د. أسامة إبراهيم محمد مهدي **

 

إن واقع أمتنا الإسلامية اليوم أحوج- من ذي قبل- إلى حُسن الفهم عن الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، طلبًا لاستقامة الفكر، ووضوح المنهج، واعتدال السلوك، وتصحيح الوِجْهَة، وفي المقابل فإنَّ سوء الفهم لنصوص الشريعة أساس كُلِّ بلاء وفتنة، وسبب كل جهالة وضلالة.

لذا فإنَّ من الأمور المهمة التي ينبغي صرف أنظار علماء الشريعة الإسلامية إليها في واقعنا المعاصر: أن تتكامل الدراسات الحديثية الفقهية في ضوء المعالم المنهجية التي عرفها علماء الإسلام في عصوره الخالدة، وقرونه التالدة، وضرورة خلق صلة وثيقة بين الحديث والفقه في دراساتنا الشرعية المعاصرة؛ بُغْيَة الوصول إلى وعي سليم وفهم مستقيم، بعيدًا عن جمود الحرفيين، وتمييع المتساهلين.

وإن من المؤسف حقًّا أن يفتقد الباحثون المعاصرون الموسوعية المعرفية التي كان يتمتع بها العلماء في عصور الإسلام الزاهية؛ حيث كانوا يَتَّسِمُونَ بالتكامل المعرفي الذي يجعل من العَالِمِ منهم محدثًا وفقيهًا في آن واحد، ويَتَحَلَّوْنَ بسعة الأفق ورحابة الصدر التي كانت تسمح بقبولهم للرأي والرأي الآخر؛ ومن ثَمَّ فإن الاكتفاء بدراسة الحديث دون التضلع من الفقه أو العكس قد يكون سببًا لضلال الأفهام، وزلل الأقدام، واضطراب الأحكام، والخروج على الناس بآراء شاذة لا تقوم على دليل سليم، ولا تستند إلى برهان مستقيم؛ لذا وجب على العلماء المعاصرين سَدُّ الفجوة، وإصلاحُ الخلل بضرورة الوصل بين الحديث والفقه، في دراساتنا الشرعية المعاصرة؛ لأن إشكالية هذا الانفصام المنكود قد ألقت بظلالها القاتمة حينما طرأت على الساحة المعاصرة تيارات وأفكار وظَّفَت الأحاديث النبوية توظيفًا أيديولوجيًّا موجَّهًا، ودَأَبَت تُفَسِّرُها بتفسيرات لا حَظَّ لها من التقعيد المنهجي، ولا الفهم المقاصدي، ولا الاستيعاب اللغوي الذي دَرَجَ عليه علماء الإسلام جيلًا بعد جيل، وقبيلًا بعد قبيل.

إن علماء الشريعة القُدَامَى كانوا يعرفون أنَّ تفسير الحديث خير من سماعه، وفهمه أولى من حفظه، واستيعابه أَهَمُّ من استكتابه، والعمل به أجَلُّ من استظهاره وتَرْدَادِه، فثمرة الاشتغال بصناعة الحديث هو التفقه في متنه، والفهم والاستنباط لمعانيه وأحكامه («تذكرة الحفاظ»، للذهبي: ص: 776)، وإيضاح ما يُشْكِلُ من متون ألفاظه، وبيان وجوه أحكامه، وقد ذكر الخطابي أنَّ أهل العلم في زمانه انقسموا إلى فريقين؛ أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل فريق منهما لا غنى له عن الآخر؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس والأصل، والفقه بمنزلة البناء والفرع، وكل بناء لم يُوضَع على قاعدة وأساس فهو مُنْهَار، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو خراب  («معالم السنن»، للخطابي: 1/2- 3).    

إن من الأهمية بمكان أن تُعْنَى مدارسنا الشرعية في زماننا المعاصر بالجمع بين منهج الحفظ، ومنهج الفهم جنبًا بِجَنْبٍ، وكتفًا بكتف، وهكذا كان علماء الأمة في القرون الخَيِّرَة والعصور النَّيِّرَة، حيث كانوا يُوَجِّهون الهمم، ويُحَرِّكون العزائم نحو الرواية والدارية، والنقل والفهم، والجمع والتمحيص، والنقد والتحليل؛ ولذا فإنَّ جهل الفقيه بالسُّنَّة النبوية وعلومها عَيْبٌ كبير، وقصور خطير؛ وذلك لأنَّ جُلَّ الأحكام التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب الإسلامية قد ثبتت بالسُّنَّة، ومَنْ طالع كتب الفقه تَبَيَّنَ له ذلك بكل جلاء ووضوح؛ لأن علم الفقه مأخوذ من الكتاب والسُّنَّة، فما يصنع ذو الفقه بفقهه إِذا لم يكن عَالما بعلم الحديث، مُتْقِنًا له، مُعَوِّلًا على المصنفات المدَوَّنة فيه.

وقبل أن نلوي عنان القلم فإن ما نهدف إليه: ألَّا يكون المُحَدِّثُ أجنبيًّا عن الفقه، وألَّا يكون الفقيه مُنْعَزِلًا عن الحديث، وإنما لا بُدَّ من التكامل المعرفي والتوافق المنهجي بين علوم الإسلام المختلفة.

** أستاذ الحديث وعلومه المساعد بكلية أصول الدين بالقاهرة، جامعة الأزهر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مجلس شؤون الأسرة ينظّم “ملتقى التكامل مع القطاع غير الربحي” تحت شعار “تكامل لأجل كبار السن”

المناطق_الرياض

ينظم مجلس شؤون الأسرة “ملتقى التكامل مع القطاع غير الربحي” بنسخته الثانية تحت شعار “تكامل لأجل كبار السن” يوم الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1446هـ الموافق 5 نوفمبر 2024م بفندق فيرمونت في العاصمة الرياض، بحضور عدد من أصحاب السمو والمعالي والخبراء والمهتمين بالشأن الاجتماعي والأسري.

يستقطب الملتقى مشاركة واسعة من الجهات الحكومية والأهلية وغير الربحية، حيث يتجاوز عدد الجهات المشاركة ١٥٠ جهة غير ربحية تقدم خدماتها لكبار السن، منها 25 جمعية متخصصة في هذا المجال.

أخبار قد تهمك نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل محافظ الهيئة العامة للأوقاف 3 نوفمبر 2024 - 8:20 مساءً رئيس “هيئة الغذاء والدواء” يطّلع على تقنيات تصنيع الأدوية الحيوية والجينية في تيانجين الصينية 3 نوفمبر 2024 - 8:09 مساءً

يهدف الملتقى إلى تنسيق الجهود وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات لتحسين جودة حياة الأسرة، ودعم التكامل مع القطاع غير الربحي، للارتقاء بالعمل التنموي الأسري في المملكة، حيث يفتح في نسخته الثانية آفاقًا جديدة لتمكين كبار السن، وتعظيم الأثر الاجتماعي من خلال التعاون والشراكات الفعالة.

سيشهد الملتقى نقاشات حول واقع جمعيات كبار السن والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى استعراض أحدث المبادرات والبرامج الحكومية لدعم هذا القطاع الحيوي، وإتاحة المجال لمشاركة أفضل الممارسات والتجارب في تقديم الخدمات من قبل الجمعيات الأهلية المساندة.

يشمل الملتقى 4 جلسات حوارية متنوعة تتناول المحاور التالية: محورية كبار السن في التنمية، وتمكين الجمعيات وخدمة كبار السن، والتكامل في الخدمات المقدمة لكبار السن، ومعالجة التحديات وسُبل التطوير.

وبهذه المناسبة أشارت سعادة الأمين العام لمجلس شؤون الأسرة د. ميمونة بنت خليل آل خليل إلى أن الملتقى يأتي في إطار الجهود المبذولة لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، خاصة فيما يتعلق بتعزيز دور القطاع غير الربحي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومن المتوقع أن يسهم في تعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية بدعم كبار السن، وهو ما سينعكس إيجابيًا على جودة الخدمات المقدمة لهذه الفئة المهمة من المجتمع.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط 3 نوفمبر 2024 - 8:23 مساءً شاركها فيسبوك ‫X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد3 نوفمبر 2024 - 7:31 مساءً“إيجار”: إلزامية الدفع عبر “مدى” وسداد العقود السكنية الجديدة بدءاً من 15 يناير أبرز المواد3 نوفمبر 2024 - 6:20 مساءًأمير منطقة الباحة يُدشّن ويضع حجر الأساس لـ 36 مشروعًا بيئيًا ومائيًا وزراعيًا بتكلفة تجاوزت مليارين و 400 مليون ريال أبرز المواد3 نوفمبر 2024 - 6:09 مساءًأمير القصيم يستقبل المشاركين في تنظيم مزاد مدرّج الإبل أبرز المواد3 نوفمبر 2024 - 6:06 مساءًالأمير جلوي بن عبدالعزيز يطّلع على التقرير الختامي لمهرجان مزاد نجران للإبل 2024 أبرز المواد3 نوفمبر 2024 - 5:42 مساءًأمير القصيم يرعى “اللقاء العلمي الدولي الثاني للإبل” بمشاركة أكثر من 20 متحدثًا من 6 دول3 نوفمبر 2024 - 7:31 مساءً“إيجار”: إلزامية الدفع عبر “مدى” وسداد العقود السكنية الجديدة بدءاً من 15 يناير3 نوفمبر 2024 - 6:20 مساءًأمير منطقة الباحة يُدشّن ويضع حجر الأساس لـ 36 مشروعًا بيئيًا ومائيًا وزراعيًا بتكلفة تجاوزت مليارين و 400 مليون ريال3 نوفمبر 2024 - 6:09 مساءًأمير القصيم يستقبل المشاركين في تنظيم مزاد مدرّج الإبل3 نوفمبر 2024 - 6:06 مساءًالأمير جلوي بن عبدالعزيز يطّلع على التقرير الختامي لمهرجان مزاد نجران للإبل 20243 نوفمبر 2024 - 5:42 مساءًأمير القصيم يرعى “اللقاء العلمي الدولي الثاني للإبل” بمشاركة أكثر من 20 متحدثًا من 6 دول نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل محافظ الهيئة العامة للأوقاف نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل محافظ الهيئة العامة للأوقاف تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2024   |   تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوك‫X‫YouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • علماء: السمنة لدى الأطفال تتسبب بتقلص الرئتين في سن البلوغ
  • لماذا لعن الله قوما تحكمهم امرأة؟.. الحديث صحيح والإفتاء توضح قصته ومقصده
  • تأثير الفن المعاصر على التنوع الثقافي (تقرير)
  • شرطتا الشارقة وعجمان تبحثان تعزيز التكامل الأمني
  • "تعليم" الإسكندرية: التكامل بين كافة التوجيهات والأنشطة التربوية تفعيلًا لمبادرة "بداية"
  • طريق التكامل والتعاون والسيادة (2)
  • العويس: التصدي للتغير المناخي يتطلب التكامل
  • مجلس شؤون الأسرة ينظّم “ملتقى التكامل مع القطاع غير الربحي” تحت شعار “تكامل لأجل كبار السن”
  • الروايةُ وأسئلةُ الحروب المعاصرة!
  • استنساخ الأرواح في الفنون المعاصرة (تقرير)