أين مفكرو الغرب وفلاسفته مما يجري في غزة ؟!
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن عام 2001، وجه ستون من الأكاديميين والمفكرين والمثقفين من الولايات المتحدة الأمريكية، رسالة منهم إلى المسلمين، وخاصة ممن يمثلون النخبة المفكرة في بلدانهم، وقد وقعوا عليها جميعهم وغالبيتهم من الأساتذة المعروفين وذوي النفوذ وصناع القرار السياسي في الولايات المتحدة، ودعوتهم في هذه الرسالة، للوقوف مع الولايات المتحدة ضد ما أسموه بالإرهاب للوقوف معها من استهداف بعض المراكز التجارية، ونتج عنه ما يقرب من ثلاثة آلاف قتيل، ناهيك عن الجرحى والإصابات النفسية، ممن كانوا في هذه الأبراج، ولا شك أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لاقت رفضا عاما من كل الدول العربية والإسلامية، ومن علماء الأمة كلها في غالبيتهم ممن يمثلون العلماء ومن المؤسسات الدينية، باعتبار أن هذه الهجمات مست الأبرياء ودون وجه حق، حتى ولو أن هناك خلافا مع السياسة الأمريكية الداعمة لإسرائيل، لكنه عمل مرفوض دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، وليس له مبرر في الفكر الإسلامي وقيمه في قتل الأبرياء، وقد كان حدثا كبيرا ومهما في القرن الحادي والعشرين، ومفارقة زمنية فاصلة بين ما قبل هذا الحدث، وبين ما بعده من حيث التداعيات والآثار التي نجمت عن هذا الحدث، وكانت لهذه الهجمات تأثيراتها على العالم العربي والإسلامي، من سياسات جديدة للمنطقة، وخطوات عسكرية وسياسية وثقافية واستراتيجية، وكل هذه الخطوات جاءت نتيجة لتداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي هزت بلا شك قناعات ومفاهيم كثيرة غربية وأمريكية، وفرضت معادلات جديدة للمنطقة، لم تكن في الحسبان، منها الحرب على أفغانستان عام 2002، والقضاء على نظام طالبان، وكذلك الحرب على العراق عام 2003، والقضاء على نظام الرئيس صدام حسين، تحت ذرائع لم تكن صحيحة في الواقع حول الأسلحة النووية، لكنها كانت ضمن استراتيجية الولايات المتحدة، في تغيير النظم القائمة بأي صورة من الصور وبتهمة دعم الإرهاب.
ومما جاء في هذه الرسالة من هؤلاء المفكرين والأكاديميين والمثقفين الأمريكيين، أنهم يريدون أن تقف النخب العربية الفكرية والأكاديمية والمثقفة، فيما جرى في هذه الهجمات التي لا شك في تأثيرها على الولايات المتحدة والغرب عموما، باعتبار أن العقول النيرة ترفض استهداف الأبرياء، وأعربوا في رسالتهم: كما نشرت في 12 فبراير 2002، أن حق الحرية وحرية الضمير والحرية الدينية، لا يجوز انتهاكها في الشخصية الإنسانية في كل الثقافات والحضارات، ولذلك يرون في هذه الرسالة أن: «القتل باسم الله مخالف للإيمان بالله وهو يشكل خيانة عظمى لكونية الإيمان الديني، بناء عليه ـ كما جاء في الرسالة ـ فنحن نحارب للذود عن أنفسنا، ودفاعا عن هذه المبادئ الكونية». وتضيف الرسالة المطّولة التي تتحدث عن القيم الأمريكية باعتبارها قيما كونية ـ وهذا حقهم في هذا القول كما يعتقدونه هو الحق ـ مع أن القيم الإنسانية في كل ثقافة من الثقافات متعددة، ولها مرجعية فكرية تختلف بين كل ثقافة وأخرى، وهذه مسألة بديهية لا يستطيع أي مفكر أو مثقف مطلع على الفكر الإنساني أن ينكرها أو يتجاهلها منذ فجر التاريخ، ولا ينبغي أن تختزل المبادئ والقيم في ثقافة واحدة، ويتم إقصاء كل الثقافات الإنسانية الأخرى، وكأن ليس هناك تعددية ثقافية عند كل الشعوب الأخرى! ولذلك فإن هذه الرسالة تعبر عن قناعاتهم الفكرية، وهو أن لديهم قيما أمريكية، لكنها تتجاوز الشعب الأمريكي، فهي قيم وإن كانت أمريكية تمتد إلى كل العالم في أي بقعة من الأرض، وهذا الشعور يمكن تفهّمه كون الولايات المتحدة، تعد أكبر دولة في العالم، وهذه القناعة تندرج شعوريا بأنهم الأفضل من حيث الإمكانيات والعقول والقدرات الفكرية الأخرى، وكما جاء في مقدمة هذه الرسالة : «قناعتنا بأن كل الأشخاص يمتلكون كرامة إنسانية أصيلة، هي حق لهم بالولادة. وهذا يعني بالنتيجة، أنه ينبغي أن يعامل كل شخص بما هو غاية في ذاته، بدل أن يجري استخدامه على أنه وسيلة، وأكد المؤسسون، كما لو كان الأمر بداهة ذاتية، فكرة أن كل الناس يمتلكون كرامة متساوية، وكانت الديمقراطية هي الصيغة السياسية الواضحة التي تمثل هذا الإيمان بالكرامة الإنسانية السامية، ومع الأجيال اللاحقة كان التعبير الثقافي الأوضح عن هذه الفكرة تأكيد المساواة في الكرامة بين الرجال والنساء، وفيما بين الناس جميعًا، بصرف النظر عن العرق أو اللون».
ومن هنا هم يعتقدون بمسألة فرادة هذه القيم على كل الناس، دون تمييز كونها قيما عالمية ـ كما أشرنا إليها آنفا ـ وقد أشارت الرسالة في الفقرة الأولى منها، ويرونها حقيقة لا تقبل النقاش أو الجدل، في مضمونها، من حيث التعميم كونها كما قالوا «تنبع مما سبق، وهي القناعة بأن الحقائق الأخلاقية الكونية التي سماها الآباء المؤسسون (قوانين الطبيعة والفطرة الإلهية) موجودة بالفعل ويمكن لكل الناس الوصول إليها.
إن إعلان الاستقلال، وبيان الوداع الذي كتبه جورج واشنطن والبيان الافتتاحي الثاني لأبراهام لنكولن، وكذلك رسالة «مارتن لوثر كينج» من سجن برمينجهام، تنضح بأنصع أنواع التعبير عن ثقتنا بهذه الحقائق وتواصلنا معها. إذن تعالوا نناقش بعض هذه الفقرات التي وردت في الرسالة الأمريكية، من حيث القيم وأهميتها كونها لكل البشر، فالفقرة التي تقول (بأن كل الأشخاص يمتلكون كرامة إنسانية أصيلة، هي حق لهم بالولادة. وهذا يعني بالنتيجة، أنه ينبغي أن يعامل كل شخص بما هو غاية في ذاته، بدل أن يجري استخدامه على أنه وسيلة). من هذه المنطلقات الرائعة التي جاءت في هذه الرسالة الأمريكية، وهو أن كل الناس «يمتلكون كرامة إنسانية أصيلة، هي حق لهم بالولادة. وهذا يعني بالنتيجة، أنه ينبغي أن يعامل كل شخص بما هو غاية في ذاته». وهذا ما نحتاج تعميمه على ما جرى ويجري في غزة من إبادة جماعية للمدنيين بالأخص، من الآلاف من الأطفال وكبار السن والنساء، وبعضهم هدّمت بيوتهم وهم نائمون دون سابق إنذار، ومن هدم المستشفيات والمدارس، وقتل المئات من المرضى، بسبب منع الدواء والماء والغذاء ومنع دخول الأدوية والأوكسجين لفترات طويلة، ونتج عنها وفيات كثيرة، كل هذا مع تأييد الولايات المتحدة، لكل ما قامت به إسرائيل، وتم اعتبار هذا ـ دون تمييز ـ (هو الدفاع عن النفس) ـ مع أن إسرائيل محتلة للأرض الفلسطينية، وهذا جاء بقرار من مجلس الأمن في حروب عام 1948، وحرب 1967، فأين هو القول بـ«الكرامة الإنسانية الأصيلة»؟ أو القول «أن كل الناس يمتلكون كرامة متساوية؟». هذا الكلام الجميل في الظاهر، ينبغي أن يكون عامًا لكل شعوب الأرض دون تمييز أو معايير متناقضة، إذا كانت هذه القيم الأمريكية عامة لكل البشرية، كما جاء في هذه الرسالة، فلم نقرأ أي رسائل من النخب الفكرية والفلسفية الأمريكية، فيما يجري في غزة من إبادات للأبرياء التي لم تتوقف منذ ستة وأربعين يوما، سوى مع الهدنة المؤقتة التي تم تجديدها.
إذن الحل الأمثل هي تطبيق المعايير العادلة لكل القضايا العالقة والخافتة، وأول هذه القضايا وأهمها، هي قضية فلسطين وهي لب القضايا الراهنة، فإن الحل سهل وميسور إذا ما أريد للسلام أن يتحقق، وهو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أرضهم التي احتلت ووفق القرارات الدولية ووضعتها الدول الكبرى نفسها، وإذا أرادت إسرائيل أن تنعم بالسلام والاستقرار في المنطقة، فعليها أن تلتزم بهذه القرارات الدولية وعلى الولايات المتحدة أن تكون راعية للسلام العادل، وليست طرفا مؤيدا للاحتلال، وعليها أن تلزم إسرائيل بتطبيق القرارات الدولية، واستعادة صاحب الحق لحقه كاملا، أما ما عداه من ضغوط وقتل وتجويع وتضييق وإبادة جماعية، لن يحقق السلام في غياب الحقوق المنصفة، وإن خفتت التوترات فترة من الزمن، فإنها ستعود مرة أخرى أقوى وأعتى وأخطر من المرات السابقة، ولذلك فلا مفر من التعامل مع الحق العادل من المنظور الواقعي والمنصف والمتزن، وبه تختفي المشكلات والتوترات والصراعات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی هذه الرسالة ینبغی أن کل الناس جاء فی من حیث
إقرأ أيضاً:
شلقم: الولايات المتحدة قوة عسكرية وصناعية وعلمية غير مسبوقة
قال عبدالرحمن شلقم، وزير الخارجية ومندوب ليبيا الأسبق لدى مجلس الأمن الدولي، إن الولايات المتحدة قوة عسكرية وصناعية وعلمية غير مسبوقة، شكلت التكوين العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، منذ الرئيسين فرنكلين روزفلتوهاري ترومان. الاتحاد السوفياتي كان القوة الوحيدة التي شكلت المقارع السياسي والعسكري لأميركا، وبعد انهياره انفردت الولايات المتحدة، بالتحكم في القراراتالدولية الأكثر أهمية.
أضاف في مقال بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن “موازين القوة في عالم اليوم، تتحرك ببروز قوى شلقم: الولايات المتحدة قوة عسكرية وصناعية وعلمية غير مسبوقة
كبيرة أخرى، وفي مقدمتها الصين الشعبية التي حققت تقدماً اقتصادياً هائلاً، ولها وجود منافس للولايات المتحدة وأوروبا. التقارب الصيني – الروسي والكوري الشمالي،له فاعليته الكبيرة التي ستسهم في إعادة رسم خريطة القوة العالمية”.
وتابع قائلاً “الرئيس دونالد ترمب سيهزُّ كثيراً من المسلمات السياسية والاقتصادية، التي عاش فيهاالعالم وتعايش معها لسنوات طويلة، دعا إلى ضم كل من كندا وغرينلاند إلى بلاده، وهدد بالهيمنة على قناة بنما، وغيَّر اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا. لا نستبعدأن يكون الرئيس الأميركي الثالث، الذي يضع بصمات جديدة على خريطة العالم، بعد الرئيسين روزفلت وترومان، اللذين رسما خريطة العالم في القرن العشرين، وفرضاالسيطرة الأميركية على اليابان بعد ضربها بالقنبلة الذرية، وعلى كوريا الجنوبية، وأوروبا الغربية، كما فرضت الولايات المتحدة نمطيها السياسي والاقتصادي على هذه الدول”.