الجزيرة:
2024-11-23@21:24:08 GMT

الناشر والمؤلف في مصر.. حكاية عن الظلم والسرقة

تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT

الناشر والمؤلف في مصر.. حكاية عن الظلم والسرقة

في زمن مضى، كتب الدكتور طه حسين، رسالة إلى "دار المعارف" العريقة التي أسّسها في مصر واحدٌ من المثقفين "الشوام" في القرن الماضي، شكر فيها إدارة الدار على اهتمامها بنشر أعماله، وطلب "سلفة مالية " من الدار، حتى يستطيع الوفاء بنفقات رحلته السنوية إلى فرنسا.

وفي مسلسل "زينب والعرش" المأخوذ عن رواية "فتحي غانم"، ظهرت علاقة الناشر بالكاتب، وكانت علاقة راقية؛ الناشر ممسك بنسخة من "عقد نشر"، والكاتب الصحفي جالس جلسة اعتزاز بالنفس، والنديةُ واضحة في علاقة الطرفَين، ولكن كل هذا انتهى.

لقد أتى زمان على المؤلفين، جعلهم "مساكين" يتسوّلون النشر في الهيئتَين الحكوميتَين الخاضعتَين لوزارة الثقافة المصرية: "الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة"؛ لأنَّ النشر فيهما يعني الحصول على مبلغ مالي، يستطيع به المؤلف الفقيرـ وغالبية المبدعين والمؤلفين فقراءـ التصديَ لمطالب الحياة اليومية: من طعام وشراب وكساء.

وأصبح "الفساد" متحكمًا في السلاسل التي تصدر عن الهيئتين، فلو أنّ شاعرًا أو روائيًا تربطه علاقة مع "رئيس الهيئة " وهو "دكتور" من المَرْضيّ عنهم من جانب " السلطة الثقافية" فإنّ ديوانه أو روايته أو كتابه، يجد طريقه للنشر بسهولة، والعكس صحيح.

 أغلفة قبيحة

علامات الفساد في النشر في هاتَين الهيئتين، تجدها واضحة في "فاترينات" العرض الموجودة في منافذ بيع الكتب الخاصة بهما، على هيئة أغلفة قبيحة، رديئة التصميم والطباعة، وعناوين تافهة لا تضيف للقارئ شيئًا جديدًا.

وهي في أغلب الأحوال "رسائل جامعية" لأكاديميين من أبناء "أجهزة الأمن الثقافي" الذين حصلوا على الدرجات العلمية بطرق ملتوية، تقوم على الاستلطاف والمصالح والهدايا. ونشرُ هذه الرسائل في كتب، يمثل لهم "وجاهة " وأبّهة تزيد من وزنهم الاجتماعي والإداري داخل أسوار الجامعات التي يعملون فيها.

وهيئة قصور الثقافة، هي في الأصل هيئة مهمتها تقديم الثقافة للجماهير، ولم يكن النشر من الأعمال المكلفة بها، فهي كانت تحمل اسم "الثقافة الجماهيرية" وفكرتها استوردها "الدكتور ثروت عكاشة " ـ الضابط بسلاح الفرسان ـ من دولة "يوغسلافيا" في زمن "ناصر وتيتو"، وكان توليه منصب وزير الثقافة مواكبًا لزمن تعبئة "الجماهير"، وحشدها في صف النظام الحاكم في سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

حظيرة المثقفين

وجاء "فاروق حسني " وجلس على مقعد وزير الثقافة، وجعل "هيئة قصور الثقافة " تنشر آلاف الكتب سنويًا، وهو الدور الذي تقوم به " الهيئة العامة للكتاب". وابتلعت ميزانية نشر الكتب، ما كان مخصصًا للمسرح والفن التشكيلي والأنشطة الأخرى، فأصبحت عملية "نشر الكتب"، مربحة للمبدعين العاملين في "هيئة قصور الثقافة"، والهيئة نفسها تحولت إلى جهاز لامتصاص "جيش العاطلين" من المبدعين وأنصاف المبدعين والذين لا يجيدون صناعة أو حرفة يتكسّبون منها.

كان الزمن زمن "إرهاب مسلح" يواجه النظام المباركي الحاكم، وكان "فاروق حسني" يلعب لعبة: "أطْعم الفَم تستحي العين"، ونجحت اللعبة في خلق تيار من "الكَتَبة والمتعلمين" الذين يسبّحون بحمد النظام "المدني" الحاكم، وهو لم يكن مدنيًا، بل كان بوليسيًا صريحًا.

ولم يكتفِ ـ وزير الثقافة ـ بما فعل، بل قال بكل وضوح في حديث صحفي مسجّل: "أنا وزير الثقافة الوحيد الذي أدخل المثقّفين حظيرة وزارة الثقافة"، وهي بالفعل كانت "حظيرة" تسمين وعلف لمنتحلي صفة "مثقف".

والمدهش في أمر هاتين الهيئتين أنهما توظفان رقباء على الإبداع، فلا تنشران إلا ما يجيزه هؤلاء الرقباء، وهذه الرقابة جعلت المبدعين الذين يحترمون أنفسهم وإبداعهم يلجؤُون للنشر الخاص، وهنا اتّضح الظلم وظهرت السرقة، فالناشر الخاص يطلب من المبدع "مساهمة مالية"، كانت في تسعينيات القرن الماضي حوالي "ألف جنيه مصري"، وبلغت في هذه الأيام أرقامًا ضخمة.

عقد إذعان واحتيال

يدفع المبدع المساهمة المالية، ويطبع الناشر الكتاب، ويوقع عقد إذعان مع المبدع أو المؤلف، يشترط فيه عدم انتقاده على "شبكة الإنترنت"، وعدم إلزامه بموعد محدد لنشر الكتاب.

وفي حال فوز الكتاب بجائزة مالية، يكون من حق الناشر الحصول على نصف قيمتها المالية، ولو أن الكتاب "رواية مثلًا" تم تحويله إلى فيلم أو مسلسل، لكان من حق الناشر، الحصول على نسبة مما يتقاضاه الكاتب من جهة الإنتاج.

كما أنَّ مدة "العقد" لا تقل عن خمس سنوات، ويتولى المبدع أو الكاتب الدعاية للكتاب، مستفيدًا من شبكة علاقاته ومعارفه من الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، ولا توجد آلية تمكّن الكاتب أو المبدع من معرفة عدد النسخ التي طبعها الناشر، أو معرفة المتحقّق من أرباح، رغم نصّ العقد على: "يحصل الطّرف الثاني على نسبة كذا من الأرباح"، والطّرف الثاني، لا يعرف عدد النسخ المطبوعة أو التي بِيعت بالفعل.

وإن امتلك الجرأة وسأل ـ الناشر الكبيرـ عن نسبة الربح حسب المنصوص عليه في العقد، تهّرب الناشر، وقال ببساطة: " الكتاب ما باعْش ولا نسخة، هو موجود في المخزن وأنا خسرت فيه".

ومع تضخّم أعداد الكتّاب والراغبين في الحصول على لقب روائي وكاتب، اتّسع مجال الظلم والسرقة في سوق النشر الخاص، ومع تقدم الصناعة في الصين- وظهور مطابع من نوع جديد، تطبعُ عشرَ نسخ أو خمسًا- تحوّل الأمر إلى "خداع ونصب"، فالمساهمة المالية التي يدفعها "المؤلف" للناشر، يدفعُ الناشرُ منها تكلفةَ عددٍ من النسخ يعطيها للمؤلف، ويستولي لنفسه على بقية المبلغ، ويعود المؤلف إلى بيته سعيدًا، فيوقّع النسخ لعائلته وأصدقائه ويحتفل بطباعة ونشر كتابه، الذي لم تطبع منه غير مجموعة النسخ التي حملها في حقيبته.

بعض الناشرين ـ من اللصوص المحترفين ـ يضع عدة نسخ من الكتاب لدى بائع صحف في وسط القاهرة أو لدى اثنَين، فيرى المؤلف نسخة من كتابه لدى هذا البائع، ويتوّهم أن كتابه يغرق الأسواق ويحتلّ أرفف المكتبات في كل القرى والمدن والمحافظات والنجوع والقِفار!

كل هذا يحدث في سوق النشر في مصر، وما زال دولاب النشر يعمل وَفق قانون "الظلم والسرقة" وما زال النيل يجري، وما زال الناشرون يأكلون لحوم أبدان المؤلفين، والقائمون على النشر في "هيئة الكتاب" و"هيئة قصور الثقافة" ينشرون الكتب التافهة ويتقاضون الأموال، وما زالت الفئران في مخازن الهيئتين الحكوميتين تلتهم ما طُبِعَ من كتب لا تحمل أفكارًا، ولا تضيف للثقافة شيئًا، وكأنَّ الهيئتين اتحدتا على هدف واحد، هو تسمين "فئران" الوطن!

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هیئة قصور الثقافة وزیر الثقافة الحصول على النشر فی

إقرأ أيضاً:

«الصناعة» تُشكل لجنة لبحث تحديات هيئة الدواء.. خبراء: يعد القطاع أحد أهم الركائز التي تدعم منظومة الصحة والاقتصاد الوطني.. ونجاح المبادرة مرهون بقدرة اللجنة على تنفيذ التوصيات ووضع خطة عمل واضحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يمثل قطاع الدواء أحد الأعمدة الرئيسية لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الصحي، حيث يلعب دورًا حيويًا في تلبية احتياجات المواطنين وضمان توفير الأدوية بأسعار مناسبة وجودة عالية ومع التحديات المتزايدة التي تواجه هذا القطاع في السنوات الأخيرة، أصبح من الضروري اتخاذ خطوات جادة وفعالة لإزالة العقبات وتوفير بيئة مواتية للنمو والتطوير.

وفي هذا السياق، جاءت استجابة الحكومة، ممثلة في الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، للمطلب المقدم من شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، لتؤكد حرص الدولة على دعم الصناعات الدوائية والعمل على إيجاد حلول عملية للمشكلات التي تعترض طريقها ويأتي هذا التحرك يعكس استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تعزيز القطاع الصناعي ككل، وجعله أحد المحركات الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة.

حيث استجاب الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، لمطلب الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، بتشكيل لجنة تضم عددًا من المختصين، من بينهم الدكتور عوف، لدراسة التحديات التي تواجه قطاع الدواء والعمل على إزالة العقبات التي تعرقل تطوره.

وجاءت هذه الخطوة بعد أن ناشد الدكتور علي عوف الحكومة، عبر بيان رسمي سابق، بضرورة الإسراع في تشكيل لجنة لمناقشة المشكلات التي يعاني منها قطاع الدواء وأشار في بيانه إلى أهمية هذا القطاع الذي يضم أكثر من 2000 شركة ومصنع وموزع، تمثل كيانًا كبيرًا يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات السوق المحلي.

وقد عبرت شعبة الأدوية عن امتنانها لهذه الاستجابة السريعة من الحكومة، حيث أرسلت برقية شكر وتقدير إلى الفريق كامل الوزير وأشادت بالاجتماعات الدورية التي يعقدها الوزير مع المستثمرين لبحث مشكلاتهم والعمل على حلها بفعالية، مؤكدة أن هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية الدولة لتعزيز القطاع الصناعي ووضعه ضمن أولويات التنمية.

وأكد الدكتور علي عوف أن تشكيل اللجنة يُعد تطورًا إيجابيًا يعكس اهتمام الحكومة بقطاع الدواء، الذي شهد تحديات كبيرة في الفترة الأخيرة. وأعرب عن أمله في أن تسهم هذه الجهود في تعزيز الإنتاج المحلي وتطوير الصناعات الدوائية بما يدعم تحقيق الاكتفاء الذاتي ويقلل الاعتماد على الواردات.

استجابة وزير الصناعة

وفي هذا السياق يقول محمود فؤاد رئيس المركز المصري للحق في الدواء، يعتبر قطاع الدواء أحد الركائز الأساسية التي تدعم منظومة الصحة العامة والاقتصاد الوطني ومع تنامي التحديات التي يواجهها هذا القطاع الحيوي، جاء قرار وزير الصناعة بتشكيل لجنة مختصة بالتعاون مع شعبة الأدوية خطوة هامة لمعالجة الأزمات وتعزيز مكانة الصناعة الدوائية.

وأضاف فؤاد، أن استجابة وزير الصناعة لمطالب شعبة الأدوية التي تتعلق بتحديات تواجه القطاع، مثل نقص المواد الخام وغيرها مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج، والتغيرات التنظيمية خطوة جيدة لدعم القطاع من خلال تبني سياسات تسهم في تخفيف الأعباء على الشركات المصنعة، وتعزيز قدرتها على المنافسة محليًا ودوليًا.

تشكيل لجنة مختصة

وفي نفس السياق يقول محمود علي طبيب صيدلي، أن الإعلان عن تشكيل لجنة متخصصة تضم ممثلين عن شعبة الأدوية، وخبراء في الصناعة، ومسؤولين حكوميين بداية الطريق الصحيح لضبط سوق الدواء وطالب علي اللجنة بدراسة المشكلات المطروحة ووضع حلول عملية قابلة للتنفيذ مثل تقييم العقبات التنظيمية والإدارية واقتراح سياسات لدعم المنتجين المحليين إلى جانب تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص ووضع آليات لضمان توفير الأدوية بأسعار معقولة.

وأضاف «علي»، رغم أهمية هذه المبادرة، يبقى نجاحها مرهونًا بقدرة اللجنة على تنفيذ التوصيات ووضع خطة عمل واضحة حيث تحتاج الحكومة إلى توفير الدعم المالي والفني اللازم لضمان تحقيق النتائج بالإضافة إلى أن تشكيل لجنة لبحث تحديات قطاع الدواء خير دليل على الاهتمام الحكومي بصناعة الدواء، التي تعد دعامة أساسية للأمن الصحي والاقتصادي، موضحًا أن التنفيذ الفعال لتوصيات اللجنة، يمكن أن يشهد القطاع نقلة نوعية تسهم في تحسين مستوى الخدمات الصحية وتحفيز الاستثمار في هذه الصناعة الحيوية.

مقالات مشابهة

  • «الصناعة» تُشكل لجنة لبحث تحديات هيئة الدواء.. خبراء: يعد القطاع أحد أهم الركائز التي تدعم منظومة الصحة والاقتصاد الوطني.. ونجاح المبادرة مرهون بقدرة اللجنة على تنفيذ التوصيات ووضع خطة عمل واضحة
  • تقال عند الشدائد.. حكم قول حسبي الله ونعم الوكيل
  • وزير الثقافة: ليس دفاعاً عن وليد جنبلاط بقدر ما هو دفاعٌ عن لبنان من الفتن التي تحاك
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الـ 47
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الدولي الـ٤٧ (صور)
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الـ٤٧
  • هيئة الكتاب تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب
  • هيئة الكتاب تشارك بإصدارات متنوعة في معرض الكويت الـ47
  • «هيئة الكتاب» تصدر «كل النهايات حزينة» للكاتب عزمي عبد الوهاب
  • الثقافة تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب بهيئة الكتاب