ميدان الجنوب.. ماذا كشف عن خسائر حزب الله وإسرائيل؟
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
منذ بدء الهدنة في قطاع غزة يوم الجمعة الماضي وتمديدها يومين إضافيين أمس الأول حتى نهاية اليوم الخميس، تنفّس جنوب لبنان الصعداء قليلاً بعدما بات يعيشُ حالياً نوعاً من الإستقرار والهدوء الحذر إثر المناوشات العسكريّة التي حصلت.
مقابل الهدوء القائم، بات يُحكى فعلياً عن خسائر محسوسة، سواء على جبهة إسرائيل أم على جبهة "حزب الله".
تبدّلات وإنكشاف أمنيّ
ما يبدو هو أنّ منطقة الحدود الجنوبية لم تخضع بعد لإعلان قواعد إشتباك جديدة بين "حزب الله" وإسرائيل، والدليل على ذلك هو أن المعارك التي توقفت تزامناً مع هدنة غزة لم تنتهِ بإتفاق جديد في الجنوب يُكرّس وضعاً جديداً، كان من الممكن أن يكون على حساب الحزب الذي وبشكلٍ أو بآخر، مُني بخسائر ميدانية سيكون عليه ترميمها تباعاً من الناحية العسكرية بشكل أساسي.
ما يتبين هو أنّه ،في الوضع القائم حالياً، تمت المحافظة على قواعد الإشتباك السابقة القائمة بين لبنان وإسرائيل من حرب تموز عام 2006 مع إضفاء نوعٍ من التبديلات الجوهرية التي أسست لقواعد جديدة جعلت نطاق إستهدافات حزب الله أكثر وأوسع، أي أن المواقع الإسرائيلية التي تم قصفها باتت مُنخرطة في المعادلة في حال حصول أي إشتباكات أخرى لاحقاً. وعليه، فإنه وفي حال حصول أي توتر لاحق، فإن سيناريو الإستهدافات الأخيرة قد يتكرر، ما يعني تطبيق التبديلات الجوهرية التي لم تكن قائمة خلال السنوات الماضية.
طيلة فترة التوتر، كان الجيش الإسرائيلي يتحدث عن إستهدافات لمواقع خاصة بـ"حزب الله" في الجنوب. صحيحٌ أن هذا الأمر لم يجرِ توثيقه بشكلٍ واضح، لكن الحزب فعلياً تعرّض لضرباتٍ متتالية ساهمت في التأثير على قدرة تحركه في بعض المناطق الحدودية.
فعلياً، قد لا تكون الأضرار التي مُني الحزب ظاهرية، فمواقعه ليست مكشوفة أو معروفة بشكلٍ واضح، لكنّ انكشاف بعض التكيتكات أو الخسائر البشرية كانت عاملاً كبيراً جداً في التأثير على مسار المعركة. ميدانياً، الحزبُ تضرر كثيراً حينما كانت عناصره تتعرض لإستهدافات، ورغم سعيه لتقليل هذا الأمر، إلا أنه لم ينجَح في ضبط الأمر تماماً وتحديداً عقب حادثة قصف منزل كان يتحصن فيه عدد من قادته في بلدة بيت ياحون. المسألة هذه تكشف أن بنية الحزب الأمنية تزعزعت وهذه خسارة يجب الإنتباه إليها، وكما يتبين هو أن إسرائيل تسعى إلى تكثيف حركتها ضد الحزب انطلاقاً من هذا الباب.
في المقابل، فإن ما حصل على صعيد الثكنات الإسرائيلية كان لافتاً جداً أيضاً، لاسيما على صعيد الخسائر التقنية والمادية واللوجستية والأمنية. هنا، يمكن الحديث عن أضرارٍ ظاهرة على صعيد كاميرات المراقبة وأجهزة الرادار والرصد، وهذا الأمر بات يفرض على إسرائيل معالجته فوراً لأن إنكشاف المنطقة الأمنية عند الحدود سيساهم في زيادة الضغط عليها طالما أن هناك مخاوف من حصول عمليات إقتحام.
عملياً، فإن التحدي على صعيد إعادة تأهيل تلك الأنظمة كبيرٌ جداً، فهو يتطلب تحركات عسكرية، كما أنه يحتاجُ إلى هدوء. وطالما أن الأمور ليست مضبوطة تماماً، فإن الجيش الإسرائيلي سيبقى غير قادرٍ عن سد أي ثغرات أمنية على الحدود حتى الآن.
إذاً، ما يظهر هو أنّ الحرب بين الطرفين تبدلت من ميدانية إلى أمنية، وهنا بيت القصيد. الحزب من جهة يسعى لإختراق إسرائيل أمنياً والعكس صحيح، ولكن، إلى متى سيستمر ذلك المشهد؟ هل كشفت هذه الحرب عن ثغرات لم تكن محسوبة؟ وما هي أُطر المعالجة؟ في الواقع، كل الأمور واردة وحتماً يجب إنتظار ما قد يحصل خلال الأيام المقبلة لاسيما في حال إنهارت هُدنة غزة في أي لحظة... المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله على صعید
إقرأ أيضاً:
ذي نيويوركر: لبنان يدفع ثمنا باهظا للحرب مع إسرائيل وأنصار حزب الله ثابتون
نشرت مجلة "ذي نيويوركر" الأمريكية، تقريرا، للصحفية اللبنانية الأسترالية، رانيا أبو زيد، قالت فيه إنّ: "أنصار الحزب ثابتين في دعمهم رغم الخسائر والتشرد وآلاف القتلى".
وأضاف التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنه: "يعتقد أن رفات النبي شيث ابن النبي آدم مدفون في بلدة سهل البقاع، وأقيم قبر جميل ومزار حوله، وفي البلدة هناك قبر عباس موسوي، أحد قادة ومؤسسي حزب الله البارزين الذي قتلته إسرائيل في عام 1992".
وتابع التقرير الحامل لعنوان: "الثمن الذي يدفعه لبنان لحرب حزب الله- إسرائيل"، أن: "الموسوي كان الأمين العام الثاني للحزب، وحلّ محله حسن نصر الله الذي اغتيل في أيلول/ سبتمبر، بعدما قاد الحزب لمدة 32 عاما وحوله إلى تنظيم عسكري وسياسي مهم".
وبحسب المصدر نفسه: "كان الزعيم العسكري، فؤاد شكر، أحد أعضاء الحزب البارزين واغتيل في تموز/ يوليو وجاء من النبي شيث". مردفا: "تعتبر البلدة معقل دعم للحزب ومصدرا للمقاتلين الذي لا تكشف هوياتهم إلا بعد موتهم. وتنتشر أعلام حزب الله الصفراء على البيوت والمراكز العامة إلى جانب صور القتلى المعلقة على الجدران والشوارع".
"ولد الحزب في شقة في سهل البقاع، أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الثمانينات من القرن الماضي" تابع التقرير نفسه، مضيفا: "التقت الكاتبة في النبي شيث بالمختار وهبة الموسوي، وهو قريب من عباس الموسوي وتذكر الأيام الماضية عن قادة الحزب "وكانوا يلتقون هنا في بيته" ثم "انطلقوا الحمد لله"، وكان من بين الحضور الموسوي ونصر الله الذي كان شابا في حينه".
وأبرز: "لكن نصر الله حوّل الحزب من جماعة صغيرة إلى منظمة عسكرية سياسية وبحضور قوي في البرلمان، وشبكة خدمات اجتماعية ومئات الآلاف من المقاتلين والصواريخ. لكن في هذه الجولة من الحرب التي بدأت في 8 تشرين الأول/ أكتوبر والتي وصفها نصر الله نفسه بأنها "مؤلمة" و"غير مسبوقة"، وسبقتها هجمات البيجر واللاسلكي في أيلول/ سبتمبر".
واسترسل: "وصلت حملة الاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية ذروتها باغتيال نصر الله في نهاية ذلك الشهر"، مردفا: "بات مجتمع المقاومة تحت ضغوط كبيرة، من الهجوم الإسرائيلي، الذي شمل قصف المباني السكنية وتدمير بلدات وقرى بأكملها في الجنوب. فيما تزعم إسرائيل أنها تستهدف البنية التحتية العسكرية لحزب الله المتمركزة في مناطق مدنية".
وأوضح التقرير نفسه، أنه قد استشهد حتى الآن أكثر من 3,000 لبنانيا وجرح أكثر من 15,000 شخصا، كما وشرّدت الحرب قسرا أكثر من 1.2 مليون شخصا، أي خمس سكان لبنان، وفرّوا قسرا من سهل البقاع ومن بعلبك والضاحية الجنوبية في بيروت، وكلها مناطق تعيش فيها مجتمعات شيعية كبيرة.
وتابع: "في النبي شيث التي لا تزال عامرة بالناس، يقدّر المختار الموسوي عدد الباقين بخمسة ألاف من 22,000 نسمة، حيث هرب الكثيرون مع تكثيف إسرائيل هجماتها على الجنوب، ومن بين النازحين زوجة المختار وابنه وعائلته. وفي كل أنحاء البلدة البيوت المدمرة بشكل كامل، حيث يقول المختار الموسوي: إنهم يضربون المدنيين، عائلات بأكملها، في بيوتها. ليس لدينا مقاتلين هنا، وأينما كانوا، نسأل الله أن يحميهم ويعمي أعداءهم عنهم".
وأضاف أن: نحو خمسة وعشرين مقاتلا من النبي شيث قتلوا حتى الآن على خطوط المواجهة في أجزاء أخرى من البلاد. وتابع أن "الإسرائيليين يحاولون الضغط علينا، نحن مجتمع المقاومة، لتغيير آرائنا. ولكن على العكس من ذلك، لن نفعل ذلك. فالنصر يتطلب الصبر والتضحية، ويجب أن ندفع ثمن النصر".
ووفق التقرير، قد التقت الكاتبة مع أم علي التي فقدت ابنها محمد في حرب 2006 والتي أكدّت أنها لن تغادر بيتها. وقالت إن الخسائر التي تعرّض لها أنصار حزب الله هي جزء من الثمن الذي يجب أن يُدفع مقابل الشهادة.
وقالت: "التاريخ هو دمي، هذا هو من نحن، وإن مقاتلي المقاومة الشباب مهمون بالنسبة لنا، وهم يقاتلون من أجل هذه الأرض ومن أجل هذه الحجارة. لن نترك أرضنا، ولا بيوتنا، ولا شبابنا. إذا لم نكن أقوياء، فلن يكون أبناؤنا أقوياء".
وحين سألتها الكاتبة عن شعورها، عندما عاد ابنها محمد بالكفن، أجابت: "لم أبك أو أصرخ؛ و قلت له هذا هو الطريق الذي اخترته وأنا أوافق عليه". وتابعت: "لكن لا تظني أن أطفالنا ليسوا أعزاء علينا. أود أن يكون ابني بالقرب مني، وأن أراه متزوجا ولديه أطفال، لكن الحياة أجبرتنا على تقديم أطفالنا، وذهبوا طوعا، وليس لأنهم أجبروا، كنت أحزم حقيبة ابني عندما يتوجه إلى الجبهة. نحن لا نتزعزع، نحن جبال".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر أعلن الأمين العام الجديد للحزب، نعيم قاسم أن الحزب "قدم تضحيات كبيرة، ونعرف أنكم تدفعون ثمنا باهظا إلا أن هذه المعركة تحتاج إلى مستوى التضحية هذه". ودعا للصبر.
وتعلّق الكاتبة أن "لماذا؟" سؤال شائع هذه الأيام. لماذا هذا المبنى؟ لماذا هذا الشارع؟ لماذا قتلت دولة الاحتلال الإسرائيلي هؤلاء الناس؟ وفي حي حارة صيدا بمدينة صيدا، على بعد حوالي ثلاثين ميلا جنوب بيروت، وقفت الكاتبة بالقرب من محمد عز الدين وهو يوجه هذه الأسئلة بينما كان رجال الإنقاذ يزيلون أنقاض بنايته السكنية المكونة من أربعة طوابق، والتي هدمت في غارة جوية إسرائيلية في الليلة السابقة.
قال إن السكان كانوا جميعا من المستأجرين القدامى: لبنانيون وسوريون وفلسطينيون وإثيوبيون وعدد قليل من النازحين من أماكن أخرى. وقتلت الغارة تسعة أشخاص وجرح 30 آخرين. وقال "ليس كل شخص هو مقاومة، هل هم يميزون؟ لا"، وعزى الفاقدين من سكانه ودعا الله أن يعوضهم وقال "إنها تضحية من أجل المقاومة".
ونقلت الكاتبة عن وفاء شعيب، عضو مجلس بلدية صيدا قولها إنها توقّعت استهداف حارة صيدا، لأنها منطقة فقيرة ذات أغلبية شيعية. وقالت: "لسوء الحظ، لدينا الآن خبرة ويمكننا توقع الضربات على مناطق معينة، ولكن ليس دائما".
وتابع التقرير: "هناك رعب آخر، أكثر صعوبة في التنبؤ به: التدمير الإسرائيلي المتكرر للمباني السكنية، التي غالبا ما تؤوي النازحين، في المناطق ذات الأغلبية المسيحية أو السنية أو الدرزية". وقالت شعيب: "قد يكون هناك أشخاص في مبناك أو في حيك، ولا تعرفهم. وبصفتي مواطنة لبنانية شيعية، أسمع ذلك. أسمعه، ليس دائما بشكل مباشر، وأحيانا من أصدقائي وعائلتي"، مبرزة: "شعب صيدا ولبنان يظل صورة جميلة للوحدة الوطنية".
وأردفت الكاتبة: "هناك قناعة في لبنان بأن الهجمات الإسرائيلية تهدف إلى إثارة الفتنة الطائفية. ففي الشهر الماضي، قال نتنياهو للبنانيين "إن عليهم أن يقفوا في وجه حزب الله وإلا فإنهم يخاطرون بالتحول إلى غزة".
وفي مختلف أنحاء لبنان، تواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي في إصدار أوامر الإخلاء التي تأتي قبل وقت قصير، وهي تحذيرات انتقدتها جماعات حقوق الإنسان باعتبارها غير كافية. وكان أحد هذه التحذيرات مدينة بعلبك بأكملها. ففي أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر، هدمت غارة إسرائيلية هناك مبنى يعود إلى العصر العثماني.
كان المبنى على بعد خطوات فقط من مدخل الآثار الرومانية في المدينة، وهو موقع مدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو ومكان شهير للحفلات الموسيقية استضاف على مدى عقود من الزمان مشاهير مثل إيلا فيتزجيرالد، وستينغ، وفيروز. وقالت امرأة في منتصف العمر:"أوه، بعلبك، ماذا فعلوا بك؟".
وفي مستشفى دار الأمل الجامعي، في بلدة دوريس، على بعد بضعة أميال جنوب- غرب بعلبك، كانت الممرضة فاطمة إسماعيل تعتني بمرضاها، ومن بينهم سيلين، التي كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات. وعلى الرغم من إعطائها المورفين، كانت سيلين تئن باستمرار من الألم. كانت هي وأختها الأصغر سنا الناجيتن الوحيدين من أسرتهما المباشرة بعد غارة جوية على بلدتهما بوداي، على بعد حوالي عشرة أميال من وسط مدينة بعلبك.
كانت سيلين تعاني من كسر في عظم الفخذ الأيسر، وجرح مفتوح في الرأس، وحروق في جميع أنحاء وجهها الصغير. تقول إسماعيل: "إنها تسأل دائما عن عائلتها. إنها تريد والدتها". كما أمرت إسرائيل بإخلاء جزء كبير من دوريس، لكن إسماعيل قالت إنها وزملاءها لن يغادروا. لقد كانوا يعيشون في المستشفى منذ تصاعد الحرب في أواخر أيلول/ سبتمبر.
سألتها عن رأيها في ادعاء الاحتلال الإسرائيلي بأنها تستهدف مقاتلي حزب الله. قالت: "هذا لا أعرفه، لكنني أرى أطفالا مصابين لا علاقة لهم بأي شيء".