البوابة نيوز:
2024-07-03@22:30:39 GMT

«حريحور» مؤسس «دولة الكهنة» في مصر القديمة

تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT

مع نهاية عهد الأسرة العشرين، وبعد اختفاء «أمنحتب» بن «رمسيس نخت» من رئاسة معبد «آمون» ظهر بعده على هذا الكرسي «حريحور»، والذي لا يُعرف نسبه ، وليس هناك ما يثبت أنه كان ابن الكاهن الأكبر «أمنحتب»، الذي لم يثبت أنه قد تزوَّج من الأمير الملكية «إزيس»، وأنه رزق منها «حريحور»، ليكون الأخير من نسل «رمسيس السادس».


هكذا، ظهر أن «حريحور» لم يكن له حق في عرش البلاد، لا بنسبه وحسبه، ولا بزواجه من أميرة ملكية تخول له هذا الحق، بل إن ذلك يرجع إلى مطامحه الشخصية والأحداث الخارجة عن حد المألوف، التي حدثت في البلاد في تلك الفترة. وكان توليه الكهانة شيئًا عارضًا مكملًا لمطامحه، وكان اعتلاءه العرش هزيمة لرجال الدين في معبد الكرنك، وبخاصة أسرة «رمسيس نخت»، كما تشير موسوعة «مصر القديمة».


ويذكر الجزء الثامن من الموسوعة، الذي يتناول «نهاية عصر الرعامسة وقيام دولة الكهنة بطيبة في عهد الأسرة الواحدة والعشرين» أن ألقاب «حريحور» تدل على أنه كان من كبار رجال الجيش، وأنه كان يحمل لقب القائد الأعلى ورئيس طوائف الأجانب -كما كان يحمل لقب الكاهن الأكبر «لآمون»- مثل المؤسسين الآخرين لأسر جديدة، كالقائد «آي» الذي كان يحمل لقب كاهن، ولكنه كان في الأصل من كبار رجال الجيش.
وتدل الوثائق التي عثر عليها الأثريون أن «حريحور» كان وليد الثورة التي قامت في مصر في تلك الفترة المضطربة من تاريخ البلاد، فأعاد إليها النظام وانتهى الأمر بتوليه هو مقاليد الأمور في البلاد، وأصبح ملكا لها ومؤسسًا لأسرة جديدة.
وقد تناول المؤرخ البريطاني «كيث كيساك» موضوع اعتلاء «حريحور» عرش الملك في مقال يدور حول بعض أوراق البردي التي أُرِّخت بعهد يسمى «عصر النهضة»، وكانت منها ورقة «ونآمون» التي جاء فيها أن مصر كان من المفروض أنها مقسمة قسمين، بين «حريحور»، الذي كان مقره «طيبة»؛ و«سمندس»، الذي كان مقره «تانيس». 
يُعلّق سليم حسن صاحب موسوعة «مصر القديمة»: يمكننا أن نستعمل ما جاء من حقائق في أوراق البردي التي أبقتها لنا الأيام محفوظة في مقابر «طيبة»، فنحن نعلم إلى أي حد كانت السلطة الرئيسية قد تضعضعت في «طيبة». فقد قامت اضطرابات هناك مكثت تسعة أشهر وكانت قد حدثت في عهد «أمنحتب» الكاهن الأكبر «لآمون»، وقد رأينا تدخل الأجانب في هذه الفترة، وهذا العهد قد امتاز بما حدث فيه من تخريب للمعابد وإشعال الحرائق والقبض على موظفين من رجال الدين، وقد تعدَّى ذلك إلى تخريب حصون مدينة «هابو».

الكاهن الأعظم

وقد عاد النظام إلى نصابه عندما تولى «حريحور» مقاليد الأمور بدلًا من «أمنحتب» بعد السنة السابعة عشرة من حكم «رمسيس الحادي عشر». كان «حريحور» أخذ يتابع تنفيذ الأعمال، فتقلد أعمال ابن الملك صاحب «كوش»، وتقلد وظيفة القائد الأعلى في «طيبة»، كما تقلد الوزارة وغير هيئة كبار الموظفين الإِداريين العليا.
وكان «حريحور» على جانب كبير من الدهاء وبعد النظر، فإنه بتوليه رئاسة كهنة «آمون» قد حافظ على سلطانه وقوته في «طيبة» أمام كهنة «منف» و«تانيس»، إلى درجة أن الحكومة الدينية لـ «آمون» التي أسسها «حريحور» قد بقيت تلعب دورها. وقد أصبح «آمون» بهذا الانقلاب السياسي الذي دبره «حريحور» رئيس الآلهة وسيد عرش الأرضين في الكرنك، كما أصبح إلهًا له امتيازات بعيدة عن تقلبات الإمبراطورية ومدينة «طيبة»، وبذلك «فإنه لن يفقد كلية أبدًا وظيفته بسبب حروب تقوم بينه وبين الآلهة المحليين القدامى»، كما ذكر المؤرخ البريطاني كيساك.

في معبد «خنسو»

لم يكن معبد «خنسو» قد تم بناؤه بعد، منذ موت الملك «رمسيس الثالث». ولم يكن قد أُنجز منه إلا المحراب والحجرات المجاورة له، أما قاعة العمد التي تحمل ذكريات عظيمة باسم «حريحور»، فإنها تعد عملًا مشتركًا قام به كل من «حريحور» والملك «رمسيس الحادي عشر».
ويوجد اسم «حريحور»في كل مكان على عقود جدران القاعة الأربعة وعلى الجدران نفسها، وعلى العمد وعلى الأسس «وقد كان اسمه فيها كذلك بارزًا بدرجة عظيمة مضارعًا اسم الملك إن لم يكن يفوقه»، وفق صاحب موسوعة مصر القديمة.
يضيف: المناظر التي تزين الجدران تمثل -كالعادة- صور عبادة وتقديم قربان. غير أن القائم بتقديمها لم يكن الملك في كل الأحوال. إذ نجد أن «حريحور» -في ست حالات- كان يحل محل الملك، وأهم هذه المناظر تلك التي مثلت على الجدار الشمالي، فعلى يمين الباب المؤدي إلى المحراب نشاهد القارب العظيم للإله «آمون» في الأمام ويتبعه قاربان صغيران، ويلاحظ أن الكاهن العظيم «حريحور» هو الذي يطلق عليها البخور، كما يدل على ذلك المتن المنقوش فوق المنظر.
وعلى يسار هذا الباب تقف القوارب الثلاثة وتوضع فوق قواعدها الخاصة بها. حيث كان «حريحور» يقوم بأداء الشعائر اللازمة: تقديم البخور والقربان «لآمون رع» رب تيجان الأرضين، ورئيس الكرنك، ورب السماء، وملك كل الآلهة لأجل أن يمنح حياة طويلة تنقضي في رؤية صلية، وشيخوخة سعيدة في مدينة «طيبة» بوساطة الأمير الذي على رأس القطرين، والسمير، والشريف العظيم وكل الأرض قاطبة، والكاهن الأول «لآمون» ملك الآلهة، وقائد جنود الجنوب والشمال، ورئيس طوائف الأجانب «حريحور». 
وعلى الرغم من كل ذلك فإِن الشكر الرسمي كان يوجهه الإله للملك «رمسيس الحادي عشر».
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الكاهن الملك أمنحتب مصر القدیمة لم یکن

إقرأ أيضاً:

لا تحلموا بالعودة للدولة القديمة

حرب أبريل أرّخت لعهد جديد وصفّرت العداد فهزمت منظومة المفاهيم القديمة، في أبعادها الاجتماعية والثقافية والسياسية، فاجتماعياً أحدثت توازناً ملحوظاً بين جميع فئات وشرائح المجتمع، فوحّدت الناس بمختلف خلفياتهم الجهوية والاجتماعية، وساوت بين الجميع حينما تذوق الجميع طعم الموت واستشعر مآسي الدمار والتبرم جراء ويلات التشرد، وهذا بدوره حرّك الضمير الجمعي للأمة، فأيقن الناس أن النجاة من جحيم الحرب لا يكون فردياً، وأن العمل الجماعي والتضامن الجمعي أصبح ضرورة وجودية لا فكاك منها، فانهزمت الفكرة الأحادية المكرسة لأمان البعض وفناء البعض الآخر، تلك الفكرة المجنونة التي سيطرت على ذهنية ومنهج روّاد الدولة القديمة، الذهنية التي أحرقت سكان الجنوب وأزهقت أرواح مواطني دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، من منطلقات دينية منحرفة وتوجيهات تقليدية سالبة وغارقة في انتهاكات حقوق الانسان، واليوم لن تجد من يحدثك عن إبادة مجتمع بعينه ليسلم ويأمن المجتمع الآخر، فصار الجميع مهدد بالفناء وبالإبادة القسرية، المفروضة من شيطان الدولة القديمة المترنحة والآيلة للسقوط، المتدهورة والمتدحرجة كرتها الآن تزامناً مع انسكاب هذا المداد الحزين، فعندما يداهم الخطر الجميع يعمل الجميع بعقل الرجل الواحد وقلب المرأة الواحدة، والرافضون لأمان وسلام الوطن المناهضون لمشروع كنس أركان الدولة القديمة الفاسدة، هم في الأساس ثلة من الفاسدين الذين احتكروا الدخل القومي لمصالحهم الفردية، ولاذوا بالفرار لبلدان الغرب البعيد والشرق الأوسط القريب، وفي جيوبهم مدخرات المواطن وكنوز الوطن يصرفونها على شراء وقود الحرب – المرتزقة والسلاح.
ثقافياً اعترف الجميع بأن إيقاع اهازيج الحقيبة ما عاد معبراً عن الذائقة العامة، ولا معتبراً قاسماً مشتركاً بين أمزجة الناس الجمعية ومناهجهم الفنية، وأن للناس رقصاتهم الشعبية وغنائهم المحلي النابع من صفاء سمائهم الزرقاء المكسوة بالسحب، ومن نقاء باديتهم وحواضرهم ودامرتهم، فانصت من اعتادت أذنه على سماع النغم الواحد فتقبل الرقص على إيقاعات أخرى طبلها يستجيب لنغم جميل آخر، واحتفل الصغار من أبناء المدن المركزية بالزي الجديد للفرسان الجدد، فنُسفت أبجديات عروض مسرحية الرجل الواحد، واقتنع الجيل الحديث بأن الثراء في التنوع وأن الابداع في التعدد، ناهيك عن مزاحمة اللهجة اللغوية الجديدة للهجة المركزية المسيطرة، المولودة مع تاريخ تأسيس إذاعة أم درمان (العامية السودانية)، فأثرى قاموس ثوار التغيير الحاملين للواء التجديد المخزون المعرفي القومي ثراءً كبيراً، وفي اثناء مرور اللحظات المؤسفة لهذه الحرب هنالك غليان وتفاعل اجتماعي يجري بين الناس، وفي بعض الأحيان يولّد هذا التفاعل الخصومة الصارخة بين الشقيقين، بل حتى بين الأم وابنتها، إنّه الغليان المفاهيمي الذي يمور ويفور كالمرجل بين صفوف العلاقات الحميمة للأفراد والجماعات، هذا المطبخ الساخن المزدحم بالأدخنة والأبخرة سيخرج لنا طبخة مسبوكة ومتماسكة، لمجتمع سئم مرارات الحرب وأنهكته مآسي اللجوء ومعاناة النزوح وضياع الهجرة والتشرد، وبلا شك سوف يخرج الشيف المحترف من هذا المطبخ بمنظومة ثقافية متجانسة، تعبر عن اللوحة الكبيرة للوطن الجميل المنظور اليه من زوايا مختلفة.
سياسياً انهزمت جميع اطروحات المشاريع المقدمة من الأحزاب، وفشلت جميع المؤتمرات التي تنادي بحل المعضلة الوطنية الكبرى، وأخفقت التحالفات السياسية ومعها الحركات المسلحة والعسكر في الإتيان بمسودة جديدة تزيح المأساة عن كاهل الشعب المكلوم، واستكان الناشطون الخاضعين لأجندة الدولة القديمة، فما استطاعوا مجاراة الحراك الثوري منذ ابريل قبل عام وبضعة أشهر، وذهبت أدراج الرياح الأطروحات الكثيفة التي تكدست بها دور البحوث العلمية بالجامعات والمعاهد العليا، وعجزت في أن تقدم دواءً ناجعاً لأمراض المنظومة القديمة، فقفز إلى سطح الأحداث منظرون حداثيون يؤمنون بالتجديد والتغير واجتثاث الجذور التالفة للشجرة القديمة، فتقدم خطهم السياسي الرائد ليتوافق مع خط حراك أبريل الكاسح الماسح كالسيل الجارف، واتسقت الرؤى الجديدة مع آلة التغيير وبدأت ملامح الشكل الجديد للدولة الجديدة، الدولة الكاسرة لقيد وشرط الجهة والنوع والحزب والعرق في التموضع فيما يتعلق بالحصول على أي محاصصة متعلقة بالشأن العام، أو اجتياز امتحان من الامتحانات المؤهلة لولوج باب أي مؤسسة من مؤسسات العمل العام، على دعاة البقاء على النمط القديم أن لا يحلموا حلماً باذخاً وطويلا، لأن سفينة التغيير الحقيقي قد مخرت عباب البحر، ورفعت رايات السلام المسنود بالمدفع الرزّام، الذي اقسم الفارس الممسك بزناده قسماَ غليظاً أن لا عودة للقديم المهترئ البالي، لقد ولى عهد الظلام بكلفة باهظة في الأرواح والممتلكات، لكن هذا ديدن الانعتاق ومهر التحرر الذي لا يسلك تفرعات الطرق القصيرة ولا يقبل بأنصاف الحلول.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • مطالبات باستعادة أثر «الملك إسيسي» من ألمانيا.. ومؤرخ: لقب السيسي مصري قديم
  • لندن تمنح لاكشمي نارايانان مؤسس معهد صناديق الثروة السيادية لقب “فريمان مدينة لندن”
  • لا تحلموا بالعودة للدولة القديمة
  • نعوم تشومسكي (2)
  • صناعة المكانة الدولية.. الإمارات نموذجاً
  • الحارات القديمة في مطرح
  • “مفاجأة”.. علماء يعيدون اكتشاف ملامح وجه أعظم فراعنة مصر وأقواهم قبل وفاته عن 90 عاما (صورة)
  • "مفاجأة".. علماء يعيدون اكتشاف ملامح وجه أعظم فراعنة مصر وأقواهم قبل وفاته عن 90 عاما (صورة)
  • "مفاجأة".. علماء يعيدون اكتشاف ملامح وجه أعظم فراعنة مصر وأقواهم قبل وفاته عن 90 عاما
  • سحب عبوات مشروب غازي شهير في دولة أوروبية لاحتوائها على مادة كيميائية خطيرة