أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "هل كان من هدي النبي عليه الصلاة والسلام قبول الهدية؟ وما هي الأدلة على مشروعية الهدية من الكتاب والسنة النبوية؟". 

لترد دار الإفتاء موضحة: أن الهدايا، والصدقات، والتبرعات، وكل ما يُملَّك من غير عِوضٍ؛ هي من العطايا التي حبب فيها الشرع الشريف ودعا إلى فعلها كوجهٍ من وجوه البرِّ ومظهرٍ من مظاهر الخير؛ لِمَا فيها من تأليف القلوب، وتوثيق عُرى المحبة، وسد الحاجات؛ قال تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾ [البقرة: 177]، وقال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].

قال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (8/ 125، ط. دار الفكر): [ووجدنا كلَّ معروفٍ وإن كان يَقَعُ عليه اسمُ صدقةٍ فله اسمٌ آخرُ يخصُّه؛ كالقرْضِ، وَالْهِبَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَالْحَمَالَةِ، وَالضِّيَافَةِ، وَالْمِنْحَةِ، وسائرِ أَسماءِ وجوه البِرِّ] اهـ.

وتُعرف الهديَّة في الاصطلاح بأنها: المال الذي أُتحِفَ به وأُهْدِيَ لأحدٍ إكرامًا له.

قال العلامة ابن رشد المالكي في "البيان والتحصيل" (17/ 397، ط. دار الغرب الإسلامي): [الهدية هي: ما يَقصِدُ بها المهدي إكرامَ المُهدَى إليه وإتحافَه بالهدية لكرامته عليه ومنزلته عنده؛ إرادةَ التقرب منه] اهـ.

مشروعية الهدية ثابتة بالكتاب والسنة:

فمن الكتاب: قول الله تعالى: ﴿وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: 86].

قال الإمام السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم" (1/ 373، ط. دار الكتب العلمية): [يعني: إذا أُهدِيَ إليكم بهدية، فكافئوا بأفضلَ منها أو مثلها، وهذا التأويل ذُكِر عن أبي حنيفة] اهـ.

ومن السنة النبوية الشريفة:

ما رواه الإمام الترمذي في "سننه"، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا أُتِيَ بِشَيْءٍ سَأَل: «أَصَدَقَةٌ هِيَ، أَمْ هَدِيَّةٌ؟» فَإِنْ قَالُوا: صَدَقَةٌ، لَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قَالُوا: هَدِيَّةٌ، أَكَلَ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادوا تَحَابُّوا» رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وأبو يعلى في "المسند".

قال العلَّامة المناوي في "فتح القدير" (3/ 271، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ندَبَ إلى دوام المُهاداة؛ لتزايد المحبَّة بين المؤمنين؛ فإنَّ الشيء متى لم يَزِدْ دخَله النقصانُ على مر الزمان] اهـ.

وكان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويدعو لقبولها، ويُثيب عليها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» رواه الإمام البخاري في "صحيحه"، وبوَّب عليه بقوله: (باب القليل من الهبة).

قال العلَّامة ابن بطال المالكي في "شرح صحيح البخاري" (7/ 87، ط. دار النشر): [هذا حضٌّ منه لأُمَّته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتحاب، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئًا مما يُهدى إليه أو يُدعَى إليه لئلَّا يمتنع الباعثُ من المهاداة لاحتقار المُهدَى، وإنما أشار بالكُراع وفرسن الشاة إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية، لا إلى إعطاء الكراع والفرسن ومهاداته؛ لأن أحدًا لا يفعل ذلك] اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (5/ 199، ط. دار المعرفة): [ومناسبتُه للترجمة بطريق الأَوْلى؛ لأنَّه إذا كان يجيب مَن دعاه على ذلك القدر اليسير فلأن يقبله ممن أحضره إليه أَولى] اهـ.

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: "يَا بَنِيَّ تَباذَلُوا بَينَكُم؛ فَإنَّهُ أَودُّ لِما بَينَكُم" رواه الإمام البخاري في "الأدب المفرد".

وقد بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ هذه العطايا والهبات والهدايا هي من قبيل الرزق الطيب الذي يسوقه الله تعالى للإنسان ما لم يطلبْه أو يسعَ إليه: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيني العطاءَ، فأقول: أعطِهِ مَن هو أفقر إليه مني، فقال: «خُذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلَا سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لَا، فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» متفق عليه.

وعن خالد بن عدي الجهني رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ، فَلْيَقْبَلْهُ وَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللهُ إِلَيْهِ» رواه أحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك".

وعن المطَّلِب بن حَنْطَبٍ أنَّ عبد الله بن عامر بعث إلى السيدة عائشة رضي الله عنها بنفقة وكسوة، فقالت لرسوله: يا بني، إني لا أقبل من أحدٍ شيئًا، فلما خرج قالت: رُدُّوه عليَّ، فردوه، فقالت: إني ذكرتُ شيئًا قاله لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قالت: قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، مَنْ أَعْطَاكِ عَطَاءً بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَاقْبَلِيهِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ عَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكِ» رواه الإمام أحمد في "المسند"، والبيهقي في "السنن الكبرى". وممَّا ذُكِر يعلم الجواب عما جاء بالسؤال.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه قال

إقرأ أيضاً:

أمين الفتوى: مصادر التشريع في الإسلام أربعة.. والقرآن والسنة الأصل

أكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الشريعة الإسلامية تستمد أحكامها من أربعة مصادر رئيسية متفق عليها بين العلماء، وهي: القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع، والقياس، مشيرًا إلى أن هذا الترتيب يعكس منهجية علمية دقيقة في فهم الدين وتطبيقه.

وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، اليوم الخميس: "مصادر التشريع تعني الأدلة التي تُستمد منها الأحكام الشرعية، لتحديد ما هو حلال وما هو حرام، وقد اتفق الفقهاء على أربعة مصادر رئيسية مرتبة على النحو التالي: القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، ثم الإجماع، ثم القياس."

وأوضح أن هذا الترتيب له أصل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، مضيفًا: "الآية تشير بوضوح إلى هذه المراتب؛ فأمر الله بطاعته (أي الرجوع إلى القرآن)، ثم بطاعة رسوله (السنة)، ثم أولي الأمر (العلماء والإجماع)، ثم أمر بالرد إلى الله ورسوله عند التنازع (وهذا يشمل القياس والاجتهاد)."

كما استشهد بحديث النبي ﷺ مع معاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن، وسأله: "بِمَ تَحْكُم؟" فقال: "بكتاب الله"، قال: "فإن لم تجد؟" قال: "فبسنة رسول الله"، قال: "فإن لم تجد؟" قال: "أجتهد رأيي"، فقال له النبي: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله".

وأضاف: "هذا الحديث يوضح الترتيب نفسه: القرآن، ثم السنة، ثم الاجتهاد، الذي لا يكون إلا لأهله، المؤهلين علميًا لاستنباط الأحكام."

وأوضح أن هذا المنهج طبقه الخلفاء الراشدون، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الذي كان إذا عُرضت عليه مسألة، بدأ بالقرآن، فإن لم يجد، بحث في السنة، فإن لم يجد، جمع كبار الصحابة وشاورهم، ثم أفتى بناءً على ما اتفقوا عليه.

وأردف: "هذا هو الفهم الصحيح لمصادر التشريع في الإسلام، كما ورد في النصوص وكما طبقه الصحابة، وليس لكل أحد أن يجتهد أو يستنبط دون علم وتأهيل، بل الأمر لأهل الذكر والعلم".

طباعة شارك الشريعة الإسلامية القرآن الكريم السنة النبوية مصادر التشريع

مقالات مشابهة

  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
  • سنن الجمعة الأولى من ذي القعدة 1446.. بـ 8 أمور تبيضّ صحيفتك وتمحى خطاياك
  • أمين الفتوى: مصادر التشريع في الإسلام أربعة.. والقرآن والسنة الأصل
  • دعاء لمن تعسر عليه الرزق .. احرص عليه يرزقك الله من حيث لا تحتسب
  • لماذا نذكر سيدنا إبراهيم بالتشهد الأخير دون غيره من الأنبياء؟.. الإفتاء توضح
  • دعاء تسهيل الأمور الصعبة وقضاء الحاجة.. احرص عليه في جوف الليل
  • حكم المطالبة بزيادة ثمن سلعة بعد إتمام البيع.. الإفتاء تجيب
  • كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (46)
  • هل ثبت عن النبي الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة؟.. الإفتاء توضح
  • ماذا نقول عند بداية الطواف؟ تعرف على أبرز الأدعية المستحبة