حين قَدِمتُ إلى بريطانيا قَبل نَحْوِ ثلاثة عقود، ومن بَيْنِ ما سمعتُ من نوادر تُعدُّ كوميديا سوداء تظلُّ عالقةً بذهني «نكتة البروفيسور الهندي وزميله الإنجليزي» لِمَا لها من دلالة تُذكِّرنا بها الأيَّام باستمرار. التحقَ بروفيسور من أصْل هندي بإحدى الجامعات المرموقة في إنجلترا، وكان له زميل إنجليزي ربَّما أقلُّ مِنْه كفاءة علميَّة، لكنَّه كان ينظر لزميله الهندي بتعالٍ شديد ولا يردُّ عَلَيْه التحيَّة حتَّى.
لا يخلو العالَم من عُقد النَّقص والدونيَّة تلك، وفي بلادنا نصف مَنْ يرون في الغرب أنَّه الأفضل والأعلى قِيَمًا وسلوكًا ومبادئ بأن لدَيْهم «عقدة الخواجة». حتَّى مَنْ يباهون باستعمال كُلِّ ما هو «أجنبي» على مَنْ يستعملون الإنتاج المحلِّي. إلَّا أنَّ هناك مَنْ تكُونُ عقدة الخواجة عِندهم أبعد مدى، وتصل إلى حدِّ محاولتهم أن يكُونُوا في تعاملهم مع أقرانهم المحلِّيين وكأنَّهم «خواجات». ويصل الأمْرُ ببعض هؤلاء ممَّن لدَيْهم عُقد نقصٍ ودونيَّة، ربَّما لا يشعرون بها لكنَّها تنعكس في أفكارهم وسلوكهم المبالغ في الادِّعاء، إلى المزايدة على الخواجة في مواقفه حتَّى لو كانت عنصريَّة. إلَّا أنَّ الخواجة غالبًا ما يحتقر هؤلاء؛ لأنَّهم في النِّهاية «متخوجنين» ـ أي ليسوا خواجات أصليِّين ـ ولَنْ يقبلَ الخواجات بهم بَيْنَهم مهما بالغوا في الدونيَّة. قَدْ يرضي ذلك غرور بعض الخواجات، ويستخدمونه للدلالة على أنَّ قِيَمهم وعاداتهم ومواقفهم أعلى من غيرهم من سكَّان الكوكب. وقَدْ ينال المتخوجنين بعض مزايا مؤقتة من ممارساتهم ومزايداتهم. لكن في النِّهاية ينتهي بهم الأمْرُ في وضع لا يختلف عن وضع ميليشيَّات انطوان لحَد الَّذي ساعد الإسرائيليِّين في حربهم على بني وطنه لبنان. وحين انسحب الاحتلال، لَمْ يستطع هؤلاء البقاء في لبنان لأنَّهم كانوا سيعدمون بتهمة الخيانة العظمى فانتقلوا للعيش في إسرائيل لِيُعانوا المهانة والمذلَّة حتَّى أنَّهم حاولوا العودة إلى لبنان. وهكذا لفظَهم مَنْ خانوا أهلَهم لصالحه ولفظهم شَعبهم لخيانتهم.
قَدْ يجد بعض المتخوجنين المنتفعين من علاقاتهم بالخواجة، مِثل مَنْ يمنحهم اللجوء لِيعارضوا بلادهم من عِنده أو مَنْ يموِّلهم بغطاء الجماعات الحقوقيَّة وغيرها من سُبل «النشطاء» في بلادهم لخدمة الخواجة، مبررًا لسلوكهم ومواقفهم. لكن مَنْ يُزايد على الخواجة تطوُّعًا وبلا فوائد مباشرة يجنيها سوى أن يشعرَ زيفًا أنَّه مِثل الخواجة فهؤلاء يثيرون الشَّفقة والأسى متوازيًا مع الغضب والحزن عَلَيْهم. لا أدري إن كان كثيرون يلاحظون اختفاء كُلِّ منظَّمات المُجتمع المَدني المموَّلة من الغرب في منطقتنا، من جماعات حقوقيَّة وديموقراطيَّة وغيرها، منذ بدأت حرب الإبادة الصهيونيَّة على الفلسطينيِّين قَبل نَحْوِ شهرَيْنِ. ولا نسمع لَهُمْ صوتًا حتَّى يدينَ أو يستنكرَ، ولو بربع ما كانوا يفعلون تجاه حكوماتهم أو أيِّ تيار منتقِد للغرب من قَبل. ولَمْ نلحظ من هؤلاء «النشطاء» أيَّ موقف على قتل آلاف الأطفال والنِّساء في عمليَّة تطهير عِرقي غير مسبوقة، بَيْنَما كان هؤلاء ملء السمع والبصر للتصدِّي لانتقاد صحيفة فرنسيَّة أهانت المُسلِمين. وملأ هؤلاء مواقع التواصل بشعارات تضامن وتصنيف أنْفُسهم أنَّهم كُلَّهم فرنسيون. لا أحَد يطالبهم بأن يعلنوا أنَّهم كُلَّهم «فلسطينيون»، كَيْ لا يُتَّهموا بمعاداة السَّامية ويخسروا مصادر تمويلهم لكن على الأقلِّ يظهروا بعض الإنسانيَّة!
غير هؤلاء المنتفعين، والَّذين ربَّما يدركون ما يفعلون بانتهازيَّة ما، هناك مَنْ يُزايد على الصهاينة بأن يوحيَ بأنَّه صهيوني أكثر مِنْهم. وهؤلاء هُمُ الطَّامة الكبرى؛ لَمَا يظهرون من غباء أكثر من الانتهازيَّة والدونيَّة حقًّا. فإذا كان الخواجة ربَّما يرحِّب بالمتخوجنين، وإن لَمْ يحترمهم تمامًا، فإنَّ الصهاينة لا يقبلون بالمتصهينين. ذلك لأنَّ الصهيونيَّة، كما صنَّفتها الأُمم المُتَّحدة بالقرار 3379 لعام 1975 كحركة عنصريَّة، تَعدُّ نَفْسَها حركة مميَّزة و»مختارة» تتفوق على بقيَّة البَشَر. بالضبط كنظريَّة «تفوُّق الجنس الآري» في أوروبا القرن الماضي وجماعات النازيِّين الجُدد حاليًّا في أميركا الشماليَّة وأوروبا. فالتصهين، حتَّى لو كان تعبيرًا عن عُقَد نقصٍ ودونيَّة، ليس سبيلًا لِنَيْل أيِّ ميزة لا عِند الصهاينة ولا غيرهم. ومن الصعب تصوُّر أنَّ المتصهينين، من عرب وأجانب، يفعلون ذلك «عن قناعة» وبشكلٍ «مبدئي». فليس من الطبيعة البَشَريَّة السويَّة أن يكُونَ المرء عنصريًّا. صحيح أنَّ الضغط الأميركي والبريطاني على دوَل العالَم نجح في سَحبِ القرار الأُممي بعنصريَّة الصهيونيَّة عام 1991، لكن ذلك لا ينفي أبدًا طبيعتها الأصيلة. وإذا كان بعض المتخوجنين يستحقون الإشفاق عَلَيْهم إلى جانب الغضب مِنْهم، فإنَّ المتصهينين لا يستحقون هذه ولا تلك. فَهُم أقلُّ مرتبة من أصحاب عُقَد النقص والدونيَّة بمراحل.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية تتضامن مع الأطباء الأردنيين و العرب
أصدرت الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية و مركزها العاصمة الإيطالية روما على لسان رئيسها البروفسور الدكتور فؤاد عودة بيانا داعما لحقوق الأطباء الأردنيين حملة البورد الأجنبي العاملين في مستشفيات وزارة الصحة الأردنية و لكل الأطباء العرب في جميع الدول العربية الغير معترف بشهاداتهم و بورداتهم الأجنبية.
و جاء البيان داعما و مناشدا بضرورة حل معضلة هؤلاء الأطباء من الجيش الأبيض في مختلف التخصصات حيث إن الإستمرار بنهج الإقصاء حيال هذه الفئة يتعارض مع حقوق الإنسان و العدالة و يساعد في هجرة الكفاءات الأردنية و العربية المتميزة من هؤلاء إلى الدول الأخرى و نرى هنالك نقصا حادا في الأطباء وجب على وزراء الصحة العرب جمعيا و خاصة وزير الصحة الأردني العمل عل حل كل المشكلات و المعوقات لإبقاء الأطباء في بلدانهم حتى لا يهاجروا و يتركوا أوطانهم فهنالك كثير من دول العالم تعترف بهم و سوف تستقبلهم و برواتب و إمتيازات أضعاف ما يتقاضون في بلدانهم .
من جانبه صرح د.محمد حسن الطراونه الناطق بأسم و ممثل الرابطة الطبية الأوروبية الشرق أوسطية الدولية في الأردن أن ملف الأطباء حملة البورد الأجنبي العاملين في مستشفيات وزارة الصحة الأردنية أن الرابطة ستتبنى رسميا مطلب الأطباء في الأردن و أصبحت الرابطة في روما مطلعة على تفاصيل قضيتهم لا سيما أنها قضية عادلة و حقوقية بإمتياز و تندرج تحت حقوق الإنسان.
وتحدث عن الجانب المهني للطبيب كون ذلك يؤرق بشدة الطبيب عندما يعالج مريضا كإختصاصي ميدانيا و لكن لا يعترف بشهادته و مما لا شك يزيده ألما نفسيا أكبر عندما يشاهد زميله معه إعترفوا بشهادته و إختصاصه و هو لا مما يثير التمييز الذي يتعارض مع العدالة و حقوق الإنسان و مما لا شك هذا لن يصب في مصلحة الوطن و لا مصلحة المريض بالنهاية .
جانب آخر متصل حتى قانون المجلس الطبي الجديد لسنة ٢٠٢٢ لم يحل القضية بل ذهب ليعترف بحملة البورد الأجنبي العاملين في الخارج و ترك هؤلاء ممن آثروا و رجعوا لخدمة وطنهم و هذا نوع من أنواع الظلم و الإقصاء و عدم تحقيق العدالة بين كافة الأطباء على حد سواء و حيث إن الرابطة تمثل ١٠٠ دولة حول العالم و أنشأت و تبنت مبدأ العدالة و حقوق الأطباء للجميع دون تمييز .
واختتم البروفيسور فؤاد عودة نقيب الأطباء الأجانب في إيطاليا و محاضر في الجامعات الإيطالية: "نستمر بدعم الجيش الأبيض الأردني و العربي و العالمي و الدفاع عن جميع حقوقهم نذكر الجميع بارتفاع كبير نسبة العنف ضد الأطباء أكثر من 39% في العالم ".