عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية مؤتمرا لعرض نتائج قمة الفكر 20 لعام 2023، وذلك بالتعاون مع مؤسسة اوبزيرفر للبحوث ORF، لأول مرة بالقاهرة، بهدف استعراض أهم نتائج ومخرجات قمة العشرين الناجحة التى ترأستها الهند فى سبتمبر الماضى تحت شعار: "أرض واحدة.. أسرة واحدة.. مستقبل واحد"، وذلك بحضور نخبة كبيرة من الخبراء والمتخصصين.

وقال عمر مهنا رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن القمة الأخيرة الناجحة أوصلت رسالة هامة لمجموعة العشرين بوضع دول الجنوب على الخريطة العالمية، وهو ما سيتم مناقشته خلال المؤتمر، كما تقدم بالتهئنة إلى المركز المصري للدراسات الاقتصادية بمناسبة مرور ثلاثين عاما على إنشائه.

وأشار السفير راجى الأتربى مساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية والممثل الشخصى لرئيس الجمهورية لدى مجموعة العشرين، أن الأحداث الجيوسياسية وموضوع حرب أوكرانيا كان المسيطر على المناقشات فى اجتماعات مجموعة العشرين، لافتا إلى ضرورة أن نعيد الحديث عن أهداف التنمية المستدامة على المسار الصحيح، وكان هناك قلق من المخرجات التى يمكن تصدر عن اجتماع مجموعة العشرين ولولا الوزن الدبلوماسى للهند لما خرج إعلان دلهى.

وأشار الأتربى إلى أن المؤسسات المالية العالمية غير جاهزة لمواجهة 3 – 4 مخاطر عالمية أخرى خلال السنوات الثلاثة المقبلة، وهو ما يتسبب فى عجز رهيب يؤثر ليس فقط فى ندرة التمويلات ولكن أيضا على قدرة المؤسسات على حشد رؤوس الأموال الخاصة، فهناك فجوة مالية عالمية تقدر بنحو 15 – 23 تريليون دولار، ونحتاج لضخ نحو 3 – 4 تريليون دولار سنويا لسد الفجوة وتلبية الاحتياجات التمويلية، ولا يمكن سد الفجوة بدون مساهمة القطاع الخاص، فى حين أن أداء المؤسسات المالية والبنك الدولى كان بعيدا جدا عن أداء هذه الأهداف، وأكد أن استمرار إنتاج الإنسان لمزيد من الكوارث المناخية سيؤدى إلى مزيد من الأزمات الاقتصادية، فى الوقت لذى لم تعد بنوك متعددة الأطراف تتسم بالقدرة على المقاومة.

واستعرض الدكتور سمير سران رئيس مؤسسة اوبزيرفر للبحوث  ORF، جهود الهند فى رئاسة قمة العشرين الأخيرة، مؤكدا أنها خلال رئاستها حاولت تبنى محادثات ديموقراطية تعلى مصلحة الناس فى الشارع وتعلى مبادئ النزاهة والقيم فى النظم المالية العالمية، حيث تضمنت كل القضايا التى لها علاقة بالمجاعات والفقر والتغيرات المناخية والفجوات المالية التى أصبحت فى النظم العالمية، والتأكيد على مبادئ التنمية المستدامة التى تحترم حقوق المواطنين، والشمولية من خلال التركيز على كافة الشعوب وليس فقط القارة الأوروبية، ونبذ الأفكار الاستعمارية التى تهتم بدول الشمال على حساب الجنوب، وهو ما ظهر من خلال دعوة الاتحاد الأفريقي للانضمام إلى قمة العشرين الأخيرة.

وناقشت الجلسة الأولى كيفية تحقيق تحول أخضر عادل، وهو ما يعنى أن الدول التى حققت مكاسب أكبر من الانبعاثات الكربونية عليها ان تقوم بالجهد الأكبر فى تقليل الانبعاثات وبصورة سريعة، وأكد المشاركون أن السياسات الحالية التى تدعمها وتطبقها الدول تؤدى إلى زيادة درجات الحرارة بنحو 3 درجات مئوية فى وقت مستهدف خفضها بنحو 1.5 درجة، وهو ما سيؤدى إلى مزيد من الكوارث، مطالبين بضرورة بذل جهود أكبر للتحول نحو الطاقة النظيفة وهناك ضرورة لأن يقلل العالم الانبعاثات بنسبة 43% بحلول عام 2030، ولكن إذا استمرت السياسات الحالية فلن تنخفض سوى 2% فقط بحلول ذلك العام، مطالبين بحوافز لزيادة الاستثمار فى الطاقة النظيفة والاستفادة من التكنولوجيا والتحول الرقمى وحشد الاستثمارات فى الطاقة الجديدة والمتجددة.

وشارك فى هذه الجلسة كل من الدكتور زيادة بهاء الدين نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولى الأسبق، وسانجوى جوشى رئيس مجلس الإدارة بمؤسسة اوبزيرفر للبحوث ORF، وإيلينا بانوفا المنسقة المقيمة للأمم المتحدة فى مصر، وأدارها طارق توفيق رئيس الغرفة التجارية الأمريكية فى مصر ونائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية.

وناقشت الجلسة الثانية تحفيز التجارة والتواصل، وشارك فيها نافديب سورى السفير السابق لدولة الهند بالقاهرة وزميل مميز بمؤسسة اوبزيرفر للبحوث، والمستشارة رانيا عبد المجيد مديرة الشؤون الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية، ورشيد بنجيليون مدير مشروع تطوير التجارة وتنمية الصادرات فى مصر الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأدارها محمد قاسم الأمين العام للمركز المصري للدراسات الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العالمية للتجارة.

وناقش المشاركون أهمية التحول الرقمى والتكنولوجيا فى تعزيز التجارة الدولية، وأهمية الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، مشيرين إلى ضرورة تخفيف القيود وتيسير الإجراءات حتى يمكن زيادة حركة التجارة والصادرات، فلا تكفى الاتفاقيات وحدها، وأيضا أهمية الممرات التجارية فى تطوير حركة التجارة العالمية.

أما الجلسة الثالثة فناقشت أوجه الارتباط بين تغير المناخ وأهداف التنمية المستدامة، شارك فيها كل من نيكولاس جى إيه بوشود مستشار أول لعميد معهد بنك التنمية الآسيوي، والدكتور على عوني أستاذ ممارس ومدير مركز جيرهارت بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وإليزابيث سيديروبلوس المدير التنفيذى لمعهد جنوب أفريقيا للشئون الدولية، وأدارها علاء هاشم مؤسس وشريك تنفيذي لشركة ترانسينديام، مطالبي بضرورة حوكمة السياسات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

في حين ناقشت الجلسة الرابعة والختامية إصلاح التعددية وإعادة تطوير المؤسسات والأطر العالمية، بمشاركة السيد عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، وأنطونيو فيلافرانكا مدير الدراسات ورئيس مشارك مركز أوروبا والحوكمة العالمية بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية  ISIP، والدكتور سمير سران رئيس مؤسسة اوبزيرفر للبحوث ORF، وأدارتها الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، وهى الجلسة التى طالبت بإصلاح الأنظمة متعددة الأطراف والمنظمات الدولية حيث لم يعد العالم قادرا على التعامل مع المستجدات وهو ما يتطلب الإصلاح.

وقال عمرو موسى أن المنظمات الدولية قامت بعمل رائع مثل الفاو ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف، واستفاد العالم النامي كثيرا منها، ولكن يكمن الفشل فى النظام الأمنى العالمى بسبب حق الفيتو فى مجلس الأمن الدولى، لأنهم يهتمون فقط بمصالحهم، وأشار إلى أن قادر العالم لم يأخذوا قضية الفقر بجدية وهى القضية التى يجب أن تكون على أولويات جدول الأعمال، لافتا إلى أن من وظائف مجلس الأمن هو مواجهة الأخطار التى تهدد الأمن والسلم الدوليين ومن وظائفه التعامل مع تهديدات التغيرات المناخية والجوائح التى أصبحت أمرا خطيرا، ولا يعرف مجلس الأمن كيف يتعامل مع هذه التهديدات، ولا يوجد تمويل كافى لصندوق الأضرار والخسائر وهذا خطر علينا جميعا يجب مواجهته، وهو ما يتطلب الإصلاح.

وطالبت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، بضرورة النظر فى إصلاح النظام المالى العالمى وإصلاح المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، لأنها فشلت فى تحقيق الأهداف المنوطة بها وهو ما يعنى أن الأمر لن يختلف فى المستقبل فى ظل استمرار نفس السياسات، وبالتالى لابد من إصلاحها وإحداث تغيير حقيقي يمكنها من تمثيل صوت جميع الدول وتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة الأخطار المختلفة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المصری للدراسات الاقتصادیة التنمیة المستدامة متعددة الأطراف رئیس مجلس وهو ما

إقرأ أيضاً:

FA: كيف تستعد إيران للمواجهة مع ترامب.. وهل ستنقذ نفسها؟

ناقش الباحث في جامعة هارفارد محمد آية الله تبار فيما إن كانت إيران ستصمد أمام ضغوط واشنطن.

وفي مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" قال فيه إن إيران واجهت العام الماضي سلسلة من النكسات، حيث تم إضعاف حليفيها حماس وحزب الله في الحرب مع "إسرائيل"، ثم انهار نظام بشار الأسد فجأة وبشكل مذهل. كما أن عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة يعيد منظور إحياء استراتيجية أقصى ضغط والتي صمدت أمامها الجمهورية الإسلامية بداية عام 2018 وحتى نهاية فترة ترامب الأولى.

وقادت هذه التراجعات الإيرانية عددا من المسؤولين الأمريكيين والمحللين للجدال بأن الجمهورية الإسلامية تواجه هزيمة استراتيجية. ففي مقال كتبه ريتشارد هاس بـ "فورين أفيرز" بكانون الثاني/ يناير، قال فيه إن "إيران ضعيفة وأكثر عرضة للخطر مما  كانت عليه قبل عقود، وعلى الأرجح منذ الحرب التي استمرت عقدا مع العراق وربما منذ الثورة الإسلامية في 1979".



وبحسب هذا الرأي، فقد قدمت إيران لمعارضيها فرصة لاستهداف منشآتها النووية أو الحصول منها على تنازلات كبرى في صفقة نووية. وعليه، فالرأي السائد اليوم وهو أن إيران باتت عرضة للضغط الأمريكي أو ضربة عسكرية إسرائيلية، لا يجد صدى في طهران. فالجمهورية الإسلامية تتعامل مع هذه التحديات باعتبارها مؤقتة ونكسات وليست إشارات عن هزيمة.

ومن وجهة نظر إيران، فرغم ما تعرضت له حماس وحزب الله من ضربات، فقد خرجتا رابحتين، نظرا لصمودهما أمام قوة تقليدية مدعومة من الولايات المتحدة. كما واحتفظت حماس ببعض الشعبية بين الفلسطينيين، ولا يزال حزب الله يتمتع بدعم الشيعة في لبنان. وفي اليمن، عزز الحوثيون المتحالفون مع إيران دورهم كداعم ثابت للقضية الفلسطينية وعضو رئيسي في ما يسمى بمحور المقاومة الذي تقوده طهران من خلال مهاجمة "إسرائيل" وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.

لكن إيران تعترف بأن شبكة الشركاء التي عملت على بنائهم لم تعد قوية اليوم، مثلما كانت قبل هجوم حماس على "إسرائيل" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ولهذا بدأت باتخاذ خطوات لتقوية الدعم الداخلي من خلال تقديم تنازلات داخلية محدودة لشعب سئم من الحكم الاستبدادي الديني.

فقد خفف النظام من تطبيق قواعد اللباس الإلزامي للنساء، وخفف القيود على منصات التواصل الاجتماعي، مما أتاح نقاشات انتقادية متزايدة لسياسات الحكومة. وتأمل الجمهورية الإسلامية من خلال هذا أن تقلل خطر الاضطرابات الداخلية وأن تعزز ثقة الجمهور بها.

ولكن، علينا ألا ننظر إلى هذه التحولات الداخلية كمقدمة لانفتاح كبير على الغرب. وفي الحقيقة، يهدف الإصلاح الاجتماعي المدروس، والذي يمكن أن يتراجع عنه النظام إلى تعزيز الدعم الداخلي لمواجهة الضغوط الخارجية.

وقد أشار ترامب إلى انفتاحه على التفاوض مع طهران، ولكنه أبدى أيضا استعداده لمهاجمة الجمهورية الإسلامية. ومع تأييد الشعب لطهران، أو تخفيف معارضته لها، تأمل الحكومة أن تتمكن من الصمود في وجه ما يحضره لها الرئيس الأمريكي.

وربما احتفلت "إسرائيل" بانتصارها العسكري على حماس وحزب الله. فرغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها الحركتين، تتوقع طهران أن تعيد حماس وحزب الله بناء نفسيهما، مدعومين بدعم شعبي وكراهية لـ"إسرائيل". بل إنها تتوقع أن يعزز مقتل زعيم حماس يحيى السنوار وزعيم حزب الله حسن نصر الله في ساحة المعركة الالتزامات الأيديولوجية للتنظيمين، وأن يتردد  صداه وسط جمهور متعاطف لسنوات قادمة.

وفي المقابل، فمن الصعب على إيران التخلص من صدمة سقوط الأسد، ورغم أن  عدم شعبية الأخير كانت معروفة للجميع، إلا أن انهيار الجيش السوري السريع، فاجأ الراعية إيران.

ووفقا لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن أجهزة الاستخبارات في الجمهورية الإسلامية كانت "على وعي تام" بالتهديد الأمني الوشيك ضد الأسد. ومع ذلك، فوجئت طهران بعجز الجيش السوري التام عن مواجهة قوات المعارضة المسلحة. ويعزو المسؤولون الإيرانيون تفكك جيش الأسد جزئيا إلى "الحرب النفسية" التي شنتها قوى خارجية، بما في ذلك "إسرائيل" وتركيا والولايات المتحدة. لكن عراقجي ألقى أيضا ببعض اللوم على تجاهل الأسد للرأي العام.

وزعم عراقجي أن إيران نصحت الأسد "باستمرار" أن يقوم برفع الروح المعنوية للجيش و"التفاعل بشكل أكبر مع الشعب، لأن ما يضمن في النهاية الحكومة هو الشعب"، لكن الأسد، كما أشار عراقجي، فشل في هذا.

وكان انهيار الأسد المفاجئ مدعاة لقلق العام داخل إيران، حيث أدت سياسات الحكومة القمعية والفساد إلى خلق فجوة مع الشعب، تماما كما فعل الحكم العلماني للشاه. وفي كانون الثاني/ يناير، أقرّ عباس صالحي، وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، علنا بأن طهران تواجه عجزا حادا في "رأس المال الاجتماعي"، وذلك بسبب تراجع ثقة الجمهور بالحكومة. وحذر الرئيس السابق محمد خاتمي من أن الجمهورية الإسلامية تخاطر بـ"التخريب الذاتي" بتجاهلها الحنق الشعبي.

وبشكل متزايد، تتفق النخب السياسية وبكل أطيافها على الحاجة الملحة لإظهار النظام مرونة داخلية. وعليه، خففت الحكومة الإيرانية بعض القيود.

ففي كانون الأول/ ديسمبر 2024، أوقف المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني فعلًا تطبيق قانون الحجاب الجديد المثير للجدل، والذي كان من شأنه فرض عقوبات مالية وأحكام بالسجن وعقوبات أخرى، مثل حظر السفر، على النساء اللاتي ظهرن في الأماكن العامة دون حجاب أو ارتدين ملابس "غير لائقة".



ورغم دعوات بعض المحافظين المتشددين لتطبيق صارم لقواعد اللباس في البلاد وحملات القمع الحكومية الموجهة أحيانا لتهدئة قاعدتها الدينية،  أصبح بإمكان النساء الآن الظهور دون حجاب في الأماكن العامة مع خوف أقل من الانتقام القاسي. وظهر المتشددون منقسمين على أنفسهم في معارضة الإجراءات، ففي 15 آذار/ مارس، أقر النائب المحافظ محمود نبويان بأن المخاوف من "سورنة" إيران هي الدافع وراء تعليق القانون، واتفق على وجوب "تجاهله إذا كان يقوض النظام".

ويعكس هذا التطور اعترافا ضمنيا من الدولة بعدم شعبية فرض الحجاب وعدم فعاليته، على الأقل في الوقت الحالي. ويأتي أيضا بعد ثلاث سنوات من وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاما، أثناء احتجازها لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عقب اعتقالها لعدم ارتدائها الحجاب بشكل صحيح. وقد أثارت وفاة أميني احتجاجات شعبية حاشدة في الشوارع عام 2022، تصدت لها  إيران بعنف مفرط.

وفي نهاية المطاف، جمدت الجمهورية الإسلامية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤقتا ومنعت ظهورها في الشوارع لتخفيف حدة التوترات.

والآن، يبدو أن طهران مستعدة بشكل متزايد لقبول تطبيق قوانين الحجاب بشكل متساهل، شريطة ألا يتحول إلى حركة سياسية أوسع نطاقا تتحدى النظام نفسه.

وإضافة إلى هذا التجميد سعى النظام إلى كسب ود الشعب من خلال السماح بنقاشات مفتوحة وصريحة نسبيا على وسائل الإعلام المحلية.

وباتت منصات التواصل في إيران الآن تستضيف مجموعة متنوعة من المعلقين، بمن فيهم أصوات مستقلة ومعارضة، داخل البلاد وخارجها.

تواصل الحكومة الترويج بهدوء لمنصات مرتبطة بالدولة، وهناك الكثير من المدافعين المستقلين عن النظام. لكن النقاشات عبر الإنترنت حول قانون الحجاب وسقوط الأسد والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الأوسع، تتسم بصراحة ودقة مفاجئتين. فقد وصف بعض المعلقين القيادة الإيرانية صراحة بأنها كارثة على البلاد. وللوهلة الأولى، ربما بدا غريبا أن تسمح إيران لأصوات كهذه التعبير عن مواقفها من أجل الحفاظ على الاستقرار.

لكن طهران تأمل أن يقدم فتح المجال الداخلي صمام أمان للإحباط العام، ويقلل من جاذبية وسائل الإعلام الدولية والفضائية مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي تعتبر من أكثر الأصوات انتقادا لإيران.

وقد لجأ النظام إلى هذه الاستراتيجية في أوقات حرجة سابقة. ففي ذروة احتجاجات عام 2022، شجع النظام شخصيات كانت محظورة سابقا على الظهور على التلفزيون، على أمل أن تمتص انتقاداتهم السخط العام وتحوله بعيدا عن الشارع. وفي هذه المرة، تعتقد طهران أن التدفق الحر نسبيا للمعلومات، إذا أُدير بعناية يمكن أن يعزز سردية النظام بشأن الأمن القومي على المدى الطويل.

ويأمل قادة إيران هذه المرة أن تعمل الإصلاحات المحلية التدريجية على خلق مناخ ملائم لنقاش وطني حول قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، مثل الأزمة النووية، وهو نقاش تعتقد إيران أنه سيفضي إلى وحدة وطنية.

وتعتقد النخب، على الأقل، أن مثل هذا النقاش سيعزز موقف الحكومة التفاوضي في سعيها للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحد يعالج مخاوف واشنطن بشأن تسليح البرنامج النووي الإيراني، ولكنه لا ينهي تخصيب اليورانيوم، أو يقيد إنتاج الأسلحة التقليدية أو يضعف محور المقاومة.

فالاحتجاجات الداخلية، في نهاية المطاف، لا تقدم إلا فرصا للخصوم، مثل الولايات المتحدة، التي ترى في التصدعات في المجتمع الإيراني علامات ضعف. كما ويعتقد قادة إيران أن بناء الصلة الوثيقة مع الشعب مهمة وبخاصة لمواجهة واشنطن. ففي أثناء إدارة بايدن، اعتقدت واشنطن أنها قادرة على تأمين صفقة جديدة بناء على الضرر الاقتصادي الذي سببته استراتيجية ترامب "أقصى ضغط"،  لكن إيران، استطاعت وبقدر من التماسك الداخلي لمواجهة التهديد الخارجي من الولايات المتحدة، تبني موقف تفاوضي أكثر صرامة من ذي قبل.

وفي ضوء اعتقاد إدارة ترامب الآن بأن إيران باتت أضعف بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأنه قادر على تأمين صفقة مع طهران تكون أكثر ملاءمة للولايات المتحدة. وإذا لم يستطع، فقد طرح ترامب خيار استخدام القوة. ويزعم ترامب أنه قال للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في آذار/ مارس: "هناك طريقتان للتعامل مع إيران: عسكريا، أو إبرام صفقة". كما قال ترامب إن إدارته "في اللحظات الأخيرة مع إيران".

وبالنسبة لإيران، فإن وجود جمهور داعم أمر ضروري لتجاوز هذه العاصفة. وربما كانت تهديدات ترامب كافية لبناء الانسجام الداخلي والمقاومة. إلا أن مثال الأسد علم قادة إيران عدم ترك أي شيء للصدفة.



وبالمحصلة، طهران عازمة على منع الانقسامات الداخلية من إضعاف قدرة البلاد على تحمّل الضغوط. وتشكل الانفتاحات الاجتماعية والسياسية المحدودة استراتيجية محسوبة لتهدئة الإحباط العام قبل أن يتفاقم إلى اضطرابات جماهيرية.

وإذا كان الماضي دليلا، فإن هذا النهج قد يسمح للجمهورية الإسلامية بتصوير أي صراع مع الولايات المتحدة ليس كصراعٍ من أجل بقاء النظام، بل كمقاومة من قبل دولة ذات سيادة ضد الإكراه الخارجي. لكن هذا لا ينذر بتغير في الاستراتيجية الجوهرية للنظام. وبعبارة أخرى، فإن طهران ليست على استعداد للتخلي عن عقود من التحدي.


مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس أمناء «التنمية الأسرية»: زايد رسخ قيم الإنسانية وأصبح أيقونة ورمزاً للسلام
  • الرياضة النسائية تحقق قفزة مالية.. إيرادات متوقعة بـ2.35 مليار دولار
  • FA: كيف تستعد إيران للمواجهة مع ترامب.. وهل ستنقذ نفسها؟
  • أونكتاد: التجارة العالمية تسجل رقما قياسيا عند 33 تريليون دولار في 2024
  • حرب الإقتصاد… زيادة الرسوم الجمركية بين أميركا وأوروبا تهدد بـ9.5 تريليون دولار سنوياً
  • سعر الذهب يواصل ارتفاعه مع تزايد المخاوف الاقتصادية
  • 9.5 تريليون دولار في مهب الريح.. النزاع التجاري بين أمريكا وأوروبا يهدد الاقتصاد العالمي
  • النزاع التجاري بين أمريكا وأوروبا يضع 9.5 تريليون دولار في مهب الريح
  • حرب الرسوم تهدد 9.5 تريليون دولار من التجارة عبر الأطلسي
  • شعيب: توطين الطاقة الشمسية في ليبيا يواجه تحديات كبيرة