الجزيرة:
2025-02-06@07:32:05 GMT

الناشر والمؤلف في مصر.. حكاية عن الظلم والسرقة

تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT

الناشر والمؤلف في مصر.. حكاية عن الظلم والسرقة

في زمن مضى، كتب الدكتور طه حسين، رسالة إلى "دار المعارف" العريقة التي أسّسها في مصر واحدٌ من المثقفين "الشوام" في القرن الماضي، شكر فيها إدارة الدار على اهتمامها بنشر أعماله، وطلب "سلفة مالية " من الدار، حتى يستطيع الوفاء بنفقات رحلته السنوية إلى فرنسا.

وفي مسلسل "زينب والعرش" المأخوذ عن رواية "فتحي غانم"، ظهرت علاقة الناشر بالكاتب، وكانت علاقة راقية؛ الناشر ممسك بنسخة من "عقد نشر"، والكاتب الصحفي جالس جلسة اعتزاز بالنفس، والنديةُ واضحة في علاقة الطرفَين، ولكن كل هذا انتهى.

لقد أتى زمان على المؤلفين، جعلهم "مساكين" يتسوّلون النشر في الهيئتَين الحكوميتَين الخاضعتَين لوزارة الثقافة المصرية: "الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة"؛ لأنَّ النشر فيهما يعني الحصول على مبلغ مالي، يستطيع به المؤلف الفقيرـ وغالبية المبدعين والمؤلفين فقراءـ التصديَ لمطالب الحياة اليومية: من طعام وشراب وكساء.

وأصبح "الفساد" متحكمًا في السلاسل التي تصدر عن الهيئتين، فلو أنّ شاعرًا أو روائيًا تربطه علاقة مع "رئيس الهيئة " وهو "دكتور" من المَرْضيّ عنهم من جانب " السلطة الثقافية" فإنّ ديوانه أو روايته أو كتابه، يجد طريقه للنشر بسهولة، والعكس صحيح.

 أغلفة قبيحة

علامات الفساد في النشر في هاتَين الهيئتين، تجدها واضحة في "فاترينات" العرض الموجودة في منافذ بيع الكتب الخاصة بهما، على هيئة أغلفة قبيحة، رديئة التصميم والطباعة، وعناوين تافهة لا تضيف للقارئ شيئًا جديدًا.

وهي في أغلب الأحوال "رسائل جامعية" لأكاديميين من أبناء "أجهزة الأمن الثقافي" الذين حصلوا على الدرجات العلمية بطرق ملتوية، تقوم على الاستلطاف والمصالح والهدايا. ونشرُ هذه الرسائل في كتب، يمثل لهم "وجاهة " وأبّهة تزيد من وزنهم الاجتماعي والإداري داخل أسوار الجامعات التي يعملون فيها.

وهيئة قصور الثقافة، هي في الأصل هيئة مهمتها تقديم الثقافة للجماهير، ولم يكن النشر من الأعمال المكلفة بها، فهي كانت تحمل اسم "الثقافة الجماهيرية" وفكرتها استوردها "الدكتور ثروت عكاشة " ـ الضابط بسلاح الفرسان ـ من دولة "يوغسلافيا" في زمن "ناصر وتيتو"، وكان توليه منصب وزير الثقافة مواكبًا لزمن تعبئة "الجماهير"، وحشدها في صف النظام الحاكم في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

حظيرة المثقفين

وجاء "فاروق حسني " وجلس على مقعد وزير الثقافة، وجعل "هيئة قصور الثقافة " تنشر آلاف الكتب سنويًا، وهو الدور الذي تقوم به " الهيئة العامة للكتاب". وابتلعت ميزانية نشر الكتب، ما كان مخصصًا للمسرح والفن التشكيلي والأنشطة الأخرى، فأصبحت عملية "نشر الكتب"، مربحة للمبدعين العاملين في "هيئة قصور الثقافة"، والهيئة نفسها تحولت إلى جهاز لامتصاص "جيش العاطلين" من المبدعين وأنصاف المبدعين والذين لا يجيدون صناعة أو حرفة يتكسّبون منها.

كان الزمن زمن "إرهاب مسلح" يواجه النظام المباركي الحاكم، وكان "فاروق حسني" يلعب لعبة: "أطْعم الفَم تستحي العين"، ونجحت اللعبة في خلق تيار من "الكَتَبة والمتعلمين" الذين يسبّحون بحمد النظام "المدني" الحاكم، وهو لم يكن مدنيًا، بل كان بوليسيًا صريحًا.

ولم يكتفِ ـ وزير الثقافة ـ بما فعل، بل قال بكل وضوح في حديث صحفي مسجّل: "أنا وزير الثقافة الوحيد الذي أدخل المثقّفين حظيرة وزارة الثقافة"، وهي بالفعل كانت "حظيرة" تسمين وعلف لمنتحلي صفة "مثقف".

والمدهش في أمر هاتين الهيئتين أنهما توظفان رقباء على الإبداع، فلا تنشران إلا ما يجيزه هؤلاء الرقباء، وهذه الرقابة جعلت المبدعين الذين يحترمون أنفسهم وإبداعهم يلجؤُون للنشر الخاص، وهنا اتّضح الظلم وظهرت السرقة، فالناشر الخاص يطلب من المبدع "مساهمة مالية"، كانت في تسعينيات القرن الماضي حوالي "ألف جنيه مصري"، وبلغت في هذه الأيام أرقامًا ضخمة.

عقد إذعان واحتيال

يدفع المبدع المساهمة المالية، ويطبع الناشر الكتاب، ويوقع عقد إذعان مع المبدع أو المؤلف، يشترط فيه عدم انتقاده على "شبكة الإنترنت"، وعدم إلزامه بموعد محدد لنشر الكتاب.

وفي حال فوز الكتاب بجائزة مالية، يكون من حق الناشر الحصول على نصف قيمتها المالية، ولو أن الكتاب "رواية مثلًا" تم تحويله إلى فيلم أو مسلسل، لكان من حق الناشر، الحصول على نسبة مما يتقاضاه الكاتب من جهة الإنتاج.

كما أنَّ مدة "العقد" لا تقل عن خمس سنوات، ويتولى المبدع أو الكاتب الدعاية للكتاب، مستفيدًا من شبكة علاقاته ومعارفه من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، ولا توجد آلية تمكّن الكاتب أو المبدع من معرفة عدد النسخ التي طبعها الناشر، أو معرفة المتحقّق من أرباح، رغم نصّ العقد على: "يحصل الطّرف الثاني على نسبة كذا من الأرباح"، والطّرف الثاني، لا يعرف عدد النسخ المطبوعة أو التي بِيعت بالفعل.

وإن امتلك الجرأة وسأل ـ الناشر الكبيرـ عن نسبة الربح حسب المنصوص عليه في العقد، تهّرب الناشر، وقال ببساطة: " الكتاب ما باعْش ولا نسخة، هو موجود في المخزن وأنا خسرت فيه".

ومع تضخّم أعداد الكتّاب والراغبين في الحصول على لقب روائي وكاتب، اتّسع مجال الظلم والسرقة في سوق النشر الخاص، ومع تقدم الصناعة في الصين- وظهور مطابع من نوع جديد، تطبعُ عشرَ نسخ أو خمسًا- تحوّل الأمر إلى "خداع ونصب"، فالمساهمة المالية التي يدفعها "المؤلف" للناشر، يدفعُ الناشرُ منها تكلفةَ عددٍ من النسخ يعطيها للمؤلف، ويستولي لنفسه على بقية المبلغ، ويعود المؤلف إلى بيته سعيدًا، فيوقّع النسخ لعائلته وأصدقائه ويحتفل بطباعة ونشر كتابه، الذي لم تطبع منه غير مجموعة النسخ التي حملها في حقيبته.

بعض الناشرين ـ من اللصوص المحترفين ـ يضع عدة نسخ من الكتاب لدى بائع صحف في وسط القاهرة أو لدى اثنَين، فيرى المؤلف نسخة من كتابه لدى هذا البائع، ويتوّهم أن كتابه يغرق الأسواق ويحتلّ أرفف المكتبات في كل القرى والمدن والمحافظات والنجوع والقِفار!

كل هذا يحدث في سوق النشر في مصر، وما زال دولاب النشر يعمل وَفق قانون "الظلم والسرقة" وما زال النيل يجري، وما زال الناشرون يأكلون لحوم أبدان المؤلفين، والقائمون على النشر في "هيئة الكتاب" و"هيئة قصور الثقافة" ينشرون الكتب التافهة ويتقاضون الأموال، وما زالت الفئران في مخازن الهيئتين الحكوميتين تلتهم ما طُبِعَ من كتب لا تحمل أفكارًا، ولا تضيف للثقافة شيئًا، وكأنَّ الهيئتين اتحدتا على هدف واحد، هو تسمين "فئران" الوطن!

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هیئة قصور الثقافة وزیر الثقافة الحصول على النشر فی

إقرأ أيضاً:

خالد الجندي: معرض الكتاب عرس ثقافي يعكس قيم العلم والإيمان

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن المعرض الدولي للكتاب في مصر يمثل "عرسًا ثقافيًا" يعكس الهوية الثقافية والحضارية للأمة، مشيدًا بما يقدمه المعرض من فرصة كبيرة لجميع فئات المجتمع لاقتناء الكتب والاطلاع على أحدث إصدارات الثقافة والعلم.

وأشار عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الثلاثاء، إلى أن العد التنازلي قد بدأ حيث يُختتم المعرض يوم غد الأربعاء داعيًا جميع من لم يحظَ بفرصة المشاركة إلى زيارة هذا الحدث العظيم. 

ترامب يتعجب من صغر مساحة إسرائيل: "مثل قلم على مكتب" (فيديو) ناشطة يهودية: إسرائيل أكذوبة صهيونية والعلم الفلسطيني يمثلني (فيديو)

وأوضح أن هذا المعرض شكل له شخصيًا أيامًا مميزة، حيث اصطحب أولاده وأفراد أسرته للاستمتاع بأجواء المعرض، معتبراً أن هذه الزيارة كانت فرصة رائعة لتعميق العلاقة بين الأجيال وحب العلم.

وتابع الجندي: "ما رأيته في المعرض كان مذهلاً، كان هناك مشهد رائع للمثقفين الحقيقيين، حيث أظهر الجميع شغفًا بالقراءة والاطلاع، فضلاً عن حرصهم على أداء الصلاة في مواعيدها جماعة، شعرت أنني في محراب العلم، الأدب، والثقافة، وهو مشهد مبهر يبعث على الفخ"ر.

كما شدد الشيخ خالد الجندي على أهمية الثقافة في حياة الفرد، مؤكدًا أن القراءة والاطلاع هي الحاجز الأقوى ضد الانحرافات الفكرية كالإلحاد، وأوضح أن الثقافة هي أيضًا الوسيلة الفعالة للتربية الأخلاقية.

وقال: "إذا وجدت شخصًا يشكك في عقائده الدينية، فعليك أن تشك في مستوى ثقافته، العلم يدعو دائمًا إلى الإيمان، وهذا ما شاهدناه في المعرض من خلال المشاركين الذين أظهروا شغفًا حقيقيًا بالمعرفة".

كما عبر الجندي عن إعجابه بتنظيم المعرض، وأثنى على الهيئة المنظمة قائلاً: "أشكر هيئة المعارض على التنظيم الدقيق، والنظافة، والخدمات الممتازة التي تقدمها لكافة الزوار، المعرض يعكس صورة حضارية عظيمة، حيث يقدم كل الدعم للمشاركين من خلال ابتسامات، وحوارات هادئة، وأجواء مريحة".
 

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة الكتاب يعلن رومانيا ضيف شرف الدورة الـ٥٧ من معرض القاهرة الدولي للكتاب
  • صالون معرض الكتاب يناقش العلاقات الثقافية بين مصر ولبنان وفلسطين
  • خالد الجندي: معرض الكتاب عرس ثقافي يعكس قيم العلم والإيمان
  • القصة الكاملة لسحب «كاملات عقل ودين» في معرض الكتاب.. قرار دار النشر
  • كاملات عقل ودين يثير جدلا في معرض الكتاب.. وتحرك عاجل من دار النشر
  • الرحبي : عمان من الدول التي تبنت سياسات في مجالات التنمية المستدامة ضمن رؤيتها لعام 2040
  • هيئة قصور الثقافة تطلق عروض نوادي مسرح الطفل بشرق الدلتا غدا
  • معرض الكتاب يناقش «مستقبل الثقافة الرقمية في مصر»
  • معرض الكتاب يُناقش "مستقبل الثقافة الرقمية في مصر"
  • معرض الكتاب يناقش مستقبل الثقافة الرقمية في مصر