جنوب السُّودان.. ماضيه وصيرورته (7 من 21)
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
shurkiano@yahoo.co.uk
قد يصح القول بأنَّ الاستعمار البريطاني استعانت بالجمعيَّة الملكيَّة الجغرافيَّة، ومنظمات التبشير الكنسي في برامج استفاد منها النفوذ البريطاني الذي كان يسعى سعياً حثيثاً إلى بسط الهيمنة على العالم، واستغلال موارد البلدان. غير أنَّ هناك ثمة حقيقة هامة ينبغي ألا يستغفلها أحد ويتجاهلها ألا وهي محاربة تجارة الرِّق في السُّودان، وبخاصة في جنوبه.
كان في استقبال صمويل بيكر في إحدى زرائب العبيد في الجنوب مدير الزريبة المدعو بخيت أغا، الذي كان يمثل دور المضيف، وكان يتميَّز برباطة جأش وهدوء تعلمهما من أقرانه الأتراك والعرب. بخيت أغا نوبويَّاً كان من جبال النُّوبة في جنوب كردفان، ثمَّ إنَّه كان قد انخرط في خدمة جون بيثريك، الذي صار فيما بعد القنصل الإنجليزي في الخرطوم، ثمَّ تدرَّج إلى رتبة عسكريَّة في فوج الجنود الزنوج. في هذا الفوج انضمَّ إلى الحملة الفرنسيَّة ضد مقاتلي خواريز في المكسيك العام (1863-1867م)، وبعد عودته رافق صمويل بيكر في رحلته إلى منابع النيل الأبيض. بعد إزاحته من الخدمة العسكريَّة بواسطة صمويل بيكر، تمَّ تعيينه في مصلحة الخدمة المدنيَّة محافظاً لمديريَّة مكراكا بواسطة غوردون باشا. علاوة على بخيت أغا، كان هناك مسؤولان من النُّوبة هما فضل الله وريحان أغا، ولأنَّهما كانا من إقليم واحد كانا ينادي بعضهما بعضاً إخوان. أما نائب بخيت أغا التركي المدعو عطروش أغا فكان كثير الشكوى ضد رئيسه النوبوي. برغم من وضع عطروش الوضيع، وهو الذي كان يعمل سقاءً من قبل في الخرطوم، إلا أنَّه كان مشبعاً بنمط من الحقد والنكاية شديد ضد ما اعتبره نوبويَّاً ذا لون أسود.
لا جدال في أنَّ بخيت أغا لم يكن هو اسم ذاك النُّوبوي قبل الاسترقاق، فللنُّوبة أسماؤهم التي بها يتسمون، إلا أنَّه في ذلك الرَّدح من الزمان كان النَّخاسون يبدِّلون أسماء عبدانهم بأخرى توحي بأنَّهم أمسوا أصحاب حظوة ونجدة في النعت القدحي، وذلك بوقوعهم في الأسر. أي حظوة ونجدة تلك التي تكبِّل صاحبها مقرَّناً في الأصفاد! فلعلَّك واجدٌ أسماء مثل بخيت إيَّاه، والله جابو، وفضل السيد وغيرها كلها كانت أسماء يطلقونها على العبدان في ذلك الحين من الزمان. إذ أشار الدكتور منصور خالد إلى هذه التصنيفات الطبقيَّة الاجتماعيَّة في سفره "الفجر الكاذب.. نميري وتحريف الشريعة"، الصادر في دار الهلال العام 1986م، والأستاذة نوريس محمد سيف الدين في بحثها القيم "أحباش مصر بين الرِّق والعتق في القرن التاسع عشر"، الصادر في مكتبة الأنجلو-المصريةَّ العام 2009م، وفي الدراسة التي نشرها الأستاذ عثمان نواي الموسومة "السُّودان.. من العنصريَّة إلى التطهير الإثني"، الصادرة بواسطة النخبة للطباعة والنشر والتوزيع العام 2017م، وكذلك استكثرنا في هذا الأمر في كتابنا "التركيَّة في كردفان.. جبال النُّوبة وأهوال الاسترقاق"، الصادر في دار المصوَّرات للطباعة والنشر والتوزيع العام 2022م.
أما "أغا" فإنَّه لكلمة تركيَّة من المصدر "أغمق"، وتعني الكبر وتقدُّم السن، وقيل إنَّها من الكلمة الفارسيَّة "أقا"، وتُطلق في التركيَّة على الرئيس والقائد وشيخ القبيلة والخادم الخصي. ومن هنا جاء اسم سليم أغا، وهو أحد الأرقاء من النُّوبة الذي بات له شأن وشأو عظيمين، وأمسى ذائع الصيت في بريطانيا في القرن التاسع عشر. وهناك ثمة أغوات (جمع أغا) كثر في ذلك الردح من الزمان في مصر منهم عبد الله أغا، ومحمد محمود أغا، وخليل أغا، وبلال أغا وغيرهم كثيرين.
للمقال بقايا باقيات،،،
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
قال الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان كان من أبرز الأئمة الذين أسسوا الاجتهاد الفقهي وساهموا في تيسير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع واقع الناس وحياتهم اليومية.
وأوضح أبو هاشم، خلال تصريحات له، أن الإمام أبو حنيفة، ولد في الكوفة عام 80 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء مثل عامر الشعبي ونافع مولى ابن عمر، حتى أصبح من أبرز فقهاء عصره، معتمدًا على الرأي والحجة في اجتهاداته.
ولفت إلى أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تخلق دينًا جديدًا، بل اجتهد أصحابها في فهم النصوص الشرعية، مما يسر على المسلمين تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."
واشار إلى بعض اجتهادات الإمام أبي حنيفة التي أثرت في حياتنا اليوم، مثل جواز الوضوء من الصنبور، وهو ما كان موضع خلاف عند ظهوره، حتى أقره الإمام أبو حنيفة، ومن هنا جاء اسم "الحنفية" المستخدم حتى اليوم.
وأكد أن المحاكم الشرعية في مصر تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في قضايا الزواج والطلاق، حيث اشترط أن يكون الشاهد مسلمًا فقط دون الدخول في تفصيلات العدالة التي قد تُعسر الأمر على الناس.
وبين أن الإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هـ ودُفن في حي الأعظمية ببغداد، حيث ظل مذهبه من المذاهب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، داعيًا الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه.
حفظ الإمام أبي حنيفة، القرآن الكريم في صغره، وحجّ البيت الحرام وهو ابن ستّ عشرة سنة مع أبيه، ويروى أنّ والده ثابت قد عاصر عليًّا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فدعا له بالخير ولذريّته كذلك، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلغوا أربعة آلاف شيخ، منهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، ومن بقي منهم من تابعي التابعين، وقد أخذ الفقه عن حمّاد بن أبي سلمة.
ومن شيوخه أيضًا عطاء بن أبي رباح والشعبي وعمرو بن دينار ومحمّد الباقر -والد الإمام جعفر الصادق- وابن شهاب الزُّهري، وأخذ عنه العلم خلق كُثُر منهم القاضي أبو يوسف ووكيع -شيخ الإمام الشافعي- وعبد الرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل.
محنة الإمام أبي حنيفة
تعرّض الإمام أبو حنيفة النعمان لمحنة في عهد الدولة الأموية وأخرى في عهد دولة بني العباس، وقد عاصر الإمام الدولتين وكانت معظم حياته أيّام الأمويّين، ففي أيّام الأمويين طلب ابن هُبيرة -وكان والي الكوفة وقتها- من الإمام أبي حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فرفض الإمام أبو حنيفة النعمان ذلك، فجلده ابن هبيرة مائةسوط ورفض الإمام ولم يلِن، فعندما رآه ابن هبيرة كذلك خلّى سبيله، ثمّ لمّا ولِيَ أبو جعفر المنصور خلافة العباسيين طلب من الإمام أبي حنيفة أن يكون قاضي القضاة، وهذا منصب له أوزار كثيرة كما يرى الإمام أبو حنيفة النعمان، فرفض ذلك، فأقسم المنصور أن يكون أبو حنيفة القاضي، وأقسم أبو حنيفة النعمان ألّا يستلم ذلك المنصب، فحبسه المنصور وأذاقه من الويلات في سجنه ما لا يحتمله من هو في ريعان الشباب بل أن يحتمله ابن السبعين عامًا، فتوفّي -رحمه الله- في سجنه، وكان ذلك سنة 150هـ بعد أن قضى حياته عابدًا صائمًا ساجدًا راكعًا وقد حجّ خمسًا وخمسين مرّةً، وكان يختم القرآن في كلّ يوم مرّة، وعندما مات صلّى عليه النّاس ستّ مرّات لشدّة ازدحامهم عليه.