أبو عبيدة.. وكيفية هزيمة الاحتلال في الحرب النفسية
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
كشفت الحرب الهمجيّة، التي أعلنها، وشنّها الكيان الصهيوني على قطاع غزة- عقب صدمة "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي- عن تطوّر مُذهل في القدرات والمهارات الإعلامية للمقاومة الفلسطينية.
أظهر ذلك جدارةً، وفهمًا عميقًا، واستيعابًا لعلوم النفس، والاجتماع، والاتصال- رغم تواضع الإمكانات والوسائل-، بما أتاح للمقاومة الاستغلال الجيد للإنترنت، ووسائطه التكنولوجية، ووسائل الإعلام البديل، والتقليدي في شن "حرب نفسية" موجعة ومُربكة لـ "الكيان"؛ استثمارًا وتسويقًا لانتصارات المقاومة في المعركة البرية مع جيش الاحتلال على تخوم القطاع، ومن قبلها الهزيمة الساحقة في "الطوفان".
فقد شهدت الأسابيع الأربعة التي استغرقتها "العملية البرية"- لجيش الاحتلال ضد قطاع غزة الصامد (27 أكتوبر/ تشرين الأول- 24 نوفمبر/ تشرين الثاني) – تكثيفًا وتنويعًا فريدًا لضربات "إعلامية"، سدّدتها المقاومة لـ "جيش الاحتلال"؛ بما حطم معنويات جنوده، وأوقع انقسامات حادة بين حكومة، وقادة "الكيان"، ومواطنيه على السواء.
هذه الضربات الإعلامية ترافقت مع الخسائر الفادحة لجيش الاحتلال بأيادي المقاومة في العتاد: تدمير وإعطاب 335 آلية مدرعة بواسطة كتائب القسام، حسب الناطق باسمها "أبو عبيدة"، مُضافًا إليها، ما دمرته سرايا القدس، وغيرهما من الفصائل، بما مفاده سقوط المئات من الجنود، قتلى، وأضعافهم جرحى.
بدا مع تنفيذ "طوفان الأقصى"، أن "المقاومة" لديها خطة إعلامية فعالة جدًا- رغم بساطتها- تنبني على فكرة التوثيق بالفيديو للضربات والأعمال القتالية التي تقوم بها المقاومة ضد جيش الكيان الصهيوني؛ إدراكًا منها لشغف روّاد مواقع التواصل الاجتماعي (الإعلام البديل)، بمقاطع الفيديو والإقبال الشديد عليها، ما دام المحتوى متميزًا، صادقًا، يقُدم جديدًا، بعيدًا عن الفبركة.
هكذا، وثقت الكتائب وقائع اقتحامها معسكرات جيش الاحتلال بغِلاف غزة، وسجلت مقاطع بالصوت والصورة، لأعمال السيطرة على هذه المعسكرات، وقتل وأسْر مئات الجنود والضباط بها، واقتيادهم إلى القطاع.
الإعلام العسكري وإذاعة المقاطعتعاطى "الإعلام العسكري لكتائب القسام"، بقيادة "أبو عبيدة"، بمهنية وحِرفية عالية، فلم يبث كل المقاطع مرة واحدة، فتحتويها محركات البحث، وتبتلعها، دون إظهارها للجمهور المُستهدف، فلا تكون مُجدية، لا سيما، في ظل الدعاية المضادة للكيان الصهيوني، وتراكم الأحداث، وردود الأفعال العالمية وقتها.
لجأت "القسام" إلى إذاعة المقاطع ونشرها على فترات متقطعة موزعة على عدة أيام، مما زاد من مفاعيلها وانتشارها عالميًا، كما النار في الهشيم؛ فضحًا في الداخل الإسرائيلي، لأسطورة "الجيش الذي لا يُقهر، والعَصي على الكسر، أو الاختراق"، وأمام الكون كله؛ وحشدًا للرأي العام العربي، المُكبَل من أنظمة الحكم الانهزامية.
إنهاك معنويات الجنودعلى هذا المنوال، سارت المقاومة: (كتائب القسام، وسرايا القدس)، بتوثيق اشتباكاتها وقتالها جنود "الاحتلال"، وتدمير آلياته المتوغلة لكيلومترات داخل القطاع، بـ "أدوات وأسلحة" تقليدية.. لكنها فتّاكة بإرادة المقاتلين وعقيدتهم وعزمهم الذي لا يلين على النصر أو الشهادة.
هذه "المواد الإعلامية" أنهكت معنويات عناصر جيش الاحتلال – المُحطمة أصلًا منذ عملية الطوفان – ما أسفر عن فرار "سرية" كاملة من ميدان القتال، وقيام الجيش بطرد قائدها، ونائبه من الخدمة، خشية انتقال عدوى الفرار بين الجنود، وامتناع آلاف الجنود عن الانضمام لوحداتهم العسكرية، (حسب صحف عبرية).
حرب نفسية قاسيةيتساند هذا كله مع "الخطابات النارية"، لـ "أبو عبيدة" الذي يحظى بمصداقية واسعة، عربيًا وعالميًا وداخل الدولة العبرية – بياناته يتم ترجمتها باللغة العبرية وغيرها بواسطة ناشطين- كونه ينشر بيانات موثقة من ميادين القتال. هذه الخطابات بحد ذاتها، كأنها "قنابل نفسية" حارقة لمعنويات الكيان الصهيوني كله، ضاربة لكافة مكوناته.
كلمات "أبو عبيدة"، ألهبت مشاعر الأحرار، ودفعت الجميع لانتظار إطلالاته، للوقوف على الخبر اليقين عما يدور من معارك وقتال مع جيش الاحتلال، رغم هذا، فلم يُسرف في الظهور، فلا يُطل، إلا ليعلن جديدًا.
"أبو عبيدة"، مارس- مع الإعلام العسكري للمقاومة- "حربًا نفسية قاسية"، بحسب توصيف رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو.
من هذه الحرب إعلان "أبو عبيدة" غير مرة، أن "المقاومة" راغبة في إطلاق سراح الأسرى المدنيين الإسرائيليين حال توفر الظروف الأمنية الملائمة، إلا أن غطرسة "نتنياهو ورفاقه الصهاينة" المتطرفين، تعرقل ذلك، وتدفعهم للعدوان على غزة بوحشية؛ أملًا في تركيع المقاومة، وهو ما ساهم في إثارة الرأي العام الإسرائيلي ضد نتنياهو.
إزاحة الافتراءاتهذا كله، مع مقاطع الفيديو للأسيرات الإسرائيليات التي نشرتها كتائب القسام، وهاجمن فيها نتنياهو، لتقاعسه عن تحريرهن، ما أشعل الداخل الإسرائيلي، وأثار حراكًا وانقسامًا حادًا، ودفع أهالي الأسرى للاحتجاج ضد "نتنياهو"، بما اضطره في نهاية المطاف- مُرغَمًا- للدخول في صفقة لتبادل الأسرى، وقبول شروط "حماس" التي صدع الرؤوس، بتصريحاته العنترية عن محوها من الوجود.
"دولة الاحتلال"، نجحت في الترويج لأكاذيب، وافتراءات تَصم "حركة حماس" ومقاتليها بالإرهاب والداعشية، على خلفية "طوفان الأقصى"، بمشاركة الرئيس الأميركي جو بايدن شخصيًا، الذي ردد المزاعم الإسرائيلية بلا دليل، ولا حياء، ومعه قادة وساسة أوروبيون، ووراءهم جميعًا وسائل إعلام غربية، متحيزة وعنصرية، مفتقدة للشرف المهني.
لكن، هذه الافتراءات، والأكاذيب، تلاشت، أزاحتها صور الأسرى الإسرائيليين، وهم يودّعون مقاتلي القسام بودّ، وحنو، وصدق، عند مغادرتهم غزة- على مرأى من العالم كله-؛ إنفاذًا لصفقة تبادل الأسرى، وكذا شهادات أسيرات لوسائل إعلام عبرية، عن حُسن أخلاق "القسام"، ورعايتهم لهنَّ. لذا، قرر الاحتلال منع الأسرى الإسرائيليين، وعائلاتهم من التعاطي مع وسائل الإعلام.
لقد أنجزت "المقاومة" نصرًا كبيرًا، مستحقًا، في حربها النفسية الشرسة، المؤلمة للاحتلال الصهيوني. هزمته رغم تفوقه في تزييف الوعي والتضليل، وفي هذا النوع من الحروب، لكنّه الإيمان بعدالة القضية، والتسلح بالمعرفة، والعزيمة القوية.
المجد للمقاومة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جیش الاحتلال أبو عبیدة
إقرأ أيضاً:
موقف المقاومة وإسرائيل من الأسرى
د. عبدالله الأشعل **
المُقاومة الفلسطينية تُدافع عن أرضها وحقها في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يخطط لاقتلاع أهل فلسطين العرب من أرضهم والانفراد بفلسطين، بل وإلغاء كلمة فلسطين والعروبة وإحلال اسرائيل محل فلسطين كلها، وإحلال الهوية الصهيونية محل العروبة.
وواضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وَعَد إسرائيل بأمرين؛ الأول: إقامة إسرائيل الكبرى على حساب دول عربية مجاورة لإسرائيل انتهاكاً للقانون الدولي. الثاني: إفراغ فلسطين من أهلها عن طريق الإبادة ودفع أهل البلاد إلى الهجرة فرارا من الموت بعد أن أعدوا العدة لذلك وأمدت واشنطن إسرائيل بأسلحة فتَّاكة وقال ترامب لست متأكدا من صمود اتفاق وقف إطلاق النار. ويقضي الاتفاق- ضمن بنوده- بتبادل تسليم الأسرى عن طريق الصليب الأحمر الدولي. على أساس أن عدد الأسرى الفلسطينيين أضعاف الأسرى الإسرائيليين والسبب في هذا التفاوت هو أن إسرائيل اعتقلت حتى الآن نصف الشعب الفلسطيني تقريبا وأحيانا تُعيد اعتقال المحررين.
واللافت للنظر أن قيادات المقاومة كانوا أسرى محررين ما يعني لدى إسرائيل أن الشعب الفلسطيني مصر على تحرير فلسطين في المرحلة الأولى من الاحتلال وربما في المرحلة الثانية تحرر فلسطين كلها من إسرائيل نفسها. وهذه نقطة مؤثرة جدًا في مستقبل إسرائيل خاصة بعد أن حاربت المقاومة عدوا يعتمد الجندي الإسرائيلي على قوته ويدرك أنه لص، بينما تستند المقاومة إلى ركن شديد وهو الله ووعده.
فالجندي الإسرائيلي يعرف أنه جزء من المشروع الصهيوني وتم غسل دماغه بالأكاذيب بأنه يهودي وان يهوديته والتوراة المحرفة أباحت لهم القتل والإبادة علماً بأن الصهاينة لا علاقة لهم بالشريعة اليهودية. وقد أظهرت حملتهم الإبادية في غزة وسكوت العالم عليهم وكأن إبادة غزة قرباناً لإنقاذ العالم.
وظهر أن حقوق الإنسان والمجتمع الدولي وَهمٌ كبيرٌ، وأن واشنطن وبعض الدول الأوروبية شريك كامل لإسرائيل في خطة الإبادة بالجنود والأسلحة والتمويل والتغطية السياسية على المستوى الدولي على جرائم إسرائيل.
ولما كانت إسرائيل تجسيد للمشروع الصهيوني والمشروع الصهيوني راهن على سذاجة من استجابوا له، وسعى إلى إقامة دولة خاصة بهم تجنبهم الاضطهاد وسند الغرب لهم، تقوم هذه الدولة على الدعاية الصهيونية والهجرة الطوعية على أساس أن واشنطن تضمن لها الأمن، دولة آمنة بجيشها ذي القوة الخارقة وتحالفاتها وضعف العرب بسبب تمكين واشنطن لها، دفاعًا عن المهاجرين المخدوعين في أرضهم المقدسة، وحسب الرواية الصهيونية كل فلسطين ملك لهم والمطلوب إفراغ فلسطين من أهلها حتى يحل محلهم الصهاينة. ولم يتوانوا عن تزوير التاريخ بعد تزوير التوراة وتمسحوا باليهودية وقالوا على الله بغير الحق، والله ورسله وكتبه بريؤون منهم. وظهر أنه يستحيل التعايش تحت أسطورة حل الدولتين وتبين أن المشروع الصهيوني يخفي نواياه الحقيقية وتظاهر بأن الصهاينة يريدون أن يفلتوا من الاضطهاد ولذلك سعت بريطانيا إلى خداع العالم كله بأن قدمت مشروع قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وظل العالم تحت هذا الوهم حتي كشفت إسرائيل عن خططها الحقيقية، فسارعت بإصدار قانون الدولة اليهودية عام 2017 وقانون حظر إقامة دولة فلسطينية 2023.
وأكدت محكمة العدل الدولية أن وضع إسرائيل في فلسطين هي أنها دولة محتلة لأراضي الغير. ولذلك استفز مشهد التسليم الصهاينة وهذا أحد عوامل تفكيك إسرائيل.
ففريق المقاومة اختار شبابًا صحيح التكوين العضلي بلباس عسكري مرتب، كما إن معاملة المقاوم الفلسطيني للأسير الصهيوني تتسم بأقصى الإنسانية رغم ظروفهم الصعبة، حتى أن بعض الأسرى قبل رأس المقاوم تعبيرًا عن الأسف لمعاملة الصهاينة للفلسطينيين، وكانت أيضا تعبيرا عن الامتنان لحسن المعاملة بما يعكس قيم الإسلام في مواجهة بربرية إسرائيل.
وكانت مظاهر الصداقة بادية بين المقاوم والأسير بخلاف العلاقة العدائية بين الأسير الفلسطيني والسجان الصهيوني. واستفز وكان مشهد تسليم المقاومة للأسرى الصهاينة قد استفز المسؤولين الصهاينة الذين اعترفوا أن المقاومة انتصرت وهي تتصرف تصرف المنتصر وتعكس قيم الإسلام مقابل البربرية والوحشية التي ظهرت في سلوك إسرائيل.
سلوك المقاومة تجاه الأسرى يعكس حضارة الإسلام لدرجة أعتقد أن كثيرًا من الناس سوف يقتدون بسلوك المقاومة الحضاري ويدخلون الإسلام؛ فالمقاوم خير دعاية للإسلام.
هذه المظاهر وغيرها دفعت إلى التفكير في جدوى تبني الغرب للوحش الصهيوني. وكذلك اتخذت إسرائيل موقفا غريبا ضد المقاومة إذ اشترطت عليها عدم اقامة هذه الطقوس وعدم احتفال أهالي الاسري بهم. ولما رفضت المقاومة تلاعبت إسرائيل بالأسرى لديها.
إن سلوك المقاومة تجاه الأسرى سلوك طبيعي وليس مصطنعا، وهي دعاية قوية للعالم لكي يحكم من يستحق فلسطين، وهذا مسمار في نعش إسرائيل وهذا يضاف إلى أن العالم كله سمع الرواية الفلسطينية بعد أن ظلت الرواية الصهيونية تحتكر الساحة الدولية. ولذلك طوفان الأقصى يريد تحرير فلسطين من الاحتلال.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر