سودانايل:
2025-03-17@13:34:49 GMT

الإكسير .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT

الإكسير
ELIXIR
Gawain Westray Bell قويين ويستراي بيل
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذه ترجمة لورقة صغيرة للإداري البريطاني السير قويين ويستراي بيل نشرت في الجزء الأول من المجلد الثلاثين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات" الصادرة عام 1949، ص 110 – 111.
عمل بيل (1909 - 1995م) بحسب ما ورد في موقع جامعة درم البريطانية وموسوعة الويكيبديا (1) إداريا في حكومة العهد الثنائي منذ عام 1931م حتى تقاعده في عام 1955م، منتقلا بين كسلا والقضارف بشرق السودان، وفي مختلف مناطق كردفان.

ثم بعث منتدبا للعمل في القاهرة، ثم في شرطة فلسطين وفرقة الهجانة بها عام 1938م، وبالفيلق العربي في شرق الأردن. وشارك في الحرب العالمية الثانية قائداً لفرقة فرسان الدروز. وعاد بعدها للعمل في مناطق الفونج، ثم شغل منصب نائب السكرتير الإداري بين عامي 1953 و1954م، ثم وكيلا دائما لوزارة الداخلية بين عامي 1954 - 1955. وعين حاكما عاماً لشمال نيجيريا بين عامي 1957 – 1962م.
نشر السير قويين بيل كتابين، أحدهما بعنوان "ظلال في الرمل Shadows on the Sand" تناول في فصل منه ذكرياته عن فترة عمله بالسودان، وكتاب آخر عن فترة عمله في نيجيريا. وله أيضاً مقالات عديدة عن السودان ومصر وفلسطين، من بينها مقال عن "ذهب شيبون"(2)، ومقالات أخرى تجد عناوين معظمها في موقع جامعة درم.
المترجم
************** ********
أتت الكلمة الإنجليزية Elixir من اللغة العربية، والتي اشتقت بدورها من الكلمة اليونانيةxerion ، التي تعني مسحوقاً كان يستخدم لعلاج الجروح. وشاع استعمال تلك الكلمة وتوسعت معانيها، وصارت تشير لتلك المادة التي تحول المعادن "الخسيسة" إلى معدن نفيس هو الذهب؛ وتشير كذلك كلمة "الأكسير" خاصة Elixir viate الى تلك المادة التي كان يُعْتَقَدُ بأنها تطيل الحياة (ويسمونها أكسير الخلود لأنه يضمن لشاربه شباباً أو حياة أبدية).
وشاع الاعتقاد بوجود الإكسير في الأقطار العربية وفي السودان، خاصة في المناطق التي تنتشر فيها الجبال والتلال في كسلا وجبال النوبة (3). وتختلف التقاليد الثقافية والروايات الشعبية حول "الإكسير" من بقعة لأخرى، غير أن هناك اتفاقا بين الجميع على الصعوبة البالغة في الحصول عليه، وذلك لتعذر الوصول إلى مكان وجوده، ولسبب آخر هو الوصاية والحماية التي تتسم بالغيرة التي تفرضها الجوارح والحَيَّات على أماكن وجود الإكسير.
ومن الاعتقادات الشعبية الشائعة أن شجرة الإكسير تشابه شجرة الكَرْمَةِ (العنب)، بل إن نبتته تُسمى أحيانا "العنب". وهناك نظرية أخرى تزعم أن الإكسير هو نمو طفيلي (parasitic growth) يلتصق بأي شجرة أو شجيرة يجدها، تماماً مثل ذلك النبات الطفيلي المسمى هدال / دِبق (mistletoe). وعلى أية حال، فالنبات – بحسب اعتقاد الكثيرين من العوام – له ثمر (توت berries) أحمر صغير الحجم، وتجد عبارة "لا إله إلا الله" منقوشة على أوراقه. ولثمرة النبات خاصية فريدة تجلب التوفيق والحظ السعيد للصيادين والرماة. ويجفف هؤلاء تلك الثمار ويسحقونها ويحملونها معهم في جُرْب جلدية. وقبل أن يبدأ الصياد مسيرته يقوم بحرق كمية قليلة من ذلك المسحوق ويدع دخانه ينفذ إلى فوهة سبطانته (بندقية صيده).
وبصورة عامة، يشيع في السودان الاعتقاد بأن الإكسير يجلب التوفيق والفلاح في مختلف المشاريع، وأن له القدرة على تحويل أي مادة إلى ذهب، وعلى ضمان الخلود. وجاء في قصة سمعتها عن الإكسير في كبوشية أن السيد الحسن الميرغني زار خلوة البلدة ووجد أن تلاميذها (حيرانها) يحفظون القرآن غيباً دون بذل الكثير من الجهد. وكان "الأهالي" يؤمنون بأن مرد ذلك هو شرب أولئك التلاميذ – بصورة دائمة - للبن المَعَز التي ترعى في قرية "جبل أم علي" القريبة، والتي كثيراً ما تأكل من شجر الإكسير الذي ينمو في تلك المنطقة.
ويقال أيضاً بأن الإكسير ينمو في "جبل أبو شوك" القريب من (مدينة) رشاد على طريق تقلي. وذات مرة أطلق أحد الرماة في تلك المنطقة سهمه فقطع فرعاً من شجرة؛ وبسرعة فائقة أقبل صقر من الصقور التي تحرس تلك الشجرة وهبط من السماء ليلتقط ذلك الفرع ويحمله بعيدا قبل أن يسقط على الأرض. وسمعت قصة مشابهة عن الإكسير في منطقتي كسلا وجبل الليري.
وباءت كل محاولات الحصول على الإكسير بالفشل الذريع، وانتهى بعضها بصورة مأساوية قاتلة. ففي سنوات حكم المك ناصر أبكر لتقلي (1844 – 1859م) بُذلت الكثير من المحاولات للحصول على الإكسير الذي ينمو على ارتفاعات لم يتم قياسها فوق تاسي (Tasi). وفي آخر محاولة أمر المك نفسه بأن يُحمل أحد رجاله على "عنقريب" مربوط بحبال من فوق الصخور التي كان يعتقد بأن تلك الشجرة تنمو فيها. وتم إنزال "العنقريب" من دون حدوث أدنى مكروه أو مواجهة أي صعوبة تذكر. وبعد أن بدا لمن كانوا في أعلى الجبل مرور فترة زمنية معقولة، تم رفع "العنقريب" مرة أخرى. هذه المرة وجدوا الرجل ميتا. لقد قتلته الصقور والأفاعي التي كانت تقوم على حراسة شجرة الإكسير.
*************
إحالات مرجعية:
1/ اُنْظُرْ https://shorturl.at/pzDW8
2/ سبق لنا ترجمة مقال بعنوان "ذهب شيبون" تجده هنا https://tinyurl.com/y5lyttul
3/ أفادني خبير بأن "البعض في كردفان (كان) يعتقد بأن الإكسير ينمو في أعلى جبل العين بين الأبيض والرهد أبو دكنة".

 

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تشريح المثقف- بين شجرة النيم وظل الأيديولوجيا- هلوسا

تشريح المثقفين للمختلف معهم في الرأي تحت شجرة النيم وحديث من يتبول في الشارع وهو يرتدي بدلة من أشهر المحلات الباريسية وحقيقة هذا حالهم ولا أبالغ في الامر
يبدو أن البعض قد نذر نفسه لحراسة القوالب الجاهزة، فإذا خرج أحدهم عن خطّ مستقيم رسموه، سارعوا إلى تشريحه فكريًا ووضعه على مائدة التقييم القاسي، متناسين أن الفكر ليس سجنًا، وأن الكتابة ليست بيانًا حزبيًا يُقرُّ ولا يُراجع. فهل يُفترض بمن يكتب أن يكون ثابتًا كالصخر؟ ألا يُتاح له حق إعادة النظر، أو مراجعة القناعات، أو حتى التحليق فوق المقولات الجاهزة دون أن يُتهم بالتلون أو النفاق؟
ولأنني لم أدّعِ يومًا أنني حكيم المعرة ولا أيس الكوفة الهَمْداني، فأنا أمارس الحياة كما يحلو لي، أتنقل بين قراءاتي وأفكاري، وأحاول أن أفهم المشهد السياسي كما هو، لا كما يريده المتحمسون لتصنيفي وفق مقولاتهم الجاهزة. أجل، انتقدتُ العسكر وعسكرة الدولة، وسأظل أنتقد كل هيمنة تُضيّق على الناس مساحة الحرية، فهل المطلوب أن أكون تابعًا أعمى كي يرضى عني حراس الأيديولوجيات؟
من القباب إلى الحداثة مسيرة لا تستحق السجن في قوالبكم
لم أولد وفي يدي بيان ماركسي أو خطاب ليبرالي، بل كانت طفولتي محاطة بالقباب، حيث تعلمتُ القرآن كغيري من أبناء ذلك الجيل، قبل أن تأخذني رياح الأسئلة الكبرى إلى ماركس، فوجدتُ في طرحه نقدًا عميقًا للبنى التقليدية، لكنني لم أكتفِ به، فالعالم أرحب من أن يُرى بعين واحدة. انفتح فضائي الفكري على الحداثة وما بعدها، لا لأهرب من الأسئلة، بل لأعمّقها، ولأختبر الأجوبة خارج إطارات الصراع الإيديولوجي الضيق. فهل يُعد ذلك خيانة فكرية أم بحثًا عن المعنى؟
عناوين جذابة أم مضامين سطحية؟ السفسطة ليست مشكلتي
اتهمني البعض بأنني أجيد العناوين الجذابة، لكن مضموني فارغ أو معقد، كأنما المطلوب مني أن أختصر السياسة في هتافات الشوارع. حسنًا، لن أدافع عن نفسي في هذا، فالقارئ الذي يقرأ لي بعين مُنصفة سيعرف أنني لا أمارس الكتابة كحرفة ميكانيكية، بل كبحث مستمر عن الفهم. وإن كانت بعض كتاباتي تستفز البعض، فلأنها تخرج من المساحات الرتيبة إلى أسئلة أكثر عمقًا. ومن لا يريد الغوص، فالبحيرات الضحلة متاحة للجميع.
بين هذا وذاك لا تضيقوا واسعًا، فالكتابة بحرٌ أوسع من صدوركم الضيقة
لستُ مثاليًا، ولا أملك مشروعًا فكريًا عظيمًا يستحق القراءة العميقة، ولستُ تاجر أفكار يُسوّق نفسه باعتباره المُخلّص الفكري لهذا الزمان. أكتب لأنني أريد أن أفهم، ولأنني لا أطيق اختزال الواقع في ثنائية قاتلة بين الأبيض والأسود. لا يزعجني النقد، لكنه يُضحكني حين يأتي من مثقف يرتدي بدلة اشتراها من أشهر محلات باريس، ثم يتحدث عن النقاء الثوري وهو يتبول في الشارع أمام الجميع.
أيها المتحمسون لجلدي فكريًا، تحيَّ شجرة النيم التي ظللتني ذات يوم، تحيَّ رياح الأسئلة التي لم تتوقف عن ملاحقتي، وتحيا الكتابة كمساحة رحبة لا تُختزل في تقييماتكم الضيقة.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • تشريح المثقف- بين شجرة النيم وظل الأيديولوجيا- هلوسا
  • تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)
  • منصور بن محمد يقدم واجب العزاء في وفاة زوجة علي رضا الهاشمي
  • منصور بن محمد يقدّم واجب العزاء في وفاة زوجة علي الهاشمي
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • محمد حامد جمعة نوار ملحقاً إعلامياً بسفارة السودان في إثيوبيا
  • بينها الصينية.. تقديم خطب ودروس المسجد الحرام بأكثر من 11 لغة
  • يوم مبادرة السعودية الخضراء.. وعيٌ ينمو ومستقبل يزدهر
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة الإفطار التي أقامها محمد بن بطي آل حامد