ميلاد رسول الله «دراسة تربوية بلاغية لبعض آيِ الذكر الحكيم» «9»
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
والفعل:(كان) فيه تقديرٌ لصاحبه، ورفعة لمقامه، وعُلُوِّ منزلته، وأنه معترَفٌ بإيمانه منذ نَوَى، ورَجَا الله واليومَ الآخرَ، وذكر ربَّه كثيرًا، وهي كناية عن سعة فضل الله، ورحمته بقبول رجاء العبد، وعبادته، وذكره لربه، وخشيته من اليوم الآخر.
والفعل:(يرجو) واردٌ بالمضارع الذي يفيد الاستمرار، وتواصل الرجاء، واللفظ الكريم:(الله) يثلج الصدر، ويشعر بجمال الجلال، وتمام الكمال، وأن العبد يرجو مولاه، فما أجمل من رجاء!، وما أكمله من هدف!، وما أعلاه من غرض سام!، وما أجله من غاية، وأسماه من قصد!.
وتأتي واو العطف لتبين منظومة الكمال من العبد القاصد مولاه، الراجي نداه، والذي يخشى يوم يلقاه، وهو في عبادته يأمل في مغفرة الله، ويعمل ألف حساب لهذا اليوم العصيب، الرهيب، الرعيب، والفعل:(ذكر) واردٌ بالفعل المضارع، فقد ذكر الله، وقَبِلَ منه مولاه، وأقرَّ له بذكره، وشكره، فهو كناية عن الفرحة بالقبول، من رب كريم مأمول، وخيرِ إلهٍ مسؤول، والفاعل مستتر جوازًا (أي: ذكر هو الله) يعود على العبد المُسْتَحْيِي من ربه، المضمِر نفسه حياءً من ربه، وخشية، وَوَجَلًا، والمفعول به:(الله) يفيد الجلال والكمال، والجمال كله، وقوله:(كثيرًا) صفة مشبهة، فالكثرة موفورة على الدوام، موجودةٌ على الأزل، ومستمرة على السرمدية، وهي كذلك نكرة، والنكرة تفيد الشيوع، والعموم، كما أن هناك إيجازًا بالحذف، وأن الأصل:(وذكر الله ذكرًا كثيرًا)، فاستعيض عن الموصوف بصفته، والصفة والموصوف ـ في عالم النحو ـ كالشيء الواحد.
وهذه الآية الكريمة في مجموعها تبيِّن علاقة المؤمنين برسولهم الكريم، المرتضى من ربه أسوةً لهم، وقدوةً، وأن ارتباطهم برسولهم إنما هو ارتباط القلب بالجسد، والعقل بالروح، والفرع بالأصل، والجزء بالكل، وهي في الوقت نفسِه تقرِّر وجوب أسوة الرسول، وفريضة قدوته، وذلك لمجموع المؤمنين، في كل مراحل الحيوات، وعلى مر العصور، ومُضِيِّ السنوات، وتعاقب الأزمنة في الخلوات، والجلوات، وفيها كذلك كناية عن علوِّ شأنه الشريف، وسموِّ قدره المُنِيف عند ربه الكريم اللطيف، وفيها كناية أيضًا عن حبِّ المؤمنين لسيرته العطرة، وانظرافهم فيها، وحبهم لها، وعشقهم لكلِّ ما ورد فيها، وحياتِهم القائمة بها، والماضيةِ معها في كل شؤونهم، وفيها كل الصفاتُ التي يمكنهم الإفادة منها، ومن أسوتها، إنهم أولئك الذين جَمَعُوا (بواو العطف) بين رجاء الله، ورجاء اليوم الآخر، وذكر الله الكثير، فمَنْ حَقَّقَ هاتيك الأوصاف جاءتْه الأسوةُ، وتمكنتْ منه القدوةُ، واتخذ من شخصه الشريف كل معاني الأسوة، ودلالات الأسوة.
وقد نهضتْ كل من حروفُ المعاني في الآية الكريمة، وكذلك الأساليبُ اللغوية بتلك الدلالات السامية، وهذه الأهداف العالية، فترى ـ على سبيل المثال ـ أسلوب القسم، وأسلوب التحقيق، وأسلوب البدل، والتراكيب الوصفية، والإضافية، وتراكيب العطف، وأسلوب الحذف، والإيجاز، ومعاني كلٍّ من:(اللام)، و(قد)، و(في)، و(الواو) كلُّ ذلك تراه قد تعاون، وتآخى، وتناغم، وتآزر في سبيل إبراز المقصود الرباني، والهدف القرآني.
د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
بدعة أم سنة.. اعرف حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
أوضحت دار الإفتاء المصرية حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وهل يعتبر سنة أم بدعة، وما حكم الصيام فيها، حيث يرغب البعض في صيام هذه الليلة المباركة، وهو ما أوضحته الإفتاء.
صيام النصف من شعبان بدعة أم سنة؟قالت دار الإفتاء، في توضيحها حكم صيام النصف من شعبان إذا كان بدعة أم سنة، إن لشهر شعبان منزلة كريمة، ومكانة عظيمة، فقد اختصه الله تعالى بأنه الشهر الذي ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من الصيام فيه؛ فروى النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وأوضحت الإفتاء عبر صفحتها على «فيس بوك»، أن الاحتفال بليلة النصف من شهر شعبان المبارك مشروع على جهة الاستحباب، وقد رغب الشرع الشريف في إحيائها، واغتنام نفحاتها؛ بقيام ليلها وصوم نهارها؛ سعيًا لنيل فضلها وتحصيل ثوابها، وما ينزل فيها من الخيرات والبركات، وقد درج على إحياء هذه الليلة والاحتفال بها المسلمون سلفًا وخلفًا عبر القرون من غير نكير.
هل صيام النصف من شعبان بدعة؟وأكدت، أن القول بتضعيف ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان قول غير صحيح؛ فإن كان في بعض أسانيدها ضعفٌ، فقد صحَّح الحفاظ بعضها الآخر، والقاعدة الحديثية أن الأحاديث الضعيفة الإسناد تتقوى بالمجموع، كما أن جواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل هو قول جماهير العلماء سلفًا وخلفًا، ولذا فلا يجوز إنكار فضل هذه الليلة المباركة.
أعمال مستحبة في النصف من شعبانوقال الشيخ على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، في هذا الأمر: «نحن في زمن نفحة ربانية، ومنحة صمدانية، في شهر شعبان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكاد يصومه كله لتعظيمًا لرمضان، وهو الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس، حيث يقع بين رجب الأصم ورمضان، فرجب شهر الله الحرام، ورمضان شهر القرآن، أنتم الآن تقتربون من ليلة البراءة، ليلة الصك، ليلة النصف من شعبان، حيث يغفر الله لجميع المسلمين، إلا للمشرك، وللكاهن الذي يضرب بالغيب ويشوّش أمر الناس، وللمشاحن، وللمدمن على الخمر الذي يغيب عقله ويخرج عن حدّ التكليف، وللمُصرِّ على الزنا، وللعاقّ بوالديه، ويغفر الله لمن سواهم، ويترك الحاقد في حقده، والغَلاّل في غله.
واستشهد عبر صفحته الرسمية على موقع «فيس بوك» فيما هو إجابة على تساؤل هل صيام النصف من شعبان بدعة، بما ورد عن سيدنا النبي، فيقول: «فمن قام ليلها، وصام نهارها، غفر الله له، وأعطاه سؤله»، فالمسألة يسيرة على من يسَّرها الله عليه.
1- القيام: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾.
2- ذكر الله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾، وعلمنا رسول الله كيف نذكر ربنا، علمنا: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله"، نكررها ونعيدها، وأهل الله أطلقوا على هذه الخمسة "الباقيات الصالحات"، لأنها هي التي تبقى للإنسان بعد رحيله من هذا الدكان، فبعد رحيل السكان من الدكان، تبقى الباقيات الصالحات نورًا في القبر، وضياءً يوم القيامة، وذكرًا في الملأ الأعلى، وكان يقول: «إني أستغفر الله في اليوم مائة مرة».
3- الدعاء والمناجاة: عش مع ربك وناجه.
4- الصيام: في النهار صم، ففي القيام والصيام قربى إلى الله سبحانه وتعالى، وإشارة إلى بداية جديدة لعام جديد، نستقبل فيه رمضان.