استندت على قصص حقيقية.. 7 أفلام إسرائيلية دعمت فلسطين (فيديو)
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
السومرية نيوز – فن وثقافة
في عالم السينما، يتجلى الفن في تصوير الواقع بأبعاد مختلفة، ومحاكاة لحياة البشر بطرق تتراوح بين التأمل الفني والتعبير الجريء. تعتبر بعض الأفلام السينمائية منصةً فنية وصحفية في آن واحد، حيث تقوم بإلقاء الضوء على جوانب غير متوقعة من الحياة اليومية. إذ تتحدى هذه الأعمال التوقعات، محطمة الحدود المفروضة على السينما كوسيلة ترفيهية فقط.
فمنذ طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت عدة مقالات نشرتها مجموعة متنوعة من المنصات الإخبارية في عرض قوائم من الأفلام، التي ستساعد المشاهد غير المطلع على تكوين فهم أفضل حول مختلف أبعاد الصراع بين فلسطين والاحتلال الإسرائيلي.
تتضمن غالبية هذه المقالات عدداً من الأفلام الفلسطينية والأفلام الوثائقية المعروفة، وعلى الرغم من أنها تستحق الكثير من الدعم والتقدير إلا أنها سقطت فريسة لاتهامات التحيز من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن هذه الأفلام التي يُستشهد بها كثيراً تركز في المقام الأول على التجربة الفلسطينية الحية التي يعرفها العالم ويتابعها منذ عقود.
من خلال هذا المقال سنقوم باستعراض بعض الأفلام الإسرائيلية التي تحاكي الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، والتي يحاول الاحتلال طمسها وتشويه روايتها.
رحلة استعادة الأراضي وتحويل التاريخ
يقدم الفيلم الوثائقي "Jaffa, The Orange's Clockwork" الذي يعود إنتاجه إلى عام 2009، رحلة استعادة الأراضي وتحويل التاريخ من خلال عدسة المخرج إيال سيفان، المقيم في أوروبا. يستعرض الفيلم موضوعاً يبدو أقل إلحاحاً، ولكنه لا يفتقر إلى القوة، وهو استيلاء إسرائيل على البرتقال الفلسطيني البارز وتحويله إلى محصول إسرائيلي يصدّر إلى جميع أنحاء العالم.
تمتزج في الفيلم لقطات أرشيفية وصور مع مقابلات أُجريت مع الباحثين وشهود العيان الذين شهدوا الأحداث. يقوم سيفان بتوجيه استطلاع عاطفي لفترة ما قبل عام 1948، حين كان اليهود والفلسطينيون يعيشون بتناغم نسبي.
ومع نكبة عام 1948، تغير كل شيء، حيث طردت القوات الإسرائيلية الفلسطينيين وادعت السيطرة الكاملة على مدينة يافا ومحاصيلها.
تحولت يافا إلى رمز للدعاية الصهيونية، وأصبحت "الصحراء التي جعلناها تُزهر" داخل "الأرض التي كانت بلا شعب من أجل شعب بلا أرض". يصور الفيلم تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 كمشروع استعماري ضخم استند إلى معلومات مضللة.
من خلال الأحداث، يظهر أن التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل لتشديد سيطرتها على الأرض هي نفس التكتيكات التي تعتمد عليها الدعاية الصهيونية اليوم: استيلاء على الصورة، وتشويه التاريخ، وسرقة الهوية الفلسطينية.
يُذكر أيضاً دور البريطانيين في تعزيز المستوطنات اليهودية عام 1938، وذلك للحفاظ على تدفق واردات الحمضيات، ما يسلط الضوء على الإسهامات الكبيرة لقوى الغرب الاستعمارية في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم.
أفلام رعنان ألكسندروش وفلسطين
المخرج رعنان ألكسندرويتش، الذي ينحدر من فيلادلفيا، يظهر كخبير في مجال صناعة الأفلام الوثائقية، حيث يتميز بتركيزه الفريد على حدود بيئته الشخصية. من بين أحدث إنتاجاته فيلم "The Laws in These Parts" الذي تم إنتاجه في عام 2011 وفيلم " The Viewing Booth" الذي أُنتِج في عام 2019، واللذان يسلطان الضوء على قضايا قانونية حساسة مثل الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
فاز ألكسندرويتش بجائزة في مهرجان صاندانس عن "The Laws in These Parts"، الذي يقدم تحليلاً قوياً لنظام القانون الإسرائيلي. يتناول الفيلم التحولات التي طرأت على هذا النظام بعد حرب 1967، ويكشف عن تطبيق قضاة عسكريين متقاعدين للقوانين التي أسهموا في وضعها، موضحاً بشكل مؤثر تأثيرها على الفلسطينيين.
التجربة السينمائية تستمر في فيلم "The Viewing Booth"، الذي أصدره ألكسندرويتش بعد 8 أعوام. يركز الفيلم على ردود فعل الطلاب الأمريكيين اليهود تجاه مقاطع فيديو توثيقية لانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ما يبرز التحول في مشاعرهم من التعاطف الأولي إلى التشكيك واللامبالاة تجاه الحقائق المقدمة.
الأفلام الوثائقية لألكسندرويتش تشير إلى صعوبة تحقيق تغيير فعّال في سياسات إسرائيل، ما يفتح النقاش حول فاعلية وسائل الإعلام في تحقيق تأثير حقيقي. يظهر الفيلمان بأسلوب مثير ومتوازن، مقدميْن تحليلاً دقيقاً وشاملاً للمواضيع التي يتناولونها.
فيلم "The Settlers" لسنة 2016
حسب موقع Middle East Eye البريطاني يعد فيلم "The Settlers" من إنتاج عام 2016، للمخرج شيمون دوتان، تجربة سينمائية استثنائية تستعرض تحديات ونقاشات مستمرة تتعلق بظاهرة الاستيطان الإسرائيلي. يتناول الفيلم تساؤلات مهمة حول مفهوم المستوطن، ويسلط الضوء على تأثيره على الوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة.
يستند دوتان في إعداده للفيلم إلى عام 1967 كنقطة انطلاق لتوسع المستوطنات، حيث يبرز دور الحاخام تسفى يهودا كوك في إضفاء الشرعية الدينية على هذه الحركة. يظهر الفيلم تأثير القيود التي كانت مفروضة في حقبة رابين، وكيف تم تجاوزها في الفترات اللاحقة، ما أدى إلى تصاعد التوترات.
من خلال مزج لقطات أرشيفية ومقابلات مع نشطاء وأكاديميين من اليسار، يعرض الفيلم وجهات نظر متنوعة. ومع أنه يسلط الضوء على مقابلات مستوطنين، إلا أن تركيزه الرئيسي يظل على الجوانب المثيرة والصادمة لهذه المقابلات.
تظهر معظم المقابلات مع المستوطنين تصورات دينية تبرر الاستيطان، في حين يرى آخرون الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين على أنه إسكان بسيط. يبرز الفيلم الفجوة بين حقوق الفلسطينيين والرؤى الضيقة للمستوطنين، وكيف تُعزز الحكومة شرعية المستوطنات بطرق تثير الجدل.
يوفر "The Settlers" نظرة نقدية وشاملة على ظاهرة الاستيطان الإسرائيلي، مشدداً على أن حقوق الفلسطينيين لا تؤخذ في اعتبار المستوطنين الذين يتجاهلونها. يظهر الفيلم الجوانب الظاهرية والمألوفة للواقع الإسرائيلي، الذي قد يكون تم تجاهله بشكل غير مبرر من قبل المجتمع الدولي.
فيلم The First 54 Years 2021
في عالم السينما، يبرز المخرج الوثائقي والفنان "آفي مغربي" كشخصية فريدة بلا مثيل في تجسيد موقف قوي ضد الصهيونية. يعد مغربي من أعضاء منظمة "كسر الصمت"، التي تأسست لتوثيق انتهاكات الجيش الإسرائيلي للحقوق المدنية للفلسطينيين. بأسلوبه الفني الفريد.
يستعرض مغربي كيف نجحت إسرائيل في فرض سيطرتها على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، من خلال فيلمه "The First 54 Years" الذي يقوم بتوثيق مقابلات مع جنود إسرائيليين، ويكشف عن استراتيجيات الحكومة في ضم الأراضي الفلسطينية.
مع التركيز على القرار الدولي رقم 242 لسنة 1974، الذي يطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، يؤكد مغربي على تجاهل إسرائيل المتعمد لهذا القرار. كما يوضح الفيلم العلاقة المباشرة بين سياسات الضم الإسرائيلية المستمرة والانفجارات العنيفة، مشيراً إلى استغلال الدولة الصهيونية للعنف لتصوير نفسها كضحية أمام المجتمع الدولي.
في الختام، يقدم مغربي تحليلاً قاطعاً لفكرة حل عادل بين الدولتين، معتبراً أنها مجرد وهم صنعته إسرائيل. يوفر فيلمه نظرة ساخرة وحادة ودقيقة إلى هذا الصراع التاريخي، جعلته واحداً من أهم الوثائقيات التاريخية وأكثرها شمولاً وقوة.
فيلم Let it be Morning إنتاج 2021
فيلم "Let it be Morning"، من إنتاج سنة 2021، من إخراج إيران كوليرين، يقتبس هذا الأخير الفيلم ومواضيعه السياسية من قصة تكشف الستار عن الواقع القاسي للوجود الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة.
الفيلم مستوحى من رواية للكاتب الفلسطيني سيد قشوع، إذ يدور الفيلم حول أليكس بكري، مدير تكنولوجيا المعلومات الذي يعيش حياة طبقة متوسطة مريحة في القدس. ومع ذلك، تأخذ حياته منعطفاً غير متوقع حين يجد نفسه محاصراً في قريته التي قضى فيها طفولته، نتيجة لحصار الاحتلال الإسرائيلي.
بعد أن عاش بعيداً عن مجتمعه العربي، يدرك سامي تدريجياً أن أسلوب حياته المزدهر ليس سوى واجهة لوجوده الهش والقابل للتبديل داخل مجتمع يعامله دائماً كمواطن من الدرجة الثانية.
يُعد الفيلم تجسيداً لحالة العزلة التي يتعرض لها الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة، ودراسة دقيقة لمدى الحصار والقسوة التي تجعل الإنسان عاجزاً عن تحديد مصيره.
الفيلم يعطي فهماً عميقاً لحياة الفلسطينيين من خلال عيون مخرج إسرائيلي الأصل. يتألف فريق العمل بأكمله من فنانين فلسطينيين، مؤكداً على أن الفلسطينيين لن يحظوا بوجود إنساني طبيعي حتى يحدث تغيير في موقف الاحتلال تجاه هذه الفئة داخل المجتمع.
فيلم Tantura عام 2022
فيلم "تانتورا" الذي أنتج سنة 2022 يسلط الضوء على جريمة القتل الجماعية التي وقعت في بلدة الطنطورة الساحلية سنة 1948، حيث قام لواء ألكسندروني التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي بقتل مئات القرويين الفلسطينيين ودفنهم في مقابر جماعية.
المخرج آلان شوارز يروي هذه الأحداث المأساوية من خلال وثائقي مؤلم، مستنداً إلى البحث الذي أجراه الأكاديمي تيدي كاتس في التسعينيات.
مشروع الفيلم يستند إلى مقابلات أجراها كاتس مع الجنود الذين شهدوا المجزرة أو شاركوا فيها، والذين في وقت لاحق تراجعوا عن شهاداتهم، ما أدى إلى إنهاء مسيرته المهنية. شارك كاتس تسجيلاته مع المخرج شوارز، وهي التي أسهمت في بناء أساس الفيلم.
المخرج أجرى أيضاً مقابلات مع جنود آخرين، حيث قدموا شهادات حية حول جرائم القتل التي شاهدوها أو شاركوا فيها. يتناول الفيلم قضية عدم التوبة من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، الذين لم يظهروا أي أسف أو إنسانية تجاه الضحايا.
فيلم "تانتورا" لا يشبه أفلاماً مثل "The Act of Killing"، حيث يتصالح فيه القتلة مع أفعالهم. في رأي الاحتلال الإسرائيلي، يبرر الهدف النهائي وسيلة الوصول إليه، وتظهر المغالطة التاريخية في تصريحات بعض الجنود الذين ادعوا أن الفلسطينيين "هربوا" بسبب وصول جيش الاحتلال.
الفيلم يرفع قضية مهمة حول تصاعد العنف، وضرورة الاعتراف الرسمي بالأخطاء التاريخية التي ارتكبتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی الأراضی المحتلة مقابلات مع الضوء على من خلال
إقرأ أيضاً:
روتشيلد.. عائلة دعمت إسرائيل قبل قيامها
في مقابلة نادرة أجراها السفير الإسرائيلي السابق في لندن دانيال توب ونشرتها صحيفة جويش نيوز في الثامن من فبراير/شباط 2017، عبر جاكوب روتشيلد عميد عائلة روتشيلد الشهيرة في بريطانيا عن اعتزازه العميق بانتمائه اليهودي خلال حديثه عن وعد بلفور.
وقد وصف روتشيلد الإعلان بـ"المعجزة" قائلا "كان هذا الحدث الأهم في تاريخ الحياة اليهودية منذ آلاف السنين، معجزة حقيقية.. لقد استغرق تحقيق هذا الهدف 3 آلاف عام".
ولعائلة روتشيلد تاريخ طويل من الثراء والنفوذ في العديد من الدول الأوروبية، وارتباط أعمق بالقضية الصهيونية منذ ما قبل ظهورها، وكان لهم التأثير الأضخم في إعادة بعث إسرائيل كدولة يهودية قومية في فلسطين عبر الثراء الفاحش، والنفوذ السياسي والاقتصادي، فمن أبرز هؤلاء الشخصيات التي كان لها دور مفصلي في دعم إسرائيل وظهورها؟
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة الوثائقية (@aljazeeradocumentary)
أصل العائلةتعود أصول هذه العائلة إلى مدينة فرانكفورت الألمانية، إذ تشكلت على يد ماير أمشيل روتشيلد (1744-1812)، المستشار المالي البارز لدى دوقية هسن كاسل.
وفي أواخر القرن الـ18 أطلق ماير إمبراطورية مصرفية من قلب مدينة فرانكفورت الحرة التي كانت جزءا من الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
وبخلاف العديد من يهود أوروبا، نجح ماير في بناء شبكة مصرفية دولية، وترك إرثه المالي لأبنائه الخمسة الذين أسس كل منهم شبكة مالية كبرى في 5 مدن أوروبية رئيسية وهي: لندن وباريس وفرانكفورت وفيينا ونابولي، وبفضل نفوذها الاقتصادي، ارتقت العائلة إلى مصاف النبلاء في الإمبراطورية الرومانية المقدسة والمملكة المتحدة وفرنسا.
وبحلول القرن الـ19 بلغت ثروة عائلة روتشيلد ذروتها، لتصبح الأكبر بين الثروات الخاصة عالميا في ذلك الوقت، بل وفي التاريخ الحديث، وقد أسهم عدد من أبناء هذه العائلة من الفرعين البريطاني والفرنسي في دعم الهجرة اليهودية والحركة الصهيونية وإنشاء إسرائيل، حتى يومنا هذا.
ماير أمشيل روتشيلد كان مصرفيا يهوديا ألمانيا ومؤسس سلالة روتشيلد المصرفية (غيتي) ليونيل ناثان دي روتشيلد (1808–1879): واضع حجر الأساسواحد من أهم أعضاء هذه العائلة ومن أوائل الداعمين للقضية اليهودية والصهيونية وهو من الفرع البريطاني، حيث استخدم نفوذه المالي والاجتماعي للدفاع عن حقوق اليهود في بريطانيا وخارجها.
وبفضل ثرائه ونفوذه أصبح ليونيل دي روتشيلد في عام 1847 أول يهودي يُنتخب في البرلمان البريطاني، وقد واجه معارضة قانونية بسبب شرط أداء قسم الولاء الذي تضمن الإشارة إلى العقيدة المسيحية.
وإبان ذلك، قاد ليونيل حملة طويلة استمرت أكثر من عقد حتى عام 1858 عندما تمكن من أداء القسم بصيغة تتيح لليهود تولي المناصب السياسية، ورغم رمزية هذه الخطوة فإنها كانت نقطة تحول كبيرة في التاريخ البريطاني لليهود، حيث فتحت الأبواب لمزيد من الاندماج لليهود المتنفذين في الحياة العامة.
وإلى جانب جهوده السياسية، ساهم ليونيل في تعزيز رفاهية اليهود الأوروبيين، خاصة أولئك الذين فروا من الاضطهاد في أوروبا الشرقية وروسيا، إذ أنشأ ودعم مؤسسات خيرية لدعم تعليم اليهود مثل المدرسة اليهودية الحرة في لندن، ومول مشاريع لتحسين أوضاعهم المعيشية.
وعلى الجانب الاقتصادي، استثمر ليونيل في توسيع نطاق أعمال العائلة، مما وفر أساسا ماليا مستداما لدعم جهود الدفاع عن اليهود وحقوقهم في أوروبا.
ليونيل ناثان دي روتشيلد أول يهودي يُنتخب في البرلمان البريطاني وأسهم في تعزيز رفاهية اليهود الأوروبيين (غيتي) ألفونس جيمس روتشيلد (1827- 1905): إمبراطور النفط وداعم الهجرة اليهوديةكان ألفونس من الفرع الفرنسي للعائلة، وهو الابن الأكبر لجيمس روتشيلد مؤسس فرع العائلة في باريس، وكان والده من كبار أباطرة المصارف والأموال ورئيس بنك العائلة في باريس، وقد ورث عن والده ثروة ضخمة نجح في استثمارها في مجال النفط الذي كان واعدا في الربع الأخير من القرن الـ19.
ورغم انغماسه في الأعمال المصرفية والاستثمار، ونفوذه الواسع في الداخل الفرنسي حين تمكن من إصلاح الاقتصاد، والتوسط للصلح بين فرنسا وبوروسيا (ألمانيا) بسبب حرب عام 1870، فإنه استطاع أن يكون له دور مؤثر في دعم الهجرة اليهودية لفلسطين.
فقد كان ألفونس روتشيلد الأكثر نشاطا في دعم الهجرة اليهودية وإقامة إسرائيل في وقت مبكر، حيث تُظهر أرشيفات عائلة روتشيلد أنه في السبعينيات من القرن الـ19، ساهمت العائلة وهو منهم بما يقارب 500 ألف فرنك سنويا لصالح اليهود الشرقيين.
ألفونس جيمس روتشيلد له دور في دعم الهجرة اليهودية وإقامة إسرائيل في وقت مبكر (غيتي) إدموند دي روتشيلد (1845–1934): مؤسس الاستيطان الزراعي في فلسطينهو الابن الثالث لجيمس روتشيلد مؤسس فرع العائلة في باريس، انضم بارون إدموند إلى المؤسسة المصرفية العائلية في عام 1868، وفي سن 32 تزوج من ابنة عمه أدلايد، ومثل والديه كان له دور كبير في العديد من الأنشطة المالية داخل المجتمع اليهودي وفي دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
بعد الانتفاضة التي قامت ضد اليهود في روسيا بين عامي 1881 و1882، عمل إدموند مع اللجنة الفرنسية لمساعدة اليهود الروس على الهجرة إلى فلسطين، حيث بدأت مساهماته في الیشوف (المجتمعات اليهودية في فلسطين) في أوائل ثمانينيات القرن الـ19.
وعندما واجهت أولى الموشافوت (القرى الزراعية) التي أنشأتها منظمة صهيونية أوروبية باسم "حبيبي صهيون" صعوبات مالية جسيمة، فقد طلب أعضاء المجتمع وممثلو الیشوف مساعدات عاجلة للمستوطنين الذين استقروا هناك، فوافق البارون إدموند دي روتشيلد على تغطية جميع نفقات مستوطنات ريشون ليتسيون، وزخرون يعقوب، وروش بينا، وإكرون، بالإضافة إلى تقديم مساعدات للمستوطنات الأخرى.
وخلال زيارة له إلى مستوطنة زخرون يعقوب في عام 1893، أوضح إدموند دي روتشيلد التزامه بدعم المزارعين الذين تجمعوا هناك قائلا "لم أساندكم وأخذتكم في ظل رعايتي بسبب فقركم، لا ولكن بسبب شغفكم بالعمل والعيش في الأرض المقدسة وفقا لروح التوراة".
قام البارون إدموند دي روتشيلد بشراء أراض وعقارات كبيرة في فلسطين وكان للمستوطنين بمثابة "الأب الروحي" للمشاريع الزراعية (الموشافوت)، حيث أرسل خبراء زراعيين أوروبيين لتقديم المشورة والإرشاد لهم، كما دعم هو وأحفاده 44 مستوطنة، من متولا في الشمال إلى مزارعت باتيا (إكرون) في الجنوب.
وإلى اليوم تحمل بعض هذه المستوطنات أسماء عائلة روتشيلد، مثل زيكرون يعقوب، الذي سُمي على اسم والد البارون جيمس (يعقوب)، ومزارعت باتيا، تيمنا باسم والدته بيتي (باتيا) وغير ذلك.
لم يتوقف اهتمام إدموند عند الاستيطان الزراعي للصهاينة فقط، إذ كان مقتنعا بأن المجتمع اليهودي المتزايد في فلسطين سيصبح في النهاية كتلة كبيرة، ولهذا السبب استثمر موارده المالية لتطوير الصناعات، وبمساعدته ومساعدة أحفاده، تم تأسيس أول الصناعات والبنية التحتية الأساسية مثل مصانع النبيذ، ومصانع المنتجات الزراعية، وحتى محطات الكهرباء الأولى كان مساهما كبيرا في إنشائها، وكان اثنان من مصانع النبيذ التي أسسها من بين أكبر مصانع النبيذ في العالم في ذلك الوقت.
أسس إدموند دي روتشيلد كذلك معابد ومدارس لليهود في فلسطين، وكان من أكثر الناس تشجيعا على تعليم واستخدام اللغة العبرية، حيث أعلن في أحد المناسبات قائلا "هنا في أرض إسرائيل، سأكون سعيدا لسماع الشعر العبري"، كما شجع الرواد من المهاجرين اليهود على الحفاظ على صلاتهم باليهودية.
وقد شارك بقوة في نشاط الحركة الصهيونية خلال الحرب العالمية الأولى، وفي عام 1924 أسس "جمعية الاستعمار اليهودي في فلسطين" (بيكا)، التي كانت تدير شراء الأراضي في إسرائيل، وعين ابنه جيمس رئيسا لها.
وتكريما لجهوده تم تعيينه شخصيا رئيسا فخريا للوكالة اليهودية لإسرائيل في عام 1929، وهي الوكالة التي انبثقت عن الحركة الصهيونية لإدارة الشؤون المدنية والعسكرية لليهود في فلسطين.
إدموند دي روتشيلد أسس جمعية الاستعمار اليهودي التي كانت تدير شراء الأراضي في فلسطين (غيتي) ليونيل والتر روتشيلد (1868–1937): مخترع وعد بلفورهو البارون الثاني من عائلة روتشيلد من الفرع البريطاني، كان عالم حيوان مشهورا في زمنه، وأصبح جامعا كبيرا ومؤسسا لمتحف روتشيلد للتاريخ الطبيعي في لندن.
وهو الابن الأكبر لناثان ماير روتشيلد المصرفي البريطاني الذي أسهم من خلال القروض التي منحها للخديوي إسماعيل في مصر من إنشاء قناة السويس، ومن ثم استيلاء الحكومة البريطانية على نصيب الأسد منها لاحقا حين تخلفت مصر عن السداد.
وقد حصل ليونيل على ألقابه عقب وفاته في عام 1937، وشغل منصب عضو محافظ في البرلمان منذ عام 1899 إلى 1910.
ورغم تقاعده من البرلمان بحلول عام 1910، فإنه ظل نشطا كرمز بارز في المجتمع اليهودي البريطاني، وشغل منصب رئيس الاتحاد الصهيوني الإنجليزي، وكان صديقا مقربا من حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية وأول رئيس لدولة إسرائيل عقب قيامها.
ولهذا السبب سعى هو ووايزمان وآرثر بلفور وآخرون لخدمة الحركة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى فلسطين بكل قوتهم.
ووفقا لكتاب "ضد حكمنا الأفضل: التاريخ الخفي لكيفية استغلال أميركا في خلق إسرائيل" لمؤلفته ألسن وير التي أكدت أن عدة نماذج من مسودات إعلان بلفور قُدمت إلى القادة الصهاينة قبل الوصول إلى النسخة النهائية، وكان من أبرز الساعين لذلك البارون ليونيل روتشيلد.
وكانت المسودة الأصلية التي أرسلها ليونيل إلى بلفور تقترح أن "يُعاد تأسيس فلسطين كوطن قومي للشعب اليهودي"، ولكن بعد اعتراضات داخل مجلس الوزراء، تم تعديل الصياغة لتصبح أكثر غموضا، وفي صالح الحركة الصهيونية في آن واحد.
وفي النهاية وجه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1917 رسالة إلى أكبر زعماء اليهود في بريطانيا اللورد ليونيل والتر روتشيلد تعهد فيها بوقوف بريطانيا إلى جانب الحركة الصهيونية في سعيها لإقامة وطن لليهود في فلسطين.
ليونيل والتر روتشيلد كان رمزا بارزا في المجتمع اليهودي البريطاني وشغل منصب رئيس الاتحاد الصهيوني الإنجليزي (غيتي) جيمس أرماند دي روتشيلد (1878–1957): السير على خطى والدهكان جيمس الابن البكر للبارون إدموند دي روتشيلد، يفضل الخروج عن المألوف منذ صغره، إذ اختار سباق الخيول بدلا من الانخراط في الأعمال المصرفية لعائلته، وقرر خوض مغامرة إلى أستراليا حيث عاش عاملا بعيدا عن أجواء أوروبا ونفوذ عائلته الشهيرة.
وفيما بعد عاد إلى فرنسا وانضم إلى إدارة أعمال العائلة المصرفية. وفي عمر 35، تزوج من دوروثي بينتو، الفتاة الإنجليزية ذات الـ18 عاما، المنتمية لعائلة يهودية والتي سيكون لها دور كبير في دعم إسرائيل بعد وفاة زوجها.
تأثر جيمس بوالده إدموند في شغفه بالمشروع الصهيوني، وازدادت علاقته بالحركة بعد تعرفه على حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية الذي أصبح من أقرب حلفائه.
وفي خلال الحرب العالمية الأولى خدم جيمس في الجيش الفرنسي، ثم انضم إلى الجيش البريطاني وتم إرساله إلى فلسطين حيث ترقى إلى رتبة رائد، وفي قرب نهاية الحرب قاد جهودا لتجنيد متطوعين للوحدات اليهودية ضمن قوات الجنرال أللنبي، مما أكسبه وسام التفوق.
كما قام بجمع متطوعي الفليق اليهودي داخل الجيش البريطاني إبان الحرب العالمية الأولى، ثم تولى رئاسة هيئة الهجرة إلى فلسطين، وفي عام 1924 عينه والده رئيسا لمؤسسة بيكا لدعم الاستيطان في فلسطين.
كان جيمس عضوا في البرلمان البريطاني لمدة 16 عاما، حيث لعب دورا مهما في دعم الاستيطان اليهودي، وعقب وفاة والده عام 1934 استمر في تطوير مشاريع بيكا ونقل ملكيتها إلى الدولة الإسرائيلية الناشئة.
كما مول بناء الكنيست في القدس الذي اكتمل بعد وفاته، وساهم في بناء مدفن لوالديه في مستوطنة رمات هنديف، وعقب وفاته عام 1957، واستمرت زوجته دوروثي في دعم الأنشطة الصهيونية لأكثر من 3 عقود إضافية.
جيمس دي روتشيلد لعب دورا مهما في دعم الاستيطان اليهودي (غيتي) جاكوب روتشيلد (1936–2024): استمرار الدعمجاكوب روتشيلد من الفرع البريطاني وهو ابن فيكتور روتشيلد، كان والده سياسيا وعميلا في المخابرات البريطانية (إم آي 5) إبان الحرب العالمية الثانية، وعضوا في البرلمان البريطاني.
وقد أسهم في دعم إسرائيل بالمال كدأب عائلته، ولهذا السبب وفي عام 1971 تم منحه درجة فخرية من جامعة تل أبيب لـ "تعزيز العلوم والتعليم واقتصاد إسرائيل"، تلتها درجة فخرية من جامعة القدس العبرية عام 1975.
ويُعتبر ابنه جاكوب امتدادا لإرث العائلة في دعم إسرائيل حتى نهاية عُمره فقد توفي في إبريل/نيسان الماضي 2024.
وتحت قيادة جاكوب، قدمت مؤسساته دعما كبيرا لمشاريع البنية التحتية والتعليم في إسرائيل، بما في ذلك دعم الجامعات والمؤسسات البحثية، وقد أسهم في تمويل المشاريع الثقافية التي تُبرز التراث اليهودي وتدعمه عالميا.
وفي مقابلة له في عام 2017، اعتبر جاكوب أن إنشاء "وطن" لليهود كان فرصة استثنائية، وقد أشار إلى الدور المحوري لحاييم وايزمان رئيس منظمة الصهيونية العالمية الذي كان يزور إنجلترا بشكل متكرر ويلتقي بأفراد عائلته ليقنعهم بفكرته.
وأضاف "كان لديه قدرة فريدة على الإقناع، فقد تمكن من الحصول على وعد بلفور، وأقنع جيمس بلفور، ولويد جورج رئيس الوزراء، ومعظم الوزراء الإنجليز، بأن فكرة إنشاء وطن لليهود يجب أن تتحقق".
كما كشف جاكوب عن الدور المهم الذي لعبته ابنة عمه دوروتي روتشيلد في تلك الفترة، حيث أكد أن ما قامت به في سن المراهقة كان ذا أهمية كبيرة، وأوضح أنها كانت حلقة وصل بين وايزمان والمؤسسة البريطانية وساعدته بشكل كبير على الاندماج في أوساطها، وهو ما تعلمه بسرعة.