بوح الخزامى : غزة تحت أكوام الألم… ونوافذ الظلام
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
تستمرُّ الجرائم الوحشية الهمجية التي ترتكب في حقِّ الشَّعب الفلسطيني والعالم يقف عاجزًا عن إيقاف تلك المشاهد الدموية. وهنا نتساءل: هل ما زال الكيان الصهيوني دولة مهيبة مُخيفة بعدما كشفت المقاومة الستار عن جبنهم وخذلانهم وعن وَجْه العالم الغربي القبيح المؤازر لهدر شلالات الدماء وجعل غزَّة أكوامًا من الجثث والدمار؟ بعدما كشف القناع عنها وافتضحت في السابع من أكتوبر الماضي.
إنَّ ما يحدث في غزَّة اليوم من اعتداءات وحشية ينفِّذها الكيان الصهيوني وسط صَمْتٍ مخزٍ ينمُّ عن وهَن الجسد العربي، ومدى عجزنا عن إيقاف مسلسل الدم ومشاهد الإبادة الجماعية والتي فتحت أمام مرأى العالم، وتلك المجازر التي ترتكبها قوَّات الاحتلال الإسرائيلي بحقِّ هذا الشَّعب الذي عاش طيلة 75 سنة يعاني من وحشية الاحتلال العالم بحاجة إلى صحوة حقيقية للمجتمع الدولي لوضع حدٍّ لذلك التعسف ولإنهاء تلك المشاهد المرعبة والدامية التي نصحو عليها كلَّ يوم صواريخ نتنياهو التي قتلت البراءة، فأغلقت المدارس لاستشهاد جميع الطلبة.. وقصفهم المستمر للمستشفيات واستهدافهم للمَدنيِّين حتى باتت أجسادهم أشلاء تحت الركام، فهل هناك مجازر وحشية أكثر من هذه قام بها مجرمو الحرب؟ لقد ماتت الإنسانية.. واخترقت الشرائع والمواثيق الدولية من قبل الاحتلال.. باتت تلك المشاهد المخيفة تبعث في نفوسهم الراحة، فهي طريقهم إلى إبادة الشَّعب الفلسطيني ليهنأوا بحياة هادئة هم وأُسرهم ويحتسون كؤوس الانتصار على موائد مخضبة بدماء الشَّعب الفلسطيني ويرقصون على الجثث فرحًا على إنهاء ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
فهل سنكتفي فقط بالمظاهرات والخروج إلى الشوارع نهتف بالروح والدم نفديك يا قدس ويا فلسطين.. عاجزين عن أن نوقفَ شلالات الدماء المتدفقة أو نكتفي بالمقاطعة ضدَّ المؤسَّسات الداعمة للاحتلال الصهيوني، علمًا أنَّ ترسيخ تلك الثقاقة في النفوس بثَّت الكثير من الوعي لدى المستهلك كموقف أخلاقي آتتْ أُكُلَها في تحقيق الكثير من الأهداف وتضييق دائرة الخناق ضدَّ طغيان الرأسمالية كشكلٍ من أشكال المقاومة الفردية، وأتاح للمستهلك الحُرية في الاختيار في الوقت ذاته جاءت تعبيرًا عمَّا يشعر به العالم من ألَمٍ تجاه تلك المجازر التي تتوالى على المشهد الإجرامي.
في مواقف عدَّة نجد سلطنة عمان تدعو دائمًا إلى وقف إطلاق النار وإنهاء تلك المجازر وتدين وتستنكر تلك الجرائم الوحشية انتهاكات مستمرَّة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل، اليوم تبرهن سلطنة عُمان للعالم أجمع موقفها الثابت تجاه تلك الوحشية مؤازرة للقضية الفلسطينية ومطالبتها للمحكمة الجنائية الدولية بتشكيل محكمة لجرائم الحرب المرتكبة بحقِّ الشَّعب الفلسطيني.
عندما كنَّا على مقاعد الدراسة كنَّا نردد (فلسطين داري ودرب انتصاري.. وفلسطين عربية..) غرس حبّها كأرض مقدَّسة في قلوبنا منذ نعومة أظافرنا وكنَّا نشعر بنبضها في جسد العروبة حتى خيِّل لنَا بأنَّ قيامة الصهاينة ومقبرتهم ستكون على يد العرب.. وعندما كبرنا كبر حبُّها واختلط مع دمائنا ولكن ما شاهدناه من صَمْتٍ عربي جعلنا نتألَّم من الواقع المرير…
.. أما آنَ الأوان أن نتحرَّرَ من الأكاذيب الصهيونية والتي ما هي إلَّا فقاعات ما تلبث حتى تنفجرَ من خوفها، وها هي الهدنة تكشف الخمار عن حالات التناقض وعدم التزامهم ببنود اتفاق الهدنة والذي يشمل وقفًا لإطلاق النار وتبادل رهائن ومعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية… وهذا ما أعلنته مؤخرًا حركة حماس الأمْرُ الذي كان سببًا في تأخير عملية الإفراج عن الدفعة الثانية من الرهائن المحتجزين إليها…. فصول ومشاهد من الخيانة التي تعيشها إسرائيل…
بوح
للأُمَّة العربية والإسلامية انقذوا ما تبقَّى من غزَّة والضفَّة الغربية قبل أن تغرقَ الأراضي المقدَّسة بدماء الشهداء.
سميحة الحوسنية
مراسلة «الوطن» بولاية الخابورة
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
شروط الاحتلال الإسرائيلي التي أدت لإلغاء مسيرة العودة
القدس المحتلة- في كل عام، يحمل المهندس سليمان فحماوي ذاكرته المثقلة بالحنين والوجع، ويسير على خُطا قريته المهجرة "أم الزينات" الواقعة على سفوح جبال الكرمل في قضاء حيفا، والتي اضطر لمغادرتها قسرا كباقي مئات آلاف الفلسطينيين، تاركا خلفه طفولته وذكرياته لتصبح جزءا من تاريخ النكبة الذي لا ينفك يعيد نفسه.
سليمان، اللاجئ في وطنه، عاش فصول النكبة الفلسطينية متنقلا بين بلدات الكرمل والساحل، قبل أن يستقر به الحال في بلدة أم الفحم، على تخوم حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967.
واليوم، وفي الذكرى الـ77 للنكبة، وبعد عقود من التهجير، يقف كعضو ومتحدث باسم "لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين" بالداخل الفلسطيني، محاولًا الحفاظ على ذاكرة القرى التي طمست معالمها، وفي مقدمتها قرية "كفر سبت" المهجرة، في قضاء طبريا في الجليل شمالي فلسطين.
منذ تأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين" عام 1997، اعتاد سليمان ورفاقه تنظيم مسيرة العودة السنوية إلى القرى المهجّرة، بالتنسيق مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، حيث أصبحت المسيرات ذات رمزية تقول للعالم "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، وتعيد للأذهان قصص البيوت المهدومة والأرواح التي لا تزال معلقة بأطلال قراها.
"هذا العام كان مختلفا" يقول فحماوي للجزيرة نت بنبرة يغلب عليها الأسى، فبدلا من التحضير المعتاد للمسيرة الـ28 نحو "كفر سبت"، اصطدمت الجمعية بسلسلة من الشروط التعجيزية التي وضعتها الشرطة الإسرائيلية، ما اضطرهم إلى اتخاذ قرار صعب "سحب طلب التصريح".
يوضح فحماوي "كما كل عام، قدمنا طلبا للحصول على التصاريح، لكن الشرطة هذه المرة وضعت شروطًا غير مسبوقة، كان أولها عدم رفع العلم الفلسطيني، ذلك العلم الذي لطالما خفقت به القلوب قبل الأيادي، كما اشترطت الحصول على موافقة المجلس الإقليمي في الجليل الغربي، الذي تقع القرية ضمن نفوذه، إضافة إلى تحديد عدد المشاركين بـ700 شخص فقط".
إعلان"بالنسبة لنا، العلم الفلسطيني خط أحمر" يؤكد سليمان، ويتساءل "كيف لمسيرة تحمل اسم العودة أن تقام دون علمنا، ودون مشاركة الآلاف من أبناء الداخل الفلسطيني الذين يحملون هم القضية؟".
وبين تهديدات الشرطة بالاقتحام، والوعيد بقمع المسيرة حال تجاوز الشروط، وجدت الجمعية نفسها أمام مفترق طرق، ويقول فحماوي "خلال المفاوضات، لمسنا نوايا مبيتة من الشرطة الإسرائيلية وتهديدات بالاعتداء على المشاركين من أطفال ونساء وشباب".
وفي مشهد تتداخل فيه الوطنية بالمسؤولية الأخلاقية، اجتمعت كافة الأطر السياسية والحزبية والحقوقية في الداخل الفلسطيني، ليصدر القرار الأصعب (سحب الطلب)، لخصها فحماوي بقوله "نقطة دم طفل تساوي العالم"، مضيفا "لن نسمح بأن تتحول مسيرتنا إلى ساحة قمع جديدة، اخترنا العقل على العاطفة، لكن شوقنا للعودة لا يلغيه انسحاب مؤقت".
قبل نحو 30 عاما، لم تكن مسيرات العودة جزءا من المشهد الوطني الفلسطيني، وكانت قضية القرى المهجرة تعيش في طي النسيان، مطموسة في ذاكرة مغيبة، تكاد تمحى بفعل الإهمال والسياسات الإسرائيلية المتعمدة، يقول فحماوي، ويضيف "لكن هذا الواقع بدأ يتغير تدريجيا مع انطلاق المبادرات الشعبية، وعلى رأسها مسيرة العودة".
وعلى مدى هذه العقود الثلاثة، شارك مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني -وخاصة من فلسطينيي الداخل- في مسيرات العودة، التي تحوّلت إلى محطة وطنية سنوية ثابتة، تحمل رسائل سياسية وشعبية عميقة، وتؤكد على حق العودة بوصفه حقا فرديا وجماعيا غير قابل للتنازل أو التفاوض.
ورغم قرار سحب طلب التصريح لمسيرة العودة الـ28، لا يتوقف التساؤل لدى أدهم جبارين، رئيس اللجنة الشعبية في أم الفحم، وابن عائلة لاجئة من قرية اللجون المهجرة عن "ماذا يعني أن يمنع لاجئ فلسطيني من العودة، ولو ليوم واحد، إلى قريته التي طُرد منها؟ وماذا يعني أن يجرم رفع العلم الفلسطيني؟"
إعلان"هذه ليست النهاية" يؤكد جبارين للجزيرة نت، ويقول "نحن مستمرون، فحق العودة ليس مناسبة، بل حياة كاملة نعيشها يوميا"، مضيفا "رغم القيود والتهديدات، تبقى مسيرة العودة أكثر من مجرد حدث سنوي، هي ذاكرة حية تورَّث للأجيال، ورسالة واضحة بأن القرى المهجرة ستظل حاضرة في القلوب والعقول، حتى يتحقق حلم العودة.
ويؤكد جبارين أن قرار سحب الطلب "لم يكن تراجعا، بل خطوة واعية اتخذت من منطلق المسؤولية الوطنية، بعد أن اتضح خلال مفاوضات الجمعية مع الشرطة الإسرائيلية وجود نية مبيتة للترهيب والترويع، وحتى تهديد ضمني بإمكانية قمع المسيرة بالقوة، وربما ارتكاب مجزرة بحق المشاركين".
ويقول "نرى ما يجري من حرب إبادة في غزة، وعمليات التهجير في الضفة الغربية، وما لمسناه من سلوك الشرطة يعكس تحضيرات لتنفيذ سيناريو مشابه في الداخل، حيث بات استهدافنا على خلفية إحياء المناسبات الوطنية مسألة وقت لا أكثر".
لكن رغم المنع، لم تتوقف الفعاليات، فالجمعية أطلقت برنامج زيارات موسعًا إلى أكثر من 40 قرية مهجّرة، بمرافقة مرشدين مختصين، لتتحوّل ذكرى النكبة من فعالية مركزية واحدة إلى عشرات الجولات والأنشطة الميدانية.
ويختم جبارين حديثه للجزيرة نت بالقول إن "مسيرة العودة ليست مجرد تظاهرة، بل رسالة متجددة وتذكير سنوي بالنكبة، وتجذير للوعي الوطني، وانتقال للذاكرة من جيل إلى آخر، ورسالة واضحة بأن لا حق يضيع ما دام هناك من يطالب به".
ويضيف أنها "أيضا رد مباشر على المقولة الصهيونية الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون، فالصغار لم ينسوا، بل باتوا في مقدمة الحشود، يحملون الراية، ويرددون أسماء القرى التي هُجرت، وكأنها ولدت من جديد على ألسنتهم".