لجريدة عمان:
2024-12-23@10:33:43 GMT

واستمرت دائرة المأساة في الحياة والفن

تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT

واستمرت دائرة المأساة في الحياة والفن

كان ذلك في الصف الأول، وربما قبل ذلك في محيط بيتنا الخارجي الذي يضم أطفالا في عمر الورد يلعبون بمواد الطبيعة، أو بما تبقى من دمية بقيت بعد عيد مرّ، حين جاد عليهم بعض الأقرباء بقروش، حين صدمت أول مرة بطفل يسطو على طفل آخر، بكلمة أو حركة، أو عبث بما ينشغل به ذلك الطفل من لعب في دائرته الصغيرة البريئة. وكل وما لديه من قصص الطفولة.

لم نكن نعلم أن هذا السلوك يعني اسمه التنمر، لكن ما إن كبرت وكبرنا، حتى بتّ أراه يتجلى لا بين الأطفال، بل الطلبة الأكبر سنا، فبعض المعلمين، وبعض الكبار في القرية، ثم بدأ وعينا على تنمر الاحتلال الصهيوني، كذلك، رحنا نسمع أخبار الحروب من المذياع، وسرعان ما صرنا نراها، لكن في كل ذلك لم تختف صدمتي ولا دهشتي بوجود عالم الشرور.

دخلت إلى قواميس وعينا كلمات الحرب والاحتلال والصراع والنزاع، ودوما كنت أفاجأ، وأقول: هل يعقل أن يحدث هذا؟ وإن حدث كيف يستمر؟

كبرت فلم تذهب قراءتي للتاريخ من جهة، ولأدبيات علم النفس من جهة أخرى شعوري بالصدمة، فهتفت: يا لعار الإنسان، يا للعيب، يا للحماقة!

أعجبني وأنا تحت العشرين ما قرأناه عن المذهب الكلاسيكي في التنفير من الشر، أو اصطلح عليه نقديا بـ «التطهر الكلاسيكي»، الذي واكب كتاباتي في النقد الروائي والمسرحي بشكل خاص. وأذكر أننا تعلمنا في آخر صف مدرسي شيئا عن المذاهب الأدبية: الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والرمزية، حيث ظننت أن المذاهب أربعة، لكن يبدو أنها هي وما جاء بعدها قد توالدت بعضها من بعض، حتى وإن كانت تمردا عليها، كحال الرومانسية مع الكلاسيكية. ورغم أفول نجم الكلاسيكية، إلا أن «التطهر» وجد أشكالا من التجلي في كتابات تأثرت بمذاهب حديثة ومعاصرة.

في دراسة الأدب، والأدب من الحياة، نجد أمرين، ولعلهما من رسالة الأدب الإنسانية خاصة في ثنائية الخير والشرّ، قديما وحديثا، حتى في ظل الجدل المعاصر على هذا المضمون، والذي لم يختف بالطبع. أما الأمران فهما:

-الأول: ذكر أخبار الأولين سردا قصصيا وروائيا ومسرحيا، بما يحضر من حياة، منها ما يتعلق بهموم الإنسان ومآسيه، أفرادا وجماعات، وهنا يتجلى دور الأدب الإنساني.

-الثاني: ما نقرأه من تناص أدبي، وهو يتجلى في الشعر أكثر، حيث يستحضر المبدع ما حدث من قبل، أي أن هناك أفعال سابقة عاشتها الشعوب تشبه ما نعيشه الآن، والغريب والمؤلم، أن ذلك ظل يستمر.

والتناص هو كتابة نصّ اعتمادا على نص سابق، كأن تكون جملة على أخرى أو بيت شعر على بيت آخر، أو حديث نبوي أو آية قرآنية، أو مثل أو حكمة أو أي شكل كتابي منثور.

وهنا، أكانت المأساة قديمة أعيدت كتابتها، أو حديثة استدعت ما يشبهها، فإن السؤال العميق ليس الأدب بحد ذاته، بل الحياة، فكيف يستمر ذلك؟ كيف يعود؟ ألم يتعظ البشر من كل الدماء والآلام التي ذاقها من قبله؟

وبالرغم من أية مواعظ ونصائح إلا أن المأساة تتكرر، لدرجة أن مفكرا مثل كارل ماركس رأى نفسه ساخرا من تكرار المأساة، جاء ذلك في سياق ما قاله يوما بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة.

وما زالت الأعمال الأدبية والفنية القديمة من قصص ولوحات ومنحوتات ومسرح، وما تلا ذلك من أفلام سينمائية باقية وتجد من يقبل على الاطلاع عليها، بعد أن اكتسبت صفة الخلود.

خلود الروائع، كم حاولت تفسير ذلك، وكل ما رشح في الذهن هو أن المأساة ظلت حاضرة، كأنها نذير للإنسان ألا يفعل ذلك من قبله، وأن يفعل ما يجنّب البشرية أهوالها، إلى أن درسنا مادة علم اجتماع اللغة والأدب في السنة الدراسية بكلية آداب طنطا بمصر، حيث قرأت شيئا عن ذلك. لكنني عدت إلى ذلك بعد عقد من السنوات، حين كتبت عن مأساة الغزيين في حرب الاحتلال الإسرائيلي عليها عام 2014، وعما حدث من قتل في خزاعة والشجاعية ورفح. ووقتها دفعتني الصور الفوتوغرافية التي تظهر صرخات المتألمين بأقصى اتساع للفم، للعودة إلى لوحتي جويا الثاني من أيار وجرنيكا لبيكاسو. عدت للمذكرة الجامعية أبحث عما قرأته، كما عدت إلى كتاب جمال قطب عن الحروب والفن.

حين عدت إلى كتاب علم اجتماع اللغة والأدب، وجدت أن من تحدث عن سر خلود الروائع هو كارل ماركس. لقد نحى ماركس في تفسير خلود الروائع منحى وجوديا، رغم تناقضه مع الوجوديين، حين جعل الخلود مصاحبا لعودة الشعور ثانية مع الإنسان الجديد الذي يعيش الحالات الشعورية الموجودة في الروائع. وهناك تتمة لذلك لمن يودّ التعمق في موضوع خلود الروائع. وكان اسم ماركس قد ارتبط بما أسسه من الفكر الاشتراكي والشيوعي.

- التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة.

- لم أتقبل مضمونها تماما قبل عقد من السنوات، حيث كنت مهموما ومهتما بالمآسي التي تصيبنا في فلسطين وبلدان العالم المختلفة.

- والآن؟

- والآن أرى أن كل متأمل، أكان مكتويا بنار المآسي، أو ممن يسمع عنها أو يراها، فإنه سيضع راحته على خده، أو راحتيه على كلا الخدين، وهو يحتسي قهوته الصباحية، سيجد نفسه ساخرا بما كان ويكون. لكنها سخرية عميقة من كل هؤلاء الطغاة والمستبدين، الذين لم يتعلموا من قراءة التاريخ، بل أصروا على الجريمة، بفرق بسيط لكنه أكثر تأثيرا، ألا وهو تكنولوجيا القتل المعاصرة، حين يتم ذلك عن بعد من خلال أزرار في طائرة تقتل المئات دون أن ترأف بهم.

لا زمن فرسان، لا زمن فارس يقاتل فارسا، بل زمن قتلة، فأية سخرية تلك التي نعيشها اليوم في العالم كله؟ والغريب أن ذلك يستمر، ولا يظهر فيما يبدو أنه لن يتكرر في أزمنة وأمكنة أخرى.

تلك هي رسالة الأدب والفن، وما أسماها من رسالة مقدسة إن كان منطلقها الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حسن الزهراني لـ”الثقافية”: ملتقى الأدب الساخر علامة فارقة بالمشهد الثقافي

الثقافية – علي بن سعد القحطاني
أعلن النادي الأدبي في منطقة الباحة عن انطلاق الملتقى الأول للأدب الساخر، المقرر عقده في الفترة من 22 إلى 24 ديسمبر 2024م، الموافق 21 إلى 23 جمادى الآخرة 1446هـ.
وأوضح رئيس النادي الشاعر حسن الزهراني لـ”الثقافية” أن الملتقى يأتي بمشاركة نخبة من الأدباء والباحثين من داخل المملكة وخارجها، حيث أقرت لجنة مشورة الملتقى، التي تضم الدكتور عبدالله الحيدري والدكتور ماهر الرحيلي والقاص محمد الراشدي ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي، محاور الملتقى. وتشمل هذه المحاور:
* الأدب الساخر: المفهوم والدلالات والمصادر.
* الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر في المملكة.
* الخصائص الفنية للأدب الساخر محلياً.
* مستويات التأثر والتأثير بين التجارب الساخرة محلياً وعربياً.
* الأدب الساخر في الصحافة المحلية عبر التاريخ.
* أثر القوالب التقنية ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر.
* سيميائية الكاريكاتير الساخر محلياً.
وأضاف الزهراني بأن النادي تلقى 40 موضوعاً للمشاركة، وتم اعتماد 27 بحثاً من قِبل اللجنة لأسماء بارزة في مجال الأدب الساخر، مثل الدكتور محمد الخضير، والدكتور صالح الحربي، والدكتورة بسمة القثامي، والدكتور عادل الزهراني.. وغيرهم.
وأشار إلى تخصيص جلسة شهادات للمبدعين، يقدمها الكاتبان محمد الراشدي وعلي الرباعي، إلى جانب عرض فيلم مرئي حول فن الكاريكاتير الساخر.
ويعد الملتقى منصة مهمة لاستكشاف الأدب الساخر كوسيلة نقدية وثقافية، ولتسليط الضوء على تجارب أدبية وفنية متنوعة، مما يعكس ثراء هذا النوع الأدبي في المملكة.
وأكد الزهراني أن النادي يواصل مسيرته في تقديم فعاليات نوعية ومبتكرة، بعد النجاح الذي حققته ملتقيات الرواية والمسرح ومهرجانات الشعر والقصة القصيرة والقصيرة جداً خلال الأعوام الماضية، التي حظيت بتفاعل واسع على المستويين المحلي والعربي.
وأوضح الزهراني أن فكرة ملتقى الأدب الساخر جاءت لتسليط الضوء على أحد أكثر أشكال الكتابة الأدبية رواجاً وتأثيراً، وقال: “الأدب الساخر يتميز بقدرته الفريدة على مقاربة إشكالات الإنسان وقضاياه وفق طرح مغاير ونسق إبداعي جاذب ومختلف. ورغم ذلك، لم ينل هذا اللون الأدبي نصيبه الكافي من الاهتمام والعناية البحثية على المستوى المحلي؛ لذلك يقوم الملتقى على إبراز الكتابة الساخرة في فضاءات التداول البحثي والنقدي، والتحاور حول واقعها في الأدب المحلي قديماً وحديثاً، إلى جانب الاحتفاء بالمنجز الإبداعي في هذا المجال”.
وأشار الزهراني إلى أن الملتقى يهدف أيضًا إلى:
* تأسيس فعاليات وملتقيات مستقبلية تعنى بالأدب الساخر.
* تسليط الضوء على هذا الشكل الأدبي العريق في تاريخ الأدب العربي.
* تشجيع الأجيال الصاعدة والمواهب الشابة على تبني هذا اللون الكتابي والتجديد فيه.
* كسر رتابة الألوان الأدبية التقليدية واستكشاف آفاق جديدة ومبتكرة.
وأعرب الزهراني عن سعادته بالتفاعل الكبير الذي وجدته فكرة الملتقى من قبل الأدباء والمثقفين، مؤكدًا أن هذا الحدث سيكون علامة فارقة في المشهد الثقافي بالمملكة، وموجهاً الشكر لكل من أسهم في إنجاح هذا المشروع الثقافي الواعد.

مقالات مشابهة

  • معرض جدة للكتاب يُسدل الستار بعد 10 أيام من الإبداع والمعرفة
  • حسن الزهراني لـ”الثقافية”: ملتقى الأدب الساخر علامة فارقة بالمشهد الثقافي
  • معرض جدة للكتاب 2024 يُسدل الستار على 10 أيام من الإبداع والمعرفة
  • المستشار الألماني يصف حادث الدهس في ماجديبورج بـ "المأساة المروعة"
  • الحرب والأدب – رائحة الدم وسلطة الحكي
  • بعد قرابة 15 قرنًا.. المعلقات تعود لأرضها في الرياض
  • ملتقى القراءة الدولي بالرياض يختتم فعاليات يومه الثاني
  • الأدب السوري.. من سخرية «لوقيانوس» إلى قصص الحرب
  • سامح قاسم يكتب: الأدب السوري وازدواجية الألم
  • سوريا.. حنين لا يغادر محبيها