الأسير محمود العارضة.. قائد عملية الهروب الكبير
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
محمود العارضة أمير أسرى حركة الجهاد الإسلامي في سجون الاحتلال، وهو بطل عملية "نفق الحرية". ولد عام 1975، واعتقل مرتين، وفي المرة الثانية حكم عليه بالسجن المؤبد و15 عاما، وحاول الهروب من سجنه عدة مرات، كانت آخرها في سبتمبر/أيلول 2021.
أُعيد اعتقاله بعد 4 أيام من الهروب، وتعرض لتحقيق شديد اعترف فيه بمسؤوليته الكاملة عن التخطيط وتنفيذ العملية من دون دعم خارجي.
ولد محمود عبد الله علي العارضة في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 1975 في بلدة عرابة شمال مدينة جنين، التي تقع في أقصى شمال الضفة الغربية في فلسطين، لأبوين فقيرين، ونشأ مناضلا منذ صغره كما وصفته والدته فتحية العارضة.
وينحدر محمود من عائلة مناضلة، فشقيقه أحمد اعتقل 21 عاما، وشقيقه رداد اعتقل مدة 19 عاما، وشقيقه شداد أمضى بضع سنوات داخل السجون، فضلا عن شقيقته هدى، الأسيرة المحررة التي تعيش في غزة، وتقول والدته فتحية إن منزلهم كان مأوى وملاذا للمقاومين الفلسطينيين إبان الانتفاضة الأولى.
وكان العارضة طيبا، حسن الخلق ومحبا للجميع، ومقبلا بنهم على المطالعة والبحث، كما وصفته عائلته وأقرانه. لكن نشأته في ظل الاحتلال الإسرائيلي لبلده قد رسمت له مسارا آخر لا يشبه بحال حياة أبناء جيله في بلدان مستقرة أخرى.
الدراسة والتكوين العلميلم تثْنِ فترةُ السجن والاعتقال الشاب الثائر عن مواصلة دراسته وتحصيله الأكاديمي، فقد تقدم العارضة لامتحانات الثانوية العامة أثناء سجنه واجتازها بنجاح، ثم تفرغ لدراسته الجامعية، وحصل على شهادة البكالوريوس في تخصص التربية الإسلامية، ووصفه رفاقه في السجن بأنه كان قارئا نهما، ومثقفا واسع الاطلاع.
جدارية للأسيرين محمود العارضة وزكريا الزبيدي (الجزيرة)وفي فترة سجنه أيضا أتم حفظ القرآن الكريم كاملا، وكان مواظبا على العبادات اليومية، ومتعاونا مع رفاقه في السجن على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، وصاحب نخوة يفزع إلى قضاء حاجات إخوانه في السجن. وكان قائدا وحدويا، مترفعا عن القضايا الحزبية والفئوية الضيقة، ويولي السجناء الأشبال عناية خاصة على الرغم من فارق السن.
وكان إلى هذا كله خفيف الظل طيب العِشْرة مرحا، ورياضيا متمرسا، وذا همة ثابتة تسعى إلى الحرية دون كلل، ترك لروحه التواقة للانطلاق فرصة التحليق في فضاءات الحرية.
الاعتقالتعرض العارضة للاعتقال يافعا، إذ اندلعت في فترة صباه أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان من المشاركين بفعالية في كل يومياتها، فرمى الحجارة والعبوات الحارقة "المولوتوف"، وأقام الحواجز وأشعل الإطارات، إلى أن اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى عام 1991، وحكمت عليه بالسجن 4 سنوات، على الرغم من طفولته.
من اليمين الأسرى: زكريا الزبيدي ومحمد العارضة ومحمود العارضة ويعقوب قادري (مواقع التواصل)أُفرج عنه أواخر عام 1994، بعد أن أمضى 44 شهرا في سجون الاحتلال، وعلى الرغم من سجنه لم يغير خط سيره المقاوم، فانضم إلى حركة الجهاد الإسلامي، ومن خلالها نفذ عدة هجمات ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، أسفرت إحداها عن مقتل مستوطن.
وقُبِض عليه مجددا عام 1996 وقُدم للمحاكمة، فحُكم عليه بالسجن المؤبد، إضافة إلى 15 سنة أخرى. وفي هذه الفترة تبلورت شخصيته القيادية وانتماؤه التنظيمي، فبات محمود العارضة أحد أبرز قيادات أسرى حركة الجهاد الإسلامي، وانتخب عضوا في الهيئة القيادية العليا لأسرى الحركة، ونائبا للأمين العام للهيئة.
الهروب الكبيرحاول محمود الهرب مرتين عام 2014 عندما كان مسجونا في سجن "شطة"، القريب من سجن "جلبوع"، لكن المحاولتين اكتشِف أمرهما، وعوقب العارضة بالعزل الانفرادي لأكثر من عام بعد الأخيرة منهما.
أما عملية "الهروب الكبير" من سجن "جلبوع" شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد حدثت في السادس من سبتمبر/أيلول 2021، ونفذها محمود العارضة مع 5 من رفاقه.
ويعدّ سجن جلبوع الذي هربوا منه أكثر المنشآت تأمينا، وتسميه الشرطة الإسرائيلية "الخزنة"، لشدة تحصينه وحراسته البشرية والإلكترونية.
والمناضلون الستة الذين نجحوا في اجتياز "نفق الحرية" هم: محمود العارضة وقريبه محمد قاسم العارضة وأيهم نايف كممجي ويعقوب قادري ومناضل نفيعات وهم من حركة الجهاد الإسلامي، ويضاف إليهم زكريا الزبيدي القيادي في كتائب الأقصى التابعة لحركة التحرير الفلسطيني (فتح).
وفي تفاصيل هذه العملية المعقدة، فقد حفر المقاومون، باستخدام أدوات معدنية بسيطة حفرة في أرضية زنزانتهم، أفضت إلى تجويف أسفل السجن بين أعمدة الأساسات الخرسانية، وقاموا بإكمال حفره أفقيا ليتجاوز جدار السجن السميك، إلى طريق ترابي خارج سياج السجن، بجانب أحد أبراج المراقبة.
ولم تنطلق صفارات الإنذار في السجن، ولا علمت الشرطة بالنقص في عدد السجناء إلا بعد أن تلقت شكاوى متعددة من سكان المناطق المجاورة للسجن، تفيد بوجود أشخاص غرباء ومشبوهين في الحقول المجاورة، أطلقت بعده الشرطة وقوات حرس الحدود الإسرائيلية حملات تفتيش مكثفة للإمساك بالسجناء الفارين.
وبعد اجتيازهم النفق تجمع المناضلون في مسجد قرية الناعورة، قبل أن يتفرقوا من بعده في الحقول المجاورة، وقد جاء على لسان محمود العارضة، الذي أعيد اعتقاله وزميله محمود قادري بعد 4 أيام من رحلة الحرية المضنية، أنهما لم يتمكنا من دخول أراضي الضفة الغربية لوجود تعزيزات أمنية غير اعتيادية على جميع المعابر، وأن أمرهما اكتشف صدفة من قبل دورية شرطة.
إعادة الاعتقال والمحاكمةتعرض الأسير محمود العارضة لأبشع صنوف البطش والتنكيل والتعذيب بعد إعادة اعتقاله في 10 سبتمبر/أيلول 2021، وعمل المحققون على تعذيبه نفسيا وجسديا من أجل الحصول على اعترافات عن عملية الهروب، ومن خطط لها أو قدم دعما لوجستيا لأبطال نفق الحرية.
وجاءت اعترافات العارضة- بحسب عدد من المحامين- أنه هو صاحب فكرة النفق، ولم يتلق أي دعم من خارج السجن، أو حتى من نزلاء الزنازين الأخرى، وأضاف أنه هو وزملاؤه طلابُ حرية من سجون احتلال غير شرعي، وأنهم فخورون بما قاموا به وغير نادمين، ونفى التهم التي واجهته بها المحكمة.
وجاءت تصريحات العارضة في قاعة المحكمة في الناصرة في أبريل/نيسان 2022 صادمة وواضحة، وعلى الرغم من محاولات الشرطة إسكاته بكل الطرق، وتشتيت وسائل الإعلام عن الاستماع لما يقول، فإنه نجح في إيصال صوته للعالم.
ومما قاله محمود العارضة "أردنا أن نقول للعالم إن هذا الوحش هو وهم من غبار"، وأضاف "فخور بما عملت لأنني إنسان، والإنسان دون حرية ليس إنسانا، أنا تحت الاحتلال، ومن حقي أن أتحرر بكل الطرق، وأنتم محتلون لأرضنا ومقدساتنا، ومن حقنا كشعب أن نكون أحرارا".
محمود العارضة وشيرين أبو عاقلةجاءت جلسة النطق بالحكم فيا 22 مايو/أيار 2022، وحُكم على محمود العارضة بـ5 سنوات جديدة، تضاف إلى 99 عاما كان محكوما بها سابقا. وجاءت هذه الجلسة بعد 11 يوما من اغتيال صحفية الجزيرة شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي.
وفي قاعة المحكمة، وعندما رأى العارضة طاقم الجزيرة طلب منهم إرسال رسالة تأبين لذوي شيرين بعنوان "شيرين هي النص المكتوب أمام زيفهم المكذوب".
وكانت الفقيدة شيرين أبو عاقلة زارت منزل الأسير العارضة بعد إعادة اعتقاله، وقدمت لوالدته "مرطبانا" من العسل قالت إنه هدية لها من محمود، ولا تزال أم محمود تحتفظ بالعسل، الذي يذكرها بابنها وبالفقيدة شيرين.
ولا يزال الزائرون لمنزل محمود العارضة يحرصون على تقديم العسل فقط، هدية لوالدة السجين، المحرومة من رؤيته.
المؤلفات والإنجازاتعلى الرغم من تنقله بين عدة سجون صهيونية، وخضوعه للعزل الانفرادي فترات طويلة أثناء سجنه، وحرمانه من الزيارات العائلية، ومنْع إدخال الكتب والأوراق والأقلام إلى زنزانته مرات متكررة، فإنه كان دائم المطالعة والدراسة، حريصا على تثقيف نفسه وصقل أفكاره، فأثمرت جهوده عددا من الأعمال الفكرية والأدبية، وهي:
كتاب فقه الجهاد. كتاب تأثير الشيخ الغزالي على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، منهجا وفكرا. رواية "الرواحل".المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حرکة الجهاد الإسلامی على الرغم من فی السجن من سجن
إقرأ أيضاً:
خسائر غولاني تدق ناقوس الخطر بجيش الاحتلال
قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية إن لواء غولاني، الذي يضم نخبة جنود جيش الاحتلال، خسر 110 من عناصره منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى الآن، وهي الحصيلة الأعلى ضمن ألوية المشاة.
وجاء في تقرير أعده المراسل العسكري للصحيفة غابي أشكنازي، الذي سلط الضوء على الخسائر الفادحة التي تكبدها لواء غولاني خلال الحرب، أن الخسائر تعد نتيجة مباشرة للفوضى العسكرية وانعدام الانضباط داخل اللواء، مما أثر على قدرته على تنفيذ مهامه القتالية بشكل فعال.
وفي مقابلات المراسل مع عدد من الضباط الذين شاركوا في العمليات القتالية في الجبهة الشمالية وفي قطاع غزة، أشاروا إلى أن هناك إخلالات كبيرة تتعلق بانعدام الانضباط والافتقار للتنسيق الجيّد في صفوف لواء غولاني.
وطالب ضابط شارك في المعارك الأخيرة قائد القيادة الشمالية بأن يتخذ إجراء حازما ضد قائد لواء غولاني، لأن اللواء تكبد خسائر ضخمة، بما في ذلك مقتل 110 من عناصره، مثيرا العديد من الأسئلة حول مدى فعالية القيادة والتدريب داخل هذا اللواء.
وأشار الضابط إلى أن هذه الخسائر غير مبررة، وأن هناك شيئا "غير صحيح" في طريقة تعامل قيادة اللواء مع العمليات العسكرية، مستندا إلى كمين حزب الله الأخير الذي قتل فيه جندي في حين أصيب قائد سرية بجروح بالغة، ورئيس أركان اللواء برتبة عقيد بجروح متوسطة.
ومن أبرز الأخطاء التي أشار إليها التقرير هو قرار رئيس أركان اللواء بشن عملية عسكرية لاستكشاف "قلعة" في منطقة القتال من دون الحصول على تصريح من القيادة العسكرية، إذ اعتبر الكاتب أن "هذا القرار لم يكن مدروسا وأدى إلى تعرض الجنود للقتل في ظروف غير مأمونة. هذه الأخطاء العملياتية تكشف عن مشكلة هيكلية في لواء غولاني، وهي أن هناك غيابا للانضباط في اتخاذ القرارات العسكرية".
ناقوس الخطرويشير تقرير المراسل العسكري إلى أن أكثر ما يثير القلق هو العدد الكبير من الضحايا الذي تكبده لواء غولاني في هذه الحرب مقارنة مع ألوية المشاة الأخرى (المظليين، وناحال، وغفعاتي، وكفير)، معتبرا إياها "إشارة حمراء يجب أن تستدعي اهتمام القيادة العليا في الجيش".
وتجاهل الكاتب في الوقت نفسه الأسباب المهمة لفداحة خسائر هذا اللواء وهو شراسة المقاومة في غزة ولبنان، واتباعها تكتيكات تجر الجنود إلى فخاخ معدة سلفا، وذلك حسب شهادات محللين عسكريين.
وتساءل الضابط الذي شارك في القتال قائلا "هل يتساءل قائد القيادة الشمالية، أو قائد الفرقة، أو رئيس الأركان عن أسباب هذه الفجوة في الإصابات"، وأكد أن كل الألوية تقاتل في الظروف نفسها، لكن هذا العدد الكبير من الضحايا يثير الشكوك حول وجود خلل في قيادة اللواء أو في طريقة تنفيذ العمليات.
مقاتل من لواء غولاني خلال مناورات سابقة (الفرنسية) "غير مفهوم"وفي سياق متصل، تطرق التقرير إلى حادث آخر وصفه بـ"غير المفهوم" وقع في منطقة قتال، حيث تم إدخال مدني (عالم آثار إسرائيلي) إلى المنطقة في وقت كان يجب على الجيش تجنب أي وجود غير عسكري.
وتساءل التقرير إذا كان هذا التدخل المدني قد يكون جزءا من عملية سياسية تهدف إلى تعزيز الاستيطان في جنوب لبنان. هذه الفرضية أثارت الشكوك حول إذا ما كانت هناك دوافع سياسية وراء بعض التحركات العسكرية، وهو ما يتطلب تحقيقا دقيقا.
ويرى معد التقرير أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق قائد لواء غولاني، بل تمتد لتشمل قيادة الجيش العليا، وعلى رأسها رئيس الأركان هرتسي هاليفي، وقائد القيادة الشمالية أوري غوردين، حيث كان "من المفترض أن يتخذ هؤلاء القادة خطوات سريعة للحفاظ على الانضباط داخل اللواء، وضمان التنسيق بين جميع الوحدات. وكان يجب عليهم أيضًا اتخاذ تدابير عاجلة لتجنب مزيد من الخسائر المدمرة".
وأضاف التقرير أن مسألة الانضباط العسكري لا ينبغي أن تقتصر على تصحيح الأخطاء الصغيرة، بل يجب أن تشمل مراجعة شاملة لكيفية اتخاذ القرارات في ظل الحروب الكبرى، وضمان عدم تكرار الأخطاء الميدانية التي أودت بحياة عديد من الجنود.
وفي الختام، دعا التقرير إلى إجراء تحقيقات فورية لمعرفة أسباب الفوضى في لواء غولاني، والبحث في دور القيادة العسكرية في تدهور الوضع داخل اللواء.