توفي هنري كيسنجر، وهو سياسي كبير ودبلوماسي مخضرم وخبير استشاري جيوسياسي، الخميس عن عمر يناهز 100 عام، يعتبر كيسنجر أحد المهندسين الرئيسيين للسياسة الخارجية الأمريكية وقد ترك بصمة لا تمحى في هذا المجال.

 

الدبلوماسي هنري كيسنجر


كان كيسنجر مدافعًا بارزًا عن مدرسة الواقعية السياسية للعلاقات الدولية، حيث يضع المصالح العملية للدول قبل المواقف الأيديولوجية.

خلال فترة خدمته في الحكومة الأمريكية بين عامي 1969 و1977، قاد سياسة الانفراج الدولي مع الاتحاد السوفياتي وساهم في إقامة العلاقات الأمريكية الصينية. أيضًا، شارك في الجهود الدبلوماسية لحل الصراعات في الشرق الأوسط وإنهاء التدخل الأمريكي في حرب فيتنام.

على الرغم من تورطه في بعض السياسات المثيرة للجدل، مثل تورط الولايات المتحدة في تغييرات الحكومة في تشيلي والأرجنتين، ودعمها لباكستان في حرب بنغلاديش، فقد استمر كيسنجر في تأثيره كقوة دبلوماسية بعد استقالة نيكسون في عام 1974.

عقب تركه للحكومة، أسس كيسنجر شركة استشارات جيوسياسية دولية وقام بنشر العديد من الكتب حول التاريخ الدبلوماسي والعلاقات الدولية. كان كيسنجر شخصية ثرثارة في المجال السياسي ومتحفظة في الأمور الشخصية.

وُلد هنري كيسنجر في ألمانيا عام 1923 وهاجر إلى الولايات المتحدة مع عائلته للهروب من النازية. خدم في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية وعمل في مجال الاستخبارات. درس في جامعة هارفارد وأصبح أستاذًا فيها قبل دخوله الحكومة.

وفاة هنري كيسنجر تعد فقدانًا كبيرًا لعالم السياسة والدبلوماسية، وتظل إرثه الذي قدمه في مجال العلاقات الدولية حاضرًا ومؤثرًا.


حياة وتعليم هنري كيسنجر

ولد هنري كيسنجر في 27 مايو 1923 في فورث، بافاريا، ألمانيا، تحت اسم هاينز ألفريد. فر هو وعائلته من ألمانيا النازية عام 1938 إلى نيويورك. أثناء تعلمه للغة الإنجليزية، عمل في إحدى المصانع لدعم أسرته، وبتغيير اسمه إلى هنري، أصبح مواطنًا أمريكيًا في عام 1943.

كخريج جديد للمدرسة الثانوية وكمواطن أمريكي، خدم كيسنجر في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية، حيث بدأ كجندي مشاة في الفرقة رقم 84 وصعد إلى رتبة ضابط استخبارات.

بعد نهاية الحرب، عاد إلى ألمانيا وشارك في العمليات الاستخباراتية، مساهمًا في القبض على أعضاء الغستابو النازي. نال جائزة النجمة البرونزية لتميزه في هذا السياق.

استفاد كيسنجر من منحة دراسية للالتحاق بجامعة هارفارد، حيث حصل على درجة الماجستير في عام 1952 والدكتوراه في عام 1954. كان عضوًا في هيئة التدريس هناك لمدة 17 عامًا، حيث قدم إسهامات كبيرة في مجال الدراسات الدولية.


حياته السياسية

خلال مسيرته السياسية، تولى هنري كيسنجر مناصب عديدة في الحكومة الأمريكية. في عام 1967، عمل كوسيط لوزارة الخارجية في فيتنام، حينما كانت الحرب الفيتنامية في ذروتها. استفاد كيسنجر من علاقاته مع إدارة الرئيس ليندون جونسون لنقل المعلومات حول مفاوضات السلام إلى حملة نيكسون الانتخابية.

بعد فوز نيكسون في الانتخابات الرئاسية عام 1968، تم تعيين كيسنجر كمستشار للأمن القومي في البيت الأبيض عام 1969. واحتفظ بمنصبه بعد استقالة نيكسون وتولي جيرالد فورد الرئاسة.

واجهت الإدارة الأمريكية تحديًا هائلا في إنهاء الحرب فيتنام. تمت عملية "الفتنمة"، وهي استعادة المسؤولية العسكرية من القوات الأمريكية وتحويلها إلى القوات الفيتنامية الجنوبية. شهدت هذه الفترة قصفًا كبيرًا من القوات الأمريكية لفيتنام الشمالية وكمبوديا. في عام 1972، أعلن كيسنجر أن "السلام في متناول اليد" في فيتنام. وقعت اتفاقيات باريس للسلام في يناير 1973، ولكنها لم تحقق الاستقرار المطلوب وأدت في نهاية المطاف إلى سيطرة الشيوعيين على جنوب فيتنام بعد عامين.

في عام 1973، تم تعيين كيسنجر وزيرًا للخارجية، مما منحه سلطة كبيرة في الشؤون الخارجية. تطلع كيسنجر إلى تقليص النفوذ السوفياتي وتعزيز العلاقات مع الصين الشيوعية. قام بزيارتين سريتين إلى الصين، بما في ذلك لقاءً مع رئيس الوزراء تشو إن لاي. وفي نهاية المطاف، أقيمت القمة التاريخية بين نيكسون وماو تسي تونغ في بكين، مما ساهم في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

بالإضافة إلى ذلك، قام كيسنجر بجهود دبلوماسية مكثفة لحل الصراع العربي الإسرائيلي. قام برحلات متكررة بين القدس ودمشق، وساهم في صياغة اتفاق طويل الأمد لفك الارتباط بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولانفي تلك الفترة، كان هنري كيسنجر يشغل مناصب سياسية هامة. قدم خدماته كمستشار للوكالات الحكومية، ومن بينها خدمته كوسيط لوزارة الخارجية في فيتنام في عام 1967. استفاد من علاقاته مع إدارة الرئيس ليندون جونسون لتسهيل نقل المعلومات حول مفاوضات السلام إلى حملة الرئيس نيكسون.

عندما فاز نيكسون في انتخابات الرئاسة عام 1968 وتم تنصيبه رئيسًا، تم تعيين كيسنجر كمستشار للأمن القومي في البيت الأبيض عام 1969. واستمر في تولي هذا المنصب بعد استقالة نيكسون وتولي جيرالد فورد الرئاسة.

تحملت فترة "الفتنمة"، وهي استعادة المسؤولية العسكرية من القوات الأمريكية وتحويلها إلى الفيتناميين الجنوبيين، عبءًا طويلًا ودمويًا. شملت هذه الفترة حملات قصف أمريكية كبيرة على فيتنام الشمالية وكمبوديا، بالإضافة إلى القصف الجوي وتلغيم الموانئ. على الرغم من تصريح كيسنجر في عام 1972 بأن "السلام في متناول اليد" في فيتنام، إلا أن اتفاقيات باريس للسلام التي تم التوصل إليها في يناير 1973 كانت مجرد مقدمة للاستيلاء الشيوعي على الجنوب بعد عامين.

في عام 1973، تم تعيين كيسنجر أيضًا وزيرًا للخارجية، مما منحه سلطة كبيرة في الشؤون الخارجية. واضطرته التطورات المتصاعدة في الصراع العربي الإسرائيلي إلى القيام بمهمة دبلوماسية صعبة ومرهقة، والتي شهدت رحلاته المتكررة بين القدس ودمشق. نتج عن هذه الجهود اتفاق طويل الأمد لفك الارتباط بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان المحتلة.

بالإضافة إلى ذلك، سعى كيسنجر لتقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي وتعزيز العلاقات مع الصين الشيوعية. قام برحلتين إلى الصين، بما في ذلك زيارة سرية للقاء رئيس الوزراء تشو إن لاي، وفي النهاية، أقيمت القمة التاريخية بين نيكسون وماو تسي تونغ في بكين في عام 1972، مما ساهم في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وافتتاح الطريق للتفاوض والتعاون المستقبلي.

بعد تولي جيرالد فورد الرئاسة في عام 1974، استمر كيسنجر في منصب وزير الخارجية وأدى دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية. قاد جهودًا دبلوماسية مكثفة لحل الصراعات وتعزيز العلاقات مع دول أخرى، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي والدول العربية والدول الأوروبية.

في عام 1975، شهدت الساحة العالمية أحداثًا مهمة مثل انتهاء الحرب فيتنام وسقوط سايجون، وكذلك توقيع اتفاقية هلسنكي النهائية بين الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي تعززت فيها حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

بعد ترك منصب وزير الخارجية في عام 1977، استمر كيسنجر في النشاط العام والكتابة والتدريس في مجال السياسة الدولية. حاز على العديد من الجوائز والتكريمات عن عمله في المجال الدبلوماسي والتفاوض.

يُعتبر هنري كيسنجر أحد أبرز الشخصيات السياسية والدبلوماسية في القرن العشرين، وأثر بشكل كبير على السياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية بشكل عام.


اتفاق الأسلحة الاستراتيجية ودور هنري كيسنجر

شهدت فضيحة ووترغيت فترة استقالة نيكسون، ولكن كيسنجر لم يكن متورطًا فيها، فظل وزيرًا للخارجية تحت إدارة فورد في عام 1974. وعلى الرغم من استبداله بمستشار للأمن القومي، إلا أن دوره استمر في توجيه السياسة الخارجية.

في العام نفسه، زار كيسنجر مع فورد الاتحاد السوفيتي، حيث تم التفاوض على إطار لاتفاق الأسلحة الاستراتيجية. شكلت هذه الاتفاقية نقطة تحول في تخفيف التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

ومع ذلك، كان لدى كيسنجر تحدياته الدبلوماسية، حيث انتقد في عام 1975 لفشله في التوصل إلى اتفاق حول فك الارتباط في سيناء بين إسرائيل ومصر. وخلال الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، واجه انتقادات بسبب موقفه المحايد نحو باكستان.

في إطار أحداث أمريكا اللاتينية، شكل كيسنجر جدلًا في عام 1970 بتآمره مع وكالة المخابرات المركزية لتقويض استقرار تشيلي والإطاحة بالرئيس سلفادور الليندي. وعندما خسر فورد الرئاسة في عام 1976، انتهت أيام كيسنجر في السلطة الحكومية.

بعد مغادرته الحكومة، أسس كيسنجر شركة استشارية ناجحة في نيويورك وشغل مواقع مهمة في الشركات ومنتديات السياسة. كما أصبح معلقًا إعلاميًا في الشؤون الدولية.

في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، عينه الرئيس بوش لرئاسة لجنة تحقيق، لكن الانتقادات حول تضارب المصالح أجبرته على التنحي. وفي حياته الشخصية، أجرى كيسنجر تغييرات كبيرة، بما في ذلك زواجه من نانسي ماجينيس في عام 1974 بعد طلاقه من زوجته الأولى، آن فلايشر.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: مفاوضات السلام العلاقات الامريكية الصينية الجولان المحتلة مرتفعات الجولان هنري كيسنجر انتخابات الرئاسة الحكومة الأمريكية الولایات المتحدة الاتحاد السوفیتی الخارجیة فی هنری کیسنجر بما فی ذلک کیسنجر فی فی فیتنام فی مجال وزیر ا

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية: دعم كبير لإنجاز مشروع «القاهرة - كيب تاون»

قال بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، إنّ مشروع الربط البري «القاهرة - كيب تاون»، أحد العلامات المهمة في التعاون الثنائي والقاري بين مصر وجنوب إفريقيا.

وأضاف عبدالعاطي، في مؤتمر صحفي مع وزير العلاقات الدولية والتعاون الدولي بجنوب إفريقيا: «المشروع يعزز الربط بين شمال وجنوب القارة، وهناك كل الدعم من جانب الدولتين والاتحاد الإفريقي كأحد المشروعات الاستراتيجية في مجالات البنية التحتية».

وتابع: «آفاق التنسيق والتعاون المشترك بين بلدينا تشمل مجالات عديدة مثل إصلاح وتطوير الاتحاد الإفريقي وتعزيز الارتقاء بدور تجمع دول البريكس، ويولي البلدان اهتماما خاصا بالعمل الجماعي المشترك بين الدول الإفريقية وجول الجنوب في مواجهة التحديات الجسيمة التي تواجه عالمنا في مجالات السلم والأمن والتنمية المستدامة وسبل اغتنام الفرص الكامنة في تلك الدول من موارد طبيعية وبشرية وحضارية لإحداث تغييرات جذرية».

 

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية: دعم كبير لإنجاز مشروع «القاهرة - كيب تاون»
  • الخارجية: هناك دعم كبير لإنجاز مشروع القاهرة - كيب تاون
  • «القاهرة الإخبارية»: تحول كبير في العلاقة بين قطاع الأعمال والحكومة الأمريكية
  • وزير الخارجية اللبناني الأسبق: مصر لها ثقل سياسي ودبلوماسي في المنطقة والعالم
  • كبير مفتين دبي يعزي شيخ الأزهر في وفاة شقيقته
  • كبير المفتين بدبي يعزي شيخ الأزهر في وفاة شقيقته
  • كبير المفتين بدبي يُعزي شيخ الأزهر في وفاة شقيقته
  • حظوظ أحمد زيزو الفلكية في عامه الأخير مع الزمالك.. لا تجدد في هذه الفترة
  • شاهد | ترحيب كبير في الشارع اليمني بالعملية التي استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية “ابراهام لينكولن”
  • خبراء: هل يعيد إيلون ماسك دور "كيسنجر" في تحسين العلاقة بين واشنطن وبكين؟