لم يستأثر موضوع من المواضيع الجدالية بما استأثر به موضوع علاقة المقاومة في غزة بالمشروع الإيراني خلال الأسابيع الماضية، حيث انقسم الشارع العربي المتابع للحرب على غزة إلى موقفين أساسيين. يرى الموقف الأول أن صمود المقاومة في غزة إنما يعود في جزء كبير منه إلى الدعم الكبير الذي حصلت عليه من إيران وحلفائها في المنطقة وهو موقف يستند أساسا إلى تصريحات قادة المقاومة في شكر طهران على دعمها ومساعدتها.
المشروع الإيراني والمقاومة
ليس هذا المشروع وليد اليوم بشقّيه العقائدي والسياسي بل تبلور ووضح عند تأسيس الجمهورية الخمينية نفسها علما بأنه يحمل جذوره التاريخية مع نشأة الدولة الصفوية. دخلت إيران الحرب مع العراق التي ستشكل الخصائص الرئيسية لعلاقة المحيط العربي بالجمهورية الجديدة وهي الحرب التي مكّنت إيران من زرع الأسس الأولى لخلاياها داخل الحزام العربي في العراق وسوريا ولبنان أساسا مستفيدة من وجود الجسم الشيعي العربي الذي يعاني القمع والتهميش.
استفاد النظام الإيراني بعد ذلك استفادة قصوى من الحرب الأمريكية على العراق في بداية التسعينات ونسّقت خلاياه العراقية مع طهران من جهة ومع المحتل من جهة ثانية وسط حالة من الهلع والخوف في صفوف الحزام العربي خاصة في الخليج بفعل غزو الكويت. ثم تمكنت من فرصة ثانية بعد الغزو الثاني للعراق في 2003 لتضع يدها بشكل نهائي على القرار السيادي العراقي بالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة عبر ميليشياتها المسلحة هناك. ثم استفادت مرة ثالثة من ثورات الربيع العربي خاصة في سوريا لتخترق الصف العربي وتتحول إلى لاعب أساسي في الشام بعد التحالف المباشر مع نظام قبل أن يمنحها الغزو السعودي لليمن فرصة رابعة لتضع يدها على صنعاء وتصير لاعبا مركزيا في خاصرة الخليج العربي على الحدود مع السعودية.
لم يكتف العرب بمحاربة المقاومة بل خلّصوا المحور الإيراني من كل منافسة محلية بعد أن أشرفوا عن قصد أو عن غفلة على محاربة التنظيمات العربية السنية داخل بلدانهم وخارجها. لكنهم في المقابل يتهمون التنظيمات الفلسطينية وخاصة في غزة بالتحالف مع إيران بسبب شكر قادة المقاومة لطهران؟ارتكز الطابع التوسعي على أداتين أساسيتين : أما الأولى فعقائدية المظهر وتستند على فكرة المظلومية الشيعية باعتبارها بديلا لما يسمونه المشروع السنّي أو حتى الوهابي. أما الأداة الثانية فسياسية أساسا تقوم على فكرة المقاومة والممانعة ومحاربة نظام الاستكبار العالمي وحلفائه في المنطقة والمقصود بهم كل الأنظمة العربية غير الموالية للمشروع الإيراني.
تبدو الوسيلة الأولى في الحقيقة سندا للثانية أي أن المشروع السياسي للثورة الخمينية هو جوهر المشروع وليس الشق العقدي منه. المقاومة هي الجوهر الذي تدور حوله بقية المفاهيم وهي مقاومة تتخذ ثلاثة أبعاد رئيسية : مقاومة الاستكبار العالمي ورأسه الصهيونية والشيطان الأكبر ومقاومة الأنظمة والحكومات الرافضة سياسيا للمشروع الإيراني ثم مقاومة الفكر السنّي وحركاته السياسية ممثلا في كل الحركات الإسلامية السنية تقريبا.
تسللت إيران إلى الحاضنة السنية على الخطوط المشتعلة وتحديدا في فلسطين مالئة الفراغ الكبير الذي تركه العرب هناك لكنها لم تنجح رغم كل الجهود في تحقيق استقطاب كامل لحركة المقاومة الإسلامية هناك. وهو ما يفسر العلاقة الحذرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والنظام الإيراني في طهران.
العرب والمقاومة
نقصد بها أساسا مكونات النظام الرسمي العربي التي على خلاف إيران فإنها لم تمتلك يوما مشروعا قوميا أو إقليميا أو محليا مهما كان نوعه بل يمكن القول إن الصراعات البينية هي الخاصية الأساسية للفعل السياسي العربي. إن المشروع الوحيد الذي تملكه الأنظمة العربية هو مشروع ضمان البقاء في السلطة سواء كان النظام عسكريا أو وراثيا أو جمهوريا أمنيا وهو ما أوجب عليها لضمان ذلك قمع كل فكر معارض أو مقاوم.
تطوّر هذا المشروع بعد ثورات الربيع إلى مشروع أخطر متمثلا في الهرولة نحو مشاريع التطبيع التي شملت الاقتصاد والثقافة والسياسة وصولا إلى مشروع الديانة الإبراهيمية. ليست هذه المشاريع إلا آخر محطات السقوط الرسمي التي تحولت إلى ظهير صريح للاحتلال وعدو أكثر صراحة للشعوب والمقاومة. إن تصريحات المسؤولين الصهاينة اليوم عن مطالب بعض الدول العربية من جيش الاحتلال سحق المقاومة في غزة تشكل دليلا فاضحا على حجم التآمر الرسمي على غزة وعلى القضية الفلسطينية.
الصادم في هذا الموقف أن الدول الخليجية ومعها مصر تعتقد أن التطبيع والتحالف مع الاحتلال ووكلائه في الغرب ضامن لسلطتها حامٍ لعرشها في حين أن الاحتلال نفسه قد استنجد بالأساطيل الأمريكية والجيوش الأوروبية والمرتزقة من كل القارات ولم ينجح في دحر المقاومة والانتصار عليها.
حاربت الحكومات العربية باستثناءات نادرة كل أشكال المقاومة في فلسطين وخارجها ودعمت السلطة العميلة في الضفة بما هي ذراع للتنسيق الأمني الصريح مع المحتل. شكّل ذلك تحالفا موضوعيا مع الجيش الصهيوني وفتح الباب أمام الأذرع الإيرانية التي تتغطى بالمقاومة خاصة في لبنان والعراق وسوريا.
لم يكتف العرب بمحاربة المقاومة بل خلّصوا المحور الإيراني من كل منافسة محلية بعد أن أشرفوا عن قصد أو عن غفلة على محاربة التنظيمات العربية السنية داخل بلدانهم وخارجها. لكنهم في المقابل يتهمون التنظيمات الفلسطينية وخاصة في غزة بالتحالف مع إيران بسبب شكر قادة المقاومة لطهران؟
إن المشروع الوحيد الذي تملكه الأنظمة العربية هو مشروع ضمان البقاء في السلطة سواء كان النظام عسكريا أو وراثيا أو جمهوريا أمنيا وهو ما أوجب عليها لضمان ذلك قمع كل فكر معارض أو مقاوم.لم يسأل العرب أنفسهم ماذا قدموا للمقاومة؟ لماذا تركوا غزة تنزف وحدها وتطرق باب طهران وغيرها طلبا للتمويل والدعم والسلاح؟ ألم يصرح خالد مشعل بأنهم طرقوا أبواب كل العرب ولم يساعدهم أحد باستثناءات قليلة جدا؟ من دفع المقاومة في فلسطين إلى الحضن الإيراني؟ ومن دفع الحوثي في اليمن إلى الحضن الإيراني؟ ومن ساهم في تدمير العراق وتسليمه إلى طهران ؟ ومن باع الثورة السورية لتسيطر إيران على دمشق؟
لا نلوم إذن طهران في تجنيد محورها واستقطاب المقاومة العربية الهاربة من غدر العرب فهي نظام صاحب مشروع توسعي في الإقليم لكن كل المسؤولية في التمدد الإيراني في الخليج والشام إنما تقع على عاتق الدول العربية نفسها. لسنا نعادي إيران لسبب آخر غير ما ارتكبته مليشياتها من قتل ومجازر مرعبة في العراق وسوريا بشكل خاص ولسنا نلوم المقاومة في غزة على الاستنجاد بطهران لأن من يده في الماء ليس كمن يده في النار.
ليس أمام النظام العربي خيارات كثيرة اليوم مع وصوله إلى آخر أطواره التاريخية فإما أن يتصالح مع مكوناته الداخلية وعلى رأسها مطالب الشعوب في العدالة والحرية ومقاومة الاحتلال أو أن يسلم المنطقة إلى مشاريع الاحتلال والتمدد الاقليمي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيراني فلسطين إيران فلسطين علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة فی غزة
إقرأ أيضاً:
الغرف العربية: البحث العلمي مفتاح التنمية المستدامة في العالم العربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
التقى الدكتور خالد حنفي، أمين عام اتحاد الغرف العربية، مع أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، في مقر الجامعة في القاهرة، وذلك بحضور السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد في جامعة الدول العربية، وبمرافقة وفد من الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية ضم: محمود محيي الدين، رئيس مجلس إدارة الجمعية الوزير السابق ومدير صندوق النقد الدولي السابق، والدكتور أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق في جمهورية مصر العربية أمين عام الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، والدكتورة سارة الجزار المستشارة الاقتصادية في اتحاد الغرف العربية وعميدة كلية النقل الدولي واللوجستيات في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري.
واستعراض حنفي، مواضيع تخص تعزيز التعاون والعمل العربي المشترك، ولقضايا تخص عمل الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية والدور الذي تلعبه على صعيد تعزيز واقع البحث الاقتصادي والابتكار في العالم العربي نظراً لأهمية القطاع البحثي في تطوير الاقتصادات العربية.
وتابع أمين عام الاتحاد، أن العلاقات الوثيقة والتعاون البارز بين اتحاد الغرف العربية والجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، من خلال تنظيم الفعاليات وعقد اللقاءات التشاورية بشكل دائم ومستمر، حيث يولي الاتحاد اهتماما بالغا وكبيرا بموضوع التطوير البحثي داخل الاتحاد، مشيرا إلى أنه في إطار هذا التعاون الوثيق تشرّف اتحاد الغرف العربية باحتضان اجتماعات الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية في مقره في بيروت عام ٢٠١٩، بحضور نخبة من أهم وأبرز الباحثين الاقتصاديين في العالم العربي.
ونوّه الأمين العام الدكتور خالد حنفي بأن القطاع البحثي يعتبر من أهم المعايير المستخدمة لقياس مدى تطور الشعوب وذلك نظرا لمساهمته الفعالة في تطوير النسيج الصناعي وفي النهضة الاقتصادية والاجتماعية.
كما ويعتبر من أهم المؤشرات المعتمدة في تقييم أداء المنظومة البحثية، هو عدد الأبحاث المنشورة والمصنفة دوليا إلى جانب نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي.
من جانبه أشار رئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية الدكتور محمود محيي الدين، إلى أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية حيث يشهد العالم اليوم طفرة في هذا المجال، وبالتالي لا بد في المنطقة العربية من تعزيز الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، حيث الشباب العربي لما يختزنه من قدرات ومهارات قادر على الاندماج في هذه المجالات بما يعود بالنفع على بلداننا وشعوبنا واقتصاداتنا العربية.
وأوضح أن هناك علاقة مباشرة بين التنمية ونسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج القومي، مشدداً على أهمية توجيه البلدان العربية تحولها الهيكلي نحو القطاعات عالية الإنتاجية التي تستخدم التكنولوجيا المتطورة وقدرتها على خلق فرص عمل مستدامة، إلى جانب تعزيز جوانب مختلفة من جاهزية الذكاء الاصطناعي في الدول العربية لمواكبة وتيرته المتزايدة، وتعظيم الفوائد الصافية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
واعتبر أنّ إعادة التأهيل للقوى العاملة الحالية والمستقبلية ضرورية بشكل حاسم لضمان اكتسابهم المهارات الناعمة والصلبة اللازمة التي تعكس واقع سوق العمل وفي نفس الوقت لضمان اكتسابهم المهارات التي تضمن قابلية توظيفهم في وظائف عالية الجودة.
وتحدث الدكتور أشرف العربي عن تأسيس الجمعية في منتصف الثمانينات أي قبل حوالي ٤٠ عاما، والدور الذي لعبته منذ تأسيسها وما تزال تلعبه على صعيد نشر ثقافة الابتكار والبحث في العالم العربي.
ولفت إلى أهمية الاستفادة من خبرة الجمعية التي تضم نخبة من الباحثين والأكاديميين في العالم العربي، في هذا المجال، موضحًا أن الجمعية مهتمة بتطوير التعاون مع جامعة الدول العربية التي تعنى بتعزيز العمل العربي المشترك.
في حين تطرقت الدكتورة سارة الجزار إلى المجلة التي تصدر عن الجمعية، وأهمية هذه المجلة في نشر البحوث والدراسات التي تهم المنطقة العربية في مختلف القضايا والمجالات.
وأكدت أن المجلة تضم كتابا وخبراء وباحثين من جميع الدول العربية، ولهم إسهامات بارزة في المجال البحثي، وبالتالي هناك ضرورة للتعاون بين جامعة الدول العربية والجمعية من أجل تنفيذ المشاريع والبحوث التي تصدر عن المجلة على أرض الواقع بحيث تستفيد منها كافة الدول العربية.
أما أمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط، فثمن خلال اللقاء بدور الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية والتي تضم نخبة من الشخصيات العربية البارزة، ما تقوم به في سبيل تعزيز العمل البحثي في العالم العربي الذي هو مفتاح التنمية في العالم العربي. ولفت إلى أنّه كلما زاد الاهتمام بالواقع البحثي في كافة المجالات في العالم العربي كلما زاد مسار النمو والتنمية في الدول العربية.
وشدد على أهمية تفعيل دور القطاع البحثي للمساهمة في تنمية المجتمع. ومن أجل ذلك لا بد من إيجاد خطة لاستقطاب الباحثين وعدم الفصل بين البحث الاقتصادي والأولويات والمشكلات الواقعية داخل المجتمعات العربية. فبدون تعزيز الدور البحثي لن نستطيع تجاوز المشاكل وإيجاد الحلول في المستقبل.