«إنّ الفلسفة لم تنقذ أحدا.. ولئن كانت تُعلن المساواة بين الناس باسم الفلسفة، فباسمها أيضا تُعلن إبادتهم».

فرانز

«إنّ الاستشراق أسلوب غربي للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه والتسلّط عليه»

إدوارد سعيد

«نحن نتفاوض اليوم حول جغرافيتنا غدا سيكون ممكنا التفاوض حول ذاكرتنا وأوهامنا أيضا. ليس الغرب عدوّا لنا أعني ليس عدوّا لأسباب أصلية إنّه يحمل أوهامنا نفسها ولكنه يستخدمها ضدّنا».

فتحي المسكيني

المقدّمة:

حينما تينع صناعة التوحش ويعلو صوت القنابل فوق لغة العقل ذلك يعني أنّ خللا كبيرا قد أصاب شكل الحياة وأنّ العالم الذي انهار تحت أقدامنا بتفجيرات صاروخية كان قد أصابه الخراب في عقولنا في غفلة منّا ومنذ زمن طويل أيضا. إنّ الخطاب هو المكان الأوّل الذي يعدّ لأسباب الخراب أيضا. ذاك هو ما نحاول فهمه من خلال تفكيك الخطاب الاستشراقي حول الفنّ الإسلامي بوصفه قد هيّأ ودعم وبرّر خطّة الهيمنة الغربية على الشرق، التي نرى أفظع تجلياتها العسكرية اليوم في العدوان ضدّ غزّة. إنّ الفلسفة مطالبة أيضا بضرب من «الخطّة العسكرية» حتى لا تبقى مجرد تحذلق بين تلاميذ جيدين لأنساق أعلى من عقول الإنسانية التي تتألم والتي تنزف تحت الأنقاض والتي يتمّ دفن أطفالها في مقابر جماعية قبل أن يحلموا وقبل أن تصلهم بعض من فلسفتنا. أولئك الذين يقتلون في ديارهم هم أيضا يقتلون بسببنا ومن أجلنا وبدلا عنّا معا. لحمهم إنساني أيضا.. نيتشه يوصينا بالنسيان لكن عفوا زرادشت لا ينبغي أن ننسى..

سوف نشتغل في هذا المقال على الإشكالية التالية: من اخترع مفهوم الفنّ الإسلامي؟ أيّ تعبيرات للصدام بين الغرب والشرق؟ وفق أيّة إرادة حقيقة تمّ ذلك؟ وأية منزلة تمّ منحها لهذا الفنّ ضمن الخريطة الجمالية التي وقّعها الغرب تحت راية براديغم تاريخ الفنون؟

من أجل معالجة هذه الأسئلة نقسم هذه المداخلة إلى لحظات ثلاث: في الأولى نفحص مفهوم الفن الإسلامي والمفارقات التي يطرحها كمصطلح وليس كمضامين تاريخية. ونتوقف في اللحظة الثانية عند «جدل المستشرقين» حوله وخاصة ذاك الذي أثاره أولاج جرابار مناقشا جورج مرسياس. وننتهي ثالثا إلى تفكيك إرادة الحقيقة الذي أسّس لهذا الجدل.

1ـ في مفارقات المفهوم:

يُعتبر مفهوم الفنّ الإسلامي اختراعا غربيا يعود إلى هنري سالادن المستشرق والمهندس المعماري الفرنسي الذي تمّ تكليفه في بعثة رسمية من طرف فرنسا بدراسة الفنّ الإسلامي في تونس تحديدا، وذلك سنة 1882. وهذا التاريخ مهمّ جدّا؛ لأنّه اقترن بتاريخ ما يسمى معاهدة الحماية الفرنسية لتونس أي دخول الاستعمار الفرنسي إليها. وعليه فإنّ هذا التلازم بين السيطرة السياسية على المستعمرات والسيطرة المعرفية والجمالية هو الذي يثير التفكير ههنا. ذلك أنّ استعمار الجغرافيا يحتاج إلى استعمار للذاكرة أيضا. هكذا تمّ اختراع مفهوم الفن الإسلامي عبر إنجاز تنضيد نظري ضخم له من طرف المستشرق الفرنسي هنري سالادن داخل كتاب يضمّ أكثر من 600 صفحة تحت عنوان «الفن المسلم» (1907). وفيه تفصيل جمالي دقيق بكامل المعمار الإسلامي منذ 632 م، أي منذ تاريخ أوّل مسجد تمّ بناؤه في المدينة، وصولا إلى القرن 15 تاريخ سقوط الأندلس. (1492). وكان سالادن يقول عن الفنّ الإسلامي: إنّه فنّ ديني وإنّ المساجد هي الوثيقة المعمارية الإسلامية بامتياز عن هذا الفنّ. وهذا ما استأنفه المستشرق الفرنسي جورج مارسياس الذي تمّ تكليفه بإدارة متحف الآثار القديمة بالجزائر واشتغل أستاذا بجامعة الجزائر. وهو ما أنجزه أيضا في مؤلّف ضخم تحت العنوان نفسه «الفنّ المسلم» وذلك بتاريخ 1926 وهو يقول عن هذا المفهوم الإشكالي ما يلي: «لقد أعطينا لهذا الفنّ الكثير من التسميات الدقيقة ومنذ زمن كان الاسم الأكثر انتشارا هو الفنّ العربي لكن الفنّ الإسلامي ليس فنّ العرب، ذاك الشعب المترحّل الذي لا يملك أيّ ماض فنّي..إنّ اسم الفنّ الإسلامي يبدو هو الاسم الوحيد المقبول من وجهة نظر التاريخ والجغرافيا...وإذا ما استثنينا الفنّ الصيني ليس ثمّة أيّ أسلوب يملك مثل هذا الامتداد كالفنّ الإسلامي. إنّه يمتدّ من الهند والفرس وسوريا وفلسطين وتركيا ومصر وتونس والجزائر والمغرب وإسبانيا وصقلية.. لقد بدأ الفنّ الإسلامي بعد موت محمّد من أجل أن يندثر في القرنين 17 و18 بحسب البلدان».

2ـ «الفن الإسلامي» في جدل المستشرقين:

انطلاقا من ثمانينيات القرن العشرين، يستعيد المؤرخ الفرنسي والمختص في الأركيولوجيا أولاغ غرابار هذا المفهوم ويشتغل عليه في العديد من مؤلفاته خاصة كتاب كيف نفكّر في الفنّ الإسلامي وكتاب تكوين الفنّ الإسلامي. من هو أولاج جرابار؟ هو مستشرق فرنسي وعالم أركيولوجي قضى أكثر من أربعين سنة وهو يشتغل على مجال الفن الإسلامي كتابة وحفريات. ولقد شارك في العديد من البعثات العالمية التابعة لليونسكو في حفريات في سوريا ومصر وخاصة في فلسطين، وهو خاصّة المكلّف من طرف اليونسكو سنة 2001 بتفقّد الحفريات التي تقام بمنطقة قبّة الصخرة أي بالمسجد الأقصى في فلسطين. وهذا المعطى التاريخي مهمّ جدّا بالنسبة لنا. وسوف نعود إليه لاحقا.

أمّا عن الجدل الاستشراقي حول مفهوم الفن الإسلامي يدور في ظاهره حول فرق لغوي يبدو طفيفا لكنه يتضمن دلالة أساسية: هل من الأصحّ تسمية هذا الفنّ فنّا مسلما أو فنّا إسلاميّا ؟ وهنا نقطة الإشكال: هل ننسب هذا الفنّ إلى الدين أم إلى الثقافة ؟ أولاج جرابار يعترض على مفهوم «الفنّ المسلم» الذي اتفق حوله مارسياس مع سلادان، ويقترح مفهوم «فنّ إسلامي» اعتبارا وأنّ المقصود كلّ الأعمال الفنية التي ظهرت في الأصقاع التي كان الدولة فيها تحكم تحت راية الإسلام. يولد الجدل الاستشراقي إذن بين الإسلام الديني والإسلام الثقافي. وحينما يتمّ الوصل بين الفنّ والدين كما فعل مارسياس، فإنّ الفنّ الإسلامي سيبقى ممنوعا من الدخول باحة الحداثة الغربية التي يريد فلاسفتها إقناعنا دوما باستقلالية الفنّ عن الدين. لذلك نقرأ تحت قلم مارسياس النص الخطير التالي: «إنّه ابتداء من القرن 15 سيعيش هذا الفنّ على ذكرياته المشرقة... وإنّ الطريق الذي بقي أمامنا لم يبق لنا غير أعمال فنّية ثانوية. وسيكون علينا حتما وفي أكثر من مرّة أن نندم على الأبحاث التي أنجزناها خطوة خطوة من القرن التاسع إلى القرن 12، حيث الازدهار الموريسكي..» ماذا نفهم من هذا النص إذن؟ إنّه عدم اعتراف المستشرقين بقدرة «الفن الإسلامي» على الدخول مجال تاريخ الفنّ العالمي لإنسانية صمّمها الغرب على مركزية ثقافية غربية يكون فيها العقل الغربي هو مقياس الحقيقة والجمال والخير.

وهو ما نعثر عليه في النص التالي لجوج مارسياس يقول: «في بلدان الحماية هذه (تونس والمغرب) يواصل السكّان الأصليون حياتهم في كنف تقاليدهم الإسلامية، دون أن تتدخّل فيهم الإدارة الفرنسية ودون أن تدفع بهم نحو حضارتنا الفكرية والفنية التي لم ينضجوا من أجل فهمها أو تبنّيها».

في كتابه كيف نفكّر بالفنّ الإسلامي يقول أولاج جرابار عن مفهوم الفنّ الإسلامي: إنّ هذا المفهوم هو «ضرب من الشذوذ اللغوي الذي يفرض نفسه». كيف نفهم هذه المفارقة؟ يتعلق الأمر بجملة من الصعوبات التي يحصيها جرابار ونجمعها في النقاط التالية:

أوّلا: إنّ دراسة الفنون الإسلامية هي اختراع غربي من القرن التاسع عشر وهو اختراع قد تمّ في غياب المسلمين أنفسهم، هؤلاء الذين قد صمتوا منذ القرن الـ18 ودخلوا في قطيعة فكرية ونفسية مع الماضي الفنّي بخاصة. « لقد توقّف حوار العالم المسلم حول فنونه منذ القرن الـ18». ثمّ يبرّر ذلك قائلا: «ذلك أنّ الحق في التاريخ قد كان ضمنيا حقا خاصا بالإنسان الأوروبي وحده..بوصف التفوّق الغربي أمرا لا نزاع فيه».

ثانيا: أنّه قد تمّ وفق هذا المنظور الاستشراقي تعيين وظيفة دقيقة للفنّ الإسلامي: بوصفه قد خلق أشكالا هندسية وتشكيلات وألوان سوف تأسر لُبّ ماتيس..إنّ الأمر يتعلّق بنزعة إغرابية ممتعة».

ثالثا: من حقّ أيّ ذات أن تؤول الآثار الفنّية وفق حاجاتها الإستطيقية.

رابعا: أنّ آثار الفنّ الإسلامي هي آثار من الماضي أي أنّ الفن الإسلامي قد انتهى.

خامسا: إنّ الفنّ الإسلامي يجد خاصيته الجمالية في فنّ الزخرفة (وهو مصنف ضمن الفنون الدنيا في مقابل الفنون النبيلة). في هذا السياق تكتب الفيلسوفة الفرنسية المختصة في الفنون الشرقية كريستين بوسي جلوكسمان في كتابها فلسفة الزخرفة 2008 أنّ «هذا الفن الزخرفي والخطي الخاص بالإسلام هو بمثابة فلسفة الزخرفة أي فلسفة أولئك الذين قمعناهم».

3 ـ أيّة إرادة حقيقة وراء هذا الخطاب الاستشراقي حول الفنّ الإسلامي ؟

في المرحلة الزمانية نفسها التي كان فيها أولاج جرابار يواصل جدل المستشرقين حول الفنّ الإسلامي، يكتب إدوارد سعيد كتابه الضخم تحت عنوان «الاستشراق. الشرق الذي اخترعه الغرب «وفيه يعلن أنّ «الاستشراق أسلوب للخطاب أي للتفكير والكلام تدعمه مؤسسات ومفردات وبحوث علمية وصور ومذاهب فكرية بل وبيروقراطيات استعمارية وأساليب استعمارية». على ضوء هذا التعريف بوسعنا أن نفهم أيّة إرادة هيمنة على الذاكرة الشرقية، كانت قد نضّدت الخطاب الغربي حول الفنّ الإسلامي الذي أنجزه الغرب في غياب المسلمين، ومن أجل منعهم من الكلام عن أنفسهم معا. وهو ما أشار إليه ماركس ذات نص أحال عليه إدوارد سعيد يقول « إنّهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم ولا بدّ أن يمثّلهم أحد».

علينا أن نتوقف هنا قليلا عند العلاقة التي نظّمها الاستشراق بين الغرب والشرق. إنّ الغرب قد ذهب إلى الشرق لا من أجل حماية أعماله الفنية ومعماره ومدنه بل من أجل اختراع الغرب أيضا. ما حدث فعلا ليس اختراع الشرق بل «إزاحة الكيان الحقيقي للشرق» من أجل اختراع الغرب نفسه. يقول إدوارد سعيد: «إنّ الاستشراق أسلوب تفكير يقوم على التمييز الوجودي بين الشرق والغرب.. وهو مؤسسة اجتماعية للتعامل مع الشرق أي من أجل وصفه وتدريسه للطلبة وتسوية الأوضاع فيه والسيطرة عليه». وعليه يذهب إدوارد سعيد إلى أنّ «القول بالتفوق الغربي على التخلف الشرقي هو الذي اخترع الغرب». إنّ أهمّ ما نظفر به من هذه المقاربة للاستشراق هو أنّ الأمر لم يكن يتعلق باكتشاف الشرق الرومانسي والغرائبي والأسطوري بقدر ما كان يتعلق باختراع الغرب انطلاقا من استبعاد الشرق من دائرة التاريخ والحقيقة. فالفن الإسلامي ينتمي إلى الماضي إذن هو خرج عن الخطة الحيوية للتاريخ، وهو أيضا فقد القدرة على إبداع قيمه الخاصة لذلك هو صامت وخفي ومنسحب وهو لا يتكلم. وإن تكلّم أو تجلى يتمّ تصنيفه في فنون الزخرفة وهي فنون من الدرجة الثانية في استطيقا الغرب منذ كانط. ولقد تمّ إنجاز هذه السردية وفق خطة سياسية وابستمولوجية وجمالية دقيقة: لقد تمّ بحسب توصيف إدوارد سعيد فصل العالم المسيحي عن أصله الشرقي باختراع أصل يوناني وروماني أي اختراع آخر مناسب من أجل إقصاء الشرق من دائرة الحداثة الغربية. ما حدث هو إقصاء الفن الإسلامي من أجل بناء جماليات على الثقافة اليونانية والرومانية. في كتابه «نظام الخطاب» يقول فوكو: إنّ «الخطاب سلطة ومكان أُعدّ لممارسة هذه السلطة وبوصفه صراعات وانتصارات وجروح وسيطرات وعبوديات»، وإنّ إنتاج الخطاب يتمّ دوما في نطاق سلطة تراقب وتنظم وتوزع وتمنع وتستبعد..

انطلاقا من هذا التصور حول سلطة الخطاب يمكننا أن نستنتج كيف أنتج مفهوم الفنّ الإسلامي بوصفه قد انتظم وفقه سلطة خطاب المستشرقين خطابا كولونياليا غايته السيطرة على ذاكرة الشعوب الشرقية التي تمّ استعمارها من طرف الغرب. إنّ مفهوم الفن الإسلامي ومعظم الدراسات التي تمّ تنضيدها تحت رايته هو الوجه الآخر من الاستعمار الغربي ومن دون هذا الضرب من الاستيطان المعرفي لم يكن للغرب أن يعمّر طويلا في عقولنا..استعمار العقول والمعارف أخطر من الاستعمار الجغرافي الذي ينتهي بقوانين وقرارات سياسية في حين يستأنف الغرب حياته فينا من خلال السردية التي بناها حولنا. لا يتعلّق الأمر بالتلقي الغربي للفنون والمعارف الإسلامية بقدر ما يتعلّق بإرادة كولونيالية تجمّلها ابستمولوجيا القطيعة مع القرون الوسطى والموضوعية في العلم الحديث ومبدأ الاستقلالية في الاستطيقا الحديثة..

في مقابلة تمّت مع أولاج جرابار سنة 2010 (سنة قبل موته) يُطرح عليه السؤال التالي: «لقد اعتقدنا طويلا في مجال الحفريات التوراتية أنّنا سنجهد أنفسنا للعثور من خلالها على نقاط تأصيل موضوعية لسردية العهد القديم..لكن هذه السردية يتمّ الاعتراض عليها اليوم من أجل استبدالها بالحفريات الفلسطينية..فأي معنى إذن للفنّ الإسلامي؟». إنّ السؤال عن الفنّ الإسلامي إنّما يتنزّل إذن تحت راية سياسية صلب المعركة التي توقّعها اليوم دماء أطفال غزّة اليوم. ليس ثمّة أسئلة محايدة في جغرافياتنا الحزينة اليوم وإنّ الصراع اليهودي الإسلامي حول القدس، وحول قبة الصخرة التي تمّ تشييدها من طرف عبد الملك بن مروان 691 م التي يقال أنّه تم بناؤها فوق معبد سليمان، يدرك قمّة توحّشه وفظاعته.

المثير في هذه المقابلة هو صمت أولاغ غرابار عن هذا الصراع اليهودي الإسلامي على أرض فلسطين، وهذا الاحتلال المتوحش الذي انخرط رهنا منذ شهر ونيف في إبادة جماعية للفلسطينيين. إذن ليس مفهوم الفن الإسلامي مجرد مصطلح جمالي أو معرفي إنما هو مجال للتفكير في الجغرافيات السياسية الدموية والحروب الوحشية ضدّ شعب يريد استعادة ذاكرته وتحرير وطنه من آخر احتلال عالمي. يصمت إذن غرابار عن الشطر الكبير من السؤال ويكتفي بإجابة يشطب فيها مفهوم الفن الإسلامي نفسه قائلا «إنّ مفهوم الفنّ الإسلامي لم يعد له أيّ معنى لأنه لا يطابق أيّ واقع ولم يعد يملك أيّة صلاحية بل هو بصدد الاندثار..» هكذا إذن يخترع الغرب مفهوم الفن الإسلامي وهو أيضا من يوقّع نهايته، وذلك بحسب قول أولاغ غرابار « لأن المسلمين لا سلطة توحدهم ولا رأي يتفقون عليه..لأنّهم لا يملكون فاتيكان»..

لقد كتب أولاغ غرابار كتابا عنوانه قبة الصخرة 1996 وهو يعتبر أنّ هذه القبة هي جوهرة أورشليم، ويقول أنّها أوّل نموذج جمالي إسلامي ولا نظير لها، وأنّ قبة الصخرة هي أحد الأمثلة الخارقة للجماليات الإسلامية، ومن جهة أخرى هو معمار يعود من وجهة نظر طوبوغرافية إلى جذور عبرية، ومن وجهة نظر أسلوبية إلى العالم المسيحي..

خاتمة:

إنّ تفكيك الخطاب الاستشراقي حول الفن الإسلامي لا يعني الانخراط في أي ضرب من الوعي التعيس القائم على أخلاق الضغينة ضدّ الغرب؛ لأنّ ثقافة الكراهية والعداوة لا تنتج غير الخراب ونحن نعيش هذه الأيام هذا الخراب في أقصى تعبير وحشي له. يقول فرانز: «إنّ الزنجي عبد لدونيته والأبيض عبد لتفوّقه ويتصرّفان كلاهم وفقا لخطّ عصابي». أيّ خطاب يمكن أن يحرّرنا ؟ خطاب الهويّة أم خطاب الحرية؟ أم نحن مطالبون فقط بالأمل في «لقاء سليم « بين الشرق والغرب والأسود والأبيض والمتفوّق والتابع..؟ ما نحتاج إليه خطّة تربوية مغايرة من أجل اقتدار مغاير على أخذ الكلمة حول أنفسنا على نحو إيجابي ونشيط.

د. أم الزين بن شيخة كاتبة وأكاديمية تونسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إدوارد سعید قبة الصخرة حول الفن هذا الفن ة الصخرة من أجل من طرف

إقرأ أيضاً:

الغرب وروسيا.. إلى أين تتجه السياسة الخارجية للشرع؟

تُشكل الجغرافيا السياسية وقوانينها الضاغطة على الدول، التي تكون محور تنافس إقليمي ودولي عليها، تحديًا كبيرًا بالنسبة لسياساتها الخارجية. ويُصبح هذا التحدي مُضاعفًا عندما تكون هذه الدول خارجة للتو من صراع دمّرها وأفقدها سيادتها الوطنية وتتواجد على أراضيها العديد من القوات الأجنبية.

في حالة سوريا، فإن هذا النمط من تحدي الجغرافيا السياسية ليس غريبًا عنها في الواقع. فعلى مدى ما يقرب من عقد ونصفٍ من الحرب، كان عامل المنافسة الإقليمية والدولية مُهيمنًا على الأشكال الأخرى للصراع. وهذا الوضع يفرض هذا التحدي كأولوية رئيسية ينبغي التعامل معها للحد من مخاطرها على عملية التحول.

لقد أظهر الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حتى الآن قدرًا كبيرًا من الإدراك لتحدي الجغرافيا السياسية وحاجة سوريا إلى تجنب الانخراط السلبي فيها. على سبيل المثال، أبدى الشرع على نحو غير متوقع براغماتية لافتة في التعاطي مع ملف العلاقة مع روسيا ويُظهر استعدادًا لقبول مبدأ إقامة علاقة جيدة مع موسكو رغم دورها الحاسم في تشكيل موازين الصراع لصالح نظام المخلوع بشار الأسد بعد النصف الثاني من العقد الماضي.

وتبدو هذه البراغماتية مفهومة. فروسيا لا تزال تحتفظ بقاعدتين عسكريتين في سوريا، وحاجة إدارة الشرع إلى تكريس أركان السلطة الجديدة واستقرار الوضع الأمني يفرض عليه تجنب موقف عدائي مع موسكو يُمكن أن يجلب مخاطر غير مرغوب بها على عملية التحول.

إعلان

علاوة على ذلك، ينظر الشرع إلى مستقبل القواعد الروسية في سوريا كورقة لتحسين موقفه التفاوضي مع الغرب للحصول على قدر أكبر من الشرعية والدعم من جانب الغربيين.

مع ذلك، تظهر العلاقة مع كل من تركيا والسعودية كأحد المظاهر الرئيسية لمعضلة الجغرافيا السياسية الإقليمية المؤثرة بشكل أكبر على التحول السوري. إن اختيار الشرع للسعودية ثم تركيا كأول وجهتين خارجيتين له تعكس أولًا إدراكه الحاجة إلى تنويع الشراكات الإستراتيجية بين قوتين إقليميتين مُهمتين بالنسبة لسوريا، وثانيًا حرصه على تجنب التموضع الإقليمي في أحد المحاور.

ويبدو ذلك مفهومًا أيضًا. فتركيا هي شريك إستراتيجي طبيعي لسوريا الجديدة بحكم الجغرافيا ودعمها القوي للثورة السورية وحضورها الكبير ومُتعدد الأوجه في سوريا. لكن السعودية هي ركيزة العمق العربي، الذي يرغب الشرع في توجيه سوريا الجديدة نحوه، وهي بوابة للحصول على الدعم الاقتصادي السخي وإعادة الإعمار، فضلًا عن كونها تستطيع التأثير بشكل قوي على السياسات الغربية في سوريا.

على مستوى العلاقة مع الغرب، فمن الواضح أن اهتمام الشرع بإقامة علاقات جيدة مع الدول الغربية لا يقتصر فقط على حاجة سوريا إلى تفكيك العقوبات المفروضة عليها رغم أهمية هذا العامل.

فالولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بوجود عسكري في شمال شرق سوريا. والعلاقة الجيدة معها تُعظم من فرص التوصل إلى تفاهم يُفضي إلى الانسحاب الأميركي، ومعالجة مُعضلة ملف وحدات حماية الشعب الكردية التي تُشكل أكبر تهديد لوحدة الأراضي السورية.

كما أن التحدي الجديد الذي أضافه احتلال إسرائيل أجزاء من الأراضي السورية بعد سقوط النظام المخلوع يزيد من حاجة الشرع إلى مخاطبة الغرب للضغط على إسرائيل من أجل انسحابها من الأراضي التي احتلتها.

إن التعامل مع ملف الوجود العسكري التركي والأميركي والروسي والإسرائيلي يتطلب قدرًا كبيرًا من الحنكة في موازنة الشراكات الخارجية لسوريا الجديدة. ومثل هذه الموازنة لا تحدّ فحسب من مخاطر الضغط الذي تُشكله الجغرافيا السياسية على التحول السوري، بل تُوجد كذلك هامشًا قويا للشرع لتنويع الشراكات وتحفيز الفاعلين الإقليميين والدوليين على الانخراط الإيجابي في دعم التحول وإظهار أهمية واضحة للتعامل مع حاجة سوريا إلى إيجاد أطر تُعالج ملف الوجود العسكري الأجنبي على أراضيها بما يُمكنها من استعادة سيادتها الوطنية على كافة أراضيها.

إعلان

لقد أظهر مُعظم هؤلاء الفاعلين رغبتهم في إنجاح عملية التحول السوري، لكنّ هذه الرغبة لا تُخفي حقيقة أن التنافس الإقليمي والدولي على سوريا الجديدة سيظل عنصرًا مؤثرًا في تحديد سياقات التحول ومدى قدرتها على التعامل مع معضلة الجغرافيا السياسية.

في ضوء ذلك، يَظهر مساران مُحتملان لتحدي الجغرافيا السياسية على التحول السوري. يتمثل الأول في العناصر الضاغطة التي سيجلبها هذا التحدي على التحول إذا فشل الشرع في تحقيق موازنة دقيقة في الشراكات الجديدة على المستوى الإقليمي خصوصًا مع تركيا والسعودية.

كما أن قدرة تركيا والولايات المتحدة على التفاهم حول مستقبل الوحدات الكردية ستُحدد حجم الآثار السلبية لعوامل المنافسة الخارجية على سوريا.

ويتمثل المسار الثاني في تحول الجغرافيا السياسية إلى عنصر داعم للتحول إذا ما تمكنت تركيا والسعودية من تحقيق قدر كبير من الانسجام في سياستهما السورية وإدارة أهدافهما وطموحاتهما على قاعدة التعاون التنافسي، وإذا ما استطاع الشرع الموازنة بين علاقات ودية مع روسيا وعلاقات جيدة مع الغرب.

وتبدو مثل هذه الموازنة صعبة لكنها لا تبدو ضرورية بالنظر إلى أن ما يُمكن أن يُقدمه الغرب لسوريا تفوق أهميته ما يُمكن أن تُقدمه روسيا لها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الغرب وروسيا.. إلى أين تتجه السياسة الخارجية للشرع؟
  • ابتكار بولندي يغير مفهوم الروبوتات البشرية.. تعرّف على روبوت مطوّر بعضلات اصطناعية (شاهد)
  • قصة المعلم الإسباني الذي وقع في حب السعودية .. فيديو
  • هوغو بال والدادية: فن الفوضى أم فلسفة الحرية
  • إيران تتجه نحو إلغاء الانتخابات الرئاسية.. مقترح برلماني في طهران يسلط الضوء على مفهوم الديمقراطية الدينية
  • وزير الدفاع الروسي يهدد الغرب باللحظة الحاسمة للمواجهة
  • «الطريق إلى إكسبوجر».. يعيد تعريف مفهوم السرد الفوتوغرافي
  • من قتل فاضل البراك مدير مخابرات صدام حسين؟
  • محلل سياسي: نحتاج إلى عودة مفهوم الأمن القومي العربي
  • وزير الأوقاف: نمر بمرحلة حساسة تحتاج لاستعادة مفهوم الأمة الواحدة