دخلت المقاومة في غزة مع الاحتلال الصهيوني في هدنة مؤقّتة، وذلك لعدّة أيام، حسب وساطة الوسطاء الدوليين: قطر، ومصر، وأميركا، والتي قضت، بتسليم عدد من الأسرى من الطرفَين، وشروط أخرى ذُكرت تفاصيلها، فيما يتعلق بالمساعدات الإغاثية والحياتية.

ومثل هذه الاتفاقيات، أو الهدن، يدور حولها نقاش من الأطراف المختلفة، بين مؤيّد ومعارض، بين من يراها نصرًا للمقاومة، ومن يحاول أن يقلل من قيمة هذا النصر، ويريد أن يجعل النظرة دينية فقهية، من حيث المقارنة بين المكاسب القريبة، أو المحدودة الظاهرة، مقارنة بما تم في شهرٍ ونصف شهر مع هذا الكَم من التدمير والخراب على مستوى البشر والحجر.

يحاول بعض المنهزمين نفسيًا، أو المرجفين من أهل الإعلام- الذين لم يكن لهم هم ولا وظيفة سوى جلد المقاومة طوال الفترة الماضية، ومن قبل بدء الهدنة- تهيئة الناس للشعور بأنها هزيمة منكرة للمقاومة.

والفقهاء والعلماء ناقشوا قضية الهدنة، وموقف الشرع منها، سواء كانت هدنة قصيرة أم هدنة طويلة، ولو كانت مع المحتل الغاصب للأرض، ما دامت لن تكون هدنة دائمة تعترف له بامتلاك ما احتلّ من أرض أو مقدسات، وقد ضرب لنا القرآن الكريم، والسيرة النبوية المطهرة نموذجًا لهذه الهدنة التي تعقد مع العدو.

رأينا دلالات تحملها هذه الهدنة من نصر المقاومة، من خروج أسرى من السجون، لم يكن لهم أمل في الخروج مطلقًا، إلا بهذه الهدنة، وتبادل الأسرى، ورأينا الاحتفال من الأسرى الفلسطينيين بعد الخروج

تسمية القرآن الهدنة نصرًا

عندما تحدث القرآن الكريم عن الهدنة التي أقامها النبي- صلى الله عليه وسلم- مع كفار قريش، أطلق عليها لفظ: الفتح، فقال تعالى: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا)، وسمى الله السورة: سورة الفتح؛ رغم أنها كانت تتحدث عن صلح الحديبية، وهو هدنة مؤقتة بين النبي- صلى الله عليه وسلم- والمشركين.

وقد غاب معنى أنَّ الهدنة نصر عند بعض الصحابة، فتعجبوا عندما نزلت الآية الكريمة: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا)، وقد كان من بين السائلين عن ذلك عمر بن الخطاب، فقد روت كتب السنة، ما ذكره الصحابة، حين قالوا: شهدنا الحديبية مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما انصرفنا عنها، إذا الناس يوجفون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله، قال: فخرجنا نوجف مع الناس حتى وجدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- واقفًا عند كراع الغميم، فلما اجتمع إليه بعض من يريد من الناس قرأ عليهم: (إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا) الفتح: 1، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ‌أفتح ‌هو؟ قال: "والذي نفسي بيده إنه لفتح".

وقد لخّص الإمام ابن القيم كيف كانت هذه الهدنة نصرًا، فقال: (بيّن سبحانه حكمة ما كرهوه عام الحديبية من صد المشركين لهم، حتى رجعوا ولم يعتمروا، وبيّن لهم أن مطلوبهم يحصل بعد هذا، فحصل في العام القابل، وقال سبحانه: (فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)، وهو صلح الحديبية، وهو أول الفتح المذكور في قوله: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا).

فإن بسببه حصل من مصالح الدين والدنيا والنصر، وظهور الإسلام، وبطلان الكفر ما لم يكونوا يرجونه قبل ذلك، ودخل الناس بعضهم في بعض، وتكلم المسلمون بكلمة الإسلام وبراهينه وأدلته جهرة لا يخافون، ودخل في ذلك الوقت في الإسلام قريب ممن دخل فيه إلى ذلك الوقت، وظهر لكل أحد بغْي المشركين وعداوتهم وعنادهم، وعلم الخاص والعام أن محمدًا وأصحابه أولي الحق والهدى، وأن أعداءهم ليس بأيديهم إلا العدوان والعناد).

بعض دلائل النصر في هدنة غزة

ما يمكن أن نراه في هدنة المقاومة في غزة مع العدو، من بعض دلالات النصر القريب، ولا نقول النصر الكامل أو النهائي، فهذا أمل منشود، ولكنه من المبكر الجزم أو التكهن به الآن، وإن بدت بعض دلائله، ولاحت في الأفق أمارات عدة له:

الهدنة تعد فرصة لالتقاط الأنفاس، وترتيب الصفوف، وإعادة تأهيل النفوس والناس لما مضى من جرائم الحرب، وما سيأتي من صعاب، لكنها تعطي أصحاب الحق هذه البحبوحة من الاستعداد، وترتيب الأوراق، وشحذ الهمم، ومداواة الجروح المادية والمعنوية لدى أهل غزة.

وقد رأينا دلالات تحملها هذه الهدنة من نصر المقاومة، من خروج أسرى من السجون، لم يكن لهم أمل في الخروج مطلقًا، إلا بهذه الهدنة، وتبادل الأسرى، ورأينا الاحتفال من الأسرى الفلسطينيين بعد الخروج، ومن أهلهم، رغم ما حاوله الاحتلال لمنع ذلك، وفي المقابل لم نجد هذه الفرحة على إعلام الكيان لعودة أسراه، فلا احتفاءَ، ولا ظهورَ إعلاميًا، ولا مقابلات عامة، والصور بين الفريقين تحمل أصدق وأقوى دلالات النصر والثبات.

ما حملته دلالات صور الأسرى الذين عادوا للاحتلال، من نصر أخلاقي للمقاومة، بل ورد عملي ومعلن، على كل الأكاذيب التي روّجها إعلام الكيان، والإعلام الغربي المتحيز، والكاذب عن عمد، ضد المقاومة، من ادعاء قتل الأطفال، واغتصاب النساء، لنرى صور الأطفال تودع رجال المقاومة بابتسامة لا يمكن أن تكذب، وكذلك تلك التي عبّرت عن الأسيرات، من إشارات الوداع، التي لا تكذب في دلالاتها، ولا تخفى الدلالات الأخرى المهمة في هذه المشاهد وغيرها، وهي تحتاج لحديث منفصل.

حذر واجب

أما الحذر الواجب في هذه الهدنة، فيتمثل في الحذر من العدو الذي يواجهه الفلسطينيون، فهو عدو لا خلاق له، ولاحظ الجميع أنه يعلن مع الهدنة أنه سيستأنف بعدها مباشرة الهدم والقتل والحرب، ربما هذه عبارات المنكسر، لكنها عبارات عدو مارس حروبًا كلها لم تكن تتسم بالإنسانية أو الأخلاقية، فليس غريبًا عليه ما يقوم به، ولن يكفّ عنه.

والحذر ليس مطلوبًا من المقاومة فقط، بل من جماهيرها كذلك، فالهدنة هي استراحة محارب، وليست خمولًا يتبعه برود، بل يتبعه نشاط دؤوب، فإذا كانت المقاومة قد بذلت جهدها، وقامت بما تقدر عليه، فإن الجماهير أمامها مجال طويل للعمل أيضًا، سواء على مستوى التواصل الشعبي والإعلامي، أم في مجال المقاطعة، وكل مجال تملك فيه العمل.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم هذه الهدنة رسول الله

إقرأ أيضاً:

بقي في عين الخطر.. هكذا تحدّث نائب حزب الله عن القياديّ أبو نعمة

أكد عضو كتلة" الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله أنَّ "اغتيال العدو للقائد المجاهد محمد نعمة ناصر "أبو نعمة"، لن يدفع المقاومة إلى التراجع، ولن يُضعف إرادتها وقرارها بمواصلة التصدي للاحتلال، أو يجعلها تخفِّف من الضغط عن الجبهة الشمالية، بل على العكس تمامًا، فإنَّ الفاتورة تكبر مع هذا العدو الذي لا خيار معه سوى المقاومة، ولا خيار أمامه سوى وقف عدوانه على غزة.   ولفت فضل الله إلى أن "المقاومة ستزيد من وتيرة ضغطها على العدو، وسيكون لها ردها العقابي على جريمته، ليفهم هذا العدو أنَّ يد المقاومة طويلة، وقادرة على تعقِّب جيشه، وهو الذي لم يتعلَّم من كل تجارب الماضي بأنَّ اغتيال القادة والمقاومين لن يزيد هذه المقاومة إلّا إصرارًا على مواصلة جهادها، وعلى بناء القدرات، وهي ولَّادة كفاءات وقيادات، لأنَّ هؤلاء القادة ربُّوا أجيالًا من المقاومين".

وخلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه "حزب الله" لشهيده عبد الأمير عسيلي في "مجمع المجتبى" في الضاحية الجنوبية بحضور لفيف من العلماء وجمع من الأهالي، قال فضل الله إن "لبنان قدَّم  من خلال مقاومته البطولية قائدًا جديدًا شهيدًا على طريق القدس لينضم إلى رفيقي دربه الحاج أبو طالب والحاج جواد الطويل، وبقية رفاقهم  الشهداء"، وأضاف: "أمثال أبو نعمة لا يتركون الميدان مهما كانت المخاطر والتحديات، بل يبقون مع المقاومين على خطوط المواجهة، وهو الذي كان يعرف أنَّه هدفٌ للعدو، ومنذ تسعة أشهر لم يغادر ميدان القتال، وبقي في عين الخطر، والتنقُّل بين صفوف المقاومين وعلى الجبهات".   وأضاف: "إنّ المقاومة في لبنان الحاضرة بقوة وفاعلية في مساندة الشعب الفلسطيني في غزة، وفي الدفاع عن بلدها، هي دائمًا جاهزة ومستعدّة ومتحفزة للتعامل مع أي تطور بأي اتجاه كان، وهي التي فرضت على العدو إيقاع الحرب وفق الأهداف التي رسمتها لمساندة غزة والدفاع عن بلدها، وهي تتعاطى مع كلِّ مرحلة وفق ما تحتاجه من أساليب ووسائل للمواجهة، ولئن كان الحديث يدور اليوم حول مرحلة ثالثة من الحرب الاسرائيلية على غزة، فإنّ المقاومة في لبنان لا تحدِّد موقفها من أي مرحلة بناءً على فرضيات أو احتمالات، بل بناءً على وقائع ومسارات وتطورات، وعندما يتطلَّب الأمر موقفًا ما يُعلن في حينه، وحسب ما تقدِّره المقاومة من مصلحة لبلدها وللقضية التي تدافع عنها".

وأشار النائب فضل الله إلى أنَّ "جبهتنا في لبنان كانت جبهة مساندة، وقد نجحت في ممارسة ضغط كبير على القدرات العسكرية الاسرائيلية، وعلى المستوطنين، وعلى أوجه الحياة المختلفة في كيان العدو، وهو ما جعل قادة العدو يعترفون بأنَّ تجنب الحرب مع حزب الله هو سبب رئيسي كي توقف اسرائيل حربها على غزة".

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال يشتكي من نقص الذخائر ويريد هدنة في غزة
  • بقي في عين الخطر.. هكذا تحدّث نائب حزب الله عن القياديّ أبو نعمة
  • حتى لا ننسى غزة
  • جنرالات إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار فى غزة
  • دوام الحال من المحال
  • باحث: خلافات بين المستويين السياسي والأمني في إسرائيل تؤجل إعلان الهدنة
  • الحاج حسن: العدو الصهيوني أدرك أن أي حماقة قد يرتكبها ضد لبنان سترتد عليه سلبًا
  • حركات المقاومة: الانتهاكات المروعة بحق الأسرى المحررين تكشف السلوك الإجرامي للعدو الإسرائيلي والأمريكي
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • رئيسة المفوضية الأوروبية: فتحنا فصلا جديدا في الشراكة.. واستقرار مصر مهم للمنطقة