من "طيبة" لـ"القاهرة".. تعرّف على عواصم مصر منذ فجر التاريخ
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
تنوعت العواصم المصرية على مر التاريخ، واختلف موقعها على خريطة الدولة مع اختلاف الحاكم المؤسس لهذه العاصمة أو تلك، فتجدها تارة في أقصى الجنوب، وأخرى في أقصى اليسار، وعواصم في قلب الدلتا، وغيرها قرب الجدود الشرقية، وعلى الرغم من هذا التنوع، والتعدد الكبير في هذه العواصم إلا أن كل منها تركت إرثًا ثقافيًا وحضاريًا كبيرًا منذ فجر التاريخ، وحتى العصور الإسلامية التي تنوعت عواصمها أيضًا واختلفت مسمياتها باختلاف الدولة الحاكمة.
"طيبة، أون، منف، العسكر، القطائع، الأسكندرية، القاهرة"، ليست مجرد أسماء مدن عابرة للذاكرة، ولكنها العواصم التي شهدت على فترات تاريخية شديدة الثراء من عمر الدولة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، حيث كانت كل مدينة منها مركزا للحكم وإدارة شئون البلاد، وكانت أيضًا شاهدة على تطور مصر كدولة ذات حضارة عظيمة، وعريقة وقادرة على المُضي نحو المستقبل على مر العصور.
عواصم مصر تنوعت عبر تاريخها الطويل
"تنوعت عواصم مصر عبر تاريخها الطويل"، هكذا تحدث عالم الآثار الدكتور مصطفى الصغير مدير آثار الأقصر وطريق الكباش، قائلًا: منذ عصر ما قبل الأسرات حتى وقتنا الحالي تتعدد العواصم المصرية، ومن المعروف أنه في ما قبل الأسرات أي قبل توحيد قطري مصر الشمال والجنوب على يد الملك "نارمر" موحد القطرين سنة 3200 ق.م كانت مصر حينها تنقسم لمملكتين عظيمتين، إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب، وكانت عاصمة الجنوب مدينة "نخب" وهي الواقعة قرب مدينة إدفو الحالية بمحافظة أسوان أقصى جنوب مصر، وكان يُطلق عليها أيضا "هيراكينوبوليس"، أما عاصمة الشمال كانت "بوتو" وهي قرية "تل الفراعين" الحالية في محافظة كفر الشيخ. ومع بداية التوحيد من الأسرة الأولى حتى الأسرة الثامنة أي عصر الدولة القديمة، وكانت هناك العاصمة مدينة "منف" من "نفر أي" المشهورة باسم الأثر الجميل "إنب حج" أي الجدار الأبيض، وهي المعروفة حالياً باسم "ميت رهينة" وهذا الاسم يرجع للتسمية المصرية القديمة "تا ميت رهنت" أي طريق الكباش، وذلك نظراً لوجود طريق كباش أمام المعبد الرئيسي لمدينة منف. وفي عصر الانتقال الأول "الأسرة التاسعة والعاشرة" كانت العاصمة إهناسيا التي كانت تعرف باسم "نن سو"، ومن هنا جاء اسم إهناسيا، وفي الأسرة الحادية عشر كانت العاصمة طيبة حيث تم حينها توحيد القطرين مرة أخرى بعد عصر الانتقال الأول، وانفصال مصر إلى الشمال والجنوب مرة أخرى، وتم توحيد القطرين للمرة الثانية على يد الملك "منتوحتب الثاني"، وحينها تم اتخاذ طيبة عاصمة لمصر، وكلمة "طيبة" مُشتقة من الكلمة المصرية القديمة "تا إيبت" وتعني أرض الحرم، وفي عصر الأسرة 12 في الدولة الوسطي تم إنشاء عاصمة جديدة إسمها "إيسيت تاوي" وتعني القابضة على الأرضين، وكانت قُرب مدينة اللشت الحالية.
فترة حكم الهكسوس المعروف باسم عصر الانتقال الثاني كانت عاصمة مصر "خاسو خوت" وهي مدينة "سخا" أقصى شمال مصر في دلتا النيل، ومع بداية تأسيس الأسرة 18 عصر الدولة الحديثة، إلى الأسرة 20 تنقّلت العواصم ما بين طيبة مرة أخرى، وهي مدينة الأقصر أقصى جنوب مصر، ومدينة تل العمارنة في المنيا في وسط صعيد مصر، والتي عُرفت باسم "أخت آتون" وتعني أفق آتون، وفي عصر الرعامسة كانت العاصمة مدينة "برعمسيس" بالقرب من محافظة الشرقية، الواقعة شرق مصر بين محافظات الدلتا والقناة.
وفي الأسرة 21 كانت هناك عاصمتين لمصر، طيبة في الجنوب وتانيس في الشمال، وفي الأسرة 22 كانت عاصمة مصر مدينة "بر باست" أو "تل بسطة" وهي المدينة المعروفة حالياً في محافظة الشرقية، وفي الأسرة 24 و26 كانت عاصمة مصر هي "سايس" أو "ساو" وهي مدينة "صا الحجر" حالياً، واستمر ذلك إلى الأسرة 28، وفي الأسرة 25 كانت طيبة هي العاصمة من خلال حكم الملوك النوبيين بداية من الملك "طهارقا" وغيره من ملوك الأسرة 25.
في عصر الأسرة 30، آخر الأسرات المصرية الحاكمة في مصر القديمة، كانت العاصمة "سمنود"، وعند قدوم الإسكندر الأكبر إلي مصر أسس "الإسكندرية" التي أصبحت عاصمة مصر، وظلت العاصمة طوال العصر البطلمي والروماني إلى أن دخل العرب مصر بقيادة عمرو بن العاص، وأسس الفسطاط، وتلاها خلال العصور المختلفة مُدن "العسكر" و"القطائع"، ثم "القاهرة"، والتي بدأت كعاصمة لمصر في عصر الفاطميين وظلّت عاصمة مصر إلى الآن.
تأسيس العواصم في العصر الإسلامي
قامت فكرة تأسيس المدن والعواصم في العصر الإسلامي على مجموعة من المعايير التي جعلت منها مدن متميزة النشأة وفريدة الطابع، وذلك في إطار رؤية تخطيطية للمدينة الإسلامية اهتمت بالجوانب الوظيفية والاجتماعية والسياسية لمجتمع المدينة الإسلامية مما يؤكد أصالة طابع تأسيس المدينة، وعمق الفكر الإسلامي ورؤيته السليمة في تخطيط المدن، وهو الفكر الذي تبلّور واتضح مع تقدّم العصر، مستفيدًا في ذلك بالتجربة. هكذا وصف الباحث في الآثار والتاريخ الإسلامي الدكتور عبد الحميد عبد السلام أبو عليو، طُرق تأسيس العواصم الإسلامية في العصر الإسلامي، قائلًا، الحكام المسلمين اهتموا بالعمارة والعمران وشاركوا في اختيار مواضع المدن، ومتابعة إنشائها، والتاريخ الإسلامي مليء بعديد من الأمثلة المؤكدة لذلك، وقد تَبنّى الحُكام المسلمين في إنشاء المدن والعواصم الجديدة قواعد كانت نقطة انطلاق حكمهم وترسيخ دعائمه.
الفسطاط جنوب حصن بابليون
الفسطاط "21- 132هـ 642- 750م"، عاصمة مصر الإسلامية العربية الأولى، فبعد دخول العرب إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص اختار الموقع الاستراتيجي والحضاري القائم عند تفرّع النيل إلى الدلتا، وأسس مدينة الفسطاط في الموقع الفسيح إلى الشمال من حصن بابليون وهو موقع له أهميته من الناحية العسكرية والعمرانية، وقد ساعده على اختيار هذا المكان وجود بركة "الحبشة" جنوب حصن بابليون، وظلت الفسطاط تحتل مكان الصدارة في مصر رغم ظهور عواصم أخرى فيما بعد، وظلت الفسطاط العاصمة السياسية لمصر أثناء حكم الخلفاء الراشدين والأمويين، حتى شيد العباسيون قاعدة جديدة لحكمهم في مصر وهي مدينة "العسكر" التي أسسها صالح بن علي العباسي أول والٍ للعباسيين في مصر سنة "133 هـ - 750 م" شمال الفسطاط وانتهى من بنائها بعد عامين.
العسكر مدينة على شاطئ النيل
وبعد مائة عام تقريبا من إنشاء مدينة الفسطاط، وبعد سقوط الدولة الأموية ودخول العباسيون مصر، أنشأوا حاضرة جديدة لدولتهم هي مدينة العسكر لتكون العاصمة الثانية لمصر، بموقع على شاطئ النيل عُرف في صدر الإسلام "بالحمراء القصوى"، وكان نهر النيل عندئذ يجري بجانب المرتفع المشيد عليه جامع عمرو بن العاص ثم ابتعد عن مجراه بمرور الزمن، وكان الهدف من إنشاء مدينة العسكر هو انتقال السلطة من الخلفاء الأمويين في دمشق إلى العباسيين في بغداد، حيث أدى الصراع بينهم لإحراق جزء من مدينة الفسطاط، الأمر الذي دفع الوالي صالح بن علي لتأسيس دار الإمارة وثكن للجند بالمدينة الجديدة "العسكر"، وإلى مدينة العسكر قدم الأمير أحمد بن طولون من العراق ونزل بدار الإمارة فيها وظل يسكنها حتى انتهى من بناء قصره في حاضرته الجديدة "القطائع".
القطائع بها أكبر مساجد العالم الإسلامي
بعد أن تولى أحمد بن طولون حكم مصر سنة "870م" في العصر العباسي، سعى للاستقلال بمصر عن دولة الخلافة، فكوّن جيشًا كبيرًا ضاقت به مدينة العسكر عاصمة مصر آنذاك، فشيّد أحمد بن طولون مدينة القطائع لتكون العاصمة الثالثة لمصر، وبدأ ذلك في الجانب الشمالي لمدينة العسكر، وسُمّيت بذلك لاقتطاع كل فرقة من جنده قطعة للسكنى بها، وتضم كل قطعة منها جماعة من السكان تربط بينهم رابطة الجنس والعمل، ووضعت خطة المدينة لتكون قاعدة كبيرة تليق بحالة البلاد، واتصل البناء بعمارة الفسطاط، واقتطعت كل جماعة من الجند والأتباع منطقة خاصة سميت كل قطعة باسم من يسكنها، وكان من أهم ما شيد في مدينة القطائع الجامع الكبير الذي يتوسط القطائع، وما زال جامع أحمد بن طولون يُعد من أكبر مساجد العالم الإسلامي وأروعها، وعادت الفسطاط مرة أخرى "905 إلى 969م" عاصمة مصر، وظلّت كذلك حتى دخول الفاطميون مصر، وإنشاء العاصمة الرابعة مدينة "القاهرة".
القاهرة اتسعت ونمت بشكل ملحوظ
بدأ تاريخ مدينة القاهرة عام 969م، وتُعد رابع عواصم مصر منذ العصر الإسلامي، حينما أرسل المعز لدين الله قائد جُنده جوهر الصقلي لمصر، وبدأ جوهر في تأسيس مدينة القاهرة بأمر من الخليفة المعز لدين الله شمال الفسطاط، واتسعت المدينة ونمت بشكل ملحوظ، وعند قدوم المعز لمصر سنة "972م" أطلق عليها القاهرة المعزية، وانتقلت القاهرة من حياة العصور الوسطى الي الاتصال بالحضارة الأوربية من خلال الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م وكذا البعثات التعليمية، التي أسفرت عن ميلاد وبناء دولة عصرية حديثة بدءً من عام 1805م، حيث شهدت القاهرة مرحلة جديدة في عمارتها وأعيد تخطيطها من جديد لتواكب الحياة الحديثة، ومنذ ذلك الحين حتى الآن أصبحت القاهرة درّة مصر وآخر عواصمها.
متحف عواصم مصر
تخليدًا لهذه العواصم المصرية القديمة، أنشأت الدولة المصرية متحفًا للآثار في مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية الجديدة، تحت مُسمى "متحف عواصم مصر" ليكون سجلًا موثقًا لتاريخ العواصم المصرية، وذلك بداية من "منف" إلى "طيبة" مرورا بالإسكندرية خلال العصر اليوناني والروماني، وصولا إلي "الفسطاط" والقاهرة الفاطمية والقاهرة الخديوية.
المتحف الذي أنشيء على مساحة 8500 متر مربع، وُضِعَ سيناريو العرض له بشكل يعتمد على إبراز الهيكل الإداري للدولة المصرية، وذلك بدءً من العاصمة منف وصولًا للعاصمة الإدارية الجديدة، وهذا السيناريو يبرز العواصم المصرية القديمة على مر العصور وأسباب انتقال العاصمة من واحدة لأخرى، والتأكيد على أن تغيّر العاصمة متأصل منذ القدم، وهذا التغير لم يكن يعني بالضرورة إلغاء الدور السيادي للعاصمة السابقة.
القاعة الرئيسية للمتحف تضم تمثالًا مهيبًا للملك رمسيس الثاني، والقاعة الرئيسية تعرض آثار 9 عواصم، على اليمين "منف وطيبة وتل العمارنة والإسكندرية"، وعلى اليسار "الفسطاط والقاهرة الفاطمية ومصر الحديثة والقاهرة الخديوية"، وخلف التمثال تقّبع قاعة العاصمة الإدارية، والتي تتضمن معروضات ومقتنيات مختلفة عن أنماط الحياة في كل حقبة تاريخية خاصة بكل عاصمة على حدة، مثل أدوات الزينة وأدوات الحرب والقتال ونظام الحكم والمكاتبات المختلفة وغيرها.
WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.33.21 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.33.24 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.33.26 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.33.51 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.33.58 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.34.11 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.34.39 PM WhatsApp Image 2023-02-06 at 2.34.40 PMالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: العواصم المصرية القاهرة الإسكندرية العسكر منف المصریة القدیمة العصر الإسلامی کانت العاصمة وفی الأسرة عاصمة مصر وهی مدینة مرة أخرى فی العصر فی عصر فی مصر
إقرأ أيضاً:
درة: أفلام مي المصري كانت تلمسني.. وأنا ضد الخطاب المباشر في السينما
أقام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ45، على المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، محاضرة حول "السرد كأداة للصمود: قصص الهوية والبقاء"، ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما يديرها الناقد الصحفي محمد نبيل .
وقالت درة: أنا ضد تصدير الصورة النمطية بشكل عام ، وتقديم القضية الفلسطينية الى الشاشة بشكل خاص، فالسينما لابد ان تقدم الموضوع بشكل أذكي، وألا يكون الخطاب المباشر الذي يجلب التعاطف تجاه القضية الفلسطينية ، وأكبر دليل على ذلك اعمال المخرجة مي المصري والتي كانت تلمسني انسانيا بشكل كبير.
وتحدث خلال الندوة الفنانة والمخرجة درة زروق، والمخرجة ميريام الحاج، والمنتجة مي عودة والمخرجة نجوى نجار ويدير النقاش الناقد محمد نبيل.
تستكشف الندوة قوة السرد في تحفيز قدرات الأفراد على المقاومة والتحمل في أصعب اللحظات والمواقف، ويحكي الحضور عبر خبراتهم ووعيهم الثقافي الفريد عن تجاربهم في تشكيل السرد السينمائي وروايات الهوية الشخصية والجماعية، ومحاولات البقاء والخلافات والنبرات الانهزامية.
يناقش الضيوف تحديات صنع الأفلام في مناطق الصراع والنزوح وتلك المحاصرة بالقيود السياسية، وعن خبرة كل منهم في استخدام الإبداع للدفاع عن رؤيتهم والنجاة من الأسى والمآسي.
تسلط الحلقة النقاشية الضوء على التقنيات السردية التي يمكنها تحوّل قصص الصراع الشخصي إلى سرديات مهمة إعجازية تلهم الجماهير وتحفّز المجتمعات على الاستمرار والمقاومة.
فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما (CID)، والتي تقام في الفترة من 15 إلى 20 نوفمبر 2024، تمثل منصة حيوية تهدف إلى دعم وتعزيز مشروعات السينما، وتقديم فرص نادرة للتفاعل بين صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، وتشهد هذه الفعالية مشاركة متميزة من مخرجين، منتجين، وخبراء في مختلف جوانب الصناعة السينمائية، يجتمعون لاستكشاف أحدث الاتجاهات وتبادل الأفكار والتجارب.
تتضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما ورش عمل وجلسات حوارية ونقاشات تتناول تحديات واحتياجات السوق، ما يعزز من فرصة المساهمة في نمو وتطوير مشاريع سينمائية جديدة ويُعيد تأكيد مكانة مصر كمركز إقليمي للإبداع السينمائي.