"انتفاضة حريدية في الجيش"، هكذا عَنْوَن المحلل الإسرائيلي "ياغيل ليفي" مقالته في صحيفة "هآرتس"، مُحذِّرا من "موجة دينية قومية تجتاح سلاح المشاة في غزة"، على خلفية انتشار نصوص وصلوات دينية تتضمن دعوات إلى الانتقام والقتل، ووعود بإحياء مستوطنات "غوش قطيف"، التي كانت مُقامة داخل غزة قبل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005، وكل ذلك برعاية بعض الحاخامات البارزين في دولة الاحتلال (1).

 

يرى "ليفي" أن هذه الظاهرة، التي يباركها مَن وصفهم بـ"الضباط الكبار"، تعكس "التطرف السياسي العام"، خصوصا بعد عملية "طوفان الأقصى"، كما تعكس مسارا "أدَّى إلى دخول القيم الدينية للجيش، وبروز الضباط والجنود من التيار الحردلي"، في خضم صراع مستمر منذ عقدين من أجل السيطرة الأيديولوجية على الجيش. تلك هي الرسالة التي وضعها "ليفي" نصب أعين المجتمع الإسرائيلي ونُخبتِه، فمَن هم الحريديم؟ وما قصة دخولهم إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ ولماذا يريدون السيطرة عليه؟

 

حردلة الجيش الإسرائيلي الطائفة اليهودية الحريدية معروف عنها تجنُّب دخول الجيش ورفض الخدمة العسكرية أو تأجيلها على الأقل. (رويترز)

بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي قامت به حركة حماس، لاحظ بعض المراقبين حراكا غير عادي في صفوف جيش الاحتلال، حيث تطوَّع أكثر من 2000 من اليهود الحريديم القوميين للخدمة، الأمر الذي عدَّه المراقبون "أمرا نادرَ الحدوث" نظرا لأن الطائفة اليهودية الحريدية معروف عنها تجنُّب دخول الجيش ورفض الخدمة العسكرية أو تأجيلها على الأقل (2). كما أن عدد المتقدمين من تلك الطائفة لصفوف الجيش الإسرائيلي في تناقص مستمر، ففي عام 2020 أدى 1200 شاب منهم فقط الخدمة العسكرية، وهو نصف عدد الجنود الحريديم الذين أدوا الخدمة بالجيش عام 2015، وفقا لدراسة أجراها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI) ونشرتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في وقت سابق من هذا العام (3).

 

تُعَدُّ هذه الظاهرة نوعا من التحدي لتعليمات الحاخامات الأرثوذكس المُتشدِّدين، التي تمنع شباب الطائفة الحريدية من الالتحاق بالجيش والتخلي عن المدارس التلمودية التي يجب أن يهبوا لها حياتهم كلها. ففي الوقت الذي يسعى فيه زعماء حزبَيْ "شاس" و"يهدوت هاتوراه" المتطرفَيْن لتشريع قانون في الكنيست يعفي نهائيا أبناء الطائفة الحريدية من الخدمة العسكرية من أجل تفريغهم لدراسة التلمود، يتخلى هؤلاء الشباب عن مدارسهم ويستبدلون اللباس العسكري بملابسهم السوداء. ولا تقتصر هذه الظاهرة على الشباب الحريديم وحدهم، بل تشمل الشابات أيضا، إذ أشار مقال نشره موقع "تايمز أوف إسرائيل" عام 2016 إلى تزايد التحاق النساء المُتدينات بالجيش الإسرائيلي، وازدياد عددهن بين عامي 2010-2015 من 935 إلى 2159، هذا وتنحدر النسبة الأكبر منهن من ضواحي مدينة تل أبيب ومن مستوطنة "موديعين عيليت"، الأكبر في الضفة الغربية، والواقعة على الطريق بين القدس وتل أبيب (4).

 

ويشير مقال آخر نُشر في "المرصد الديني الدولي" في مارس/آذار 2022 إلى أن هذه الظاهرة تعود إلى أن المتدينات القوميات المتطوعات في الجيش كُن يتعرضن للاستياء في محيطهن ويُعزَلن اجتماعيا بسبب تفضيلهن الجيش على الدراسة التلمودية، لكن هذه النظرة تغيَّرت شيئا فشيئا، وبدأ محيطهن الاجتماعي في تقبُّلهن بالزي العسكري رغم استمرار معارضة المؤسسات الدينية لتجنيد النساء (4). فما سبب ذلك التغير في موقف الشباب الحريديم من الخدمة العسكرية؟ وكيف نفهم طبيعة الحريديم وتكوينهم؟

 

الحريديم.. الروحانية في مواجهة الحداثة اليهود الذين رفضوا أو عارضوا الحسيديم بسبب مبالغتهم في الاهتمام بالروحانيات والتصوُّف بدلا من دراسة التلمود وتعاليمه، كوَّنوا طائفة أخرى داخل الحريديم تُسمَى "الليتوانيين"، وأصبحوا هم التيار الحريدي الأساسي مع الوقت. (الأناضول)

كان اليهود في أوروبا الشرقية أثناء العصور الوسطى جماعة تعيش على هامش المجتمع، وتقوم بالأعمال التي لا تريد أي طبقة اجتماعية أخرى تأديتها تجنُّبا للكراهية والوصم، مثل المُراباة (إقراض المال بالفائدة) وجمع الضرائب، فلما بدأت موجة التحديث والعلمنة في أوروبا الشرقية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بدأت تلك الطائفة في فقدان وظائفها وتعرضت لمزيد من التهميش داخل مجتمعات أوروبا الشرقية. وكان رد فعل جماعة من اليهود المُتدينين هو التكتل والتضامن للحفاظ على نمط حياتهم بعيدا عن الحياة الحديثة، فظهرت طائفة الحريديم، وتعني "الخائفين من الله"، حيث عكفوا على دراسة التوراة وتنفيذ تعاليمها وفروضها بدقة وتزمُّت. ومع زيادة التحولات الثقافية في أوروبا، وتسرُّب اليهود من الانكفاء إلى الانصهار في المجتمع واعتناق بعضهم المسيحية، اتسعت الطائفة الحريدية وزاد نشاطها وتزمُّتها.

 

ولما ظهرت الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر، نظر الحريديم إليها بعين الريبة، خاصة أنها ظهرت من خارج مجتمع اليهود المُتدينين، بل ومن خارج مجتمع اليهود كله، بل إن أكثر مؤيدي الصهيونية كانوا من كارهي اليهود والداعين لطردهم من أوروبا. وبحسب الموقف من الصهيونية والعالم الحديث تأسست داخل طائفة الحريديم عدة طوائف، منها حركة "الحسيديم"، التي بدأت في بداية القرن التاسع عشر بوصفها حركة تصوُّف روحانية اجتذبت آلاف الأتباع في أوساط الجاليات اليهودية الكبرى بأوروبا الشرقية، وبالتحديد بولندا وروسيا البيضاء وأوكرانيا ورومانيا. ويتصف الحسيديم بالتشدد أكثر من غيرهم من الجماعات الحريدية، وتدير جاليات حسيدية كثيرة مؤسساتها التربوية والخيرية بشكل مستقل، وأبرزها جالية "غور" الحسيدية، المعروفة بنظامها الداخلي الصارم والتشديد على سلوكيات أفرادها وتدخلها في حياتهم. وفي غالب الأحيان يتزوج أفراد جاليات الحسيديم الكبرى من داخل الجالية نفسها (5).

 

في المقابل، فإن اليهود الذين رفضوا أو عارضوا الحسيديم بسبب مبالغتهم في الاهتمام بالروحانيات والتصوُّف بدلا من دراسة التلمود وتعاليمه، كوَّنوا طائفة أخرى داخل الحريديم تُسمَى "الليتوانيين"، وأصبحوا هم التيار الحريدي الأساسي مع الوقت. وتمتد أصول الليتوانيين إلى أوروبا الشرقية أيضا، وتبلورت رؤيتهم في المدارس الدينية الكبرى في دولة ليتوانيا، ولذلك يُسمون بالليتوانيين.

 

نجح الليتوانيون في اجتذاب الكثير من اليهود السفارديم الذين تعود جذورهم إلى يهود إسبانيا قبل طردهم في القرن الخامس عشر ونزوحهم نحو المنطقة العربية. في المقابل، فإن فئة أخرى من السفارديم الذين كانوا يسكنون في القدس قبل قيام دولة الاحتلال شعروا بالتمييز ضدهم داخل العالم الحريدي، نتيجة عدم تخصيص ميزانيات ومقاعد لأبنائهم في المدارس الدينية التي هيمن عليها اليهود ذوو الأصل الأوروبي. وحفَّز هذا الشعور إقامة الإطار التعليمي الحريدي الشرقي المستقل لحركة شاس، التي أسست حزب شاس اليميني المتطرف فيما بعد (6).

 

من رفض الصهيونية إلى القتال في جيشها أنتج الحراك الاجتماعي لدى بعض جماعات الحسيدية والحريدية جماعة جديدة تسمى "الحردليم"، وهي اختصار "حريدي متدين قومي". (الفرنسية)

رغم اختلاف تلك الطوائف وفروعها داخل الطائفة اليهودية الحريدية، فإن أغلبها كان يتفق منذ ظهور الحركة الصهيونية وقيام دولة إسرائيل على معارضته الشديدة للصهيونية، إذ رأى أتباع الطائفة الحريدية أن المشروع الصهيوني مصدر الشرور في حياة اليهود في الأجيال الأخيرة، وأن قيام دولة لليهود بمنزلة نوع من الكفر والهرطقة التي تُعجِّل بنهاية العالم كما تنص العقيدة التلمودية. وترفض بعض الجماعات الحريدية الأكثر تشددا أخذ ميزانيات التعليم من الدولة، ويرفض قسم منهم تلقي مخصصات التأمين الوطني. ولا يشارك الحريديم عموما في الانتخابات، ويسعى بعضهم للامتناع عن تسديد الضرائب، ولا يخدمون في الجيش.

 

تعود جذور الموقف المناهض للتجنيد لدى الحريديم إلى أيام وجودهم في أوروبا، حيث امتنع أبناء الطائفة الحريدية عن التجنيد في جيوش الدول الأوروبية التي عاشوا فيها، وبعد قيام دولة إسرائيل تبنوا الموقف ذاته، وهو أمر وافق عليه "ديفيد بن غوريون"، مؤسس دولة إسرائيل، وأصدر قرارا بإعفاء 400 من الحريديم من الخدمة العسكرية عام 1950 وتفريغهم للدراسة الدينية، من أجل إرضاء اليهود المتدينين الذين كان يرغب في اجتذابهم إلى ائتلافه الحاكم.

 

رغم ذلك، ظلت العلاقة بين الحريديم والصهيونية يغلب عليها الخصومة، حتى وقع تطور مفاجئ في السبعينيات تَمثَّل في توقيع الحاخام "إسحق مئير ليفين" على وثيقة "تأسيس إسرائيل"، ليصبح بذلك أول ممثل للحريديم يعترف رسميا بإسرائيل ويتولى منصبا وزاريا في حكومة الليكود. بعدها، تغيَّر وضع الحريديم في المجتمع الإسرائيلي تماما، حيث بدأ رئيس الوزراء "مناحيم بيغن" في التودُّد إلى الطائفة الحريدية بخطاب ديني، وضمَّ شخصيات حريدية إلى حكومته، ورفع الميزانيات المخصصة للطائفة، وأزال حاجز الـ400 طالب المعفون من أداء الخدمة العسكرية (6).

 

ثم حدث التغير الجوهري الثاني عام 1982 عندما تأسس حزب شاس، الذي حصل على أصوات اليهود الشرقيين من خارج المجتمع الحريدي، وأصبح لاعبا مهما في المسرح السياسي الإسرائيلي. ومع تلك التغييرات برزت في أوساط الحريديم ظاهرة جديدة هي "الحريديم العصريون"، وهم حريديم يسعون إلى العيش بطريقة عصرية مع الاحتفاظ بسَمتهم الديني، لكنهم عكس الحريديم التقليديين يشاركون في الحياة السياسية والخدمة العسكرية، ويسكنون في المستوطنات خارج المدن القديمة والأحياء المخصصة للحريديم. أنتج هذا الحراك الاجتماعي لدى بعض جماعات الحسيدية والحريدية جماعة جديدة تسمى "الحردليم"، وهي اختصار "حريدي متدين قومي"، وهي جماعات من الحريديم حوَّلت تزمُّتها الديني إلى تطرف قومي، ويسعون إلى الانضمام للجيش والسيطرة عليه.

 

احتلال الجيش الإسرائيلي من الداخل في سبيل تسهيل دخول شباب الحريديم للجيش، أنشأ الجيش الإسرائيلي عدة برامج لجعل الحياة الدينية متكيفة مع أداء الخدمة العسكرية. (الفرنسية)

على الجهة المقابلة، يبدو أن الزيادة الديمُغرافية السريعة للحريديم غيَّرت نظرة أطراف في الدولة الصهيونية للمسألة، فقد بات هؤلاء يُشكِّلون نحو 13.3% من السكان ويتميزون بمعدلات خصوبة مرتفعة بمتوسط 6 أطفال لكل امرأة، لذلك سعى اليمين الإسرائيلي إلى تشجيع الحريديم على الانخراط في الحياة العامة والانضمام إلى صفوف الجيش، من أجل الاستفادة منهم بوصفهم قوة سياسية صاعدة.

 

وفي سبيل تسهيل دخول شباب الحريديم للجيش، أنشأ الجيش الإسرائيلي عدة برامج لجعل الحياة الدينية متكيفة مع أداء الخدمة العسكرية، مثل تشكيل الكتيبة العسكرية "نيتسح يهودا" (ناحال حريدي) عام 1999، التي تضم اليهود الحريديم من دون النساء، وتعتمد على "الكوشر" (الطعام الحلال)، وتعمل في الضفة الغربية المحتلة، ويتطوع فيها سنويا نحو 500 منهم. وكذلك برنامج "شاحار"، الذي اعتُمِد عام 2007، وخُصِّص لليهود الحريديم المتزوجين، الذين يعملون في الوحدات التكنولوجية واللوجستية، ويصل عددهم إلى نحو 2000 ويتقاضون رواتب أعلى من غيرهم (7)، (8).

 

لكن سرعان ما ظهرت مخاطر هذا "التسلل الحريدي" إلى جيش الاحتلال في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، حيث رأى التيار الحردلي أن ما قام به الجيش "معصية دينية" شارك بها في نفي "شعب يهودي". ولذلك، قرر التيار الحردلي في السنوات التالية "احتلال الجيش من الداخل" عبر التدفق إلى فرق النخبة العسكرية، والتدرج إلى الرتب العسكرية الرفيعة، والسيطرة على بعض مراكز مؤسسة الحاخامية العسكرية التابعة للجيش (9). وتزايد نشاط ما بات يُعرَف بـ"تيار الصهيونية الدينية" في الجيش الإسرائيلي، الذي يلعب دورا رئيسيا في دفع جنود الجيش إلى تصرفات الوحشية والإبادة.

 

خلال حرب 2008-2009 على غزة، انتشرت داخل الجيش الإسرائيلي خطابات تقول إن الفلسطينيين "شعب يجب تدميره"، وعثرت جمعية "كسر الصمت" آنذاك على عشرات المنشورات التي وُزِّعَت على الجنود أثناء الحرب يحمل معظمها الشعار الرسمي للحاخامية العسكرية، كما دعا الحاخام الرئيسي السابق في الجيش الإسرائيلي العميد احتياط "أفيحاي رونتسكي" عام 2009 إلى عدم اعتقال فلسطينيين مشتبهين بأنشطة ضد إسرائيل وإنما "إطلاق النار عليهم وهم في أسِرَّتهم" (10).

 

لاحقا، بعد سنوات في 9 يوليو/تموز 2014، أي في اليوم الثاني من الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة في ذلك العام، وُزِّعَت رسالة على جنود لواء غفعاتي، وهو أشهر ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي، حملت توقيع العقيد "عوفر وينتر" قائد اللواء، وورد فيها: "لقد اختارنا التاريخ لنقود الحرب على العدو الغزاوي الإرهابي الذي يلعن ويذم ويكره رب إسرائيل"، واختُتمت الرسالة بنص توراتي "يُبشِّر محاربي إسرائيل في ساحات القتال بالحماية الإلهية". وسرعان ما جرى تداول تلك الرسالة على وسائل التواصل الاجتماعي ومنها انتقلت إلى الصحافة، وانتقدها الإسرائيليون العلمانيون الذين رأوا أنها "تخرق عُرفا متبعا منذ عقود يتمثَّل في إبعاد الدين عن المهام العسكرية" (11).

 

كتائب الكراهية مع أن قيادة الجيش تتردد في نشر معلومات عن أعداد الصهاينة الدينيين داخل الجيش، فإن التقديرات تشير إلى أن نحو نصف ضباط الصف في سلاح المشاة اليوم ينتمون إلى هذا التيار. (الفرنسية)

عاما بعد عام يتوغل الحريديم في جيش الاحتلال، ويتبوّؤون مناصب عليا في صفوفه، فيما تحولت بعض الكتائب، خاصة كتيبة "نيتسح يهودا"، إلى بؤر للحريديم داخل الجيش الإسرائيلي تحاول السيطرة عليه. تأسست هذه الكتيبة المذكورة على يد حاخام أميركي متطرِّف هاجر إلى إسرائيل عام 1996 لحماية الشبان المتزمتين الذين قد ينتهي بهم المطاف متسكعين في شوارع القدس بعد أن فشلوا في الالتحاق بالمدارس التوراتية. ولكن الأمر لم يتوقف عند الشباب الحريدي المتسرب من الدراسة الدينية المغلقة، الذين لا تتجاوز نسبة المجندين منهم في الكتيبة 42%، بحسب صحيفة "هآرتس"، بل تعدَّاه إلى تجنيد شبان متطرفين، ومن ثمَّ تحوَّلت الكتيبة في فترة وجيزة إلى وحدة عسكرية ذات بُعد ديني سياسي، ومقصد للمستوطنين المتطرفين بوصفها "مملكتهم" داخل مؤسسة الجيش الإسرائيلي، ما يُمكِّنهم من ممارسة عدوانيتهم.

 

ظهرت نتيجة هذا التحول بوضوح بعد ذلك بسنوات. ففي يونيو/حزيران 2021 نشبت مواجهات بين المستوطنين والفلسطينيين في شارع 60 إلى الشرق من جبل الطويل، على خلفية إقامة البؤرة الاستيطانية "عوز تسيون"، وعندما هرعت قوات من حرس الحدود لتفريق المواجهات، تدخَّلت كتيبة "نيتسح يهودا" لدعم المستوطنين في مواجهة حرس الحدود، إذ إن أغلب المُجنَّدين فيها من أبناء المستوطنات المقامة في الضفة، ومن ثمَّ اعتبروا أنهم يدافعون عن بيوتهم. ولا يرضخ جنود هذه الكتيبة لأوامر الجيش، بل ولا يجدون مشكلة في عصيانه إن لم يكن معاقبة قادتهم أو قتلهم في حال انصاعوا إلى القيادات "الدنيوية" في الجيش بما يخالف التعليمات التلمودية (12).

 

بمرور الوقت، أصبح هذا التيار مُتمكِّنا ومنتشرا في الجيش الإسرائيلي، ما جعل محللين إسرائيليين يتحدثون عن "انتفاضة حردلية" داخل الجيش، توشك أن تُغير من تركيبته إلى الأبد. ويبدو أن تغيير تركيبة الجيش الإسرائيلي أزمة تلوح في الأفق وفقا لمعطيات قديمة أوردها مقال نُشر في 26 مايو/أيار 2010، وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يعُد يجتذب الشبان العلمانيين من الطبقات الوسطى، بل الفقراء من الخلفيات الأكثر تديُّنا، ولذا تغيَّرت تركيبته طيلة العشرين سنة الأخيرة.

 

ففي حين انحدر معظم ضباط الجيش قبل عشرين عاما من تل أبيب الكبرى وسهل سارونة على الساحل بين تل أبيب وحيفا، صارت نسبة الضباط من هاتين المنطقتين لا تكاد تُذكر، ومَن ظل في الخدمة منهم يخدم في المخابرات العسكرية (أمان)، وسلاح الطيران، والوحدات العسكرية العاملة في المجال الإلكتروني بصورة خاصة. وبينما أتى 2% من طلاب الكليات الحربية عام 1990 من المتدينين، فإنهم أصبحوا يُمثلون 30% من الطلاب عام 2010، وصار ستة من كل سبعة ضباط يحملون رتبة مقدم في لواء غولاني من المتدينين، علاوة على ثلاثة من أصل سبعة ممن يحملون رتبة مقدم في لواء كفير، الذي يتمركز في الضفة الغربية المحتلة. وينتمي اثنان من أصل ستة عقداء في لواء جولاني وفي سلاح المظليين إلى تيار الصهيونية الدينية، أما في بعض ألوية سلاح المشاة، فإن نحو 50% من القادة المحليين ينتمون إلى هذا التيار (12).

 

ومع أن قيادة الجيش تتردد في نشر معلومات عن أعداد الصهاينة الدينيين داخل الجيش، فإن التقديرات تشير إلى أن نحو نصف ضباط الصف في سلاح المشاة اليوم ينتمون إلى هذا التيار، وهو عدد مستمر في النمو، ما جعل المحلل "ياغيل ليفي" يقول في مقالته إن التيار الحريدي يحاول إثبات وجوده داخل الجيش الإسرائيلي عبر نشر ثقافة التمرد على الأوامر والقيم العسكرية التي لا تزال فيها بقايا الإدارة العقلانية والالتزام بالقرارات السياسية واحترام القانون. وينتهي ليفي في مقالته إلى القول إن الفخر بالوحشية وعدم الانضباط وعدم التردُّد في ممارسة العنف والمطالبة بالانتقام يعطي رسالة مقلِقة وهي أن "عرس الكراهية" في الجيش ورئاسة الأركان سيتحوَّل إلى وضع عام داخل الدولة، بمعنى أن العنف وعدم الانضباط والوحشية ستنتقل إلى الداخل الإسرائيلي مُهدِّدَة بانهيار الدولة الإسرائيلية ذاتها.

————————————————————————

المصادر Haredi uprising in the army Israël-Gaza: plus de 2 000 ultraorthodoxes postulent pour rejoindre l’armée. تزايد وزن المتدينين داخل الجيش الإسرائيلي وانعكاسه على الصراع. Quand des considérations religieuses croisent l’enrôlement des femmes: l’exemple des forces de défense israéliennes (FDI) – Version française. اليهود الحريديم. اليهود الحريديم: خلفيتهم وتياراتهم ومواقفهم الدينية والدنيوية رندة حيدر: مشكلة تعديل قانون الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي: الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، 15 آب/أغسطس 2012. كتيبة "نيتسح يهودا": مملكة الحريديم في الجيش. التيار الحردلي في طريقه ليصبح تيارا دائما وصاعدا في الجيش الإسرائيلي.  Le poids des religieux s’accroît au sein de Tsahal.  L’armée israélienne est colonisée par les religieux. كتيبة "نيتسح يهودا": مملكة الحريديم في الجيش.  ISRAËL. Tsahal aux mains des religieux.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: داخل الجیش الإسرائیلی فی الجیش الإسرائیلی الیهود الحریدیم الخدمة العسکریة أوروبا الشرقیة جیش الاحتلال الإسرائیلی م سلاح المشاة الحریدیم فی هذه الظاهرة هذا التیار فی أوروبا فی الضفة إلى أن من أجل

إقرأ أيضاً:

بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس

قال الجيش الإسرائيلي في بيان إن حركة حماس نشرت، السبت، لقطات تدعي أنها تعود لإحدى المختطفات الإسرائيليات بعد مقتلها.

وأضاف أنه "يفحص المعلومات حيث لا يمكن في هذه المرحلة تأكيدها أو نفيها"، بحسب البيان.

وأوضح البيان أن مندوبي الجيش "على تواصل مع العائلة ليتم اطلاعها على كل المعلومات المتوفرة لدينا".

والسبت، أعلن أبو عبيدة المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة حماس أن رهينة إسرائيلية قتلت في منطقة تتعرض لقصف إسرائيلي بشمال قطاع غزة.

وحمل الناطق باسم القسام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته "المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى" المحتجزين في غزة.

وشنت حركة حماس، التي تصنفها واشنطن إرهابية، في 7 أكتوبر 2023 هجوما على إسرائيل أسفر عن مقتل 1206 أشخاص غالبيتهم من المدنيين، وفق أرقام رسمية إسرائيلية. وتشمل هذه الحصيلة مَن لقوا حتفهم أو قتِلوا في الأسر.

وخلال الهجوم، خطف المسلحون 251 شخصا، لا يزال 97 منهم في غزة، بينهم 34 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم ماتوا.

وقُتل في الحملة العسكرية الإسرائيلية العنيفة ردا على الهجوم، 44176 شخصا في غزة غالبيتهم مدنيون، وفقا لأرقام وزارة الصحة في القطاع التابعة لحماس والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.

مقالات مشابهة

  • بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
  • سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
  • تحذير إسرائيلي من تراجع كفاءة الجيش مع إصرار الحريديم على عدم الخدمة العسكرية
  • "إسرائيل" تواصل احتلال معابر غزة وإغلاقها لليوم الـ201 على التوالي
  • تقرير يحذر من تسييس الجيش الأمريكي: يؤثر سلباً على مهامه العسكرية
  • حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
  • "إسرائيل" تواصل احتلال معابر غزة وإغلاقها لليوم الـ200 على التوالي
  • باسيل: استقلال لبنان مهدد لان إسرائيل تحاول احتلال الأرض
  • أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى الجيش الروسي إلى 727 ألفًا و250 جنديًا منذ بدء العملية العسكرية
  • "إسرائيل" تواصل احتلال معابر غزة وإغلاقها لليوم الـ199 على التوالي