لماذا لا نتذكر أيام الطفولة المبكرة؟
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
إيرلندا – لا يستطيع أحد منا تقريبا تذكر ذكريات الطفولة المبكرة جدا، وهي ظاهرة تُعرف باسم فقدان الذاكرة عند الأطفال.
فلماذا نميل إلى نسيان هذه الذكريات المبكرة جدا؟. من المحتمل أن يكون ذلك لأن أدمغتنا في هذا العمر لا تعمل بعد بطريقة تجمع المعلومات في الأنماط العصبية المعقدة التي نعرفها باسم الذكريات.
ويتذكر الأطفال الصغار الحقائق في تلك اللحظة، مثل هوية والديهم، أو أنه يجب على الشخص أن يقول “من فضلك”، وهذا ما يسمى “الذاكرة الدلالية”.
ومع ذلك، يفتقر الأطفال حتى عمر 2 و4 سنوات إلى “الذاكرة العرضية”، المتعلقة بتفاصيل حدث معين. ويتم تخزين مثل هذه الذكريات في عدة أجزاء من سطح الدماغ، أو “القشرة”.
على سبيل المثال، تتم معالجة ذاكرة الصوت في القشرة السمعية على جانبي الدماغ، بينما تتم إدارة الذاكرة البصرية عن طريق القشرة البصرية في الخلف. وهناك منطقة في الدماغ تسمى الحصين تربط جميع الأجزاء معا.
وقد يفشل الأطفال في تسجيل حلقات معينة حتى الفئة العمرية من 2 إلى 4 سنوات، لأن ذلك هو الوقت الذي يبدأ فيه الحُصين في ربط أجزاء من المعلومات معا، كما قالت نورا نيوكومب، أستاذة علم النفس بجامعة Temple في فيلادلفيا.
وقالت نيوكومب إنه بالنسبة للأطفال الأصغر من هذه الفئة العمرية، قد تكون الذاكرة العرضية معقدة بلا داع في الوقت الذي يتعلم فيه الطفل التعرف على العالم.
وأضافت: “أعتقد أن الهدف الأساسي في العامين الأولين هو اكتساب المعرفة الدلالية، ومن وجهة النظر هذه، قد تكون الذاكرة العرضية في الواقع مصدر إلهاء”.
ومع ذلك، تشير نظرية أخرى إلى أننا نقوم بالفعل بتخزين هذه الذكريات المبكرة عندما كنا أطفالا، ولكننا نواجه صعوبة في تذكرها عندما نصبح بالغين.
على سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت عام 2023، ونُشرت في مجلة Science Advances، أن ذكريات الطفولة “المنسية” يمكن استعادتها في الفئران البالغة عن طريق تحفيز المسارات العصبية ذات الصلة بذكريات معينة باستخدام الضوء.
وشرع معدو الدراسة أولا في استكشاف العوامل التنموية التي يمكن أن تؤثر على فقدان الذاكرة لدى الصغار.
ووجدوا أن الفئران التي لديها خصائص اضطراب طيف التوحد المرتبط بحالة النمو العصبي (ASD) كانت قادرة على تذكر ذكريات حياتها الأولى.
وهناك أسباب عديدة للتوحد، ولكن تم ربطه سابقا بفرط نشاط الجهاز المناعي للأم أثناء الحمل. لذلك، من أجل إنتاج فئران مصابة باضطراب طيف التوحد، قام الباحثون بتحفيز الجهاز المناعي لدى إناث الفئران أثناء الحمل.
وساعد هذا التنشيط المناعي في منع فقدان الذكريات المبكرة لدى النسل من خلال التأثير على حجم ومرونة خلايا الذاكرة المتخصصة في أدمغتها. وعندما تم تحفيز هذه الخلايا بصريا في الفئران البالغة غير المصابة بالتوحد، أصبح من الممكن استعادة الذكريات المنسية.
وتشير هذه النتائج الجديدة إلى أن تنشيط المناعة أثناء الحمل يؤدي إلى حالة دماغية متغيرة، تغير مفاتيح النسيان الفطرية لدينا.
وقال توماس رايان، المعد المشارك في الدراسة، والأستاذ المشارك في الكيمياء الحيوية في كلية ترينيتي في دبلن، إيرلندا، في بيان له، إنه على الرغم من أن البحث قد تم إجراؤه على الفئران ولم تتم دراسته بعد على البشر، إلا أنه “يحمل آثارا مهمة لتعزيز فهمنا للذاكرة والنسيان عبر نمو الطفل، فضلا عن المرونة الإدراكية الشاملة في سياق مرض التوحد”.
المصدر: لايف ساينس
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
إقرأ أيضاً:
إنعام كجه جي تستعيد سيرة الكلمة بين بغداد وباريس وتكشف طبقات الذاكرة والمنفى
في جلسة ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، التقت الروائية الإماراتية صالحة عبيد بالكاتبة العراقية إنعام كجه جي في حوار امتد لساعة كاملة، بدا خلالها أن الكلام عن الكتابة أشبه باستعادة للحياة نفسها، حيث افتتحت صالحة عبير اللقاء بالقول إن مشروع إنعام كجه جي لا يمكن اختزاله في حدود رواياته المعروفة، فهو امتداد لرحلة كاملة من الصحافة إلى الأدب، ومن بغداد إلى باريس، ومن الذاكرة الشخصية إلى الذاكرة الجماعية للعراقيين في المنفى. وأشادت بفوز "كجه جي" بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، ووصفتها بأنها جائزة تليق بكاتبة رسخت حضورها في الأدب العربي عبر أعمال خالدة إلى جانب كتابها بالفرنسية عن المرأة في أزمنة الحرب، وفيلمها الوثائقي عن الدكتورة نزيهة الدليمي، أول وزيرة في العالم العربي.
بدأت "كجه جي" حديثها عن المدن التي تشكلها قائلة: إن بغداد التي تعرفها لم تعد موجودة، وإنها حين تزورها في الذاكرة تشعر أنها تتحدث عن مدينة أخرى، مضيفة أن بغداد التي تركتها كانت مدينة متسامحة، مثقفة، مدنية، وفيها احترام للمرأة واختلاف الأديان... قالت: ما أرويه عن بغداد ليس حنينا فقط، بل محاولة لإبقاء ذاكرتها حية كي يعرف أبناؤها والجيل الجديد أي بلد كان هذا قبل أن يغرق في الفوضى. وعن باريس التي تعيش فيها منذ أكثر من أربعين عاما قالت إنها لم تشعر يوما بالانتماء الكامل إليها، وإنها ما تزال غريبة رغم السنوات الطويلة، تتابع الحياة الثقافية الفرنسية من بعيد، لكنها لا تندمج اجتماعيا، موضحة أنها لم ترتبط بجيرانها إلا مرة واحدة حين منحها أحدهم مفتاح بيته في الريف أثناء غزو العراق خوفا من أن تتعرض هي وأسرتها لأي خطر، وقالت إنها تضع ذلك الجار على رأسها، فهو المثال الوحيد للاختراق الإنساني الحقيقي في الغربة.
ثم تطرقت إلى ذكريات الطفولة التي صنعت فيها الصحافة أول خيوطها، حين كان والدها يقرأ بصوت عال لوالدتها من الصحف، وكانت هي تصغي بدهشة إلى نبرة اللغة وتتابع تفاصيل النصوص، وقالت إن أمها رغم بساطة تعليمها كانت وراء شغفها بالقراءة، فقد كانت تصطحبها إلى مكتبة في شارع السعدون وتشتري لها كتب الأطفال والمكتبة الخضراء، ثم المنفلوطي وأجاثا كريستي وأرسين لوبين، وأنها من هناك بدأت تعي أن الكتابة ليست هواية بل حياة. أضافت أن دخولها كلية الآداب في جامعة بغداد، قسم الصحافة، كان خطوة حاسمة، فاختارت أن تكون صحافية لتتعرف على الناس من داخل حياتهم لا من بعيد.
وعن العلاقة بين الصحافة والرواية، أجابت إن الصحافة منحتها الصرامة والتركيز، وإن الرواية منحتها الحرية والعمق، وإنها لا تفصل بين العالمين لأنهما يتغذيان من الواقع نفسه، مضيفة أن شخصيات رواياتها نساء ورجال حقيقيون التقت بهم في حياتها وكتبت عنهم بصدق.
تحدثت "كجه جي" عن العراق كموضوع لا يمكن الانفكاك عنه، وقالت إن ما يفعله العراقيون اليوم بالكتابة هو شكل من أشكال البقاء، فبعد 2003 صدرت مئات الروايات لأن لكل عراقي قصة يود أن يرويها، مؤكدة أن الواقع العراقي أغنى من أي خيال، وأن المأساة أكبر من أن تختصر. وعند حديثها عن الفيلم الوثائقي الذي أعدته عن نزيهة الدليمي قالت إنها سافرت إليها في قرية صغيرة بألمانيا وسجلت معها أياما عدة، ووجدت فيها بساطة عراقية خالصة رغم مكانتها الكبيرة، وأنها كانت تجلس في مطبخها بثوب نومها الأبيض تتحدث وتضحك كأنها جدة عادية، لكنها امرأة صنعت قوانين لحماية النساء والأطفال، وبعد هذه التجربة أحبّت التوثيق، لكنها لم تصبح مخرجة سينمائية، بل ظل شغفها بالكلمة هو الأساس.
وعند سؤالها عن روايتها "الحفيدة الأمريكية" قالت إنها كتبتها لتفهم كيف يمكن لعراقي أو عراقية أن يعمل مترجما مع جيش يحتل بلده، وأنها حاولت نقل وجهتي النظر، الجدة التي تشعر بالعار والحفيدة التي تعتقد أنها جاءت بالديمقراطية، وأنها لم تكن محايدة ولكنها لم تدن أحدا، وتركت الحكم للقارئ الذكي.
تحدثت "كجه جي" أيضا عن تجربة الكتابة في المنفى، قائلة إنها تكتب عن أناس يعيشون حر بغداد بينما هي تجلس أمام نافذة يغمرها الثلج، وإن المسافة الجغرافية لا تعني انفصالا عن الجذور، فالمسقط يسكنها ولا يغادرها، وإن المهاجر يحمل دائما شعورا بالذنب لأنه ترك وطنه يعاني، لكنه يكتب ليبقى على صلة به. وعن الجوائز قالت إن جائزة العويس أسعدتها لأنها تحمل اسم شاعر، وإنها لا ترى الجوائز مقياسا للأدب بل إضاءة على الكتب، وأضافت أن أجمل ما تسمعه حين تقول لها قارئة إن أمها كانت تقرأ لها وهي الآن تواصل القراءة، معتبرة أن هذا الامتداد بين الأجيال هو أعمق من أي تكريم.
تطرقت "كجه جي" إلى علاقتها بوسائل التواصل الاجتماعي فقالت إنها مدمنة فيسبوك لأنها تجد فيه أصدقاء حقيقيين أكثر من الحياة الواقعية، وإنها أحيانا تعلن فيه رحيل شخصيات رواياتها الواقعية فيتحول الفضاء الإلكتروني إلى مجلس عزاء كبير، كما حدث حين توفيت بطلتها تاج الملوك، فتلقت مئات التعازي من القراء. وقالت إن هذه المفارقة جعلتها تتأمل كيف يمكن أن يأخذ الفضاء الرقمي مكان الواقع. وعند سؤالها عن الترجمة ورؤية الغرب للرواية العربية قالت إن القارئ الغربي يحب الروايات التي تروي مآسي المرأة العربية وتكرس صورة الاضطهاد، أما هي فتكتب عن نساء متعلمات مستقلات لم يحتجن إلى منقذ، وترى أن هذه الصورة أكثر صدقا وعدلا. تحدثت أيضا عن طريقة عملها فقالت إنها تبدأ الكتابة حين يخطر لها عنوان الرواية، وإن العنوان بالنسبة لها هو المفتاح الأول، فإذا عجزت عن إيجاده مزقت النص كما كانت تفعل في الصحافة، وإنها تميل إلى إنهاء الروايات بموت الأبطال لكنها تحاول أحيانا أن تترك لهم بصيص أمل. وقالت إن سعادتها كانت كبيرة حين ترجمت روايتها إلى الفرنسية لأن أبناءها الذين لا يجيدون العربية أخيرا عرفوا ماذا تكتب.
وفي ردها على سؤال عن تأثير وسائل التواصل في الرواية قالت إنها ترى هذا التطور طبيعيا، وإن لكل زمن كتابه وأدواته، وإنها لا ترفض الكتابة الجديدة القصيرة أو السريعة، فكلها أشكال تعبير. كما أجابت على أسئلة حول النقد والحرية الشخصية، فقالت إنها تخاف النقاد ولا تدخل في معاركهم، وإن خطها الأحمر كان والدها الذي كانت تخجل أن يقرأ بعض ما تكتب، ومع وفاته امتلكت حريتها. وعندما سئلت عن الاستلاب الثقافي قالت إنها لا تؤمن به، وإن من يملك جذورا قوية لا يخاف من أي ثقافة أخرى، بل العكس، فهي ترى أن الغربيين هم من يجب أن يشعروا بالاستلاب أمام حضارة بهذا العمق.