الجزيرة:
2025-01-11@13:41:35 GMT

الدول الضامنة.. عن التصور التركي للحل في غزة

تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT

الدول الضامنة.. عن التصور التركي للحل في غزة

في كلمته في قمَّة العشرين التي شاركَ بها عن بُعد، قالَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: إنَّ بلاده "مستعدة للاضطلاع بالمسؤولية مع دول أخرى في المنظومة الأمنية التي ستؤسَّس في غزة، بما في ذلك أن تكون دولة ضامنة". وبقدر ما كان التصريح غريبًا ولافتًا، فقد أثار أسئلة إضافية حول تصوّر أنقرة للحل في غزة.

الموقف

منذ بداية معركة "طوفان الأقصى" تدرّج الموقف التركي وتبدل جزئيًا على مستوى الخطاب تحديدًا.

إذ بعد الأيام الأولى التي تأثر فيها موقف أنقرة بالمفاجأة التي أحدثتها عملية كتائب القسام- وتبدّى ذلك في مفردات الخطاب الرسمي الذي ركّز على التنديد بـ "استهداف المدنيين" والمطالبة بإطلاق سراح "الرهائن" لدى حماس فورًا دون قيد أو شرط، إضافة لعرض الوساطة بين الجانبين- حملت الأسابيع اللاحقة موقفًا مختلفًا.

فقد دفعت المجازرُ "الإسرائيلية" المتكررة ضد المدنيين في غزة، والرأي العام الداخلي المتعاطف بشدة مع الفلسطينيين، وضغوط المعارضة التركية، والحشد العسكري الأميركي في المنطقة، أنقرةَ لخطاب مرتفع السقف ضد الاحتلال.

في تحدٍّ واضح لدولة الاحتلال وداعميها الغربيين، أعلن أردوغان عن أن حماس "ليست منظمة إرهابية"، مقابل ترديده أكثر من مرة أن "إسرائيل دولة إرهاب"، معلنًا عن وقف التعامل مع نتنياهو الذي بشّره بنهاية مسيرته السياسية.

إضافة لذلك استدعت أنقرة سفيرها في تل أبيب للتشاور، وأرسلت عددًا من القوافل الإغاثية لمصر بانتظار فتح معبر رفح، واستقبلت عددًا من مرضى السرطان في غزة للتداوي في مستشفياتها.

في برلين، وفي مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني، هاجم أردوغان ازدواجية المعايير الغربية وعقدة النقص الألمانية- الغربية تجاه "إسرائيل"؛ بسبب الهولوكوست قائلًا: إن من "يشعر بالمديونية لإسرائيل لن يستطيع الحديث بحرّية"، عكس تركيا التي تتحدث بكل جرأة.

بعد لقائه مع نظيره الأميركي، وضّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنّ ثَمة خلافين أساسيين بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية بخصوص الحرب على غزة؛ الأول: مطالبة تركيا بوقف فوري ودائم لإطلاق النار، والثاني: رفضها الحديث في ترتيبات ما بعد الحرب أو ما بعد حماس.

الدول الضامنة

بَيدَ أن تصريح الرئيس التركي المشار له ضمن خطابه أمام قمة العشرين يبدو متناقضًا مع هذا الطرح، إذ أكد على استعداد بلاده للانخراط في البيئة أو المنظومة الأمنية التي ستنشأ في قطاع غزة، ما يحيل في النهاية إلى معنى الحديث عما بعد الحرب أو ربما بعد حماس.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها الرئيس التركي لتدخل خارجي في القضية الفلسطينية. في مايو/ أيار 2018، وردًا على وحشية قوات الاحتلال في التعامل مع مسيرات العودة، قال أردوغان: إنه من الضروري "تأمين الحماية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إرسال قوة حفظ سلام دولية".

مع هذه الحرب، قدّمت أنقرة خطابًا أكثر تحديدًا معلنة استعدادها للتواجد على الأرض في غزة، في إطار مسار سياسي يرتكز على حل الدولتين، ولكن يشمل وجود دول ضامنة للطرفين، تكون فيه تركيا ضامنة للفلسطينيين.

عشية إعلان الهدنة الإنسانية في قطاع غزة، صرح أردوغان باستعداد بلاده ورغبتها في أن تكون جزءًا من "البنية الأمنية في غزة بما في ذلك أن تكون ضمن الدول الضامنة"، وهو تصريح مختلف نوعًا ما عن التصريحات المتكررة بخصوص فكرة الدول الضامنة

ضمن دوافع أنقرة لهذا الطرح؛ رغبتها في أن تلعب دورًا محوريًا في قضية مركزية في الإقليم مثل القضية الفلسطينية، أبعد وأعمق من الدور الإغاثي وحتى السياسي، وأن يكون لها إسهام مباشر دون المواجهة المباشرة مع الاحتلال وداعميه، ولا سيما الولايات المتحدة، وهي ترى أمثلة قائمة لهذا النموذج ناجحة نسبيًا، مثل: قبرص، وجنوب القوقاز، فضلًا عن أن الهدوء والاستقرار شرطان لإنجاح مشاريع الغاز الطبيعي في شرق المتوسط التي تعول عليها كثيرًا.

يقوم التصور التركي على أن مجرد وقف الحرب الحالية لن يكون حلًا مستدامًا، وستكون هناك حالات تصعيد وحروب مستقبلية، ولذلك فهناك حاجة لتدخل الأطراف الدولية كدول ضامنة لكلا الطرفين للحيلولة دون ذلك؛ استلهامًا من نماذج قائمة وتشارك بها تركيا، مثل: جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان، وجزيرة قبرص، وكذلك سوريا.

بَيدَ أنه من الصعب أن نتحدث عن مشروع متكامل أو خطة تفصيلية، إذ لم يقدم الجانب التركي أيَّ تفاصيل حول فكرة الدول الضامنة أكثر مما سبق ذكره. وزير الخارجية نفسه قال في إحدى المناسبات: إن تركيا تناقش هذه الفكرة مع عدد من الأطراف "لإنضاجها"، وقد أشار أردوغان إلى أن الفكرة تحظى بتفهم متزايد مع مرور الوقت من عدة أطراف.

وَفق هذا التصور، وعشية إعلان الهدنة الإنسانية في قطاع غزة، صرح أردوغان باستعداد بلاده ورغبتها في أن تكون جزءًا من "البنية الأمنية في غزة بما في ذلك أن تكون ضمن الدول الضامنة"، وهو تصريح مختلف نوعًا ما عن التصريحات المتكررة بخصوص فكرة الدول الضامنة. ليس واضحًا حتى كتابة هذه السطور ما الذي قصده الرئيس التركي بحديثه عن "البنية الأمنية" ما بعد الحرب، ولكن يمكن نقاش الفكرة من عدة زوايا.

نقاش

ثمة مشكلة أساسية في هذا الطرح، وهي الانخراط في نقاش "ما بعد الحرب" أو "ما بعد حماس"، وهذا ما أعلنت أنقرة أنها ترفضه بحزم. كما أن الحديث عن "بنية أمنية" وليس عن إطار سياسي يمثل قلقًا بالنسبة للفلسطينيين، وتحديدًا المقاومة، لا سيما أنّ الأمر يطرح للنقاش مع قوى دولية وإقليمية وليس مع الفلسطينيين أنفسهم مثلًا.

المشكلة الثانية في الطرح؛ أنه يغفل الفروق الهائلة بين القضية الفلسطينية والقضايا أو النزاعات التي كان من بين بنود حلها فكرة الدول الضامنة، مثل: الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، والقضية القبرصية.

كما أنّ هناك تحديًا بارزًا في الطرح التركي، وهو افتقاره حتى اللحظة فيما هو معلن لأي بنية متماسكة، أو خطة عمل، أو خطوات ملموسة تجعلنا نتحدث عن مشروع متكامل أو جاهز، إذ يبدو الطرح فكرةً أولية متروكة للوقت والتطورات والتفاهمات مع مختلف الأطراف، ولعل في ذلك مشكلةً إضافية.

فالطرح الأوّلي يحمل معه أسئلة كثيرة لا إجابات واضحة عنها الآن، مثل: الشكل الذي سينفذ من خلاله، وما هي بالتحديد مهمة القوات التي ستتواجد على الأرض؟ وكيف ستكون علاقاتها مع كل من الاحتلال والفلسطينيين، وخصوصًا المقاومة؟ وماذا لو حصلت اعتداءات "إسرائيلية" على غزة كما هو متوقع؟ وهل سيكون هناك ردّ وما شكله؟ وماذا عن حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال؟ وماذا لو حصلت عملية من المقاومة؟.. إلى غير ذلك من الأسئلة الجوهرية.

من جهة ثانية، تدرك أنقرة- كما غيرها من الأطراف- أنه ليس ثمة أساس أو أرضية لمسار سياسي في الوقت الحالي، وأن المنظومة الدولية والإقليمية العاجزة اليوم عن إقناع دولة الاحتلال بوقف المجازر أو الضغط عليها بهذا الاتجاه ستكون أعجز في المستقبل عن دفعها لمسار سياسي يحقق حل الدولتين الذي بات شبه مستحيل؛ بعد كل ما أقدم عليه الاحتلال.

وفي المحصلة، ما زالت فكرة الدول الضامنة التي طرحتها تركيا مقترحًا أوليًا جدًا دون مضمون واضح، ومعالم تفصيلية، وتفتقر لمناسبة خصوصية القضية الفلسطينية ووضع قطاع غزة.

فإذا ما أحسنا الظن، يمكن افتراض أن أنقرة تحاول استباق التطورات لإيجاد موطئ قدم لها في المستقبل، وتحديدًا إلى جانب الفلسطينيين، وهو ما تسبب بالفكرة غير الناضجة. غير ذلك، سيكون طرح الفكرة بهذه الطريقة- ومن الزاوية الأمنية – مقلقًا للمقاومة الفلسطينية؛ لأنه يتناغم ضمنًا مع فكرة النظام السياسي والأمني بعد حماس في غزة الذي تطرحه "إسرائيل" والولايات المتحدة منذ بداية الحرب.

ولعل ذلك من أسباب بقاء المقترح- حتى لحظة كتابة هذه السطور- دون تعقيب من مختلِف الأطراف، ولا سيما الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، وتحديدًا حركة حماس.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الرئیس الترکی ما بعد الحرب بما فی ذلک بعد حماس قطاع غزة أن تکون فی غزة

إقرأ أيضاً:

الجيش اللبناني يبدأ بإزالة السواتر الترابية التي وضعتها جرافات الاحتلال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أفادت وسائل إعلام لبنانية، اليوم السبت، بأن الجيش يبدأ بإزالة السواتر الترابية التي وضعتها جرافات الاحتلال تمهيدا لدخول بلدات قوزح وعيتا الشعب ودبل، وفقا لما نقلته قناة "القاهرة الإخبارية".

أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية، قبل قليل، أن 26 يناير 2025 سيكون آخر موعد لتواجد قوات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، وفقًا لما نقلته قناة "القاهرة الإخبارية".

وفي وقت سابق، كانت هيئة البث الإسرائيلية قد أفادت بأن جيش الاحتلال قد انسحب من القطاع الغربي لجنوب لبنان، تمهيدًا لانتشار الجيش اللبناني في المنطقة.

وأوضحت الهيئة العبرية أن هذا الانسحاب يُعد الأوسع منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. 

يأتي ذلك بعد تقارير إعلامية إسرائيلية أشارت، أمس الأحد، إلى أن تل أبيب تدرس الإبقاء على قواتها في مواقع استراتيجية بجنوب لبنان تحسبًا لأي عمليات عسكرية محتملة. كما نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، قوله إنه لا يستبعد تمديد فترة بقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في حال عدم تنفيذ كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي تطور سابق يوم السبت، توغلت قوة من جيش الاحتلال في بلدة برج الملوك بقضاء مرجعيون، حيث تمركزت قرب محطة فرح وأغلقت الطريق بالأسلاك الشائكة. وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية باستهداف مدفعية الاحتلال منطقة دوبيه غرب بلدة ميس الجبل، فيما شهدت بلدة مارون الراس وحي عقبة مارون توغلًا لدبابات ميركافا وجرافات إسرائيلية، مع إطلاق قذيفة باتجاه أحد المنازل في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • مصر وإريتريا والصومال يبحثون أمن البحر الأحمر والمخاطر التي تواجه القرن الإفريقي
  • فجر السعيد خلف القضبان..قصة عرّابة التطبيع التي أغضبت أهل الكويت
  • الجيش اللبناني يبدأ بإزالة السواتر الترابية التي وضعتها جرافات الاحتلال
  • الجيش التركي يقصف سد تشرين بريف حلب شمال سوريا .. شاهد
  • هذه الأثمان الباهظة التي يدفعها الاحتلال بسبب استمرار الحرب في غزة
  • حماس : صفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال لها قواعدها التي سوف تطبق
  • حماس توافق على قائمة “الرهائن” التي قدمها الاحتلال للمرحلة الأولى 
  • كم بلغ عدد الشركات المصرية التي تصدر منتجاتها للاحتلال الإسرائيلي؟
  • الدول التي تعرضت لأكبر عدد من الزلازل المدمرة منذ العام 1990 (إنفوغراف)
  • ادعاءات باطلة.. أول تعليق من السعودية على الخريطة الإسرائيلية