.عقب مباحثات متعددة، ولقاءات متبادلة بين مسؤولي الملفّ العسكري في كل من، تركيا، وبريطانيا- والمستمرة منذ أكثر من عامين- تم في نهاية المطاف توقيع اتفاق مؤخرًا، يهدف إلى زيادة حجم التعاون في العلاقات الأمنية والدفاعية بين البلدين.

الاتفاق يتضمن موافقة لندن على بيع أنقرة أربعين مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون"، التي تساهم في إنتاجها بالشراكة مع كل من إسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا.

هذا الاتفاق- الذي أيّدته إسبانيا، وإيطاليا- ترفضه ألمانيا لأسباب تتعلق برؤيتها لملف حقوق الإنسان في تركيا، وتدخلاتها العسكرية في الشمال السوري.

وتعهّدت إسبانيا، وبريطانيا بالعمل على إقناع ألمانيا بتغيير موقفها، والموافقة على تنفيذ هذه الصفقة؛ لما تمثّله من أهمية لحلف الناتو ولأعضائه في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها العالم اليوم، خاصةً أن موقع تركيا الجيوسياسي يجعلها تهيمن على بوابة البحر الأسود.

وهو الأمر الذي ساهم حتى الآن في عرقلة مرور السفن الحربيّة الروسية، وفي تصدير ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية، مما أنقذ العالمَ من مجاعة كانت محتملة الحدوث في كثير من دوله، في حال توقّف تصدير الحبوب الأوكرانية جراء الحرب الدائرة بينها وبين روسيا.

تزويد سلاح الطيران التركي بهذا النوع من الطائرات العسكرية الأوروبية تحديدًا، سينعكس دون شكّ على زيادة القدرات الدفاعية لتركيا.

كما سيعمل على سدّ الفجوة في أسطولها الجوي من مقاتلات الجيل الخامس؛ في ظلّ استمرار رفض الكونغرس الأميركي إتمام صفقة بيعها أربعين طائرة من طراز "إف -16″؛ تعويضًا لها عن استبعادها من عملية تصنيع وإنتاج طائرات "أف -35″، وإصراره على ربط هذه الصفقة بموافقة تركيا على عضوية السويد في حلف الناتو.

عضوية السويد

هذه الموافقة التي لا تزال تراوح مكانها، خاصةً بعد أن قررت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي تأجيلَ التصويت على طلب السويد، مُرجِعةً هذا التأجيلَ إلى ضرورة اقتناع جميع أعضاء البرلمان وموافقتهم بشكل كامل، وهو ما لم يحدث نتيجة عدم وجود خارطة طريق مكتوبة ومعلنة لمكافحة الإرهاب من جانب حكومة السويد.

موقف البرلمان التركي جاء متناسقًا مع تصريحات سابقة أدلى بها الرئيس أردوغان، أكّد فيها أنه لن يتهاون مع الدول التي تسمح بالمساس بمقدسات المسلمين، في إشارة إلى موافقة السويد والدانمارك على حرق نسخ من القرآن الكريم.

مضيفًا أنه شخصيًا لا يتوقع أن يوافق البرلمان التركي على طلب السويد، في ظل استمرار السماح لعناصر حزب العمال الكردستاني بالاحتجاج، والتظاهر في شوارع ستوكهولم، مطالبًا السويد بضبط قوانينها وإدخال التعديلات اللازمة عليها لإنهاء هذه الفوضى في شوارعها.

نصيحة تركية للإدارة الأميركية

تمسُّك تركيا بصفقة "يوروفايتر تايفون" البريطانية، والإصرار على إتمامها، يشير إلى أمرَين: أولهما: فقدانها الأمل في إمكانية إتمام صفقة "إف – 16" لصالحها في المنظور القريب على الأقل، بعد أن تمّ ربطها بشروط تراها أنقرة تدخلًا غير مقبول في قراراتها السيادية.

وثانيهما: رد عملي من جانبها على الموقف الأميركي المناهض لمصالحها، ومحاولات واشنطن الضغط عليها، ومقايضة مصالحها العسكرية الملحّة بمواقفها السياسية، مما يعد مساسًا غير مقبول باستقلالية قرارها، وسيادتها الوطنية، ورؤيتها لأمنها القومي.

إتمام صفقة "يوروفايتر" هو في حقيقة الأمر رسالة للإدارة الأميركية؛ مفادها أن هناك بدائلَ أخرى متاحة أمام تركيا، وأن الإحجام عن تنفيذ صفقة "إف -16"- إضافة إلى أنه لن يخدم مصالح أيّ من البلدين- سيزيد من حجم الضرر الواقع على مجمل علاقاتهما الإستراتيجية.

هذا يعني تراجع النفوذ الأميركي في بحر إيجه، وشرق المتوسط لصالح روسيا وحلفائها، وأن السعي لتقويض عمليات تطوير تركيا ترسانتَها الحربيةَ، وفرض عقوبات على صناعتها العسكرية، لن يثنيها ذلك عن تطوير قدراتها، وتنويع مصادر تسليحها، وزيادة حجم شراكاتها العسكرية؛ حفاظًا على مصالحها وأمنها القومي.

تحذير مباشر لليونان وقبرص

كما أنها رسالة مباشرة وواضحة إلى جارتَيها: اليونان وجنوب قبرص، بأنها عازمة على الحفاظ على تفوقها العسكري عليهما، وتطوير قدراتها في مواجهة ترسانتهما، مهما بلغ حجم الدعم الأميركي لكلتيهما، إذ تحظى الدولتان بدعم عسكري أميركي غير مسبوق، حيث تم تزويدهما بعدد هائل من الأسلحة والذخائر الأميركية حديثة الصنع، وفي مقدمتها طائرات "أف-35″، التي تمَّ استبعاد أنقرة منها، إضافة إلى نقل الكثير من المقاتلين في القوات الأميركية، وإقامة عدد كبير من القواعد العسكرية الأميركية على أراضيهما، ووضع جزء من أسطولها البحري في موانئهما، وهو ما اعتبرته أنقرة محاولة من جانب واشنطن لاستبدالهما بها، ورفع قدراتهما القتالية مقابل الحد من قدراتها العسكرية.

إزالة القلق من سباق التسلح

لذا فإنه مما لا شك فيه أنّ هذا النوع من الطائرات القتالية سيضمن لتركيا استمرار تفوق قواتها الجوية في المنطقة، التي تموج بالكثير من التوترات السياسية، والخلافات الأيديولوجية.

خاصةً ما يرتبط منها بالرفض الأوروبي – الأميركي لتحركاتها في شرق المتوسط، ومساعيها للتنقيب عن الطاقة، وما تتعرّض له من ضغوط من جانب خصومها الإقليميين والدوليين لإعاقة مصالحها، والحد من نفوذها في مناطق طالما اعتبرتها امتدادًا طبيعيًا لها تاريخيًا، وبُعدًا إستراتيجيًا للحفاظ على أمنها القومي.

إضافةً إلى إزالة قلقها الناجم عن توسيع القدرات الدفاعية الجوية لعدد من دول المنطقة الأكثر تأثيرًا في مساراتها السياسية، مثل: مصر، وبعض دول الخليج، وإسرائيل، وهو التوجّه الآخذ في التنامي، حيث تتدفّق أنواع مختلفة من الأسلحة التي تقدر بمليارات الدولارات، بدعم من فرنسا والولايات المتحدة، وعدد من الدول الأوروبية.

إضافة إلى أن زيادة حجم التعاون- في مجال الصناعات الدفاعية بين لندن وأنقرة- من شأنه تعديل مسار طموحات الأخيرة الخاصة بتطوير صناعة محركات مقاتلاتها المحلية بالتعاون مع الشركات الأوكرانية؛ نتيجة استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ تخطط تركيا حاليًا لاستبدال بريطانيا بأوكرانيا، من خلال رغبتها في توسيع نطاق التعاون بين شركات الصناعات الدفاعية لديها ونظيرتها البريطانية؛ لتطوير محركات طائراتها محلية الصنع، والاستفادة من الخبرات البريطانية في هذا المجال.

مكاسب اقتصادية وسياسية

أمّا المكاسب السياسية والاقتصادية- التي تسعى أنقرة لإحرازها من وراء إتمام هذه الصفقة، خاصة في ظل أزمتها الاقتصادية- فهي رفع مستوى علاقاتها التجارية مع بريطانيا، التي تعد ثاني أهم شريك تجاري على الصعيد الأوروبي بعد ألمانيا مباشرة، وسابع شريك تجاري على مستوى العالم، باستثمارات بلغت قيمتها 19 مليار دولار.

ومساهمة الشركات البريطانية البالغة 3200 شركة بحوالي 13.5 مليار دولار، من أصل أكثر من 250 مليار دولار استثمارات دولية مباشرة داخل تركيا خلال العشرين عامًا الماضية، في مجالات: الاتصالات، والتكنولوجيا، والتصنيع، والطاقة.

ومن هنا يتّضح مدى الأهمية التي توليها أنقرة لنجاح بريطانيا وإسبانيا في إقناع ألمانيا بإتمام صفقة الطائرات هذه، للمضي قدمًا في جني المكاسب الجمّة التي يمكن أن تنجم عنها، مما يزيد من قوة تأثيرها على المستويَين: الإقليمي والدولي، ويمنحها القدرة على مواجهة التحديات والمعوقات التي تقف في طريق تحقيق أهدافها السياسية والإستراتيجية والأمنية.

 

 

 

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إتمام صفقة

إقرأ أيضاً:

حرق القرآن واحكام الإعدام.. العلاقات العراقية – السويدية على المحك

السومرية نيوز – محليات
قبل نحو عام من الان وتحديدا في تموز 2023، وجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بسحب القائم بالاعمال العراقي في السويد ومغادرة السفيرة السويدية العراق. وذكر المكتب الاعلامي لرئاسة مجلس الوزراء في بيان له آنذاك ان "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وجه وزارة الخارجية بسحب القائم بالأعمال العراقي من سفارة جمهورية العراق في العاصمة السويدية ستوكهولم".   وأضاف ان "السوداني وجه أيضا بالطلب من السفيرة السويدية في بغداد بمغادرة الاراضي العراقية، رداً على تكرار سماح الحكومة السويدية بحرق القرآن الكريم والإساءة للمقدسات الإسلامية وحرق العلم العراقي".   ومنذ ذلك الحين فان وزارة الخارجية السويدية تدير أنشطة سفارتها لدى العراق مؤقتاً من ستوكهولم.   واستمر هذا الحال لغاية الان، الا ان قرارات حكم الإعدام على مواطنين سويديين قد يؤزم العلاقات اكثر، حيث أعلنت السويد، أمس الخميس، أن ثلاثة من مواطنيها حكم عليهم بالإعدام في العراق بتهمة الضلوع في إطلاق نار، مشيرة إلى أنها ستستدعي سفير بغداد لديها بشأن هذه الأحكام.   ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن وزارة الخارجية السويدية قولها إن "سفارتها لدى العراق التي تدار أنشطتها مؤقتاً من ستوكهولم، تلقت تأكيدات من السلطات المحلية أن ثلاثة مواطنين سويديين حكم عليهم بالإعدام في العراق".   ولم تقدم الوزارة تفاصيل حول حادث إطلاق النار، لكنها قالت إنها استدعت السفير العراقي لدى السويد، للاحتجاج على الأحكام والمطالبة بعدم تنفيذها.   وذكرت الخارجية السويدية في بيان: "نحن نتخذ خطوات لمنع تطبيق الأحكام"، مشيرة الى ان "التقارير أفادت بأن سويدياً رابعاً حُكم عليه أيضاً بالإعدام رغم عدم إمكان التأكد من هوية الشخص".   ولم يعد هذا الاعتراض السويدي على احكام الإعدام هو الأول من نوعه، فقد سبق وان عبرت الحكومة السويدية عن رفضها لاصدار القضاء العراقي حكما بالاعدام بحق مواطن سويدي.   وذكرت وزارة الخارجية السويدية إن "السلطات العراقية أكدت صدور حكم بالاعدام على مواطن سويدي، وأنها تلقت أيضا معلومات تفيد بأن مواطنا آخر أو اثنين صدر عليهما الحكم نفسه".   وقال وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم في بيان: "استُدعي القائم بالأعمال العراقي على وجه السرعة إلى وزارة الخارجية".   وأضاف: "نُقل، في الاجتماع، احتجاج السويد على أحكام بإعدام سويديين في العراق، ومطالبة العراق بعدم تنفيذ هذه الأحكام".   وأكد بيلستروم إن "السويد تعارض عقوبة الإعدام دائما وفي كل مكان وبغض النظر عن الظروف".   ولم تقدم وزارة الخارجية معلومات أخرى.   الا ان صحيفة أفتونبلاديت ذكرت أن "الرجال متهمون بالتورط في إطلاق النار على مواطن سويدي آخر في العراق بكانون الثاني".

مقالات مشابهة

  • الاعتداءات على السوريين في تركيا.. من المستفيد؟
  • جالانت: صفقة التبادل مع حماس لا تُلزمنا بتهدئة على الجبهة الشمالية إلا باتفاق مع حزب الله
  • كيف فـقـدت البشرية السيطرة؟
  • بعد تزايد مخاطر استهدافها.. بريطانيا تسحب آخر قطعها العسكرية من البحر الأحمر
  • تفاهمات يمنية سعودية جديدة تمدد مفاوضات مسقط (تفاصيل)
  • السويد تعترض على حكم الإعدام بحق ثلاثة من مواطنيها في العراق
  • اليابان تتعهد بتعزيز العلاقات مع بريطانيا في ظل حكومتها الجديدة
  • باحثة سياسية: خطاب ستارمر «يبث الأمل» والطموح للشعب البريطانى (فيديو)
  • تايوان ترصد 36 طائرة عسكرية صينية في محيطها
  • حرق القرآن واحكام الإعدام.. العلاقات العراقية – السويدية على المحك