شبكة انباء العراق:
2025-01-23@07:08:52 GMT

أغنيات سعدي الحلي دواءٌ لأوجاع الغربة

تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT

بقلم: فالح حسون الدراجي ..

سألني أحد الأصدقاء المتابعين لمقالاتي، عن (مادة) مقالي ليوم غد؟

فقلت له: سيكون المقال عن سعدي الحلي !!

فقال مستغرباً: عن من ؟!

قلت: عن المطرب الكبير سعدي الحلي !!

فقال: ما الذي يجعلك تكتب مقالة (افتتاحية) عن سعدي الحلي ؟!

قلت: وما الذي يمنعني عن كتابة مقالة عنه؟!

قال: لأنه (مطرب شعبي)، ومكانه إن أردت الكتابة عنه في مكان آخر، وليس في افتتاحية الجريدة .

.

قلت له: لكنني كتبت من قبل افتتاحيات عديدة عن مطربين شعبيين مثل المطرب سلمان المنكوب والمطرب كريم منصور، وغيرهما الكثير، فلماذا لم تعترض عليهم وقتها؟!

لم يجب صديقي، لكنني أكملت حديثي قائلاً: أعتقد أن هناك اشكالية كبيرة لدى بعض المتلقين تتعلق بفهم مصطلح، أو كلمة (الشعبي)، وهذه الإشكالية ناتجة برأيي عن (قصور) في الوعي، أو عن نظرة متعالية نحو النتاج (الشعبي) برمته.. إذ ما أن يسمع أحدهم كلمة (الشعبي)، حتى يتبادر إلى ذهنه أنه أمام منتج بسيط ومتخلف حتى .. وقد وجدت هذا الفهم الخاطئ أيضاً لدى بعض المتعلمين والمثقفين للأسف، حيث ينظر بعضهم للشاعر الشعبي على سبيل المثال، نظرة فوقية متعالية، فهذا المتعلم أو المثقف لم ينبهر بقصيدة مظفر النواب، ولا بدوره الثقافي والريادي الكبير، إلا بعد أن كتب شعراً بالفصحى، وبعد أن صفق له العرب وأعجبوا به.. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الشاعر الراحل كريم العراقي، فالجمهور لم يمنح كريم ذلك الموقع الشعري المتقدم الذي يستحقه إلا بعد أن كتب نصوصه بالفصحى، أو بتلك اللغة القريبة من المزاج العربي، بينما نجد أن كريم العراقي كان قد كتب أحلى الأغاني بالشعبية.. ولا أظن أن القارئ بحاجة لأن أذكره بالنتاج الفذ الذي تركه لنا كريم باللهجة العراقية، كأغنية (من الأول يا حبيبي عرفتك مو الي .. واعرفت الزمن يندار، وتصير وياه عليّ .. )، هذا النص الرائع الذي كتبه كريم في ثمانينيات القرن الماضي ولحنه الموسيقار بليغ حمدي (أكرر بليغ حمدي) وأداه الفنان سعدون جابر .. وأمامنا أيضاً مثال آخر يتجسد في الفنان كاظم الساهر، وادعوك صديقي أن تكون محايداً وتقارن بين نظرتنا القديمة تجاه منجز كاظم الشعبي، حين كان يغني (الحية وعبرت الشط وسلمتك بيد الله)، وبين نظرتنا المنبهرة له اليوم وهو يغني بالفصحى (مدرسة الحب، وقولي أحبك) وغيرهما، مع أن كاظم-وهذا رأي الأغلبية- كان (أحلى) وأقرب إلى نفوسنا وأفئدتنا .. إنها (عقدة الخواجة) حتماً ..!

ومختصر الكلام.. إن سعدي الحلي هو أكثر الأصوات الغنائية العراقية تأثيراً في الوجدان الشعبي ولصوته نفوذ عاطفي يمضي سحره إلى القلب مباشرة دون استئذان.. والذي قال عنه الشاعر الكبير موفق محمد احلى قصيدة .. مطلعها:
أيها الحلي المخبوز في تنانير سومر وأكد) .. الخ .. أما أنا، فسأعترف أمامك الآن وأقول بصدق، إن لأغنيات ومواويل سعدي الحلي وداخل حسن وكريم منصور، دوراً كبيراً في علاجي وشفائي التام من أمراض الكآبة والاغتراب والوحدة، و (الهوم سك) وكل أوجاع الغربة اللعينة التي كنت أعاني منها منذ خمسة وعشرين عاماً، حين وطأت قدماي أرض الولايات المتحدة أول مرة.

وقد لا تصدق كلامي هذا، لعدم منطقيته علمياً ربما، لكنه منطقي تماماً حين تنظر اليه إنسانياً، وروحياً..

لقد كنت في سنوات غربتي الأولى أضع شريط أغنيات سعدي الحلي في المسجل، وأسمعه بكل حواسي وجوارحي، فأحلق مع صوته، وأذهب بخيالي بعيداً وعالياً، إلى حيث الوطن والناس.. حتى شفيت من كل فايروسات الغربة وتبعاتها دون أن أذهب لعيادة، أو أراجع طبيباً، إنما عالجت نفسي بالغناء العراقي والسيجارة والكاس، كما يقول الشاعر كاظم إسماعيل الگاطع : “

گضيت الليل اتسله باثنين .. مرة بالجكارة .. ومرة بالكاس ..” ! لقد كان صوت سعدي الحلي جسراً (عاطفياً) ينقلني من ديترويت – حيث أقمت أول الأمر – إلى (قطاعات) القلب في مدينة الحب، مدينة الثورة، فأصبّح وأمسّي على أهلي وأصحابي .. وحين يتجلى سعدي وهو ينادي بكل ما في القلب من أسى وشوق قائلاً: ( إجيتك من بعد غربة .. أجيت بليلة گمرية.. هذاك آنه نبع صافي، يخايب دغش ما بيه.. إجيت أنگل عتب بالعين .. عتب عاشگ بحنيه.. ) أجيبه بالدمع والغناء، مردداً معه : (واگلك هجرك أشسوه .. لون أدري فلا أهوه، لون أدري فلا أهوه)..

نعم، فقد كانت كلمات هذه الأغنية التي كتبها الشاعر الكبير ناظم السماوي، وأغنية (ليلة ويوم) التي كتبها الشاعر الراحل كاظم الرويعي، واللتان لحنهما الملحن المدهش محمد نوشي، أفضل وسيلتين روحيتين من وسائل اتصالي بوطني البعيد جداً، وكانا أيضاً سببين من أروع أسباب شفائي من أوجاع الغربة..

قاطعني صديقي قائلاً : إذا كنت تسمع سعدي الحلي في غربتك، هل تريدنا أن نغترب مثلك حتى نسمعه، أو ربما تظن أن العراقيين جميعاً مغتربون مثلك؟!

قلت: نعم العراقيون مغتربون بالضرورة، فهم جميعاً يعيشون حالات الاغتراب والكآبة والخوف من المجهول بل والخوف حتى من فرح اللحظة.. لذلك تجد العراقي يتوسل بربه حين (يضحك)، خوفاً مما سيحصل له بعد هذه الضحكة قائلاً: (اللهم اجعله ضحك خير)!..

والعراقي مغترب في وطنه وفي غربته، وهل يمكن لنا نسيان ويلات الحروب والدم والرعب والقمع الصدامي، والحصارات الغربية المدمرة، والفقر والجوع وما رآه العراقيون من مآس في فترة الفتنة الطائفية، أو ما تعرضوا له بعدها على يد داعش، وما قدمه لهم (أشقاؤهم الجهاديون العرب)، من هدايا (مفخخة)، ناهيك من ما مر على العراقيين من تدمير، وحفر دام، وقاس في تلابيب الروح والوجدان والعقل.. ولم ينته هذا الدمار من حياة العراقيين حتى اللحظة، حيث استفحل عليهم أبطال (سرقة القرن)، ويستفحل عليهم أيضاً زملاء سراق القرن، الذين ينتشرون اليوم في جميع مؤسسات الدولة، كما ينتشر وباء (الطاعون) ..

إذاً، هل يمكن للعراقيين بعدها، تجاوز جحيم هذا الإرث القهري بسهولة؟

طبعاً لا.. وألف لا ..!

وعليه فإن العراقيين اليوم بحاجة لعلاجات نفسية، ولمشاف روحية، وسيكون الغناء والموسيقى احد أهم وسائل العلاج والتعافي من آثار هذا الكابوس الأسود الذي دام أكثر من خمسين عاماً دون توقف.. وليس مهماً أن نتعالج بأغنيات سعدي الحلي، أو أغنيات عبد الحليم حافظ، أو عبر موسيقى بتهوفن، أو چايكوفسكي، المهم أن تجد ما تراه مناسباً لك، ومفيداً لوضعك النفسي، فيكون علاجاً ناجعاً لك .. أما أنا فقد اخترت علاجي وشفيت به تماماً .. أقول هذا الكلام بحق أبي خالد، رغم أني كنت (زعلان) عليه، بل وكتبت أيضاً مقالاً ضده في مطلع التسعينيات بعنوان : ما هكذا تورد ياسعدي الإبل، وسبب زعلي أن أبا خالد سجل اغنيتين من كلماتي دون موافقتي، والأغنيتان هما (مآني نادم وبهيده).. لكننا تصالحنا بعد ما تدخل ولده الراحل خالد.. الذي كان صديقي جداً، وبعد سهرة ممتعة، دعوت فيها سبعة من اصدقائي، واغلبهم من الفنانين الشباب -آنذاك – دفع تكاليفها الباهظة أبو خالد – المعروف ببخله – وقد انتهى زعلي معه، لكن المفارقة أن أبا خالد همس بأذن ولده بصوت عال، قائلاً: والله ياخالد، لو باقي صاحبك زعلان عليّ هوايه أحسن، ولا أدفع هذا المبلغ الكبير ..!

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

أحمد مستجير الشاعر وعالم الأحياء.. شخصية معرض الكتاب 2025

في إطار الاستعدادات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، تم اختيار الدكتور أحمد مستجير، العالم البارز والشاعر المبدع، شخصية المعرض لهذا العام. يُعد مستجير من الشخصيات المصرية الفريدة التي دمجت بين التميز العلمي والإبداع الأدبي، مما جعله رمزًا للثقافة والمعرفة.

النشأة والتعليم

وُلد أحمد مستجير مصطفى في 1 ديسمبر 1934 بقرية الصلاحات، مركز دكرنس، محافظة الدقهلية. منذ صغره، أبدى اهتمامًا كبيرًا بالعلوم البيولوجية، مما دفعه للالتحاق بكلية الزراعة في جامعة القاهرة، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام 1954. واصل دراساته العليا في نفس الجامعة، محققًا درجة الماجستير عام 1958. ثم سافر إلى المملكة المتحدة لينال درجة الدكتوراه من جامعة إدنبرة عام 1961.

المسيرة الأكاديمية والعلمية

بعد عودته إلى مصر، بدأ مستجير مسيرته الأكاديمية كمدرس بكلية الزراعة في جامعة القاهرة عام 1964. تدرج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح أستاذًا مساعدًا عام 1971، ثم أستاذًا عام 1974. في الفترة من 1986 إلى 1995، شغل منصب عميد كلية الزراعة. ركزت أبحاثه على التكنولوجيا الحيوية وعلم الوراثة، حيث ساهم في تطوير تقنيات تحسين الإنتاج الزراعي والحيواني.

الإسهامات العلمية الرائدة

قدم الدكتور أحمد مستجير إنجازات بارزة في مجال العلوم، حيث كان أول من قام بتهجين الأبقار البلدية مع سلالات أجنبية، ما ساهم في تحسين إنتاج الحليب واللحم بشكل ملحوظ. كما كان من الرواد الذين دعوا لاستخدام تقنية الاستنساخ في زيادة إنتاج الألبان، واتخذ خطوات عملية لإنشاء مركز لاستنساخ الحيوان بكلية الزراعة بجامعة القاهرة.

كان الدكتور مستجير من أوائل العلماء الذين أدركوا أهمية تطبيق التكنولوجيا الحديثة في علم الوراثة لتحسين الإنتاج الزراعي والحيواني، فأنشأ مركزًا للهندسة الوراثية وآخر لبيوتكنولوجيا النبات بكلية الزراعة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم تقنية التهجين الخضري لخلايا النبات كبديل مبتكر عن الهندسة الوراثية.

المبادرات والمشاريع القومية

كان الدكتور مستجير صاحب فكرة المشروع القومي لاستنباط أصناف جديدة من محاصيل القمح والأرز والذرة، حيث ركز على تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية عبر الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية. ارتبط اسمه بمفهوم “زراعة الفقراء”، في إشارة إلى رؤيته الإنسانية التي تهدف إلى ضمان حصول جميع الفئات على الغذاء. كتب مستجير بشكل مكثف حول قضية الغذاء العالمي، داعيًا إلى تكريس مفهوم “الحق في الطعام” كقضية إنسانية وسياسية يجب أن تحظى باهتمام الحكومات والمجتمعات.

الإسهامات الأدبية والشعرية

بدأ الدكتور مستجير مشواره التأليفي عام 1966 بكتاب “مقدمة تربية الحيوان”، وواصل إثراء المكتبة العلمية بالعديد من المؤلفات التي أصبحت مراجع رئيسية باللغة العربية. من أبرز مؤلفاته:
    •    التحسين الوراثي للحيوان
    •    دراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن
    •    النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن
 

إلى جانب إنجازاته العلمية، كان لمستجير حضور بارز في الساحة الأدبية. أصدر عدة دواوين شعرية، منها “أغنية الشمس” و”في عيون بشرية”، حيث تميزت قصائده بعمق المعاني ورقة الأسلوب. كما قام بترجمة العديد من الكتب العلمية إلى اللغة العربية، مسهمًا في نشر المعرفة وتبسيط العلوم للقارئ العربي.

الجوائز والتكريمات


 حظي الدكتور أحمد مستجير بتقدير واسع نظير إسهاماته المتنوعة، حيث حصل على عدة جوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية في العلوم عام 1974، وجائزة الدولة التقديرية عام 1996، بإلإضافة الى وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى مرتين، وجائزة الإبداع العلمي من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1995.

الوفاة والإرث


 

توفي الدكتور أحمد مستجير في 17 أغسطس 2006، تاركًا خلفه إرثًا غنيًا من الإنجازات العلمية والأدبية. يُعد اختياره شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025 تكريمًا لمسيرته الحافلة وإسهاماته التي أثرت الثقافة المصرية والعربية. 

مقالات مشابهة

  • حفلات ختام يناير 2025| كاظم الساهر مع جمهوره في الإمارات
  • طبلية مصر.. مبادرة لإحياء التراث الشعبي وتعزيز الهوية الثقافية
  • «كم تساوي مدينة أنت لست فيها؟» رواية للكاتبة إنجي الشيمي في معرض الكتاب
  • ضبط 190عبوة دواء مجهولة المصدر بمخزن يُدار بدون ترخيص بكفر صقر في الشرقية
  • شواطئ.. بديعيات حسن طلب
  • أحمد مستجير الشاعر وعالم الأحياء.. شخصية معرض الكتاب 2025
  • ابتكار دواء جديد يعزز فرص النجاة لمرضى سرطان الرئة
  • محمد عبده يحتفي بشاعر شاب من جازان ..فيديو
  • الشعر الشعبي
  • الحشد الشعبي ينتشر في الطارمية.. صور