.

لم نكن نعلم أن هذا السلوك يعني اسمه التنمر، لكن ما إن كبرت وكبرنا، حتى بتّ أراه يتجلى لا بين الأطفال، بل الطلبة الأكبر سنا، فبعض المعلمين، وبعض الكبار في القرية، ثم بدأ وعينا على تنمر الاحتلال الصهيوني، كذلك، رحنا نسمع أخبار الحروب من المذياع، وسرعان ما صرنا نراها، لكن في كل ذلك لم تختف صدمتي ولا دهشتي بوجود عالم الشرور.

دخلت إلى قواميس وعينا كلمات الحرب والاحتلال والصراع والنزاع، ودوما كنت أفاجأ، وأقول: هل يعقل أن يحدث هذا؟ وإن حدث كيف يستمر؟

كبرت فلم تذهب قراءتي للتاريخ من جهة، ولأدبيات علم النفس من جهة أخرى شعوري بالصدمة، فهتفت: يا لعار الإنسان، يا للعيب، يا للحماقة!

أعجبني وأنا تحت العشرين ما قرأناه عن المذهب الكلاسيكي في التنفير من الشر، أو اصطلح عليه نقديا بـ «التطهر الكلاسيكي»، الذي واكب كتاباتي في النقد الروائي والمسرحي بشكل خاص. وأذكر أننا تعلمنا في آخر صف مدرسي شيئا عن المذاهب الأدبية: الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والرمزية، حيث ظننت أن المذاهب أربعة، لكن يبدو أنها هي وما جاء بعدها قد توالدت بعضها من بعض، حتى وإن كانت تمردا عليها، كحال الرومانسية مع الكلاسيكية. ورغم أفول نجم الكلاسيكية، إلا أن «التطهر» وجد أشكالا من التجلي في كتابات تأثرت بمذاهب حديثة ومعاصرة.

في دراسة الأدب، والأدب من الحياة، نجد أمرين، ولعلهما من رسالة الأدب الإنسانية خاصة في ثنائية الخير والشرّ، قديما وحديثا، حتى في ظل الجدل المعاصر على هذا المضمون، والذي لم يختف بالطبع. أما الأمران فهما:

-الأول: ذكر أخبار الأولين سردا قصصيا وروائيا ومسرحيا، بما يحضر من حياة، منها ما يتعلق بهموم الإنسان ومآسيه، أفرادا وجماعات، وهنا يتجلى دور الأدب الإنساني.

-الثاني: ما نقرأه من تناص أدبي، وهو يتجلى في الشعر أكثر، حيث يستحضر المبدع ما حدث من قبل، أي أن هناك أفعال سابقة عاشتها الشعوب تشبه ما نعيشه الآن، والغريب والمؤلم، أن ذلك ظل يستمر.

والتناص هو كتابة نصّ اعتمادا على نص سابق، كأن تكون جملة على أخرى أو بيت شعر على بيت آخر، أو حديث نبوي أو آية قرآنية، أو مثل أو حكمة أو أي شكل كتابي منثور.

وهنا، أكانت المأساة قديمة أعيدت كتابتها، أو حديثة استدعت ما يشبهها، فإن السؤال العميق ليس الأدب بحد ذاته، بل الحياة، فكيف يستمر ذلك؟ كيف يعود؟ ألم يتعظ البشر من كل الدماء والآلام التي ذاقها من قبله؟

وبالرغم من أية مواعظ ونصائح إلا أن المأساة تتكرر، لدرجة أن مفكرا مثل كارل ماركس رأى نفسه ساخرا من تكرار المأساة، جاء ذلك في سياق ما قاله يوما بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة.

وما زالت الأعمال الأدبية والفنية القديمة من قصص ولوحات ومنحوتات ومسرح، وما تلا ذلك من أفلام سينمائية باقية وتجد من يقبل على الاطلاع عليها، بعد أن اكتسبت صفة الخلود.

خلود الروائع، كم حاولت تفسير ذلك، وكل ما رشح في الذهن هو أن المأساة ظلت حاضرة، كأنها نذير للإنسان ألا يفعل ذلك من قبله، وأن يفعل ما يجنّب البشرية أهوالها، إلى أن درسنا مادة علم اجتماع اللغة والأدب في السنة الدراسية بكلية آداب طنطا بمصر، حيث قرأت شيئا عن ذلك. لكنني عدت إلى ذلك بعد عقد من السنوات، حين كتبت عن مأساة الغزيين في حرب الاحتلال الإسرائيلي عليها عام 2014، وعما حدث من قتل في خزاعة والشجاعية ورفح. ووقتها دفعتني الصور الفوتوغرافية التي تظهر صرخات المتألمين بأقصى اتساع للفم، للعودة إلى لوحتي جويا الثاني من أيار وجرنيكا لبيكاسو. عدت للمذكرة الجامعية أبحث عما قرأته، كما عدت إلى كتاب جمال قطب عن الحروب والفن.

حين عدت إلى كتاب علم اجتماع اللغة والأدب، وجدت أن من تحدث عن سر خلود الروائع هو كارل ماركس. لقد نحى ماركس في تفسير خلود الروائع منحى وجوديا، رغم تناقضه مع الوجوديين، حين جعل الخلود مصاحبا لعودة الشعور ثانية مع الإنسان الجديد الذي يعيش الحالات الشعورية الموجودة في الروائع. وهناك تتمة لذلك لمن يودّ التعمق في موضوع خلود الروائع. وكان اسم ماركس قد ارتبط بما أسسه من الفكر الاشتراكي والشيوعي.

- التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة.

- لم أتقبل مضمونها تماما قبل عقد من السنوات، حيث كنت مهموما ومهتما بالمآسي التي تصيبنا في فلسطين وبلدان العالم المختلفة.

- والآن؟

- والآن أرى أن كل متأمل، أكان مكتويا بنار المآسي، أو ممن يسمع عنها أو يراها، فإنه سيضع راحته على خده، أو راحتيه على كلا الخدين، وهو يحتسي قهوته الصباحية، سيجد نفسه ساخرا بما كان ويكون. لكنها سخرية عميقة من كل هؤلاء الطغاة والمستبدين، الذين لم يتعلموا من قراءة التاريخ، بل أصروا على الجريمة، بفرق بسيط لكنه أكثر تأثيرا، ألا وهو تكنولوجيا القتل المعاصرة، حين يتم ذلك عن بعد من خلال أزرار في طائرة تقتل المئات دون أن ترأف بهم.

لا زمن فرسان، لا زمن فارس يقاتل فارسا، بل زمن قتلة، فأية سخرية تلك التي نعيشها اليوم في العالم كله؟ والغريب أن ذلك يستمر، ولا يظهر فيما يبدو أنه لن يتكرر في أزمنة وأمكنة أخرى.

تلك هي رسالة الأدب والفن، وما أسماها من رسالة مقدسة إن كان منطلقها الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

“بيغ باد وولف 2024” يعود إلى دبي بأكثر من مليوني كتاب

نوفمبر 20, 2024آخر تحديث: نوفمبر 20, 2024

المستقلة/-يشهد معرض بيغ باد وولف، أكبر معرض للكتب في العالم والحدث الأكبر عالميًا، عودته المرتقبة إلى دبي في موسمه السادس، والذي سينطلق من 29 تشرين الثاني/نوفمبر وحتى 9 كانون الأول/ديسمبر 2024، ليقدم تجربة ثقافية متميزة لعشاق القراءة. يتميز المعرض هذا العام بتشكيلة فريدة تضم أكثر من مليوني كتاب باللغتين العربية والإنجليزية، والذي يُجسد فيه رسالته العالمية “تغيير العالم كتابًا تلو الآخر” من خلال دعم الجانب الأدبي ونشر ثقافة القراءة والمعرفة، مؤكدًا التزامه بتوفير الكتب ذات القيمة الثقافية والفكرية لجميع أفراد المجتمع، مع التركيز على تعزيز الحوار الثقافي على المستوى المحلي والدولي.

تعزيز القضايا العالمية من خلال الأدب وأهداف التنمية المستدامة

يواصل معرض “بيغ باد وولف 2024” تقديم تجربة فريدة تربط القراء بالقضايا العالمية الملهمة من خلال الثقافة الأدبية. ويركز هذا العام على مجموعات مختارة بعناية، تحتفي بالتنوع والابتكار والاستدامة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDGs). تتناول هذه المجموعات قضايا رئيسية مثل تعزيز الصحة العامة، ودعم التعليم المتميز، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ومواجهة التغير المناخي، بهدف تعزيز الوعي بالتحديات العالمية وإيجاد حلول مبتكرة لها.

وأعرب أندرو ياب، المؤسس المشارك لمعرض “بيغ باد وولف”، عن أهمية دمج القيم الأدبية بالقضايا العالمية والمعاصرة، قائلاً: ” تتمحور رسالتنا حول ‘تغيير العالم كتابًا تلو الآخر’ من خلال تمكين المجتمعات عبر توفير ثقافة الأدب المتنوعة والهادفة. ونسعى هذا العام، عبر تسليط الضوء على أهداف التنمية المستدامة إلى إلهام الجيل الناشئ من القراء للتفكير بعقلية عالمية، والعمل بخطى ثابتة على مواجهة التحديات العالمية من خلال مخزون المعرفة.”

تشمل كتب “بيغ باد وولف” على أهداف التنمية المستدامة ومنها: الصحة الجيدة والرفاهية (الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة): “العادات الصحية: دليل الكنغر للحفاظ على اللياقة” و”كيف يعمل العالم: الطب”، والمساواة بين الجنسين (الهدف 5 من أهداف التنمية المستدامة): “النساء المذهلات: 100 حياة من أجل “إلهامك” و”اعملي أيتها الفتاة: أوبرا وينفري”، والعمل المناخي (الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة): “إنه عالم رائع: كيفية حماية الكوكب وتغيير المستقبل”.

عام مميز للأدب العربي: دعم المحتوى الثقافي وتعزيز الحضور الإقليمي

يستعد معرض “بيغ باد وولف 2024” لتقديم أكبر مجموعة من الكتب باللغة العربية في تاريخه، وذلك من خلال شراكات استراتيجية مع جهات بارزة مثل “هيئة الشارقة للكتاب”، ومجموعة “كلمات”، بالإضافة إلى “منصة” للنشر العربي. تهدف هذه الخطوة إلى تعزيز حضور الأدب العربي، والتركيز على الإبداعات المحلية ضمن منصة عالمية، مما يؤكد التزام المعرض بالاحتفاء بالثقافة العربية وتعزيز تواجدها في المشهد الأدبي العالمي.

وفي هذا السياق، أكد محمد نور هرسي، عضو مجلس إدارة ” بيغ باد وولف – الشارقة”، أهمية التعاون مع الناشرين العرب، قائلاً:”تعكس شراكتنا مع الناشرين العرب والعالميين، ومن خلال ” كلمات” و”منصة” بالأخص، التزامنا المشترك بجعل الجانب الأدبي عنصرًا أساسيًا في التنمية الثقافية. وتؤكد مساعُنا في إضافة أكثر من 50,000 عنوان باللغة العربية رؤيتنا الناجحة والمتمثلة في جعل الأدب في متناول الجميع، مع الحفاظ على جودة المحتوى الثقافي وتنوعه.”

إطلاق بادرة “الجمعة البرتقالية”: احتفال القراءة للجميع وبأسعار تنافسية

يتزامن افتتاح معرض ” بيغ باد وولف 2024″ لهذا العام مع إطلاق مبادرة “الجمعة البرتقالية”، التي ستقام في 29 نوفمبر 2024 بالتزامن مع موسم التخفيضات الإقليمي. توفر المبادرة فرصة مميزة للحصول على كتب قيّمة بأسعار تبدأ من 1.99 درهم إماراتي فقط، والاستفادة من خصومات إضافية، مما يسهل للجميع فرصة اقتناء الكتب. وفي تعليق له، قال أندرو ياب: “تمثل الجمعة البرتقالية احتفالنا بشغف القراءة مع الحفاظ على إمكانية الوصول إلى الكتب للجميع. نسعى من خلال هذه المبادرة لجذب القراء من مختلف الفئات لاستكشاف مجموعتنا الواسعة والمميزة.”

الشراكات الاستراتيجية لتعزيز الأدب على الصعيد العالمي

أسهمت الشراكات الاستراتيجية لمعرض ” بيغ باد وولف”، وبالأخص مع “هيئة الشارقة للكتاب”، في تحقيق نجاحه الباهر والمستمر في دبي. وقد لعبت هذه الشراكة دورًا رئيسيًا في تقديم رؤية واضحة حول أهمية الأدب العربي المستقل، وجعل الكتب أكثر توافرًا لمحبي القراءة على الصعيد الداخلي والخارجي.

وقال أندرو ياب:”تمثل شراكتنا مع هيئة الشارقة للكتاب وشركاء آخرين خطوة محورية نحو تعزيز الأدب عالميًا وجعل المعرفة في متناول الجميع، مما يسهم في تعزيز الحوار الثقافي وبناء جسور التواصل بين الشعوب.”

مقالات مشابهة

  • «دبي للثقافة» تجمع رواد الثقافة في «ملتقى تعبير الأدبي 3»
  • الكاتب إبراهيم الخليل: الأدب لم يكن محايدًا في الحروب وكان تابعًا للسياسي عند كثيرين
  • “دبي للثقافة” تنظم “ملتقى تعبير الأدبي “
  • من هو الفنان؟ سؤال يُثير الجدل في عصر الـNFT والفن الرقمي
  • برغم فداحة المأساة البرهان يفيض حكمة وذكاء
  • الفنان عبد الرحيم حسن: السينما والفن عوامل تساعد في تربية الأبناء
  • جامعة الحدود الشمالية تستحدت برنامج الماجستير في الأدب والمحاسبة
  • مش هنخرج عن الأدب.. شوبير يوجه رسالة عن مبادئ الأهلي
  • “بيغ باد وولف 2024” يعود إلى دبي بأكثر من مليوني كتاب
  • سلمى لاغرلوف أول امرأة حاصلة على نوبل .. لماذا اهتمت بالقدس؟