التكامل المنهجي بين الدراسات الفقهية والحديثية المعاصرة
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
د. أسامة إبراهيم محمد مهدي **
إن واقع أمتنا الإسلامية اليوم أحوج- من ذي قبل- إلى حُسن الفهم عن الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، طلبًا لاستقامة الفكر، ووضوح المنهج، واعتدال السلوك، وتصحيح الوِجْهَة، وفي المقابل فإنَّ سوء الفهم لنصوص الشريعة أساس كُلِّ بلاء وفتنة، وسبب كل جهالة وضلالة.
لذا فإنَّ من الأمور المهمة التي ينبغي صرف أنظار علماء الشريعة الإسلامية إليها في واقعنا المعاصر: أن تتكامل الدراسات الحديثية الفقهية في ضوء المعالم المنهجية التي عرفها علماء الإسلام في عصوره الخالدة، وقرونه التالدة، وضرورة خلق صلة وثيقة بين الحديث والفقه في دراساتنا الشرعية المعاصرة؛ بُغْيَة الوصول إلى وعي سليم وفهم مستقيم، بعيدًا عن جمود الحرفيين، وتمييع المتساهلين.
وإن من المؤسف حقًّا أن يفتقد الباحثون المعاصرون الموسوعية المعرفية التي كان يتمتع بها العلماء في عصور الإسلام الزاهية؛ حيث كانوا يَتَّسِمُونَ بالتكامل المعرفي الذي يجعل من العَالِمِ منهم محدثًا وفقيهًا في آن واحد، ويَتَحَلَّوْنَ بسعة الأفق ورحابة الصدر التي كانت تسمح بقبولهم للرأي والرأي الآخر؛ ومن ثَمَّ فإن الاكتفاء بدراسة الحديث دون التضلع من الفقه أو العكس قد يكون سببًا لضلال الأفهام، وزلل الأقدام، واضطراب الأحكام، والخروج على الناس بآراء شاذة لا تقوم على دليل سليم، ولا تستند إلى برهان مستقيم؛ لذا وجب على العلماء المعاصرين سَدُّ الفجوة، وإصلاحُ الخلل بضرورة الوصل بين الحديث والفقه، في دراساتنا الشرعية المعاصرة؛ لأن إشكالية هذا الانفصام المنكود قد ألقت بظلالها القاتمة حينما طرأت على الساحة المعاصرة تيارات وأفكار وظَّفَت الأحاديث النبوية توظيفًا أيديولوجيًّا موجَّهًا، ودَأَبَت تُفَسِّرُها بتفسيرات لا حَظَّ لها من التقعيد المنهجي، ولا الفهم المقاصدي، ولا الاستيعاب اللغوي الذي دَرَجَ عليه علماء الإسلام جيلًا بعد جيل، وقبيلًا بعد قبيل.
إن علماء الشريعة القُدَامَى كانوا يعرفون أنَّ تفسير الحديث خير من سماعه، وفهمه أولى من حفظه، واستيعابه أَهَمُّ من استكتابه، والعمل به أجَلُّ من استظهاره وتَرْدَادِه، فثمرة الاشتغال بصناعة الحديث هو التفقه في متنه، والفهم والاستنباط لمعانيه وأحكامه («تذكرة الحفاظ»، للذهبي: ص: 776)، وإيضاح ما يُشْكِلُ من متون ألفاظه، وبيان وجوه أحكامه، وقد ذكر الخطابي أنَّ أهل العلم في زمانه انقسموا إلى فريقين؛ أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل فريق منهما لا غنى له عن الآخر؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس والأصل، والفقه بمنزلة البناء والفرع، وكل بناء لم يُوضَع على قاعدة وأساس فهو مُنْهَار، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو خراب («معالم السنن»، للخطابي: 1/2- 3).
إن من الأهمية بمكان أن تُعْنَى مدارسنا الشرعية في زماننا المعاصر بالجمع بين منهج الحفظ، ومنهج الفهم جنبًا بِجَنْبٍ، وكتفًا بكتف، وهكذا كان علماء الأمة في القرون الخَيِّرَة والعصور النَّيِّرَة، حيث كانوا يُوَجِّهون الهمم، ويُحَرِّكون العزائم نحو الرواية والدارية، والنقل والفهم، والجمع والتمحيص، والنقد والتحليل؛ ولذا فإنَّ جهل الفقيه بالسُّنَّة النبوية وعلومها عَيْبٌ كبير، وقصور خطير؛ وذلك لأنَّ جُلَّ الأحكام التي يدور عليها الفقه في شتى المذاهب الإسلامية قد ثبتت بالسُّنَّة، ومَنْ طالع كتب الفقه تَبَيَّنَ له ذلك بكل جلاء ووضوح؛ لأن علم الفقه مأخوذ من الكتاب والسُّنَّة، فما يصنع ذو الفقه بفقهه إِذا لم يكن عَالما بعلم الحديث، مُتْقِنًا له، مُعَوِّلًا على المصنفات المدَوَّنة فيه.
وقبل أن نلوي عنان القلم فإن ما نهدف إليه: ألَّا يكون المُحَدِّثُ أجنبيًّا عن الفقه، وألَّا يكون الفقيه مُنْعَزِلًا عن الحديث، وإنما لا بُدَّ من التكامل المعرفي والتوافق المنهجي بين علوم الإسلام المختلفة.
** أستاذ الحديث وعلومه المساعد بكلية أصول الدين بالقاهرة، جامعة الأزهر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
في أمسية رمضانية.. الثقافة والفنون بجدة تبرز الموروث الثقافي في ظل التحولات الاجتماعية المعاصرة
المناطق_واس
نظّمت جمعية الثقافة والفنون بجدة، مساء أمس، أمسية ثقافية بعنوان “تنوع وثراء المظاهر والعادات الاحتفالية في المملكة”، ضمن فعاليات “ليالينا الثقافية الرمضانية”، وذلك في صالة عبدالحليم رضوي للفنون الجميلة بمقر الجمعية، بحضور كبير من المهتمين بالشأن الثقافي والفني.
وتناول الباحث والرحالة إبراهيم سرحان، تنوع المظاهر الاحتفالية والعادات التقليدية في مختلف مناطق المملكة، مبينًا أنها تجسد عمق الثقافة السعودية وتنوّعها، وخصوصية كل منطقة بطقوسها وعاداتها المتوارثة ودورها في إثراء الهوية الوطنية.
أخبار قد تهمك إطلالة الواجهة البحرية بجدة تستقطب الزوار في شهر رمضان 14 مارس 2025 - 4:33 مساءً مدير فرع وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة يستقبل القنصل العام لجمهورية الفلبين بجدة 13 مارس 2025 - 7:06 مساءًوشدد على أهمية توثيق هذه العادات والاحتفاء بها لتعزيز الهوية الثقافية وجذب الأجيال الناشئة للتعرف على تراثهم العريق.
وأشاد مدير الجمعية محمد آل صبيح بفعاليات “ليالينا الثقافية” ودورها في تعزيز التواصل بين المثقفين والفنانين، مشيرًا إلى أن الأمسية تقدم مادة ثقافية وفنية متميزة يمكن استثمارها في إبراز ثراء الثقافة السعودية وجذب السياح، بما يتماشى مع تطلعات برنامج جودة الحياة.
وتأتي هذه الأمسية ضمن سلسلة فعاليات رمضانية تنظمها الجمعية لتسليط الضوء على الموروث الثقافي السعودي والتعريف بجمالياته وعراقته.