أغنيات سعدي الحلي دواءٌ لأوجاع الغربة
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
سألني أحد الأصدقاء المتابعين لمقالاتي، عن (مادة) مقالي ليوم غد؟
فقلت له: سيكون المقال عن سعدي الحلي !!
فقال مستغرباً: عن من ؟!
قلت: عن المطرب الكبير سعدي الحلي !!
فقال: ما الذي يجعلك تكتب مقالة (افتتاحية) عن سعدي الحلي ؟!
قلت: وما الذي يمنعني عن كتابة مقالة عنه؟!
قال: لأنه (مطرب شعبي)، ومكانه إن أردت الكتابة عنه في مكان آخر، وليس في افتتاحية الجريدة .
قلت له: لكنني كتبت من قبل افتتاحيات عديدة عن مطربين شعبيين مثل المطرب سلمان المنكوب والمطرب كريم منصور، وغيرهما الكثير، فلماذا لم تعترض عليهم وقتها؟!
لم يجب صديقي، لكنني أكملت حديثي قائلاً: أعتقد أن هناك اشكالية كبيرة لدى بعض المتلقين تتعلق بفهم مصطلح، أو كلمة (الشعبي)، وهذه الإشكالية ناتجة برأيي عن (قصور) في الوعي، أو عن نظرة متعالية نحو النتاج (الشعبي) برمته.. إذ ما أن يسمع أحدهم كلمة (الشعبي)، حتى يتبادر إلى ذهنه أنه أمام منتج بسيط ومتخلف حتى .. وقد وجدت هذا الفهم الخاطئ أيضاً لدى بعض المتعلمين والمثقفين للأسف، حيث ينظر بعضهم للشاعر الشعبي على سبيل المثال، نظرة فوقية متعالية، فهذا المتعلم أو المثقف لم ينبهر بقصيدة مظفر النواب، ولا بدوره الثقافي والريادي الكبير، إلا بعد أن كتب شعراً بالفصحى، وبعد أن صفق له العرب وأعجبوا به.. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الشاعر الراحل كريم العراقي، فالجمهور لم يمنح كريم ذلك الموقع الشعري المتقدم الذي يستحقه إلا بعد أن كتب نصوصه بالفصحى، أو بتلك اللغة القريبة من المزاج العربي، بينما نجد أن كريم العراقي كان قد كتب أحلى الأغاني بالشعبية.. ولا أظن أن القارئ بحاجة لأن أذكره بالنتاج الفذ الذي تركه لنا كريم باللهجة العراقية، كأغنية (من الأول يا حبيبي عرفتك مو الي .. واعرفت الزمن يندار، وتصير وياه عليّ .. )، هذا النص الرائع الذي كتبه كريم في ثمانينيات القرن الماضي ولحنه الموسيقار بليغ حمدي (أكرر بليغ حمدي) وأداه الفنان سعدون جابر .. وأمامنا أيضاً مثال آخر يتجسد في الفنان كاظم الساهر، وادعوك صديقي أن تكون محايداً وتقارن بين نظرتنا القديمة تجاه منجز كاظم الشعبي، حين كان يغني (الحية وعبرت الشط وسلمتك بيد الله)، وبين نظرتنا المنبهرة له اليوم وهو يغني بالفصحى (مدرسة الحب، وقولي أحبك) وغيرهما، مع أن كاظم-وهذا رأي الأغلبية- كان (أحلى) وأقرب إلى نفوسنا وأفئدتنا .. إنها (عقدة الخواجة) حتماً ..!
ومختصر الكلام.. إن سعدي الحلي هو أكثر الأصوات الغنائية العراقية تأثيراً في الوجدان الشعبي ولصوته نفوذ عاطفي يمضي سحره إلى القلب مباشرة دون استئذان.. والذي قال عنه الشاعر الكبير موفق محمد احلى قصيدة .. مطلعها:
أيها الحلي المخبوز في تنانير سومر وأكد) .. الخ .. أما أنا، فسأعترف أمامك الآن وأقول بصدق، إن لأغنيات ومواويل سعدي الحلي وداخل حسن وكريم منصور، دوراً كبيراً في علاجي وشفائي التام من أمراض الكآبة والاغتراب والوحدة، و (الهوم سك) وكل أوجاع الغربة اللعينة التي كنت أعاني منها منذ خمسة وعشرين عاماً، حين وطأت قدماي أرض الولايات المتحدة أول مرة.
وقد لا تصدق كلامي هذا، لعدم منطقيته علمياً ربما، لكنه منطقي تماماً حين تنظر اليه إنسانياً، وروحياً..
لقد كنت في سنوات غربتي الأولى أضع شريط أغنيات سعدي الحلي في المسجل، وأسمعه بكل حواسي وجوارحي، فأحلق مع صوته، وأذهب بخيالي بعيداً وعالياً، إلى حيث الوطن والناس.. حتى شفيت من كل فايروسات الغربة وتبعاتها دون أن أذهب لعيادة، أو أراجع طبيباً، إنما عالجت نفسي بالغناء العراقي والسيجارة والكاس، كما يقول الشاعر كاظم إسماعيل الگاطع : “
گضيت الليل اتسله باثنين .. مرة بالجكارة .. ومرة بالكاس ..” ! لقد كان صوت سعدي الحلي جسراً (عاطفياً) ينقلني من ديترويت – حيث أقمت أول الأمر – إلى (قطاعات) القلب في مدينة الحب، مدينة الثورة، فأصبّح وأمسّي على أهلي وأصحابي .. وحين يتجلى سعدي وهو ينادي بكل ما في القلب من أسى وشوق قائلاً: ( إجيتك من بعد غربة .. أجيت بليلة گمرية.. هذاك آنه نبع صافي، يخايب دغش ما بيه.. إجيت أنگل عتب بالعين .. عتب عاشگ بحنيه.. ) أجيبه بالدمع والغناء، مردداً معه : (واگلك هجرك أشسوه .. لون أدري فلا أهوه، لون أدري فلا أهوه)..
نعم، فقد كانت كلمات هذه الأغنية التي كتبها الشاعر الكبير ناظم السماوي، وأغنية (ليلة ويوم) التي كتبها الشاعر الراحل كاظم الرويعي، واللتان لحنهما الملحن المدهش محمد نوشي، أفضل وسيلتين روحيتين من وسائل اتصالي بوطني البعيد جداً، وكانا أيضاً سببين من أروع أسباب شفائي من أوجاع الغربة..
قاطعني صديقي قائلاً : إذا كنت تسمع سعدي الحلي في غربتك، هل تريدنا أن نغترب مثلك حتى نسمعه، أو ربما تظن أن العراقيين جميعاً مغتربون مثلك؟!
قلت: نعم العراقيون مغتربون بالضرورة، فهم جميعاً يعيشون حالات الاغتراب والكآبة والخوف من المجهول بل والخوف حتى من فرح اللحظة.. لذلك تجد العراقي يتوسل بربه حين (يضحك)، خوفاً مما سيحصل له بعد هذه الضحكة قائلاً: (اللهم اجعله ضحك خير)!..
والعراقي مغترب في وطنه وفي غربته، وهل يمكن لنا نسيان ويلات الحروب والدم والرعب والقمع الصدامي، والحصارات الغربية المدمرة، والفقر والجوع وما رآه العراقيون من مآس في فترة الفتنة الطائفية، أو ما تعرضوا له بعدها على يد داعش، وما قدمه لهم (أشقاؤهم الجهاديون العرب)، من هدايا (مفخخة)، ناهيك من ما مر على العراقيين من تدمير، وحفر دام، وقاس في تلابيب الروح والوجدان والعقل.. ولم ينته هذا الدمار من حياة العراقيين حتى اللحظة، حيث استفحل عليهم أبطال (سرقة القرن)، ويستفحل عليهم أيضاً زملاء سراق القرن، الذين ينتشرون اليوم في جميع مؤسسات الدولة، كما ينتشر وباء (الطاعون) ..
إذاً، هل يمكن للعراقيين بعدها، تجاوز جحيم هذا الإرث القهري بسهولة؟
طبعاً لا.. وألف لا ..!
وعليه فإن العراقيين اليوم بحاجة لعلاجات نفسية، ولمشاف روحية، وسيكون الغناء والموسيقى احد أهم وسائل العلاج والتعافي من آثار هذا الكابوس الأسود الذي دام أكثر من خمسين عاماً دون توقف.. وليس مهماً أن نتعالج بأغنيات سعدي الحلي، أو أغنيات عبد الحليم حافظ، أو عبر موسيقى بتهوفن، أو چايكوفسكي، المهم أن تجد ما تراه مناسباً لك، ومفيداً لوضعك النفسي، فيكون علاجاً ناجعاً لك .. أما أنا فقد اخترت علاجي وشفيت به تماماً .. أقول هذا الكلام بحق أبي خالد، رغم أني كنت (زعلان) عليه، بل وكتبت أيضاً مقالاً ضده في مطلع التسعينيات بعنوان : ما هكذا تورد ياسعدي الإبل، وسبب زعلي أن أبا خالد سجل اغنيتين من كلماتي دون موافقتي، والأغنيتان هما (مآني نادم وبهيده).. لكننا تصالحنا بعد ما تدخل ولده الراحل خالد.. الذي كان صديقي جداً، وبعد سهرة ممتعة، دعوت فيها سبعة من اصدقائي، واغلبهم من الفنانين الشباب -آنذاك – دفع تكاليفها الباهظة أبو خالد – المعروف ببخله – وقد انتهى زعلي معه، لكن المفارقة أن أبا خالد همس بأذن ولده بصوت عال، قائلاً: والله ياخالد، لو باقي صاحبك زعلان عليّ هوايه أحسن، ولا أدفع هذا المبلغ الكبير ..!
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
فارسة فلسطينية-روسية بارزة تمثل الاتحاد العالمي للفروسية في أبو ظبي
أبوظبي – تكريماً لإنجازاتها كأول امرأة عربية تشارك في بطولة العالم للفروسية (الدريساج)، ظهرت الفارسة الدولية الفلسطينية ديانا الشاعر وهي تمثل الاتحاد العالمي للفروسية في أبو ظبي.
ارتدت الشاعر خلال حفل التتويج المقام لمباريات الفروسية في العاصمة الأماراتية اللباس الأسود في إشارة رأى فيها البعض تضامنها مع ما يحدث لشعبها الفلسطيني من مجازر في غزة.
وكانت الفارسة ديانا الشاعر قد سجلت اسم بلدها فلسطين لأول مرة في تاريخ المحافل الدولية خلال مشاركتها في بطولة العالم للفروسية 2022 في هرنينغ، حيث تنافست في مسابقة الترويض الفردي مع حصانها أونازالي دي ماسا. وبذلك أصبحت أول فلسطينية تشارك في بطولة العالم للفروسية، كما ساهمت في منح الجنسية الفلسطينية للفارس الألماني كريستيان تسيمرمان و13 فارساً روسياً آخرين، وذلك لتجاوز العقوبات المفروضة على روسيا ودعماً لفلسطين.
وتعد ديانا الشاعر أول امرأة عربية تشارك في بطولة العالم للترويض، في إشارة حملت الكثير من الدلالات لقضية شعب ما زال صامداً في وجه التحديات، ومتواجداً في مختلف المجالات والمحافل الدولية.
ورثت ديانا الشاعر رياضة الفروسية عن والدها الفارس والدبلوماسي والكاتب السياسي رامي الشاعر، وهي تحمل الجنسيتين الفلسطينية والروسية. انتقل والدها إلى روسيا الاتحادية عام 1975 وأسس نادي الفارس للفروسية في زافيدوفو في روسيا.
تشغل ديانا حالياً منصب رئيس لجنة الترويض للمجموعة الإقليمية السابعة للاتحاد الدولي للفروسية، والتي تغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أنها دبلوماسية وناشطة في المجال الثقافي والرياضي، وتتقن ست لغات هي العربية والروسية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية.
تنحدر ديانا من عائلة فلسطينية مناضلة من يافا، حيث كان جدها المناضل والكاتب الفلسطيني العميد الدكتور محمد الشاعر أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية، وأول سفير لفلسطين في الاتحاد السوفيتي السابق. أما جدتها فهي المناضلة والناشطة والأديبة الفلسطينية وفيقة حمدي الشاعر، إحدى رائدات الحركة النسوية في فلسطين، وثاني امرأة عربية تحصل على دبلوم الأدب الروسي في وقتها. كما أن عمة ديانا، الدكتورة عالية الشاعر، والدكتورة أروى محمد الشاعر، هما أديبتان وكاتبتان فلسطينيتان معروفتان.
غطت وسائل الإعلام الإماراتية حفل التتويج للبطلة العالمية في الفروسية، محتفلة بتمثيلها للاتحاد الدولي للفروسية. كما تناولت الصحف الروسية سيرتها تحت عنوان “امرأة بارزة ومنصب رفيع”، حيث سلطت الضوء على مسيرتها الرياضية والدبلوماسية.
بدأت ديانا ركوب الخيل في سن الحادية عشرة في موسكو، وشاركت في البداية في المسابقات الوطنية قبل أن تنتقل إلى المحافل الدولية. وعندما زارت فلسطين لأول مرة عام 2016، أدركت قدرتها على إحداث تغيير في مجال الفروسية هناك، كما فعلت في روسيا التي ما زالت تحتفظ بمكانة خاصة في قلبها.
إلى جانب إنجازاتها الرياضية، انخرطت ديانا في العمل الاجتماعي، حيث شاركت كممثلة رسمية لفلسطين في الجمعية العامة للاتحاد الدولي للفروسية في طوكيو عام 2016. وفي صيف 2021، تولت رئاسة لجنة رياضة الفروسية للمجموعة الجغرافية السابعة للاتحاد الدولي للفروسية.
على الرغم من تحقيقها حلم التأهل إلى الألعاب الأولمبية (باريس 2024)، اضطرت ديانا للانسحاب بسبب إصابة حصانها. وقد أعلنت مؤخراً اعتزالها الفرس الذي ركبته منذ طفولتها، لتركيز جهودها على تطوير رياضة الترويض في الشرق الأوسط وروسيا، حيث تقيم حالياً دورات تدريبية منتظمة.
تعد ديانا الشاعر نموذجاً للرياضي الملتزم بقضيته، حيث نجحت في الجمع بين التميز الرياضي والعمل الدبلوماسي والثقافي، حاملةً معها دائماً هوية شعبها ورسالة صموده في كل المحافل التي تشارك فيها.
المصدر: RT