عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية مؤتمرا لعرض نتائج قمة الفكر 20 لعام 2023، وذلك بالتعاون مع مؤسسة اوبزيرفر للبحوث ORF، لأول مرة بالقاهرة، بهدف استعراض أهم نتائج ومخرجات قمة العشرين الناجحة التى ترأستها الهند فى سبتمبر الماضى تحت شعار: "أرض واحدة.. أسرة واحدة.. مستقبل واحد"، وذلك بحضور نخبة كبيرة من الخبراء والمتخصصين.

وقال عمر مهنا رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن القمة الأخيرة الناجحة أوصلت رسالة هامة لمجموعة العشرين بوضع دول الجنوب على الخريطة العالمية، وهو ما سيتم مناقشته خلال المؤتمر، كما تقدم بالتهئنة إلى المركز المصري للدراسات الاقتصادية بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إنشائه.

وأشار السفير راجى الأتربى مساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية والممثل الشخصى لرئيس الجمهورية لدى مجموعة العشرين، أن الأحداث الجيوسياسية وموضوع حرب أوكرانيا كان المسيطر على المناقشات فى اجتماعات مجموعة العشرين، لافتا إلى ضرورة أن نعيد الحديث عن أهداف التنمية المستدامة على المسار الصحيح، وكان هناك قلق من المخرجات التى يمكن تصدر عن اجتماع مجموعة العشرين ولولا الوزن الدبلوماسى للهند لما خرج إعلان دلهى.

وأشار الأتربى إلى أن المؤسسات المالية العالمية غير جاهزة لمواجهة 3 – 4 مخاطر عالمية أخرى خلال السنوات الثلاثة المقبلة، وهو ما يتسبب فى عجز رهيب يؤثر ليس فقط فى ندرة التمويلات ولكن أيضا على قدرة المؤسسات على حشد رؤوس الأموال الخاصة، فهناك فجوة مالية عالمية تقدر بنحو 15 – 23 تريليون دولار، ونحتاج لضخ نحو 3 – 4 تريليون دولار سنويا لسد الفجوة وتلبية الاحتياجات التمويلية، ولا يمكن سد الفجوة بدون مساهمة القطاع الخاص، فى حين أن أداء المؤسسات المالية والبنك الدولى كان بعيدا جدا عن أداء هذه الأهداف، وأكد أن استمرار إنتاج الإنسان لمزيد من الكوارث المناخية سيؤدى إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية، فى الوقت لذى لم تعد بنوك متعددة الأطراف تتسم بالقدرة على المقاومة.

واستعرض الدكتور سمير سران رئيس مؤسسة اوبزيرفر للبحوث  ORF، جهود الهند فى رئاسة قمة العشرين الأخيرة، مؤكدا أنها خلال رئاستها حاولت تبنى محادثات ديموقراطية تعلى مصلحة الناس فى الشارع وتعلى مبادئ النزاهة والقيم فى النظم المالية العالمية، حيث تضمنت كل القضايا التى لها علاقة بالمجاعات والفقر والتغيرات المناخية والفجوات المالية التى أصبحت فى النظم العالمية، والتأكيد على مبادئ التنمية المستدامة التى تحترم حقوق المواطنين، والشمولية من خلال التركيز على كافة الشعوب وليس فقط القارة الأوروبية، ونبذ الأفكار الاستعمارية التى تهتم بدول الشمال على حساب الجنوب، وهو ما ظهر من خلال دعوة الاتحاد الأفريقي للانضمام إلى قمة العشرين الأخيرة.

وناقشت الجلسة الأولى كيفية تحقيق تحول أخضر عادل، وهو ما يعنى أن الدول التى حققت مكاسب أكبر من الانبعاثات الكربونية عليها ان تقوم بالجهد الأكبر فى تقليل الانبعاثات وبصورة سريعة، وأكد المشاركون أن السياسات الحالية التى تدعمها وتطبقها الدول تؤدى إلى زيادة درجات الحرارة بنحو 3 درجات مئوية فى وقت مستهدف خفضها بنحو 1.5 درجة، وهو ما سيؤدى إلى مزيد من الكوارث، مطالبين بضرورة بذل جهود أكبر للتحول نحو الطاقة النظيفة وهناك ضرورة لأن يقلل العالم الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030، ولكن إذا استمرت السياسات الحالية فلن تنخفض سوى 2% فقط بحلول ذلك العام، مطالبين بحوافز لزيادة الاستثمار فى الطاقة النظيفة والاستفادة من التكنولوجيا والتحول الرقمى وحشد الاستثمارات فى الطاقة الجديدة والمتجددة.

وشارك فى هذه الجلسة كل من الدكتور زيادة بهاء الدين نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولى الأسبق، وسانجوى جوشى رئيس مجلس الإدارة بمؤسسة اوبزيرفر للبحوث ORF، وإيلينا بانوفا المنسقة المقيمة للأمم المتحدة فى مصر، وأدارها طارق توفيق رئيس الغرفة التجارية الأمريكية فى مصر ونائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية.

وناقشت الجلسة الثانية تحفيز التجارة والتواصل، وشارك فيها نافديب سورى السفير السابق لدولة الهند بالقاهرة وزميل مميز بمؤسسة اوبزيرفر للبحوث، والمستشارة رانيا عبد المجيد مديرة الشؤون الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية، ورشيد بنجيليون مدير مشروع تطوير التجارة وتنمية الصادرات فى مصر الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأدارها محمد قاسم الأمين العام للمركز المصري للدراسات الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العالمية للتجارة.

وناقش المشاركون أهمية التحول الرقمى والتكنولوجيا فى تعزيز التجارة الدولية، وأهمية الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، مشيرين إلى ضرورة تخفيف القيود وتيسير الإجراءات حتى يمكن زيادة حركة التجارة والصادرات، فلا تكفى الاتفاقيات وحدها، وأيضا أهمية الممرات التجارية فى تطوير حركة التجارة العالمية.

أما الجلسة الثالثة فناقشت أوجه الارتباط بين تغير المناخ وأهداف التنمية المستدامة، شارك فيها كل من نيكولاس جى إيه بوشود مستشار أول لعميد معهد بنك التنمية الآسيوي، والدكتور على عوني أستاذ ممارس ومدير مركز جيرهارت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وإليزابيث سيديروبلوس المدير التنفيذى لمعهد جنوب أفريقيا للشئون الدولية، وأدارها علاء هاشم مؤسس وشريك تنفيذي لشركة ترانسينديام، مطالبي بضرورة حوكمة السياسات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

في حين ناقشت الجلسة الرابعة والختامية إصلاح التعددية وإعادة تطوير المؤسسات والأطر العالمية، بمشاركة السيد عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، وأنطونيو فيلافرانكا مدير الدراسات ورئيس مشارك مركز أوروبا والحوكمة العالمية بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية  ISIP، والدكتور سمير سران رئيس مؤسسة اوبزيرفر للبحوث ORF، وأدارتها الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهى الجلسة التى طالبت بإصلاح الأنظمة متعددة الأطراف والمنظمات الدولية حيث لم يعد العالم قادرا على التعامل مع المستجدات وهو ما يتطلب الإصلاح.

وقال عمرو موسى أن المنظمات الدولية قامت بعمل رائع مثل الفاو ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف، واستفاد العالم النامي كثيرا منها، ولكن يكمن الفشل فى النظام الأمنى العالمى بسبب حق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى، لأنهم يهتمون فقط بمصالحهم، وأشار إلى أن قادر العالم لم يأخذوا قضية الفقر بجدية وهى القضية التى يجب أن تكون على أولويات جدول الأعمال، لافتا إلى أن من وظائف مجلس الأمن هو مواجهة الأخطار التى تهدد الأمن والسلم الدوليين ومن وظائفه التعامل مع تهديدات التغيرات المناخية والجوائح التى أصبحت أمرا خطيرا، ولا يعرف مجلس الأمن كيف يتعامل مع هذه التهديدات، ولا يوجد تمويل كافى لصندوق الأضرار والخسائر وهذا خطر علينا جميعا يجب مواجهته، وهو ما يتطلب الإصلاح.

وطالبت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، بضرورة النظر فى إصلاح النظام المالى العالمى وإصلاح المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، لأنها فشلت فى تحقيق الأهداف المنوطة بها وهو ما يعنى أن الأمر لن يختلف فى المستقبل فى ظل استمرار نفس السياسات، وبالتالى لابد من إصلاحها وإحداث تغيير حقيقي يمكنها من تمثيل صوت جميع الدول وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة الأخطار المختلفة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المصری للدراسات الاقتصادیة التنمیة المستدامة متعددة الأطراف رئیس مجلس وهو ما

إقرأ أيضاً:

السعودية.. هل حلّ زمن الانهيار؟

 

هل تُعدّ الإرادة محرك التاريخ وأهم مكامن قوة الشعوب والأمم؟ الإجابة نعم، قاطعة حادة تصفع الجميع بهذه الحقيقة، قبل أيام على وصول طوفان الأقصى محطة الأشهر التسعة، فالدول العربية المطبعة كانت صاحبة الخسائر الأفدح والأعمق والأشد تأثيرًا، وللمفارقة فإنها ادعت أنها تبعد شعوبها عن الحرب وتكاليفها ودمارها، بينما كانت في الواقع عاجزة عن الفعل، غائبة أو مغيبة عن الوعي، ولم تكن تملك أعصابًا لمواجهة التحديات، باختصار كانت الدول العربية المطبعة مهزومة ذاتيًا، سواء قبل طوفان الأقصى أو خلاله أو في العهد الجديد الذي سيتشكّل بعده.
لقصة سقوط السعودية وجوه كثيرة، يجمع بينها الظلم كخصيصة فردية، والظلام كمناخ عام حاكم. العام الحالي 2024م شهد كوارث متتالية للسعودية، منها مذبحة الحج التي راح ضحيتها طبقًا للأرقام الرسمية – المخففة – 1301 إنسان، مع سوء إدارة وتنظيم وتركيز على السيطرة الأمنية مقابل غياب الخدمات لضيوف الرحمن، ثمّ أزمة اقتصادية غير مسبوقة، إذ إن موازنة المملكة للعام الحالي، وضعت أساسًا بناءً على عجز مقدر كبير سيصل إلى 79 مليار ريال، وستعوض المملكة هذه الفوارق عبر اللجوء إلى الحل الجهنمي «الاقتراض»، وأعلنت وزارة المالية أنّ الدين العام للمملكة سيزيد في العام الجاري ليصل إلى 294.1 مليار دولار، بما يعادل 25.9 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة هائلة عقلًا ومنطقًا، تتسق مع ما شهده صافي الحساب الجاري للمملكة في العام المالي الماضي 2023م، حين وصل إلى 34.1 مليار دولار، انخفاضًا من 151.5 مليار دولار في العام 2022م.
مع صورة السعودية الباهتة في طوفان الأقصى، والتراجع على كلّ المستويات، وطنيًا وإقليميًا وسياسيًا، فإن شيئًا من هذا الهبوط المروع يحدث مع عملاق الطاقة أرامكو، أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية – سابقًا – والتي بدأت مشوار تراجعها بصورة أكثر بساطة مما جرى مع غيرها. فجأة كأنما هبط وحي جديد أو لاحت فكرة كالبرق الساطع، فوقعت الشركة ابتداءً من 2015م أسيرة لرؤية وقيادة وتخطيط ولي العهد محمد بن سلمان، ووجد هو فيها الأرضية التي سيطلق منها مشروع تحديث المملكة العربية السعودية، أي مشروعه الشخصي لبناء مملكة نيوم/نعوم الجديدة.
الحقيقة في قصّة عملاق الطاقة والنفط أرامكو أنها حُملت بأكثر مما يحتمل، لا يمكنك أن تصنع سيارة تمشي على عجلة واحدة، ثمّ تقنع نفسك ومن حولك بأنها ستنجح! أرامكو مثقلة بفواتير هائلة تدفعها، بخلاف الأحداث الاستثنائية كحرب اليمن أو «جائزة ترامب» الشهيرة. أولًا هي المورد الأول للخزينة السعودية، بكلّ ما يرتبط بهذا الباب من زيادات وقفزات سنوية، ثمّ هي تمثل بابًا خلفيًا لعطايا أمراء الأسرة المالكة، سواء داخل دائرة الحكم أو خارجه، ثمّ هي قد أُضيف عليها أن تمول مشروعات عمرانية هائلة وواسعة النطاق وضعت ببذخ مترف من جانب مخطّطيها الأفذاذ. وأخيرًا فإن «رؤية 2030م» التعيسة قد ناخت بكلكلها عليها فسحقتها، الشركة يفترض بها أن تكون بوابة وضامنة للمستثمرين الأجانب، وجلبهم إلى المملكة وتقديم الفرص الاستثمارية لهم.
وما زاد الطين بلة أن أخبار الشركة صارت كثيرة ومتضاربة، مع أن جميعها يعود لمصادر رسمية عليا، هذه الأخيرة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فمع عروض بيع أسهم أرامكو في البورصات العالمية، ثمّ الفشل بسبب مخالفة الشركة لأدنى قواعد الشفافية والحوكمة والإدارة الرشيدة، ثمّ طرحها في السوق السعودية للأسهم، ثمّ الاندماج مع شركة سابك ثمّ الانفصال عن سابك، وبيع حصة إلى صندوق الاستثمارات العامة، كلّ هذا هوى بتقييم الشركة لدى مؤسسات التمويل والبنوك العالمية. تقول شبكة بلومبرغ الاقتصادية إن عملاق النفط أرامكو فقد 13.6 % من إجمالي قيمته السوقية، لتنخفض إلى 1.79 تريليون دولار، لتخرج الشركة من قائمة أكبر 5 شركات في العالم! مع العلم أن أرامكو كانت حتّى العام 2015م هي الشركة الأعلى قيمة عالميًا، ولم يقترب من منافستها أحد.
وفي الوقت الذي تراجع فيه تقييم أرامكو لأقل من تريليوني دولار أمريكي، فإن الشركات الثلاث الأكبر عالميًا كسرت عتبة الثلاثة تريليونات دولار، شركة انفيديا 3.34 تريليون دولار، ثمّ شركة مايكروسوفت 3.32 تريليون، وآبل 3.29 تريليون، وتحل رابعة في الترتيب شركة ألفابت غوغل بـ 2.19 تريليون دولار، ثمّ أمازون 1.9 تريليون دولار.
كثيرة هي القراءات التي يخرج بها الإنسان من معاينة قصص كهذه، فإن في الأخبار عظة وعبرة لمن اعتبر. لن ينجح حاكم كهذا في جلب الرخاء لشعبه؛ فالقيادة تعني ضمن ما تعنيه الصدق والمسؤولية والإيثار، والقائد الذي يفتقد هذه الصفات لن يقود إلى الأمام، بل سيجرنا إلى الوراء، أو سيدفعنا سقوطًا إلى أسفل. كذلك فإن العالم كله ليس جزرًا معزولة، والعالم العربي في قلبه أولى أن لا يكون كذلك. لن تكون المنطقة مشتعلة فيما البعض يمرح في مساخر الترفيه وحفلاته ولياليه. النار التي اشتعلت في المنطقة ستطول الكل طال الوقت أم قصر، وأعظم ما فعله طوفان الأقصى أنه أزال كلّ مساحيق التجميل عن وجه العدوّ في «محرقة غزّة»، ودفن معها رهان أو منطق المطبعين حول أي علاقات أو معاهدات ممكنة معه، على طريقة «كامب ديفيد» الخسيسة.

مقالات مشابهة

  • خسائرنا ربع تريليون جنيه
  • السعودية.. هل حلّ زمن الانهيار؟
  • رائد سلامة يكتب: توصيات الحوار الوطني حلول جاهزة أمام الحكومة
  • محمد بن راشد: دبي مستمرة في تطوير المشاريع الاقتصادية والتنموية
  • محمد بن راشد يوجّه بتطوير سوق دبي للسيارات ليكون أكبر وأفضل سوق في العالم وتعهيد السوق لموانئ دبي العالمية
  • دبي .. لا بديل عن الصدارة
  • محمد بن راشد يوجّه بتطوير سوق دبي للسيارات ليكون الأكبر والأفضل في العالم
  • فيديو| محمد بن راشد يوجّه بتطوير سوق دبي للسيارات الأكبر والأفضل عالمياً
  • بتوجيهات محمد بن راشد ومتابعة حمدان بن محمد… مكتوم بن محمد يشهد توقيع اتفاقية الشراكة بين بلدية دبي وموانئ دبي العالمية
  • ندوة صحفية.. كودار رئيس مجلس جهة مراكش يستعرض برنامج التنمية الجهوية