جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-07@01:35:31 GMT

اليقين والتمكين

تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT

اليقين والتمكين

 

نور بنت محمد الشحري

لستُ من الذين يكتبون مواكبة للأحداث السائدة أو مع المواسم الرائجة للأخبار المتداولة، إن قرأت لأحدهم ما يتوافق مع مكنون صدري، أو أفق فكري، أكتفي بما كتب، ولا تدفعني قريحة أو اهتمام لأضع بصمتي مع المهتمين للحدث.

إلّا أهل غزة، لأني أرى وكأنهم أناس من عالم آخر مختلف عنا، يجبرك ما تشاهده وتحسه من تفرد جميل في كل شيء منهم، أن تكتب عنهم إجلالا وإعجابا وإكبارا، ولا يفيهم نضم المعلقات حقهم، شعب ليس كغيره من أهل الأرض.

فلا شيء من أحوالهم يماثل حال غيرهم.

تمعنت كثيرًا فيما يتداول من مقاطع مرئية على شاشات التلفاز أو تطبيقات الهواتف النقالة، في وجوههم ونظراتهم وكلماتهم ومفرداتهم، وهم في أشد ظرف وأحلك وقت.

لم أرَ وجوههم مخطوفة، ولا نظراتهم تائهة أو مكسورة، ولا خطواتهم مضطربة، ولا هيئتهم رثة، ولا شعورهم شعثاء كبارهم وصغارهم.

إنه التعود الذي ولد التأقلم، اليقين الذي ولد الثبات والتمكين لمعايشة أهوال الحرب وكأنها مجرد حدث طارئ سيزول يقينا لا أملا.

ذاك الخطب الجلل الذي تشخص له الأبصار، وترتعد له الفرائص، وتخطف له العقول.

ما الذي آمن روعاتهم، ما الذي ثبتهم وهم يسعفون ذويهم واحبابهم ولا يعلمون احياء هم أو أموات، وهم يجمعون اشلاء أطفالهم.

إنه اليقين بالله، ملأ حب الله قلوبهم وتعلقهم بالله خفف عنهم مرارة الفقد، وعذابات الحرب ودك القذائف، ووابل الرصاص. لقد منحهم الله رزق أمان الروعة وما أعظمه من رزق اثناء الخطوب وأهوال الحروب.

نحن البعيدون عنهم، القريبون منهم شعورًا بالمصاب، اسودت الدنيا بالكثيرين منا، هلعنا وأصاب الكثير من ابناء الأوطان العربية، شعور حزن جم، أفقدهم الشعور بملذات الدنيا وأمان أوطانهم.

لربما كل حسب رضاه عن نفسه، الفلسطيني يعلم يقينا بالله أن ما أصابه كله خيرا له، وأن حظه مما يلاقيه من عدوان الصهاينة وتجبرهم وظلمهم، وخذلان المسلمين وتخليهم عنهم، جبر بالأخير، إما نصر وإما شهادة. ثم أن صاحب الأرض ليس كصاحب القضية، أرض الأجداد مداد من صبر، جرعات من عزيمة، عنوان الطهر.

نحن أصحاب القضية، بعيدين عن تسلط اليهود، عن التخويف والتجويع والتهجير والأسر والقتل والتيتم والترمل وفقدان الأهل والولد وتشتت الأسر، عن تدنيس اليهود للأرض.

الأرض التي يدنسها العدو لا يطهرها الا دماء ابنائها، الفلسطيني يعلم ذلك ويدركه يقينا، تهون عليه روحه، يهون عليه أرواح احبته فداء لأرضهم.

يعلمون أن المهجر والغربة ذل، والوطن عز، والغاصب لا يستحق أن يفسح له، وهو عدو دين وعدو مقدسات وعدو انسانية.

علت سلطة الاعلام الرقمي، على سلطة الحكام والدول، ما كان يخفى في سالف الأجيال والعقود الماضية، صار اليوم بفضل التقنية الرقمية خير شاهد عيان، لا مكان للتزوير والتدليس ولقلب الحقائق.

عرف الجلاد وعرفت الضحية، عرف الإرهاب، وتعرت منظمات حقوقية دولية، تعرت هيئات الاتجار بالبشر عبر قوانين وضعية، وضعت لتؤطر الشر على أنه اتفاقات دولية، يلزم بها الضعيف ويحتملها، يصادر خيره ويضطهد بحجة مخالفتها. والقوي يخرقها كيفما يشاء وقتما يشاء بالكيفية التي يشاء، إذا اراد سلب الضعيف حقا من حقوقه دون وجه حق.

لم يقصر شباب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم في ايصال الصورة الحقيقية لفلسطين ومجريات الأحداث فيها، ما حصل خلال حرب -انتفاضة الاقصى- قلب على الصهاينة واللوبي الداعم لهم موازين القوى، ثارت الشعوب منادية بحق الفلسطينيين في العيش الكريم احرار في وطنهم، ومنادية بمحاسبة اليهود وقوتهم العسكرية الغاشمة.

هل توقفت الحرب؟!

"ما أخذ بالقوة لا يسترد إلّا بالقوة".

والقوة كتلة يدعمها الصبر والايمان بالله ونصره، نرى ذاك الرجل الذي فقد ابنه بعمر الثامنة عشر يقف بين الجموع كالطود الشامخ، وينهر الباكي ان لا يبكي على من فقد (متعيطش يا زلمة) الشهيد بيشفع لسبعين من أهل بيته كرهان؟! يا لها من كلمات تتضاءل أمامها توافهنا التي كنا نظنها منغصات عيش.

نرى الصحفي وائل الدحدوح فجع بعائلته يواسي نفسه والمفجوعين من حوله بكلمة (معليش) "معليش" تحمل الكثير من الحزن والقهر الذين وضعهم في كفة وغزة في كفة ورجحت كفة غزة.

رأينا الكثير من الدم والموت، وسمعنا الكثير من الصراخ والبكاء المهذب مع الله، الذي يتردد بين ثناياه الحمدالله يقينا أن ما عند الله خير وأبقى.

رأينا أمهات كبار بالسن فقدن ابناءهن وبناتهن وربما اسرهن بالكامل، وما رأينا الا العجب العجاب من ثبات وصبر وتصبر، على الرغم من أن الفقد بالتأكيد تكرر عليهن، بحكم العمر وما يعانيه الفلسطينيون منذ سنة النكبة، ولكن ذلك ما زادهن الا صبرا وعزما لدعم مقاومة المحتل، أثابهن الله ومسح عن قلوبهن ألم الفراق وقهر العدو.

رأينا أطفال غزة كبروا وشابوا قبل أقرانهم في العالم بسنوات عدة، رأينا اطفال يحضنون اخوتهم لتهدئة روعهم بعد القصف، رأينا أطفال يلقنون اخوانهم الشهادة بكل ثبات.

ومن كل مشاهد الحزن المبكية مشهد "روح الروح" وكأنه سكين في صدر كل من أحس بألمه. الرجل الذي من شدة ثباته، يحمل حفيدته الطفلة الجميلة المتوفاة يحضنها ويقبلها كأنها نائمة بين ذراعيه، ويقول هذه روح الروح ويفتح عينيها بيديه في نظرات وداع مؤلمة، لا يعرف ألم شعوره وهو يودع عيناها ويقبلها الا من فقد بالموت عزيز يوده ويحبه، أشد ما آلمه عند الرحيل وداع النظرات المحبة الدافئة التي لن يرى بريق حبها أو يشعر بدفئها مرة أخرى وللأبد.

يودعون أحبتهم بكل ألم وصبر، ولسان حالهم لدينهم وعقيدتهم ومقدساتهم جهادنا في سبيل النصرة لله وللحق عن كل حزن ودمع يشغلنا، والملتقى بالأحبة في الجنة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي والأدب والترجمة في مناقشات صالون "مصر المحروسة" بروض الفرج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شهد قصر ثقافة روض الفرج لقاء بعنوان "الذكاء الاصطناعي وتأثيره على الأدب والترجمة"، ضمن فعاليات الصالون الثقافي الشهري لمجلة مصر المحروسة الإلكترونية، التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذي تحدث فيه الكاتب الدكتور زين عبد الهادي، أستاذ علم المعلومات وتاريخ المعرفة بجامعة حلوان. 

ولفت الصحفي محمد نبيل، الذي أدار النقاش إلى أنه من الممكن أن استثمار الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي، فمثلا مع انتشار الإنترنت في أغلب المدارس والبيوت المصرية مطلع الألفية الثالثة أحدث ضجة كبيرة ومخاوف مماثلة لتلك التي يحدثها الذكاء الاصطناعي.

 وأضاف: استطاع الإنسان المصري في نهاية المطاف استثماره بشكل جيد ليصبح أداة أساسية في حياته العملية، وبالمثل من الممكن أن نستخدم ونسخر الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان بشكل مختلف، مثل أن نعزز به نمذجة الملاحم الروائية الطويلة والتصحيح اللغوى، وأيضا يمكن أن يفيدنا نقديا، فبدلاً من أن نقول على عمل ما أنه رديء فمن الممكن أن نقول إن هذا العمل مولد بالذكاء الاصطناعي؛ أي خال من أي لمسة إنسانية فريدة، وبذلك يصبح للمسة الإنسانية قيمة أكبر من الحياة قبل ظهور الذكاء الاصطناعي.

وتحدث الدكتور زين عبد الهادي موضحا أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أصبحت لدى البعض يمكن من خلالها الحصول على كم كبير من المعلومات والصور كما في بعض محركات البحث التي يمكن الاستعانة بها في كتابة مقال، أو قصص للأطفال أو كتابة سيناريو أو رواية، وحتى في مجال العلوم الإنسانية، ولكن هناك من ينظر لتلك التقنية بأنها تسبب الكثير من المخاطر.

وأضاف عبد الهادي: هناك استخدامات مهمة للذكاء الاصطناعي ولا ننكر ذلك، خاصة أن العالم يتقدم بسرعة هائلة، فبعد أن كان يستخدم في تشخيص بعض الأمراض كما حدث خلال في القرن العشرين باستخدام تطبيق مايسين "mycin"، أصبح يتم الاعتماد عليه في إجراء العملية الجراحية بشكل كامل، على الرغم من رفض البعض تشخيص مرضهم من خلال برنامج أو ما يسمى "بالتطبيق".

وأوضح أستاذ علم المعلومات وتاريخ المعرفة أن الذكاء الاصطناعي يساعد في إنجاز الكثير من المهام كما الحال في بعض المكتبات التي تستخدم تطبيقات للرد على أسئلة الرواد "عن بعد" فيما يخص موضوعات وقضايا معينة.

وعن استخدام محركات البحث في عملية الترجمة، قال: “ظهرت الكثير من المحركات والأدوات التي يمكن من خلالها ترجمة النصوص لأكثر من لغة، ولكنها تقدم ترجمة حرفية بمحتوى غير سليم وغريب عن المنطق الإنساني، وفي بعض الأحيان يرد بها أخطاء تحتاج إلى التصحيح من قِبل مدقق لغوي، وأجرى الغرب الكثير من الأبحاث مؤخرا لإعطاء الذكاء الاصطناعي نفس الروح الإنسانية والإبداعية، ونجحوا في ذلك بشكل كبير، ولكنهم اكتشفوا فى نهاية الأمر أنهم بحاجة إلى زرع جزء بشري، وبالتالي يمكننا القول إن برامج الذكاء الاصطناعي ما هي إلا مجرد أدوات تخضع لأفكار المستخدمين، وصُنعت لمساعدة الإنسان وليس لتحل محله”.

وأشار إلى ضرورة الانتباه للمحتوى المقدم، واستخدام تلك التطبيقات كقواعد بيانات وليس كأدوات، لأنها غير محايدة وتخضع لسياسات معينة.

 وأوضح أن هناك مشكلة في التشريع فيما يتعلق بجزئية حماية الملكية الفكرية أو الهوية، ويمكن الاستعانة بتلك التقنية في العمل الإبداعي ولكن سيظل التفكير المرئي للشخص، والذي يعتمد على المعالجة المرئية للحصيلة اللغوية والصور والتعبير عنها بالكلمات هو الأفضل.

 

من جهتها أشارت د. هويدا صالح رئيس تحرير المجلة أن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي فى الأدب والترجمة أصبحت ظاهرة تؤرق العالم بأكمله وليس لدى الشعراء والكتاب فقط، خاصة بعد تصور بعض الكتاب الغرب أن الذكاء الاصطناعي سيحول العملية الإبداعية إلى آلية، مضيفة أنه يمكن القول في نهاية الأمر إنه طالما للإنسان حصيلة ومخزون لغوي لا يمكن أن يحل الذكاء الاصطناعي محل العنصر البشري خاصة في المجال الأدبي.

واختتمت حديثها قائلة: الأمر نفسه بالنسبة للترجمة، فالمترجم يعتمد على الطريقة الكلاسيكية كالاستعانة بالقواميس الورقية أو الرقمية، كونها أفضل بكثير من ترجمة محركات البحث التي تعتمد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتقدم ترجمة حرفية لا تمكننا من الوصول إلى روح النص.

"مصر المحروسة" مجلة ثقافية إلكترونية أسبوعية، تعني بالآداب والفنون، وهي تابعة للإدارة المركزية للوسائط التكنولوجية برئاسة د. إسلام زكي، ودشنت المجلة في مارس الماضي صالونا ثقافيا لمناقشة القضايا الفكرية والنقدية، باستضافة الكاتبتين الروائيتين نهى محمود وهبة عبد العليم، وحلّ د. محمد حمدي ضيفا في صالونها السابق للحديث عن مشروع "رسم مصر".

مقالات مشابهة

  • «الأونروا»: أهالي القطاع يعيشون صراعا يومياً من أجل البقاء
  • اليقين بالنصر.. لافتات عاشوراء ترتفع فوق منازل دمرها القصف الإسرائيلي بلبنان (صور)
  • نازحو اليمن…صيفٌ مرير بعد شتاءٍ قاسٍ! (تقرير خاص)
  • حزب الله بعد حرب الإسناد.. تغييرات مُنتظَرة تشمل التحالفات؟!
  • المطران جورج خضر المعلم الكثير النقاء
  • متى يتحول الجهل إلى غباء؟!
  • الذكاء الاصطناعي والأدب والترجمة في مناقشات صالون "مصر المحروسة" بروض الفرج
  • بعيداً عن السياسة
  • اليمين المتطرف وبالون النجاة
  • لأنني خجولة جدا سأخسر حقي في الحياة..