تستعرض بوابة الفجر في التقرير التالي، كلمة أحمـــــــد أبـو الغيـط، الأميــــن العام لجــــامعة الدول العربية، أمام مجلس الأمن خلال جلسته رفيعة المستوي في نيويورك، لمناقشة الــوضع في غــــزة.

وقال أيوالغيط، معالي السيد/ وانغ يي، وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية أصحاب المعالي السيدات والسادة

 اسمحوا لي أن أحصر حديثي اليوم في أربع نقاط رئيسية:

أولًا: إن كل يوم يمُر مع استمرار العدوان الاسرائيلي علي غزة يبعدنا عن سلامٍ مستدام في المستقبل.

. هذا القتل والتدمير بالجملة من ناحية والعقاب الجماعي الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي من ناحية اخرى يزرع الكراهية والغضب في فلسطين والمنطقة لسنوات قادمة.. ويترك جراحًا مفتوحة لن تندمل بسهولة.

وبالتالي فإن الساعين من أجل السلام عليهم إدراك الخطورة الكبيرة التي ينطوي عليها استمرار حربٍ مفتوحة تُدار بهذا الشكل.. ثمن هذه المذبحة المستمرة لا يدفعه فقط المدنيون الفلسطينيون والأطفال والنساء الذين يفقدون حياتهم أو حياة أحبائهم، وإنما سندفعه جميعًا في مستقبل الأيام، لذلك من الضروري العمل على وقف الحرب، بشكل فوري وتحويل الهدنة الإنسانية إلى هدنة مطولة ووقف كامل لإطلاق النار، وضمان استعادة الهدوء، ومساعدة الناس في غزة على استعادة الحد الأدنى من حياتهم الطبيعية، هذه مسئولية مجلسكم في المقام الأول ليس فقط تجاه ملايين المدنيين في غزة، ولكن  نحو مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة.

ثانيا:  إن معالجة الكارثة الإنسانية التي تخلفها آلة الحرب الاسرائيلية، والتي تتكشف مدى فظاعتها كل يوم، هي أيضًا مسئولية عالمية عاجلة وُملحة، لقد رأينا الناس في غزة وهم يحاولون العودة إلى أطلال بيوتهم التي تهدمت في شمال القطاع.. ورأينا كافة نظم الحياة وهي تتداعى بعد خمسين يومًا من القصف الشامل.. لقد تحولت الغالبية الكاسحة من سكان غزة إلى نازحين داخل بلدهم.. بلا مأوى ودون الحد الأدنى من مقومات الحياة.. وهنا، فإن إدخال المساعدات الإنسانية، في إطار آلية مستدامة وناجزة، يُمثل الفارق بين الحياة والموت لملايين السكان المكدسين في خيم الإيواء ومدارس الأونروا في الجنوب.

إن الكثيرين يغفلون حقيقة أن ما يدخل غزة من مساعدات يمثل أقل من الحد الادني المطلوب من احتياجات سكانها، ولا يعني ذلك سوى حكم بالإعدام على مئات الآلاف من الناس.. لا يعني سوى المجاعة وانتشار الأوبئة.

إنها مسؤوليتكم في هذا المجلس.. ونتطلع إلى قرار سريع يمهد الطريق أمام دخول المساعدات والمواد الأساسية اللازمة لإعاشة البشر.. من غذاء ودواء وكساء ووقود.. عبر آلية سريعة وناجزة تواكب خطورة الكارثة الإنسانية المروعة وتمنع وقوع السيناريو المرفوض والمتمثل في الموت جوعًا أو مرضًا.. بدلًا من الموت قصفًا.

ثالثًا: برغم أن وقف العدوان الاسرائيلي هو أولوية مُطلقة كما حددتها القمة العربية الإسلامية... إلا أننا لسنا بغافلين عن ضرورة النظر إلى المستقبل. وندعو مجلسكم ايضًا إلى ان يمد نظره إلى الافق السياسي لهذا الوضع المؤلم.. فمهما كان الحاضر الذي نشهده مؤلمًا.. بل مُخزيًا.. فإن المستقبل لا يعني سوى شيء واحد:  الضرورة الحتمية لبزوغ الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.

أما التفكير في مستقبل لقطاع غزة بمعزل عن الدولة..  أو التفكير في تهجير الفلسطينيين…. أو ما شابه ذلك من حلول "أمنية"، فقد عفا عليه الزمن بعد أن أثبتت هذه الحلول فشلها الذريع لكل ذي عينين.

أما التفكير السليم فيقتضي العمل وبأسرع وقت ممكن على  تحقيق حل الدولتين وله مقوماتٍ معروفة، ومُحدداتٍ اتُفق عليها منذ أكثر من ثلاثين عامًا والأهم من ذلك أنه يحظى بالإجماع العالمي ويُمثل جوهر مبادرة السلام العربية التي أُطلقت منذ أكثر من عشرين عامًا والدولة الوحيدة التي ترفض حل الدولتين هي دولة الاحتلال.

وعليه؛ فإن إنفاذ هذا الحل وتحقيقه على الأرض يتطلب في الأساس مواجهة شجاعة وحاسمة مع الاحتلال ومع أوهامه المتجذرة في الاحتفاظ بالأرض كل الأرض، وتحقيق الأمن معًا. وهذا طريق  دولة فصل عنصري، بلا حقوق للشعب الفلسطيني من أي نوع وبلا أفق سياسي يتطلع إليه الفلسطينيون وهي مرفوضة قطعا من العالم كله.

وتابع أبو الغيط، أن الطريق إلى حل الدولتين لا يمر عبر مفاوضات لا تنتهي، ولكن من خلال إرادة دولية حاسمة لإنفاذ هذا الحل وتحويله إلى واقع في أسرع وقت عبر إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وأعتقد أن الحرب الحالية ضد الشعب الفلسطيني في غزة تفتح أمامنا نافذة  يتعين اغتنامها قبل أن تُغلق، إننا ننشد تسوية تضمن ألا تتكرر هذه المآسي،

تسوية توفر الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني والأمن والسلام للإسرائيليين. 

تسوية ستكون فقط ممكنة إذا اجتمعت الإرادة الدولية على تحويلها إلى واقع عبر مؤتمر دولي  يرسم مسارًا محددًا وبأفق زمني واضح وفي أجل قريب لإنهاء آخر احتلال عسكري استيطاني ممتد على وجه الأرض، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق انفصال سلمي بين الشعبين، وبضمانات أمنية من المجتمع الدولي بهدف استدامة هذه التسوية.

رابعًا وأخيرًا: إن الحرب على غزة أفرزت حالة إيجابية  نلمسها في تجليات الرأي العام العالمي- وتعكس إدراكًا لعالمية القيم الأخلاقية وشمولها، ورفضًا لازدواجية المعايير الصارخة والفاضحة... ولكن يُقابلها، في الوقت نفسه، قدر هائل من الغضب والشعور بالخذلان وبالذات لدى الشعوب العربية والإسلامية.. خذلان النظام العالمي الذي يفترض فيه أن يقوم على القواعد واحترام القانون الدولي.. وخذلان من تحدثوا كثيرًا عن القيم والمبادئ الأخلاقية ثم تغيرت مواقفهم بتغير الظروف.

وهنا؛ فإن استعادة الثقة.. ثقة الشعوب جميعًا، وثقة العرب والمسلمين على وجه الخصوص، في عدالة القواعد الدولية وشمولها.. هو أمر ضروري يتعين على الجميع الانتباه له.. حتى لا نحصد في مستقبل قريب حصادًا مُرًا لهذا الغضب المكتوم، والذي يصير –كما علّمنا التاريخ- طاقة يسهل على الاتجاهات المتشددة استغلالها وتوجيهها.

والطريق إلى استعادة الثقة في هذه اللحظة –لحظة الحقيقة كما قال بصدق السكرتير العام "أنطونيو جوتيريش"- واضحٌ وجليٌ: إنه يتلخص في اتخاذ الموقف السليم المؤسس على الإنسانية والأخلاق، بغض النظر عن الدين أو العرق أو القومية في رفض الخروج عن القانون الدولي الإنساني، وإدانة كل من يمارس انتهاك القانون، أيًا كان الطرف الذي يُمارس هذا الانتهاك ورفض وإدانة قتل المدنيين على إطلاقه، وليس بصورة انتقائية أو مُجتزأة هكذا فقط نُحصن المجتمع العالمي من شرور وآفات صراعات الحضارات والأديان ولمجلسكم دور رئيسي في ذلك.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: فلسطين مجلس الأمن أحمد أبو الغيط الاحتلال الاسرائيلي الأمين العام لجامعة الدول العربية جامعة الدول العربية فی غزة

إقرأ أيضاً:

العالم عبارة عن مزيج من الثقافات الإنسانية

الكثير من المشاكل التي تشعل الحروب والفتن بالعالم تنشأ في الأساس نتيجة لغياب اللغة المشتركة. وحينما نقول اللغة المشتركة فإننا نعني الأساليب التي تناسب بها الأفكار بين الناس هي أساليب تختلف بدرجات متفاوتة نتيجة لاختلاف ثقافات البشر.

لقد شهدت تسعينات القرن الماضي زوال كتلة المعسكر الشرقي وعلى رأسها الإتحاد السوفيتي. وهي كتلة كانت تمثل قوة عظمى شكلت في مقابل المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية نوعاً من التوازن في السياسة الدولية، نتج عنه ما تمتعت به مجموعة من الشعوب والمجموعات والدول الصغيرة أو الضعيفة من قدر نسبي من الاستقلالية فيما يخص توجهاتها العامة واحتفاظها بهوياتها الثقافية والاجتماعية لفترة طويلة.

كانت أبرز ملامح العالم الجديد هو بزوغ المعسكر الغربي الرأسمالي على المستوي العسكري والسياسي أولاً ثم تبعت ذلك التجليات الثقافية والاجتماعية الرامية إلى نقض الأنماط الثقافية والاجتماعية الأخرى المخالفة لتوجهات ذلك المعسكر، والعمل على إشاعة نمط واحد وتصويره على أنه هو النموذج الأفضل للحياة الإنسانية.

ولا نستغرب كثيراً أن بعض المفكرين خصوصاً الذين ينطلقون من فرضية انتصار نمط بعينه التي أشاعها هذا الفهم والتي نجد أبرز أمثلته في الكتابات التي صدرت في تسعينيات القرن الماضي لعدد من المفكرين الغربيين وأبرز تلك الكتابات، أطروحة “نهاية التاريخ” والتي كتباها فرانسيس فوكوياما، وهو مفكر أمريكي وجد في نهاية الحرب الباردة وانتصار النموذج الغربي الليبرالي الأمريكي أنه الشكل الأخير للحياة الإنسانية على كوكب الأرض، ودافع عن فكرته من حيث هذا النمط والنموذج الثقافي، وهو خلاصة التطبيق الإنساني لفلسفة الحرية الفردية التي صارت حرية المجتمع.

ونظراً للحالة التي كان العالم يعيشها في ذاك الوقت، فقد وجدت هذه الأطروحة رواجاً كبيراً وتصدت لنشرها عدد من المنابر والصحف ودور النشر، واهتمت بها الدوائر الثقافية على مستوى العالم وعملت بها بحثاً ودراسة كل حسب زاوية نظره للأمور. لكن أبرز نقد وجه لهذه الأطروحة كان متمثلاً في أن الكاتب لم يستطع أن يبرر حالات الفقر المدقع والحروب المستمرة والنزاعات التي تنتشر وما إذا كانت هذه الصورة هي ما يبشر به النمط الثقافي الجديد المتمثل في ثقافة ذات بعد واحد.

غير بعيد عن هذا الأمر كانت مساهمة أخرى تمثلت في كتاب “صدام الحضارات” للمفكر صمويل هنتنغتون الذي قسم العالم إلى غرب وشرق وساق التباين الثقافي بين الاثنين بما خلص منه إلى حتمية أن يتم صدام شامل بين هاتين الحضارتين.

فالأساس الذي وضعه الكاتب هذه المرة لم يكن أساساً أو نظرية سياسية، وإنما انطلق من مفهوم مبنى عليه فكرة التباين الثقافي التي تقتضي أن ينقسم العالم في النهاية إلى جزئين كبيرين هما الشرق والغرب وأن الصدام بينهما هو نهاية الاستقطاب الثقافي الكبير بينهما.

أيضاً هذه الأطروحة تعاملت مع الشأن الثقافي ككل غير تاريخي وغير قابل للتحول والتنوع، فمفاهيم الثقافة مفاهيم جدلية وليست جامدة، وهي متغيرات في حالة تفاعل مستمر مع معطيات الواقع حولها. فليس هناك شرق محض أو غرب محض. العالم هو مزيج من الثقافات الإنسانية المتداخلة والمتعددة والمتنوعة.

وأختم حديثي عن قصة شهيرة عن النبي إبراهيم “علية السلام”: جاء رجل للنبي وطلب منه أنْ يبيت عنده، أو أنْ يضيفه، فسأله إبراهيم عليه السلام عن دينه فقال: إنه مجوسي، فردَّ الباب في وجهه، فعاتبه ربه في ذلك، وقال له: يا إبراهيم تريده أنْ يغير دينه لضيافة ليلة، وهو طول عمرة عايش تحت رحمتي؟؟ فقام النبي إبراهيم ولحق بالرجل: وقال الرجل فقد أتيت لك ورديتني …

فقال نبينا إبراهيم: لقد عاتبني ربي.

فرد الرجل المجوسي: نعم الرب، رباً يعاتب أحبابه في أعدائه، ثم دخل الإسلام وأمن بالله.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال الإسرائيلي يدمر البنية التحتية للمياه في رفح ويفاقم الأزمة الإنسانية
  • الاحتلال الاسرائيلي يقتحم عدة مناطق في رام الله
  • طهران تدين العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن
  • الاحتلال الاسرائيلي يواصل إغلاق معبري كرم أبو سالم وبيت حانون لليوم الـ15
  • رسميا: صنعاء تكشف عن الخسائر التي خلفتها الغارات الأمريكية اليوم
  • العالم عبارة عن مزيج من الثقافات الإنسانية
  • "دون معوقات".. مجموعة السبع تدعو لاستئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة
  • الغرياني: الأوروبيون ليس لديهم ذرة من الإنسانية في منعهم الأفارقة
  • تيته تبحث مع أبو الغيط دعم العملية السياسية وإجراء الانتخابات في ليبيا
  • مجموعة السبع تدعو لاستئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة