الدمار وفراق الأحباب لن يمحو صورة غزة الجميلة في قلبي
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
بين الأمس واليوم تتزاحم الصور والذكريات ممزوجة بالألم والمرارة، بين غزة الجميلة العامرة بأهلها الطيبين وبين غزة التي دمرتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي ومدافعه وحاولت أن تمحو كل أشكال الحياة فيها.
ففي عام 2012 تشرفت بزيارة قطاع غزة ضمن وفد صحفي مصري، وعلى مدار 14 يوما -قضيتها في هذه المدينة الرائعة- استقبلني أهلها بحفاوة كرم بالغ، لدرجة أنهم كانوا يتنافسون وأحيانا يتشاجرون لاستضافتي في منازلهم دون أي سابق معرفة، فقط لأنني ضيف قادم من مصر.
والآن لا أتمالك نفسي ولا دموعي وأنا أفجع كل يوم باستشهاد العائلات التي استضافتني واحدة تلو الأخرى، وأنا أرى البيوت التي دخلتها وأصبح بيني وبين أهلها "عيش وملح" كما نقول في مصر، تحولت إلى ركام بعد أن دمرها الاحتلال الإسرائيلي على رؤوس ساكنيها.
والآن لا أتمالك نفسي ولا دموعي وأنا أفجع كل يوم باستشهاد العائلات التي استضافتني واحدة تلو الأخرى، وأنا أرى البيوت التي دخلتها وأصبح بيني وبين أهلها "عيش وملح" كما نقول في مصر، تحولت إلى ركام بعد أن دمرها الاحتلال الإسرائيلي على رؤوس ساكنيها
أجلس في غرفة الأخبار أتابع الأحداث في غزة ولا أعرف في كثير من الأحيان كيف وماذا أكتب، فكل حي ومخيم ومدينة لها ذكرى وصورة في نفسي، ويرفض قلبي وعقلي أن يستوعب ما يحدث وأن يصدق هذه المشاهد المؤلمة، لكن الأقسى من كل ذلك هو فقدان الأحباب والأصحاب.
عائلة الحاج وليد البياع وزوجته الحاجة اعتدال، والتي استضافتني مع 3 صحفيين مصريين آخرين في شهر رمضان المبارك لمدة 14 يوما عام 2012، حوّل صاروخ إسرائيلي غادِر منزلها إلى ركام وقتل في لحظة واحد 50 فردا من أفراد العائلة معظمهم نساء وأطفال، ومنهم صديقي الشهم والغالي أنس البياع.
لقد عشت في هذا المنزل الجميل في حي الشيخ رضوان، وسط حفاوة كبيرة من عائلة البياع التي غمرتنا بكرمها وحسن خلقها وضيافتها، ولم تبخل علينا بشيء، ونظمت لنا جولات سياحية وإيمانية خلال شهر رمضان، تنوعت ما بين الذهاب لمساجد غزة لصلاة التراويح أو التنزه في شواطئ المدينة وأسواقها ومطاعمها.
لقد كان أنس الابن الأكبر في العائلة شابا في نفس عمري، تعرفت عليه في القاهرة قبل زياتي لغزة بعام، عندما كان مرافقا لشقيقة الأصغر عمر، الذي كان يجري عدة عمليات جراحية في ظهره.
كان عليه رحمة الله شابا وسيما شديد الاهتمام والحرص على أناقته ومظهره الشخصي، وفي الوقت نفسه كان مرحا خفيف الظل مفعما بالحياة، وحريصا على التواصل والسؤال عن أحوالي بين فترة وأخرى، وكان تحرير فلسطين شغله الشاغل وهدفه الأسمى في هذه الحياة.
كان لدى أنس عائلته الصغيرة التي شتتها الاحتلال، فقد استشهد مع زوجته وطفله الأكبر وليد، بينما يقبع طفليه دارين وكنان في المستشفى بعد أن نجح الأهالي في انتشالهما من تحت الركام، لتكتب لهما حياة جديدة يكابدان فيها المرض واليتم.
أحاول التواصل مع صديقي عمر الناجي الوحيد من عائلة البياع للاطمئنان عليه وعلى عائلته، كما أحاول التواصل مع أصدقاء آخرين، لكن قطع الاحتلال الإسرائيلي للاتصالات عن غزة يحول دون ذلك.
وكما فجعتني الحرب بمأساة عائلة البياع فجعتني باستشهاد الزميل الصحفي والأخ الأكبر مصطفى الصواف، والذي أصر على دعوتنا للإفطار في منزله الجميل بحي الشيخ عجلين القريب من بحر غزة ومن مزارع التين والعنب، فهو وإن كان لا يعرفنا لكنه كان يرى أنه من العيب أن يصل صحفيون من مصر ولا يستقبلهم في منزله.
استشهد الصواف مع زوجته واثنين من أبنائه، كما أصيب ولداه؛ الصحفي منتصر وهو مصور متعاون مع وكالة الأناضول ومحمد المخرج في وكالة ألف ملتيميديا بجراح حرجة.
واثق بأن الاحتلال سيفشل في القضاء على شعلة الصمود والمقاومة في قلوب أهل غزة وسيفشل في تهجير أهلها، وستظل غزة ومقاومتها كابوسه المرعب الذي ينغص عليه حياته حتى ينتهي الاحتلال
مخيم الشاطئ وحي الشيخ رضوان وحي الشجاعية وتل الهوى ورفح وحي النصر وحي الرمال ومخيم وحي الشيخ عجلين وجباليا وخانيونس، كلها أسماء قد يكون البعض منكم سمع بها لأول مرة في نشرات الأخبار، وهو يرى الدمار وجثث الشهداء وسط الركام في كل مكان، لكنها لست كذلك بالنسبة لي.
لقد زرت هذه الأماكن وعاشرت أهلها وتجولت في شوارعها، وتحتفظ ذاكرتي بالكثير الكثير عنها، ثم أجد نفسي عاجزا عن القيام بأي شيء للدفاع عن غزة وأهلها، في ظل تخاذل وتآمر رسمي من معظم الأنظمة العربية.
الأكيد أن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة تسببت في استشهاد أكثر من 14 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير أكثر من نصف المنازل في غزة وتشريد عشرات الآلاف.
لكني واثق بأن الاحتلال سيفشل في القضاء على شعلة الصمود والمقاومة في قلوب أهل غزة وسيفشل في تهجير أهلها، وستظل غزة ومقاومتها كابوسه المرعب الذي ينغص عليه حياته حتى ينتهي الاحتلال قريبا بإذن الله.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال الدمار غزة الاحتلال ضحايا دمار ذكريات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
قوات الاحتلال الإسرائيلي تُصعد العدوان في الضفة
قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الثلاثاء، باقتحام مدينة البيرة في الضفة الغربية المُحتلة.
اقرأ أيضاً.. عدوى النيران تنتقل إلى نيويورك.. إصابة 7 أشخاص في حريق هائل
وبحسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت على اقتحام مدينة البيرة وأغلقت عددا من الشوارع.
وذكر شهود عيان أن قوات الاحتلال اقتحمت عدداً من المحلات التجارية، واستولت على تسجيلات الكاميرات في منطقة البيرة القديمة.
وأفادت مصادر محلية أيضاً أن قوات الاحتلال أغلقت الطريق الترابي بالقرب من مدخل بلدة بروقين غرب سلفيت، كما أغلقت أربعة طرق ترابية في قرية مردا شمال سلفيت.
تشهد الضفة الغربية تصاعدًا مستمرًا في الانتهاكات الإسرائيلية التي تستهدف الفلسطينيين وممتلكاتهم، ما يزيد من معاناتهم اليومية ويؤجج التوتر في المنطقة. تشمل هذه التجاوزات عمليات الاقتحام العسكري المستمرة للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، حيث تقوم قوات الاحتلال بتنفيذ اعتقالات جماعية، وهدم المنازل والمنشآت بحجة عدم الترخيص، رغم أن السلطات الإسرائيلية تفرض قيودًا صارمة على منح التراخيص للفلسطينيين. كما تستمر سياسة مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح توسيع المستوطنات، في مخالفة واضحة للقانون الدولي، حيث تعزز هذه الممارسات الاستيطان غير الشرعي وتقلص المساحات المتاحة للفلسطينيين للبناء أو الزراعة، ما يؤثر سلبًا على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
إضافة إلى ذلك، يواجه الفلسطينيون في الضفة تصاعدًا في هجمات المستوطنين، الذين يشنون اعتداءات عنيفة على القرى الفلسطينية، تحت حماية الجيش الإسرائيلي. تتضمن هذه الاعتداءات حرق المحاصيل الزراعية، تدمير الممتلكات، والاعتداء الجسدي على الفلسطينيين، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا دون أي محاسبة قانونية للمستوطنين. كما تفرض إسرائيل قيودًا مشددة على حركة الفلسطينيين عبر مئات الحواجز العسكرية المنتشرة في أنحاء الضفة، مما يعيق حرية التنقل ويؤثر على حياة السكان اليومية، سواء من حيث العمل أو الدراسة أو حتى الوصول إلى المرافق الطبية. ورغم الإدانات الدولية لهذه التجاوزات، تواصل إسرائيل فرض سياساتها القمعية دون رادع، ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي يضع حدًا لهذه الممارسات.