إعداد: أليسيا أركيتوكس | أمين زرواطي تابِع إعلان اقرأ المزيد

تستذكر ماريلدا دي سوزا فرانسيسكو: "حين وصل رجال الأعمال، قالوا إن كل شيء كان ملكا لهم". ومن منزلها العائلي المحاط بالنباتات الفخمة بمنطقة كويلومبو سانتا ريتا دو براكوي، تستحضر ماريلدا ببطء صور الماضي وذكرياته. فخلال الحقبة الديكتاتورية العسكرية في سنوات السبعينيات، وفي عز موجة السياحة الساحلية في البرازيل، انطلقت عمليات الاستحواذ والمصادرة في مجتمعها.

أسّست البرجوازية البرازيلية في كوستا فيردي، المطلة على ساحل المحيط الأطلسي والواقعة ما بين ريو دي جانيرو وساو باولو، ما يطلق عليه "الهامبتونز"، وهي عبارة عن إقامات فاخرة مبنية مع مدخل خاص مؤدٍ إلى بحرٍ بلوري صافٍ، مع إطلالة مميزة على "ماتا أتلانتيكا" والتي تعد ثاني غابة استوائية في البلاد.

في "كوندومينيو بورتو مارينا براكوهي"، تتراوح كلفة المنازل ما بين مليوني و500 ألف ويورو، و9 ملايين و500 ألف يورو، فيما يبلغ متوسط الراتب الشهري في البرازيل 540 يورو. © أليسيا أركيتوكس لفرانس24.

للترحيب بهؤلاء الوافدين الجدد، تم بناء الطريق السريع "ريو-سانتوس" بعد أن تم تدريجيا إجلاء السكان الذين كانوا يعيشون على الساحل، والذين لجأوا على إثر ذلك إلى المرتفعات الغابية حيث انضموا إلى قسم آخر من المجموعة. تروي ماريلدا دي سوزا فرانسيسكو وهي تبتسم والحزن يخيم على وجهها: "حاول الكويلومبولاس [أفراد المجتمعات المحلية التي تسمى كويلومبوس] اللجوء إلى المحكمة جماعيا للدفاع عن أراضيهم، لكننا خسرنا". اليوم، عوضّ ديارهم السابقة، مجمع "بورتو مارينا براكوهي" السكني، وهو مشروع عقاري للمنازل الثانوية مع ميناء خاص تركن فيه عشرات اليخوت.

اقرأ أيضافي حوض الكونغو... حماية الغابات بمواجهة "اللعبة الدبلوماسية"

انتهاك لحقوق الأراضي

يرجع هذا المكان إلى القرن التاسع عشر. في تلك الحقبة، كانت "سانتا ريتا دو براكي" حينها تطلق على مزرعة لقصب السكر والبن مملوكة للقائد خوسيه دي سوزا بريفيس، والذي ينحدر من عائلة برتغالية قوية كانت تمارس العبودية وتحتجز المئات من الأفارقة السود وتستغلهم في زراعة حقولها. وحتى بعد حظر تجارة الرقيق عام 1831، شارك هذا المالك في تجارة العبيد بشكل غير مشروع. في 1879، توفي خوسيه دي سوزا بريفيس لكنه ترك وصية ورّث فيها كامل أرضه، التي أصبحت غير منتجة، لعبيده. من حينها، ظلّ أحفادهم هناك وشكلوا مجتمعا ريفيا أسودا يطلق عليه تسمية: كويلومبو.

يعتبر هذا المجرى المائي مكانا مقدسا في "كويلومبو سانتا ريتا دو براكوي". في 2020، حاول أحد الخواص تحويل مجراه لملء مسبحه الخاص لكنه فشل. © أليسيا أركيتوكس لفرانس24.

توضّح المؤرخة مارثا آبرو: "لكل من 3475 كويلومبوس التي كانت موجودة في البرازيل تاريخ مختلف". فقد ظهر عدد منها إثر عمليات هروب العبيد إلى المناطق النائية. كما تمخضت كويلومبوس أخرى عن ثورات المظلومين على جلاديهم. لكن الكثير منها هي بكل بساطة عبارة عن أماكن قرّر الأفارقة السود وأحفادهم الاستقرار عليها والعيش فيها بعد أن تم إلغاء العبودية.

رغم ذلك، ترى نفس المختصة بأن كل تلك المجتمعات تشترك في شيء معين فهي كلها بمثابة "أماكن مقاومة السود من أجل حقهم في الأرض والحفاظ عليها". حيث إنها سواء كانت في الغابة أو الريف أو المدينة، فإن كافة الكويلومبوس تقريبا مهددة من قبل لوبي العقارات البرازيلية الجشع. وسواء كانوا من أصحاب المشاريع العقارية، أو ينشطون في الصناعات الزراعية أو حتى أولئلك العاملون في قطاع السياحة، فهم يطمعون كلهم في هذه الأراضي "الفارغة"، والتي تقع غالبا وسط الطبيعة. وللاستيلاء عليها، قد يلجأ بعضهم إلى استخدام العنف.

منذ 2013، أحصت التنسيقية الوطنية لمجمتع الكويلومبوس (كوناك) زهاء 30 عملية اغتيال لكويلومبولاس (أفراد مجتمع الكويلومبوس) في سياق نزاع على الأراضي. في أغسطس/آب 2023، قُتلت "ماي برناديت" وهي المنسقة الوطنية لهذه المنظمة رميا بـ 12 رصاصة فيما كانت تكافح ضد المضاربة على الأراضي في كويلومبو خاص بها. كما يتعرض أفراد هذه المجتمعات مثل تلك التي في ريو بريتو (ولاية توكانتينز، شمال البرازيل) أو جاكاريزينيو (ولاية مارانهاو، شمال البرازيل) بشكل دوري إلى الترهيب والاعتداءات الجسدية بهدف إجبارهم على التخلي عن أراضي أسلافهم.

ضرورة تمليك أراضي الكويلومبولاس

تعترف المادة 68 من الدستور البرازيلي (1988) بحقوق الكويلومبولاس في الأرض، حيث إنها تنص على ما يلي: "يتم الاعتراف بمن تبقى من مجتمعات الكويلومبوس الذين يحتلون أراضيهم، على أن لهم ملكية نهائية عليها، وينبغي على الدولة إصدار سندات الملكية الخاصة بهم". تجعل عملية التمليك هذه من الممكن قانونيا منع المضاربة العقارية في أراضي الكويلومبوس ومعاقبة أي محاولة استيلاء عليها.

القديسة سانتا ريتا، "المدافعة عن القضايا المستحيلة". تم رسمها هنا باللون الأسود على جدران معمل التقطير القديم في كويلومبو. © أليسيا أركيتوكس لفرانس24.

بعد 24 عاما من الانتظار والاقتحامات المتعددة لأراضيها، تم أخيرا يوم الأربعاء 26 يوليو/تموز 2023 إصدار سند الملكية لصالح سكان كويلومبو سانتا ريتا دو براكوي. رغم ذلك، فقد كانت البرازيل قد اعترفت منذ 34 عاما بحقوق الملكية للأشخاص من أصل أفريقي الذين يعيشون في الكويلومبوس. ومن ثمة، فإن هذا المسار الإداري الطويل يفسّر سبب تمليك 147 كويلومبوس فقط من أصل 3475 في كامل البلاد، وأيضا جشع المضاربين الناجم عن هذه الوضعية.

اقرأ أيضاإزالة الغابات الاستوائية ازدادت في 2022 رغم التعهد بوقفها

منذ عودته إلى السلطة في الفاتح يناير/كانون الثاني، اعترف الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بما يناهز ثمانية أقاليم للسكان الأصليين وأربعة أخرى للكويلومبولاس. في المقابل، لم يعترف سلفه جايير بولسونارو بحقوق هؤلاء في أي من تلك الأراضي خلال السنوات الأربع التي قضاها على سدة الحكم. على أي حال، يشكل هذا التغيير في الحكم بارقة أمل للشعوب الأصلية في البرازيل، لتجسيد الاعتراف الرسمي بحقوقها على الأراضي وكذا المحافظة على النظم البيئية التي تحميها بشكل مستدام.

النص العربي: أمين زرواطي / النص الفرنسي: أليسيا أركيتوكس

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل قمة المناخ 28 الحرب في أوكرانيا ريبورتاج قمة المناخ 28 التغير المناخي مناخ بيئة تلوث البرازيل غابات الأمازون للمزيد إسرائيل الحرب بين حماس وإسرائيل غزة حماس النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا فی البرازیل

إقرأ أيضاً:

يزيد ولا يقصر !

طاولات معدودة، مُزيّنة بتفاصيل شديدة النعومة والرقة، مُقننة بعدد الأشخاص المُتوقع حضورهم، طعام متنوع وفاخر لكنّه مُقدّر. قاعات مُجهزة بكل ما قد تطلبه الحفلة من احتياجات جمالية وتقنية. هذا ما يحدث مؤخرًا في أغلب مناسبات «الملكات» و«الأعراس» التي نحضرها منذ أن أفصح الصيف والإجازات عن قدومهما.. وهنا لا أتحدث عن مسقط وحسب وإنّما عن القرى البعيدة أيضًا.

فقبل أقلّ من عشرين عامًا، كابد مُجايلونا مشقة هائلة بسبب اتساع دائرة المعازيم التي كانت كلما وصلت إلى رقم خُرافي تَمثّلت قيم الكرم والعطاء في أكثر صورهما بهاء. يصل الأمر بالبعض لأن يستلف مبالغ طائلة لتوقد المراجل، لتطعم الأفواه القادمة من أماكن شتى. تلك الأفواه التي نُربي الخشية منها فإن لم تشبع تتفوه بكلام قد يُفسد كل شيء!

كانت قدرتنا على تحديد عدد المعازيم ضبابية، الأمر الذي يدفع الأهل لقلق هائل، ولذا تعمل الحكمة التي تقول: «يزيد ولا يقصر»، فيبقى الزوجان في شقاء جرّاء ما تجلبه تلك الحكمة من تهلكة لأيامهما المقبلة!

لا أعرف على وجه الدقة إن كانت العادة الأخرى المتعلقة بتوزيع أجزاء من مهر العروس لأقاربها قد انقرضت أم لا؟، فقد كانت تفصيلا أساسيا من تفاصيل الكرم والعطاء أيضا، وكأنَّ الأقارب والجيران الذين شاركوا في تربيتها من حقهم أن يحصلوا على شيء ولو يسير من مهرها! الأمر الذي يُصعب عليها شراء احتياجاتها الأساسية في وقت تتنامى فيه الأسعار بشكل مرعب.

أمّا العادة التي أرغب من كل قلبي أن تكون قد تلاشت، فهي تلك المتعلقة بدعوة النساء للنظر فيما اشترته العروس من ذهب وثياب وحاجيات، حيث تجلس العروس هلِعة من أي تعليق قد يُصيبها، وفزعة من أن يكون ذوقها الشخصي محط تقييم عندما تُمرر أشياؤها بين الأيدي ! هذه العادة كانت تدفعنا لشراء ما لا حاجة لنا به، ليرى الناس أن لا قصور يشوبنا!

ثمّة تغير جذري أصاب مناسبات اليوم، تمثل أول ما تمثل في تقليص دوائر المعارف الكبرى إلى دوائر صغيرة، وكما يبدو فثمّة عوامل جديرة بالدراسة والتمعن لرصد هذه التحولات، فقد بدا للعين المجردة أنّها امتداد خفي لما أحدثه وباء كورونا من تغيّر في بُنى المجتمع العُماني، فذلك الإبعاد القصري والإقصاء الحاد كَمَن فينا، غيّرنا بدرجة أو بأخرى، حتى صرنا أكثر التفافا على دوائرنا الصغرى، وأكثر عناية بالتفاصيل، على نقيض ما قد يقترحه حضور الأعداد الكبرى من حالة تقشف، إذ يذهب جل تفكيرنا في الإطعام لا في صيد الرفاهيات الأخرى.

علينا ألا ننكر أنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها جيل الشباب، جعلتهم أقلّ ارتهانا لرؤى الأجيال التي سبقتهم وأكثر اعتدادًا بوجهات نظرهم الخاصة، على نقيض أجيالنا التي كانت أكثر استلابًا وتسليمًا وخضوعًا فلا نفصح عن رغباتنا بهذا الوضوح، كنا نمضي غالبًا في الأفق المتوقع منا، رغم عدم اقتناعنا بالكثير من المسائل.

الأمر برمته رهن تدافع الأفكار وتغيّر الوعي وربما هذا الجيل يحصد ثمار ما كنا نزرعه من محاولات للانفلات من قبضة العادات المهيمنة.

لقد تملّص هذا الجيل -إلى حد ما- من عبء الجماعة وانتصر لفرديته وخياراته، ربما لأنّ الآباء والأمهات الجُدد باتوا الآن من حاملي الشهادات، ولأنّهم قبل عقود قليلة كانوا يرغبون في قول كلمة «لا» لكن الصمت كان يغلفُ ضجيج احتجاجاتهم الداخلية.

لكن بشيء من التروي نُدرك أيضا أنّ هذا الجيل لا يُقدّم صورة مثالية بالتأكيد، فثمّة مبالغ هائلة تذهب في تفاصيل لم نكن نراها بعين الأهمية، لكنه يراها كذلك، وغالبًا ما تنضوي تلك الرغبات تحت هوس التصوير والثيمات والأزياء، التي تصنعُ -ربما- استلابا من نوع آخر!

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

مقالات مشابهة

  • مستشار وزير الزراعة لشئون المناخ يحذر من انتشار دودة الحشد مع ارتفاع درجات الحرارة
  • ماجد المصري يوجه رسالة لزوجته بعد خضوعها لعملية جراحية
  • يزيد ولا يقصر !
  • البرازيل تودّع من ربع النهائي أمام الأوروغواي بركلات الترجيح
  • الأوروغواي تقصي البرازيل وتعبر إلى نصف نهائي كوبا أمريكا
  • الأوروجواي تطرد «السامبا» من «كوبا أميركا»
  • البرازيل تودّع من ربع النهائي بركلات الترجيح أمام الأوروغواي
  • كوبا أميركا.. البرازيل تودع البطولة من ربع النهائي
  • من بيليه الى المجهول حويدر
  • كيف تحول فيرمينو إلى راعي كنيسة في البرازيل ؟