لا بد من تفكير ونضال جديدين
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
لا بد من تفكير ونضال جديدين
كوارث وفضائح طيلة 50 يوماً الماضية وإهانات وجهت لهذه الأمة، تستدعي وقفة من قبل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي.
لا يمكن لأية أمة تحترم نفسها أن تتعايش مع الحالة التي عاشتها وتعيشها، ولا يمكن لأية حكومة عربية أن تتحّجج بأية حجج بعد الآن بالنسبة للصراع العربي الصهيوني الوجودي.
وقفة يجب أن تطال العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع دول الغرب التي أظهرت استهتاراً مخجلاً بكل حقوق أمة العرب، لا في فلسطين فقط، وإنما في كل أرض الوطن العربي.
ستحتاج قوى المجتمع المدني العربية بدء مناقشات بشأن الموضوع برمته، خاصة مقاطعة بضائع شركات الغرب المساندة والممولة للعدوان الصهيوني في فلسطين وأي مكان بالوطن العربي.
* * *
لا يستطيع الإنسان أن يتنبأ بعد بالكوارث والأهوال التي تنتظر الأخوة الفلسطينيين، ومعهم كل الشعوب العربية، في نهاية الجحيم الذي أشعله الكيان الصهيوني في غزة وسائر فلسطين، بمباركة عمياء من قبل بعض حكومات دول الغرب، وبانحياز غير مسبوق من قبل إعلام تلك الدول، وبتجاهل غريب لمشاعر مئات الملايين من شعوب العالم المتظاهرين في مئات المدن الكبرى، رفضاً لذلك الجحيم ومناداة بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية المشروعة.
لكن الذي نعرفه بوضوح وبهاجس ملحّ، أن الكوارث والفضائح التي رأيناها طيلة الخمسين يوماً الماضية والإهانات التي وجهت إلى هذه الأمة، تستدعي وقفة جديدة من قبل مؤسسات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي، للنظر في الحالة المزرية التي وصلت إليها هذه الأمة.
وهي وقفة يجب أن تطال العلاقات الدبلوماسية والسياسية الأخرى، والاقتصادية مع الدول الغربية التي أظهرت استهتاراً مخجلاً بكل حقوق أمة العرب، لا في فلسطين فقط، وإنما في كل أرض الوطن العربي.
وهي وقفة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تاريخ الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها بعض دول الغرب طيلة القرنين الماضيين وساهمت في تمزيق هذه الأمة وإضعافها وإشغالها بما لا يحصى من مشاكل، وعلى رأسها حلّ مشكلة اضطهاد اليهود في أوروبا، ومن قبل أوروبا، ولكن حلها على حساب شعب فلسطين وعلى حساب استقرار وتنمية كل الأقطار العربية.
وهي وقفة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضا مستجدات التغيرات الدولية في السياسة والأمن والاقتصاد، من خلال مصالح هذه الأمة وليس من خلال، كما جرى في السابق، إرضاء أمريكا أو دول الغرب الأوروبية الاستعمارية، وعلى الأخص تغيير التفكير الخاطئ السابق الذي كان يعتقد، خاطئاً وضالاً، بأن مفاتيح هذا الكون هي فقط في يد قوى الاستعمار الغربي وحلفائه، خصوصاً بعد تكون تكتلات منافسة لذلك الغرب الاستعماري وفيها كل إمكانيات الحضارة التكنولوجية والعلمية الحديثة.
وهي وقفة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار، أن الغالبية الساحقة من الشعوب العربية قد تعبت من مؤامرات الغرب وابتزازاته وما عادت تحترم مواقفه، بعد أن تبين انحيازه التام المخزي الأخير لسفاحي الأطفال وساحقي العمران في مدينة غزة المحاصرة بلا شفقة ولا إنسانية ولا تحضّر.
وفي الوقت نفسه، وبصورة جذرية، ستحتاج قوى مؤسسات المجتمع المدني العربية أن تبدأ مناقشات بين بعضها بعضا بشأن هذا الموضوع برمته، خصوصاً في ما يتعلق بمقاطعة بضائع كل شركات الغرب المساندة والممولة للعدوان الصهيوني في فلسطين، وفي أي مكان في الوطن العربي.
لا يمكن لأية أمة تحترم نفسها أن تتعايش مع الحالة التي عاشتها وتعيشها، ولا يمكن لأية حكومة عربية أن تتحّجج بأية حجج بعد الآن بالنسبة للصراع العربي الصهيوني الوجودي، الذي أوصلته القوى الصهيونية العالمية والقوى الصهيونية اليمينية الاستعمارية الاستئصالية في فلسطين المحتلة إلى طريق مسدود، تتلاعب في أرجائه هي والقوى الاستعماري المساندة.
نقولها لشباب وشابات الأمة العربية بصراحة لا غمغمة فيها، بأنكم تحتاجون أن تناضلوا من أجل السير في تلك الطرق، وأنه من دون نضالاتكم ستكون الطرق صعبة إن لم تكن مسدودة.
*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، كاتب قومي عربي
المصدر | الشروقالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الغرب العرب الأمة فلسطين غزة المقاومة الفلسطينية دول الغرب فی فلسطین هذه الأمة من قبل
إقرأ أيضاً:
عوامل نهوض الأمة في مواجهة الأعداء من منظور خطاب السيد القائد
يمانيون../
سؤال أثاره السيد القائد في ضوء تجليات المرحلة وما يعصف بالمنطقة والعالم من متغيرات، وهو السؤال ذاته الذي يعيد تكراره على مسامع الأمة قادة وشعوباً من وقت لآخر: كيف لا يستغل العرب والمسلمون ما تمخض عن صمود غزة وما رافقه من تجليات إقليمية وعالمية تزيح الستار عما لم يكن في حسبان العدو في كل الساحات، بما فيها ساحة العدو وداعميه في أوروبا وأمريكا؟!
ولماذا يستمر الخذلان العربي الإسلامي للمقاومة، بينما عوامل كثيرة تظهر أن بإمكان العرب والمسلمين أن يستغلوا فرصة اليوم حيث تهيئ لعزة وكرامة أمة؟!
لقد لخص السيد القائد جملة عوامل هي في صالح الأمة لمواجهة مشروع سحق وتدمير العرب والمسلمين ومواجهة مشروع الصهيونية ونموذج اليمين المتطرف، حيث الإيمان بقتل وتشريد من طالته يد القتل من العرب والمسلمين، واستعباد من بقي منهم.
في عام ونصف من توحش صهيوني بغزة – أرهق أحرار الأمة بما فيه من دموية عدو، ومعه عون أمريكا وجزء من الغرب المتصهين، وحلف أعرابي – كانت التجليات تشير إلى أنه رغم ما حصل لسيف العروبة والإسلام من ثلم، إلا أنه بمقدوره أن يخوض معركته، حيث بشائر النصر تلوح في زحام الجرح وغضب الدم.
تناول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- العوامل التي رافقت حرب غزة وما مزجته من آلام وانتصار معًا، ولخصها في عوامل الصمود، والصحوة العالمية، وأزمات الداخل الصهيوني، وأزمات أمريكا العاصفة، والنموذج اليمني النهضوي المقاوم.
وبعرضه لهذه العوامل التي تظل روافع بناء، يشير إلى أنها كعناصر قوة تهدر حتى اللحظة؛ بدءًا بالصمود الفلسطيني الأسطوري للمقاومة والشعب معًا، والصحوة العالمية التي خرجت لتساند الحق الفلسطيني في كل أصقاع العالم، وما صاحبها من إعادة رسم الصورة الحقيقية للعدو الإسرائيلي الدموية في الذهنية الغربية، كذلك الأزمات المعقدة التي تعيشها أمريكا الداعم والشريك الرئيسي للكيان في حرب الإبادة بغزة وأحد أسباب استمرار مآسي العرب وتعطيل مشروع النهضة العربية.
النموذج اليمني المقاوم، برز بقوة إلى واجهة المشاريع التحررية، كأيقونة من أيقونات النضال العالمي، الذي جمع في تركيبته جانبًا فكريًا مقاومًا وجانبًا عمليًا يمثل عنصر القوة المادي، والمفترض أن يكون نموذجًا وباكورة يستند عليها أي مشروع نهضوي عربي إسلامي، في ظل مبادرة اليمن بعرض مساعداته للدول والشعوب العربية الإسلامية، والاستعداد لنقل تجربته الرائدة لشعوب الأمة، بعد أن حققت ما حققته من نجاح في مواجهة الهيمنة والاستكبار الأمريكي، والمشروع الصهيوني العالمي.
والواقع أن هذه العوامل برزت كفرص في صالح الأمة، لكن لا أحد بادر للأخذ بها من قادة هذه الأمة التي تبدو غير مكترثة بالمصير الذي يبشر به الصهاينة (الذبح) لأمة الإسلام.
عامل الصمود الذي برز في عام ونصف من عدوان صهيوني متوحش على قطاع غزة، هو في حد ذاته أحد روافع تحقيق النصر وكسر شوكة العدو الإسرائيلي، إذا ما عززت الأمة حضوره بالدعم والإسناد. لقد كان الصمود “الأسطوري” للمجاهدين في غزة، كما -يقول السيد القائد- هو في حد ذاته عامل من عدة عوامل مساعدة يجب أن تشجع الأمة على النهوض بمسؤوليتها.
فالمقاومة بهذا الحضور الفاعل كان تأثيرها واضحًا، وانعكس في اتجاهات ومستويات عدة، ففي الساحة الداخلية، مثل الصمود عامل ضغط ما زال يفعل فعله داخل كيان العدو، ومعه اتسعت رقعة الخلافات السياسية والاجتماعية والدينية بين المغتصبين، وهذا واضح جدًا فيما يتعلق بخلافات قادة العدو، حيث تتعالى الأصوات من أن هذا النهج الصهيوني والذي يقابله صمود فلسطيني، يقود العدو الإسرائيلي إلى الهاوية، بينما يتسع الشرخ داخل المجتمع الصهيوني، في ظل استمرار أزمة الأسرى التي تؤجج مزيدًا من النار، بينما تتآكل الثقة بقادة الكيان المحتل، وصولًا إلى مستوى الاستنزاف الذي يقرب هذا الكيان من حافة الهاوية ثم السقوط في حرب أهلية، كثير من القراءات تتوقعها من حين لآخر.
لهذا جاء تساؤل السيد القائد: أما كان هذا “الثبات العظيم عامل قوة مهم يفترض أن يُبنى عليه تحرك ودعم”؟!
ما يمكن أن نسميه “صحوة عالمية” كان عاملًا قويًا وما يزال إن أمكن أن يبنى عليه مشروع نهضة عربية إسلامية، قد لا يتكرر في هذه المرحلة.
هذه الصحوة، بحسب السيد القائد، “أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة اهتمام العالم”، وأصبحت مادة لاختبار “إنسانية” العالم والتزامه بـ”مبادئ حقوق الإنسان”، ضمن شعارات الحرية والمساواة والعدالة التي رفعها الغرب كشعار جديد لأوروبا والغرب المتحضر، الأمر الذي كان يفترض من قادة الأمة ومفكريه ونخبه البناء عليه، حيث أصبحت الشعوب في مختلف العالم تنظر إلى الكيان الصهيوني “أنه مجرم ظالم محتل يرتكب الإبادة الجماعية”، ووصلت هذه الصحوة الإنسانية إلى الساحة الأمريكية نفسها، حيث إن أكثر من نصف الأمريكيين، بحسب استطلاعات الرأي هناك، لم يعودوا متضامنين مع إسرائيل، والأمر كذلك في أوروبا.
وخلال فترة حصار غزة منذ 2007، أتاحت الهوامش الديمقراطية الغربية مجالًا لحراكات إنسانية لدعم غزة، مثل سفن كسر الحصار على سبيل المثال، لكنها لا تصل إلى ما وصل إليه الحراك الشعبي المؤيد لفلسطين منذ أكتوبر 2023 وحتى اليوم. بحسب الاستطلاعات الأمريكية مؤخرًا، هناك تنامي في مشاعر معاداة اليهود، وهي كذلك في الغرب الأوروبي.
ومن العوامل التي يذكرها السيد القائد للأمة على أنها فرصة للعرب والمسلمين للأخذ بها والبناء عليها، ومنها في إطار الصحوة ومناهضة المشروع الصهيوني، أن “بعض الأنظمة الأوروبية والأمريكية اللاتينية أعلنت عن مواقف متقدمة نسبياً متضامنة مع فلسطين”,
و يمكن إدراك أن هذا الموقف العالمي هو الأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني والأقرب لإنصاف القضية الفلسطينية من أية مرحلة أخرى”.. لهذا يستغرب السيد القائد كيف لا يستثمر قادة هذه الأمة هذا العامل المهم، فيما الرأي العام العالمي مهيأ أكثر من أي وقت مضى للوقوف مع الشعب الفلسطيني، كيف لا يُستثمر هذا من أجل مشروع إنقاذ الأمة وبناء مشروعها الحضاري؟
إن التخاذل الحاصل في واقع الأمة، والذي سببه قادتها أولاً ونخبها ثانياً، لن يدوم طويلاً، فتاريخ الأمة يقول لنا إن هذه الأمة سرعان ما تنفض ضعافها من قادة وزعامات، ثم تستعيد موقعها، وهذا التوقيت في سياق الأحداث وتطوراتها لن يطول، بل سيجبرون عليه وإن كلفها كثيراً من التضحيات.
المسيرة : إبراهيم العنسي