اجراس فجاج الأرض – عاصم البلال الطيب – قريبا من حرب الخرطوم – مسقط السلطنة واركويت السودنة
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
عظمة على عظمة
انعقاد الآمال فى النفوس أشد إيلاما من الحرب والنزوح ،تحت نير الحرب رزحت ببحرى الخرطوم شهورا سبعة وظننت لا أألم واعقد ولكن إذ بنيران المنازح افتك وافدح،اتنقل من منزح لمنزح وأدفاها أركويت الجاثية بين جبال الشرق راسية دفآنة،وتتنازح هواجس الحرب مع كل حل وحرم،تلاحقنى أخبارها صورها واتصال من يستدفئون البقاء داخل بيوتهم محصنين بسترها محاصرين مستفضلينها على الإستبراد بنيران نزوح غير مجرب ولكن كمثلكم يكفيكهم خبر اتساع رقاعه فى سودان الشقاق و دنيا الصراع سنينا وفى عالم تكاثر تجار الإستكراد والإستغباء يسترزقون من منازح قُداح حروبها لئام واشرار،و بدت اركويت من اعلى جبل الست مع الفارق مثل مسقط العمانيين ملوحة متحسرة علي حال وجمال هنا مضاع ودفء مراق بين جبال الشرق وقد بلغتها قشة تتهاببها الريح و تتناوشها اقدار تحملها لمجاهيل منازح ومنافئ وملاجئ وألْحاد وآمال تغالب المنعقدة والموقوذة وباصقة على وجوه أكلة الحرب،وفى عاصمة سلطنة العمانيين بعيدا عن اركويت الست والشرق ودقنة ذهلت حتى خططت وإن تعدوا جبال مسقط فلن تحصوها مقالة نالت استحسان سفير السلطنة بالخرطوم الجريحة على بن سليمان الدرمكى وشباب العمانيين الزينيين العاملين هناك على جائزة باسم السلطان قابوس مائة الف ريال عمانى تشجيعا لشؤون الإبداع آدابا وثقافة وفنونا ،وكمذا اذهلتنى عددية اركويتنا وأعجزنى كما سلسلة مسقط إحصاء جبال وعدها من ثامن المستحيلات الا لاهل علمها وخبايا اسرارها،قبل نحو اربعين سنة فى عنفوان الشباب زرت مرات متتاليات اركويت آتيها من جبيت حيث كنت اقيم وسنكات مترددا ومعجبا برمانة الشرق،اقف عند ضريح البطل عثمان دقنة وآثار قديمة منذ لدن فرنجة الإستعمار غير مستوعب للتاريخ ولا بملق نظرة للطبيعة الجبلية بابعاد ساحرة وتنوعات سياحية مذهلة،ولا ملتقط بنايات وفكرة رياضات يحبها الإنقليز من أشادوا لمتعتهم وصحتهم ملاعب للتنس والإسكواتش وزرعوا بين حسن طبيعة اركويت شجيرات ثلاث غير قابلة للإستزراع لازالت قائمة إعجوبة دنيا ثامنة خضراء ككل الابنية التاريخية هناك بفندقها التاريخى الحى إلى يومنا يديره أصحاب منتجع الست ،مبان من جنس الطبيعة بديعة كأنها شيدت اليوم،ولدى مدخل أركويت ومن طريقها التاريخى المسفلت المتعرج رايتها وهِطةً بين حلقات وسلاسل جبلية منتظمة ومتناثرة،وناديت سرا والنفس ناجيت مسقط لست وحدك وهاهى أركويت توأمتك جمالا وجبلية،ولا شئ يمنع انعقاد توأمة بين أركويت ومسقط نستفيد فيها من روح سياحية يتوافر عليها بانفاس رجال الدولة الشرقاويون اولاد بشير اصحاب منتجع جبل الست حامد واحمد ومحمود وينتفعون من تجربة عمانية راسخة لتاسيس سياحة عذراء غير خادشة لحياء اعراف وعادات وتقاليد يتفق بعض من رافقتهم الأصدقاء زين العابدين محمد وبابكر العميرى والإبن محمد ياسر على جذبها للسياحة الأسرية من دول خليجية ومثلها محافظة،هذا تفكير ملح قبل و بعد حربنا التى مهما طالت فالى انتهاء و علينا بالإستعداد البناء سلاحا وترياقا،السلطان قابوس رحمه الله من وحى وادى عبقر فنون التأسيس وحذق الإدارة أقام سلطنة عمان بهية دون سماح لمسِ المدنية بالطبيعة مزاوجا بين الإثنين فى مسقط التى لم تسقط وتهتز برحيله بعد عمر مديد وجزيل العطاء وقد أسس لمتوالية للإدارة والحكم تتناسب وطبيعة وأخلاق الإنسان فى السلطنة وبعون الابناء والأحفاد من بعده لتُكتب بقية فصول الرواية وهاهو ركبهم يتقدمه السلطان المبجل يا رعاه الله هيثم بن طارق صاحب الرؤى طويلة الآماد التى يبشر بها وينفذها بآجال مقطوعة، تحتفل سلطنة عمان ايامها هذه بعيدها الوطنى ال ٥٣ وتعمل للمزيد من الإعمار وكأن لا وجود لصلالة ومسقط وبقية عقد فريد من مدن وبوادى طيعت خلوقها الجبال وسيرتها حتى صيرتها بعزيمة صلبة أداة لإعمار وتجميل بين الخلجان وكثبان الرمال،وأركويت شرقنا تضاهى طبيعتها مسقط وتفوقها بالجو البديع ولكن فرق الإدارة حكم،قصر الحاكم الإنجليزى مختار بعناية وإطلالة على مدينة قبلة وعاصمة سياحية تشارف الاحمر البحر المغازل مع وقف التنفيذ قادر عليها لو اراد المستعمر دارسا خيرات الطبيعة ولكنه لم يفعل مدركا شخصية مجتمع لن تقبله ولو بعد حين فاكتفى بأركويت مصيفا وعلى الدرب سار كل حكام السودان متخذين من أركويت منتجعات للراحة والإستجمام بلا مقابل من انجازات فى الحكم والإدارة!
ست الجبل
شارفنا أركويت وشمس المغيب تباشرنا مرتمية فوق أسنام سلسلة الجبال الغربية،أما شروق الشمس فى الأفق الشرقى يبدو للست كأنه ينسل من بين إلتماس موجات البحر الهادئة، من الوهلة الخاطفة تظن أن الست هى مريم شريفية سنكات من أطلق على الجبل إسمها الواصف تيمنا وتبركا،ولكن رواية يسير بها بعض الركبان أن الست هى إمرأة خواجية تسلقت ذات زيارة الجبل فهوت عنه صريعة،رواية ينفيها أبناء البشير وحامدهم كبيرهم أن الست هى إمرأة الحاكم التى درجت على التسلل للجبل عند الشروق لمطالعة اللحظات المتجددة،ويقف منتجع الست بأركويت شهادة لحداثاوية ابناء بشير وعقليتهم السياحية،أمام ضريح القائد العسكرى الفذ عثمان دقنة انسلت مقترحات لحامد بشير مزهوا بجمال كل شئ هناك، بنايةالمرقد التاريخى لاشئ يشير لكنهها،فدعوت أصحاب المنتجع لإعداد لافتة بتوقيعه ورعايتها بمواصفة تجمع بين العراقة والحداثة باسم صاحب المقام لتضحى موئلا لتصوير الزائرين فتقترن سيرة البطل والمنتجع ، عثمان دقنة وفقا لمؤرخين أسس لخطة الصندوق المقفول العسكرية فاتعب بها جيش المستعمر من اعترف قادته بعبقرية امير الشرق،ومحبو التاريخ تجتذبهم مثل هذه الشخصيات بالهروع أليها من ادانى الدنيا وأقاصيها متى بلغهم نبأها،فالسياحة دعامة إقتصادية لدول راكزة ومن أسباب فلاحها الإحساس بالامن والطمآنينة من تفتقد إليها عاصمة البلاد وبعض الولايات بسبب حرب الخرطوم التى لا يمكن التكهن بمنتهاها وكيفيته وشاكلته،ولو نجحت الدولة الرسمية ومركزيتها القائمة بالشرق فى الحد من انتشار الحرب وتضييق الخناق على التمرد فى مواضع المواجهات حتى القضاء لكفاها هذا شرر الضياع الكبير،فالتفكير خارج الصندوق المقفول مطلوب من باب الأمل والتفاؤل ومبارحة أدب الحرب وثقافتها وأدبياتها السخيفة المتسعة،واركويت مع وضع فى الإعتبار لحساسية مكوناتها السكانية مؤهلة وتستحق دراسة لبناء عاصمة سياحية بين جبالها ووديانها ومناظرها الخلابة وأجوائها المنعشة طوال العام و ينتفع من خيراتها سكانها العريقين وشتى من ينفعون ويستنفعون،مقترح التوأمة مع سلطنة عمان يسنده غير التجربة الإنسانية الرائدة مواقفها مع السودانيين منذ اندلاع الحرب ابتداءً بتخصيص طائرات شارفت العشر لإجلاء السودانيين العاملين فيها من أصحاب الإقامات من تصادف وجودهم مع وقوع المصاب ولكن عزاؤهم فى تخفيف السلطنة عليهم بالإجلاء مثلهم كرعاياها والإفساح لهم بالإقامة فى النادى الدبلوماسى حتى توزيعهم لمقار اعمالهم،و أرسلت سلطنة عمان وكله بتوجيهات السلطان الكريمة عدد مماثل من طائرات الإغاثة لمتضررى الحرب،الشيخ قمر من مشايخ المجاذيب و شبيبتها المتميزيين الذين لا تتم الرحلة الا هناك بزيارة المسيد،شيخ قمر يحفظ تاريخ أركويت وخير معين مع قيادات المنطقة للتطوير وللخروج من نفق الحرب والتفكير فى ما بعدها….
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: اجراس الأرض فجاج سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
إنكسار المليشيا في وسط السودان والعاصمة هو إنتصار كبير ما زلنا بحوجة إلى (..)
إنكسار المليشيا في وسط السودان والعاصمة هو إنتصار كبير ما زلنا بحوجة إلى وقت طويل لإدراك حجمه .
داخلياً ، سيشارك الآن في الحرب مجتمعات معينة ، و هي أصلا منقسمة و منهكة بالحرب ، بينما كان بإمكانهم في بداية تجنيد مجتمعات حزام المدن الكبيرة لحمل السلاح معهم كما حدث في سنجة و مدني و الخرطوم ، و بالتالي الحصول على زخم عددي هائل من المقاتلين.
هذه المجتمعات التي تحمس بعض شبابها لحرب اختيارية طلباً للغنيمة و الشفشفة في المدن المزدحمة دون اقتناع بأي دوافع أيدولوجية و لا أطماع المحاور الإقليمية ، ترتد عليهم الحرب الآن بمواجهات إجبارية في أرضهم و على حساب الأهل و آمان طرق التجارة و الرعي التي كان بإمكانهم المحافظة عليها سابقاً مفتوحة. الآن لن يقابل المستنفر إلا جنوداً غاضبين و مدرّبين و ليس سكان الحضر الخائفين. و أول ملمح لحرب الريف القادمة هي مواجهة شباب الجموعية لآلة المليشيا و تحدي جنودها الهاربين المستسهلين للمواجهة مع أهل القري.
هذا الشاب القبلي قد فقد راتبه الذي وعدته به المليشيا الثرية سابقاً ، و فقد الغنيمة التي كان بإمكانه جمعها من المدن و بيوت السكان بديلاً للراتب. و بعد الخروج من الخرطوم ، فقد العناية الطبية و عمليات تأهيل المقاتلين للعودة للميدان ، و صار الجرحى و فاقدي الأطراف أعباءً جديدة على القبائل فضلاً عن مئات الأسر التي فقدت عائلها و الأطفال التي لم يقبلوا أباءهم في غياب أي مؤسسة تحتضن “أسر الشهداء” و ترعاهم أسوة بالقوات المسلحة و القوات المساندة.
هذه الحرب التي كانت كريهة على غيرهم في السابق ، عادت لتكون كريهة عليهم. و الآن سيقوى صوت العقل بينهم الداعي إلى رمي السلاح و العودة إلى حضن الدولة ، هذا إذا لم يرفع أعداء المليشيا بين القبائل السلاح ضدها عند إقتراب الجيش كما فعل أبناء المسيرية في بابنوسة ، لذلك ربما نرى السلاح القبلي الموالي للجيش في الضعين و نيالا و زالنجي قريباً.
لقد رأى الجندي الهارب من الخرطوم بطش الآلة العسكرية للجيش و هرب تاركاً قتلاه على الطرقات دون دفن ، و الجرحى دون تمكن من إخلائهم ، كما خبِر سهولة التخلي من قيادة المليشيا عن أفرادها و راى فوضى الخطط العسكرية التي تكلف الجنود حياتهم و اشتكى من مرّ التفرقة العنصرية التي ترتبهم حسب “رفعة نسب القبائل” حيث يتم إهمالك حسب إقترابك في السلّم القبلي من مرتزقة جنوب السودان الذين تم التخلي عنهم بشكل كامل ليلقوا مصيرهم المحتوم ، و هم الذين يعتبرهم الماهرية “أسوأ درجات الأنبايات ؛ جمع أنباي أي عبد أسود” ، و لإقناعه بحمل السلاح مرة أخرى ، يجب على المليشيا مسح شريط الذكريات المر الذي رآه في الخرطوم و ضجّت به “لايفاتهم” هذه الأيام.
سيطرة الجيش على الخرطوم هي نهاية تهديد الدولة لذلك اعتبرها المجتمع الإقليمي إنتصاراً حاسماً للجيش و بنى تحالفاته على ذلك ، كما رأينا في لقاء مكة و سنرى في الأيام القادمة.
من أهم ملامح الحرب القادمة هي إستمرار ضغط الجيش على الدول الداعمة كالجنوب و تشاد لإيقاف تدفق السلاح.
التمدد وراء الحدود لحماية مصالح السودان في جنوب السودان و تشاد هو عنوان المرحلة القادمة و حسناً فعل موسيفيني و بوتو لإحضارهما جنود يوغنديين و كينيين للمستنقع الجنوب سوداني حيث يمكننا اصطيادهم و هزيمتهم في أرض نعرفها جيداً و لدينا فيها كثير من الحلفاء.
د. عمار عباس